للتّونسي تاريخ طويل مع الفساد انطلق تقريبا منذ نهاية الثمانينات حينما بدأ العجز يسيطر على الزعيم بورقيبة بحكم السنّ حيث كثر الطامعون بالحكم وتأثرت مختلف أجهزة الرقابة وبدأت مظاهر الفساد بنوعيه الصغير والكبير تظهر في أكثر من مؤسسة. وبعد 1986 ومع بداية ما سمّي حينها بالتغيير استعادت الدولة هيبتها وأعيد مارد الفساد إلى قمقمه وحقّقت البلاد أرقاما مهمة في التنمية واستعادت الإدارة نجاعتها .
لكن هذه الفترة لم تدم طويلا حيث عاد الفساد للكشف على نفسه وبوجه مكشوف بداية من أواسط التسعينات وهذه المرة كان أكثر حدة وبحماية الدولة نفسها التي أصبحت بمثابة كعكة للعائلة الحاكمة التي استثرت مقابل تفقير الشعب وتفليس الشركات الكبرى التي رفضت دخول بيت الطاعة الفاسد.
وهذا ما عجّل بقيام الثورة على الفساد ورموزه.
لكن هذه الثورة على المفسدين لم تنجح سوى في تفشي هذه الآفة وتحوّلها الى سرطان سرعان ما انتشر في كل المؤسسات والقطاعات بعد أن كان حكرا على فئة معينة.
هذا الانتشار السريع حوّل الفساد الى ثقافة وبدأ عدد كبير من التونسيين يطبّعون معه ويستعملونه وسيلة لقضاء الشؤون اليومية وفي إدارة المشاريع ومراكمة الثروة.
واليوم تخوض الدولة حربا حقيقية على الفساد بكل معانيه .
فما هي مآلات هذه الحرب؟ وفيما تختلف عن سابقاتها؟ وما دور الحاضنة الإدارية والشعبية في هذه الحرب؟
أنواع الفساد..
يقسّم الفساد لواحد يسمّى الأصغر والأخر ويوصف بالأكبر وهما نوعان يختلفان في مدى تأثيرهما وحجم الأضرار التي يسببانها للمجتمع.
فالفساد الأصغر (Corruption de l agent public) يتمثل في الانتهاكات الصغيرة التي تحدث غالباً في التعاملات اليومية، ويشمل الفساد الذي يكون على مستوى الأفراد أو المسؤولين الصغار. وهو عادةً ما يتعلق بالرشاوى أو المدفوعات غير الرسمية للحصول على خدمات حكومية أو تسهيلات معينة، مثل:
*دفع رشوة لتسريع خدمة عامة (كالحصول على وثيقة إدارية).أو تفادي عقوبة (المخالفات المرورية مثلا)
والفساد الأصغر يعدّ أكثر انتشارا في الدول النامية ويؤثّر بشكل مباشر على المواطنين في حياتهم اليومية.
أمّا الفساد الأكبر (corruption de l agent privé) فهو الذي يمارس على مستوى أعلى في السلطة أو الحكومة وداخل أجهزة الرقابة نفسها. ويرتبط هذا النوع عادةً بمسؤولين كبار في الدولة أو في الشركات الكبرى ويشمل صفقات ضخمة(الصفقات العمومية ) واستغلالاً واسع النطاق للسلطة لتحقيق مكاسب شخصية. وتأثيراته أكبر بكثير على الاقتصاد والمجتمع، و يشمل:
*اختلاس الأموال العامة أو سوء استغلال الموارد الحكومية.
*التلاعب بالعقود الحكومية أو المشاريع الكبيرة لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
والفساد الأكبر على عكس الأصغر غالباً ما يكون أقل وضوحًا للناس، ولكنه يسّبب أضرارًا كبيرة على مستوى الاقتصاد الوطني ويضعف المؤسسات الاقتصادية.(حالة اغلب المؤسسات العمومية و المصادرة بتونس)
لكن هنالك فساد ثالث وهو غير محسوس ويصيب البلد بالشلل ويتمثل في المضاربة بالأسعار والاحتكار وكذلك يظهر في سلوك الموظفين والعمّال من تواكل وغيابات غير مبررة والتضامن القطاعي الأعمى .
شعارات أم حرب حقيقية ؟
كل الحكومات منذ الثورة ولغاية 25جويلية 2021 تمّ رفع شعار مقاومة الفساد وكذلك اتخذ هذا الشعار في الحملات الانتخابية للسياسيين والأحزاب لكن الشعارات بقيت دون تنفيذ بل إن مقاومة الفساد استعملت في وقت ما لابتزاز رجال الأعمال والترهيب بما يسمّى بتكوين الملفات وتلفيقها. وبالتالي فعدم الاستقرار السياسي والتوافقات المغشوشة وتداخل الاقتصادي بالسياسي بالإداري كلها عوامل جعلت الفساد ينتعش بشعار مقاومة الفساد ذاته وهو ما جعل التونسيون يطبّعون مع الفساد مثلما قلنا. والأهم من كل ذلك هو غياب الإرادة السياسية الحقيقية في القضاء على هذا الداء. فأصبح الفاسدون هم من يخطّون سياسات الدولة (مشاريع تمرّر على المقاس في البرلمان وأصوات تباع وتشترى بالملايين من أجل مصالح ذاتية أو ضرب خصوم ...) وبالتوازي مع ذلك انتعش الفساد الأصغر بحماية من حماة الفساد الأكبر. وطوّعت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لخدمة جهات معينة وحادت عن أهدافها الحقيقية وتحوّلت الى آلة غسيل لتنظيف المفسدين وإدانة الشرفاء.
وبعد 25 جويلية 2021 تغيّر الشعار من مقاومة الفساد إلى محاربته ولهذا دلالاته التي ترجمت على أرض الواقع سريعا حيث تحررت أجهزة الرقابة والقضاء وأصبحت تشتغل دون مطبّات أو محرّمات بعد توفّر الإرادة السياسية من أعلى هرم السلطة. والنتيجة هي مئات القضايا وعشرات الموقوفين من رجال أعمال وإطارات عليا في البنوك والوزارات وهو فيض من غيض.
هذه الرجّة وتحوّل شعار الحرب على الفساد إلى قصف لأوكاره قابله التونسيون بارتياح كبير وبدأ بالتالي يفقد حاضنته في الإدارات والوزارات والمؤسسات العمومية والمطلوب هو أن تتحوّل هذه الحرب التي قد تكون خاطفة وموجهة الى إستراتيجية دائمة للقضاء على الفساد وضمان عدم سيطرته مجددا على مفاصل الدولة. وهذه الإستراتيجية لابد أن تبنى على:
- تعزيز الشفافية والمساءلة بحيث يجب أن تكون المؤسسات الحكومية والمجتمعية شفافة في تعاملاتها المالية والإدارية. وتفعيل قانون التصريح بالممتلكات وفق آليات جديدة تشمل المسؤول وأفراد عائلته المقربون.
- تقوية النظام القضائي:فضمان استقلالية القضاء هو خطوة أساسية، حتى يتمكن من معالجة قضايا الفساد بشكل عادل وفعال. ويجب أن تكون المحاكم قوية ومستقلة عن أي تأثير سياسي لضمان محاكمة عادلة للمشتبه بهم في قضايا الفساد.
- سن قوانين صارمة لمكافحة الفساد وتطبيق العقوبات على الفساد، سواء كان في القطاعين العام أو الخاص، يجب أن يكون دون استثناءات.
- تعزيز دور مؤسسات الرقابة كمحكمة المحاسبات وإعادة هيئة مكافحة الفساد بآليات وقوانين جديدة.
- رقمنة المعاملات من خلال استعمال الأنظمة الإلكترونية التي تقلّص من التدخل البشري في العمليات الإدارية، ما يساعد في التصدي للرشوة والمحسوبية. فهذه الإرادة توفر مستويات عالية من الشفافية والكفاءة في كل التعاملات. وهو ما أثبتته بعض التجارب التي اعتمدت في بعض المؤسسات .
- تعزيز حرية الصحافة والإعلام حيث تلعب دورًا هامًا في كشف الفساد. وبالتالي وجب حماية الصحفيين وتشجيع التحقيقات الصحفية في قضايا الفساد، وضمان عدم تعرضهم لأية تهديدات أو مضايقات بسبب عملهم.
مكافحة الفساد لن تؤتي أكلها بالمقاربة الأمنية والقضائية فقط وإنما بزرع قيم الأمانة والمسؤولية في الأجيال الجديدة من خلال التعليم والتنشئة على الأخلاق. وتغيير طريقة التفكير، ورفع مستوى الوعي بقيمة النزاهة والشفافية في المجتمع. وكذلك مقاومة سلوك الربح السهل والتواكل. ومن المهم غرس ثقافة العمل كسبيل وحيد للاستقرار الاجتماعي ومراكمة الثروة.
وعموما فمكافحة الفساد تتطلب جهدًا مشتركًا بين مختلف أجهزة الدولة وبين الأجسام الوسيطة من إعلام ومجتمع مدني لأننا لا يجب أن ننسى أن الفساد الأصغر مازال بعيدا عن نيران هذه الحرب ومقاومته تتطلب جهودا مضاعفة خاصة من المواطن المتضرر المباشر منه ومن المراقبين الإداريين. وعلى الوزارات أن تضع أرقاما مجانية للتبليغ عن الفساد أو التجاوزات مثلما فعلت وزارة التربية مؤخرا. وكذلك تعميم كاميروات المراقبة في الإدارات وفي الطرقات وفي كل مكان يمكن أن يكون مصدرا للفساد والإفساد.
أرقام حول الظاهرة:
- الفساد يكلف الدولة التونسية سنويا بين 2و3% من الناتج المحلي.
- في عام 2023، تم تصنيف تونس في المرتبة 87 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد (CPI) الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية. وقد حققت تونس درجة 40 من 100، وهي نفس الدرجة التي حصلت عليها في عام 2014 وعام 2022. ورغم التراجع مقارنةً بسنوات سابقة حيث كانت تحصل على درجات أعلى (44/100)، فإن تونس تتقدم على دول مثل المغرب (97)، الجزائر (104)، ومصر (108) لكن من المنتظر أن يتحسّن هذا الترتيب كثيرا خلال السنة الحالية 2024.
- متوسط الدرجات العالمية كان في حدود 43/100، مما يشير إلى أن الفساد ما زال يمثل تحديًا كبيرًا على مستوى العالم.
- في تقرير 2023 احتلت الدانمارك المرتبة الأولى كأقل الدول فسادًا بدرجة 90/100. تليها فنلندا ونيوزيلندا بدرجات 87 و85 على التوالي.
- في عام 2023، حصلت سويسرا على 82 نقطة من أصل 100 في مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، مما يضعها بين الدول ذات الأداء العالي من حيث الشفافية ومكافحة الفساد. يُظهر هذا التصنيف مستوى منخفضاً جداً من الفساد في القطاع العام، وهي من أفضل الدول في هذا المجال عالمياً مقارنة بالمعدل العالمي الذي يبلغ 43 نقطة. وهذه النتائج كانت بفضل القوانين الصارمة والموجهة في هذا المجال والتي كانت ملهمة لدول أخرى.
-الدول الأقل شفافية تشمل الصومال (11/100)، جنوب السودان، وسوريا.
بقلم:ريم بالخذيري
للتّونسي تاريخ طويل مع الفساد انطلق تقريبا منذ نهاية الثمانينات حينما بدأ العجز يسيطر على الزعيم بورقيبة بحكم السنّ حيث كثر الطامعون بالحكم وتأثرت مختلف أجهزة الرقابة وبدأت مظاهر الفساد بنوعيه الصغير والكبير تظهر في أكثر من مؤسسة. وبعد 1986 ومع بداية ما سمّي حينها بالتغيير استعادت الدولة هيبتها وأعيد مارد الفساد إلى قمقمه وحقّقت البلاد أرقاما مهمة في التنمية واستعادت الإدارة نجاعتها .
لكن هذه الفترة لم تدم طويلا حيث عاد الفساد للكشف على نفسه وبوجه مكشوف بداية من أواسط التسعينات وهذه المرة كان أكثر حدة وبحماية الدولة نفسها التي أصبحت بمثابة كعكة للعائلة الحاكمة التي استثرت مقابل تفقير الشعب وتفليس الشركات الكبرى التي رفضت دخول بيت الطاعة الفاسد.
وهذا ما عجّل بقيام الثورة على الفساد ورموزه.
لكن هذه الثورة على المفسدين لم تنجح سوى في تفشي هذه الآفة وتحوّلها الى سرطان سرعان ما انتشر في كل المؤسسات والقطاعات بعد أن كان حكرا على فئة معينة.
هذا الانتشار السريع حوّل الفساد الى ثقافة وبدأ عدد كبير من التونسيين يطبّعون معه ويستعملونه وسيلة لقضاء الشؤون اليومية وفي إدارة المشاريع ومراكمة الثروة.
واليوم تخوض الدولة حربا حقيقية على الفساد بكل معانيه .
فما هي مآلات هذه الحرب؟ وفيما تختلف عن سابقاتها؟ وما دور الحاضنة الإدارية والشعبية في هذه الحرب؟
أنواع الفساد..
يقسّم الفساد لواحد يسمّى الأصغر والأخر ويوصف بالأكبر وهما نوعان يختلفان في مدى تأثيرهما وحجم الأضرار التي يسببانها للمجتمع.
فالفساد الأصغر (Corruption de l agent public) يتمثل في الانتهاكات الصغيرة التي تحدث غالباً في التعاملات اليومية، ويشمل الفساد الذي يكون على مستوى الأفراد أو المسؤولين الصغار. وهو عادةً ما يتعلق بالرشاوى أو المدفوعات غير الرسمية للحصول على خدمات حكومية أو تسهيلات معينة، مثل:
*دفع رشوة لتسريع خدمة عامة (كالحصول على وثيقة إدارية).أو تفادي عقوبة (المخالفات المرورية مثلا)
والفساد الأصغر يعدّ أكثر انتشارا في الدول النامية ويؤثّر بشكل مباشر على المواطنين في حياتهم اليومية.
أمّا الفساد الأكبر (corruption de l agent privé) فهو الذي يمارس على مستوى أعلى في السلطة أو الحكومة وداخل أجهزة الرقابة نفسها. ويرتبط هذا النوع عادةً بمسؤولين كبار في الدولة أو في الشركات الكبرى ويشمل صفقات ضخمة(الصفقات العمومية ) واستغلالاً واسع النطاق للسلطة لتحقيق مكاسب شخصية. وتأثيراته أكبر بكثير على الاقتصاد والمجتمع، و يشمل:
*اختلاس الأموال العامة أو سوء استغلال الموارد الحكومية.
*التلاعب بالعقود الحكومية أو المشاريع الكبيرة لتحقيق مكاسب غير مشروعة.
والفساد الأكبر على عكس الأصغر غالباً ما يكون أقل وضوحًا للناس، ولكنه يسّبب أضرارًا كبيرة على مستوى الاقتصاد الوطني ويضعف المؤسسات الاقتصادية.(حالة اغلب المؤسسات العمومية و المصادرة بتونس)
لكن هنالك فساد ثالث وهو غير محسوس ويصيب البلد بالشلل ويتمثل في المضاربة بالأسعار والاحتكار وكذلك يظهر في سلوك الموظفين والعمّال من تواكل وغيابات غير مبررة والتضامن القطاعي الأعمى .
شعارات أم حرب حقيقية ؟
كل الحكومات منذ الثورة ولغاية 25جويلية 2021 تمّ رفع شعار مقاومة الفساد وكذلك اتخذ هذا الشعار في الحملات الانتخابية للسياسيين والأحزاب لكن الشعارات بقيت دون تنفيذ بل إن مقاومة الفساد استعملت في وقت ما لابتزاز رجال الأعمال والترهيب بما يسمّى بتكوين الملفات وتلفيقها. وبالتالي فعدم الاستقرار السياسي والتوافقات المغشوشة وتداخل الاقتصادي بالسياسي بالإداري كلها عوامل جعلت الفساد ينتعش بشعار مقاومة الفساد ذاته وهو ما جعل التونسيون يطبّعون مع الفساد مثلما قلنا. والأهم من كل ذلك هو غياب الإرادة السياسية الحقيقية في القضاء على هذا الداء. فأصبح الفاسدون هم من يخطّون سياسات الدولة (مشاريع تمرّر على المقاس في البرلمان وأصوات تباع وتشترى بالملايين من أجل مصالح ذاتية أو ضرب خصوم ...) وبالتوازي مع ذلك انتعش الفساد الأصغر بحماية من حماة الفساد الأكبر. وطوّعت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد لخدمة جهات معينة وحادت عن أهدافها الحقيقية وتحوّلت الى آلة غسيل لتنظيف المفسدين وإدانة الشرفاء.
وبعد 25 جويلية 2021 تغيّر الشعار من مقاومة الفساد إلى محاربته ولهذا دلالاته التي ترجمت على أرض الواقع سريعا حيث تحررت أجهزة الرقابة والقضاء وأصبحت تشتغل دون مطبّات أو محرّمات بعد توفّر الإرادة السياسية من أعلى هرم السلطة. والنتيجة هي مئات القضايا وعشرات الموقوفين من رجال أعمال وإطارات عليا في البنوك والوزارات وهو فيض من غيض.
هذه الرجّة وتحوّل شعار الحرب على الفساد إلى قصف لأوكاره قابله التونسيون بارتياح كبير وبدأ بالتالي يفقد حاضنته في الإدارات والوزارات والمؤسسات العمومية والمطلوب هو أن تتحوّل هذه الحرب التي قد تكون خاطفة وموجهة الى إستراتيجية دائمة للقضاء على الفساد وضمان عدم سيطرته مجددا على مفاصل الدولة. وهذه الإستراتيجية لابد أن تبنى على:
- تعزيز الشفافية والمساءلة بحيث يجب أن تكون المؤسسات الحكومية والمجتمعية شفافة في تعاملاتها المالية والإدارية. وتفعيل قانون التصريح بالممتلكات وفق آليات جديدة تشمل المسؤول وأفراد عائلته المقربون.
- تقوية النظام القضائي:فضمان استقلالية القضاء هو خطوة أساسية، حتى يتمكن من معالجة قضايا الفساد بشكل عادل وفعال. ويجب أن تكون المحاكم قوية ومستقلة عن أي تأثير سياسي لضمان محاكمة عادلة للمشتبه بهم في قضايا الفساد.
- سن قوانين صارمة لمكافحة الفساد وتطبيق العقوبات على الفساد، سواء كان في القطاعين العام أو الخاص، يجب أن يكون دون استثناءات.
- تعزيز دور مؤسسات الرقابة كمحكمة المحاسبات وإعادة هيئة مكافحة الفساد بآليات وقوانين جديدة.
- رقمنة المعاملات من خلال استعمال الأنظمة الإلكترونية التي تقلّص من التدخل البشري في العمليات الإدارية، ما يساعد في التصدي للرشوة والمحسوبية. فهذه الإرادة توفر مستويات عالية من الشفافية والكفاءة في كل التعاملات. وهو ما أثبتته بعض التجارب التي اعتمدت في بعض المؤسسات .
- تعزيز حرية الصحافة والإعلام حيث تلعب دورًا هامًا في كشف الفساد. وبالتالي وجب حماية الصحفيين وتشجيع التحقيقات الصحفية في قضايا الفساد، وضمان عدم تعرضهم لأية تهديدات أو مضايقات بسبب عملهم.
مكافحة الفساد لن تؤتي أكلها بالمقاربة الأمنية والقضائية فقط وإنما بزرع قيم الأمانة والمسؤولية في الأجيال الجديدة من خلال التعليم والتنشئة على الأخلاق. وتغيير طريقة التفكير، ورفع مستوى الوعي بقيمة النزاهة والشفافية في المجتمع. وكذلك مقاومة سلوك الربح السهل والتواكل. ومن المهم غرس ثقافة العمل كسبيل وحيد للاستقرار الاجتماعي ومراكمة الثروة.
وعموما فمكافحة الفساد تتطلب جهدًا مشتركًا بين مختلف أجهزة الدولة وبين الأجسام الوسيطة من إعلام ومجتمع مدني لأننا لا يجب أن ننسى أن الفساد الأصغر مازال بعيدا عن نيران هذه الحرب ومقاومته تتطلب جهودا مضاعفة خاصة من المواطن المتضرر المباشر منه ومن المراقبين الإداريين. وعلى الوزارات أن تضع أرقاما مجانية للتبليغ عن الفساد أو التجاوزات مثلما فعلت وزارة التربية مؤخرا. وكذلك تعميم كاميروات المراقبة في الإدارات وفي الطرقات وفي كل مكان يمكن أن يكون مصدرا للفساد والإفساد.
أرقام حول الظاهرة:
- الفساد يكلف الدولة التونسية سنويا بين 2و3% من الناتج المحلي.
- في عام 2023، تم تصنيف تونس في المرتبة 87 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد (CPI) الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية. وقد حققت تونس درجة 40 من 100، وهي نفس الدرجة التي حصلت عليها في عام 2014 وعام 2022. ورغم التراجع مقارنةً بسنوات سابقة حيث كانت تحصل على درجات أعلى (44/100)، فإن تونس تتقدم على دول مثل المغرب (97)، الجزائر (104)، ومصر (108) لكن من المنتظر أن يتحسّن هذا الترتيب كثيرا خلال السنة الحالية 2024.
- متوسط الدرجات العالمية كان في حدود 43/100، مما يشير إلى أن الفساد ما زال يمثل تحديًا كبيرًا على مستوى العالم.
- في تقرير 2023 احتلت الدانمارك المرتبة الأولى كأقل الدول فسادًا بدرجة 90/100. تليها فنلندا ونيوزيلندا بدرجات 87 و85 على التوالي.
- في عام 2023، حصلت سويسرا على 82 نقطة من أصل 100 في مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، مما يضعها بين الدول ذات الأداء العالي من حيث الشفافية ومكافحة الفساد. يُظهر هذا التصنيف مستوى منخفضاً جداً من الفساد في القطاع العام، وهي من أفضل الدول في هذا المجال عالمياً مقارنة بالمعدل العالمي الذي يبلغ 43 نقطة. وهذه النتائج كانت بفضل القوانين الصارمة والموجهة في هذا المجال والتي كانت ملهمة لدول أخرى.
-الدول الأقل شفافية تشمل الصومال (11/100)، جنوب السودان، وسوريا.