إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

على هامش مشاركته في الاحتفال بذكرى ثورة التحرير الجزائرية .. سعيد وتبّون من أجل كسب التحديات الدولية والإقليمية

 

د.محمد مكحلي لـ"الصباح": توجه العالم نحو التعولم والتحديات الإقليمية والدولية حوافز لتوسيع التقارب بين البلدين

تونس – الصباح

تحول رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى الجزائر للمشاركة في الاحتفال بالذكرى 70 لاندلاع ثورة التحرير الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي بما تحمله هذه المناسبة من رمزية تاريخية وسياسية لشعبي البلدين. وقد حل رئيس الجمهورية مساء أول أمس الخميس بالعاصمة الجزائر تلبية لدعوة من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي كان في استقباله في مطار هواري بومدين. فكانت أول زيارة رسمية للخارج يجريها سعيد بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بعهدة رئاسية جديدة.

وتأتي هذه الزيارة بما تحمله في أبعادها من دلالات تاريخية وسياسية بين البلدين الشقيقين وقياداتها باعتبار أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد فاز بدوره في الانتخابات الرئاسية لبلاده التي انتظمت يوم 7 سبتمبر الماضي بعهدة رئاسية ثانية، في سياق تحديات وطنية وإقليمية وقارية ودولية كبرى يواجهها البلدان، في ظل ما تشهده المنطقة المغاربية والعربية خاصة من تطورات وأزمات وما يسجله العالم من تغيرات جيواستراتيجية وسياسية واقتصادية كبرى.

وقد حضر قيس سعيد إلى جانب رؤساء عدد من الدول احتفال الجزائر بذكرى غرة نوفمبر الذي انتظم بإشراف الرئيس الجزائري تبون، وتضمن تقديم استعراض عسكري أمّنته مختلف القوات العسكرية البرية والجوية والبحرية، وتضمن عروضا للتشكيلات العسكرية، تكريما لأرواح الشهداء وتضحياتهم في سبيل الدفاع عن وطنهم والذود عن سيادته والذين تجاوز عددهم مليونا ونصف مليون شهيد. خاصة أن تونس كانت داعمة ومساندة للجزائريين في حرب التحرير الوطني ضد المستعمر وعديدة هي الأحداث التي جسدت اختلاط دماء شهداء وشعبي البلدين في نضالهم في ثورة التحرير والحرب ضد نفس المستعمر ولعل في احتفال البلدين بذكرى أحداث ساقية سيدي يوسف تأكيد لذلك.

وبين متابعون للشأن السياسي في المنطقة المغاربية والعربية أن الجزائر وتحديدا نظام عبد المجيد تبون يعد الحليف الأساسي لرئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، نظرا لعدة اعتبارات منها التاريخية والجغرافية والأمنية والثقافية والسياسية والاقتصادية من ناحية، ولتقاطع البلدين حول جملة من القضايا والمسائل والرؤى لعل من أبرزها الموقف الرافض للتطبيع من الكيان الصهيوني المحتل وتأكيد كل طرف على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من البلدين ومساعي البلدين الدبلوماسية لـ"حلحلة" الأزمة القائمة في ليبيا وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين والأطراف المتنازعة هناك حول مصلحة وحدة الدولة الليبية، فضلا عن توجهات البلدين في سياستيهما الخارجية في السنوات الأخيرة للانفتاح على علاقات وأقطاب وتحالفات جديدة مع النزعة لمراجعة الاتفاقيات القديمة لاسيما منها التي تربط البلدين بأوروبا.

وهو التقارب الذي يراهن عليه البعض في قراءاتهم للوضع واستشرافهم لمستقبل العلاقات بين البلدين، ليكون عاملا خادما لمصالح البلدين لاسيما في ظل ما يحظيان به من أهمية جغرافية وإستراتيجية واقتصادية من خلال موقعهما في الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط من ناحية وباعتبارهما بوابة للقارة الإفريقية من ناحية ثانية، خاصة أن كلا البلدين حريصين على الاستثمار في هذه المعطيات بعد أن تبين أهمية دوريهما في ظاهرة الهجرة غير النظامية التي تفاقمت في السنوات الأخيرة أو حاجة البلدان الأوروبية إلى سوق جديد للتزود منها بما تحتاجه من طاقة وغاز وغيرها من الثروات الأخرى بعد الأزمة التي أصبحت تعيشها إثر اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. فضلا عما يشكلانه من حماية أمنية في حدود كلا البلدين، إضافة إلى تأثير دخول قطب اقتصادي وعسكري جديد على خط المنطقة ممثلا في مجموعة "البريكس" والتقارب الكبير في العلاقات بين الجزائر وروسيا والصين باعتبارهما من البلدان المكونة لهذا القطب الجديد.

كل هذه العوامل تؤشر لتطور العلاقات بين البلدين خاصة أن كلا من الرئيسين قيس سعيد وعبد المجيد تبون يقودان نظامي البلدين لعهدة رئاسية جديدة.

روابط مشتركة

وفي هذا السياق وصف الدكتور محمد مكحلي، وهو أكاديمي مختص في التاريخ والفكر الإسلامي بالجامعة الجزائرية في حديثه لـ"الصباح"، بأن العلاقات القائمة بين تونس والجزائر مثالية نظرا لما يوجد بينهما من روابط حضارية وعرقية ودينية وتاريخية، ورغم ما تواجهه من صعوبات إلا أنها تمهد الطريق نحو تحقيق توحيد المغرب العربي بأي شكل كان خاصة وأن العالم الآن يتجه نحو التعولم"، وفق تأكيده.

لذلك يعتبر أن "زيارة قيس سعيد وبقطع النظر عن سياقها الوطني والتاريخي الجزائري، فالمتأمل في العلاقات بين تونس والجزائر يلاحظ أنّها عريقة بحكم التاريخ المشترك للشعبين الشقيقين والموروث الحضاري والثقافي الواحد". مضيفا أنه "رغم بعض الأزمات الظرفيّة العابرة، فقد تميّزت هذه العلاقات على العموم بالاستقرار والتعاون المتواصل بين البلدين الجارَيْنِ بحكم رغبة الشعبَيْنِ في العيش معا في أمن واستقرار وتطلّعهما لوضع ومستقبل أفضل."

كما يرى الأكاديمي الجزائري الذي نشر عديد الدراسات المتمحورة حول قضايا ومسائل تونسية جزائرية، أن المناخ الدولي الجديد ووعي شعبي تونس والجزائر ومعهما الشعوب المغاربية يحتم على الجميع الإسراع في تفعيل هذا الاتحاد وتسريع وتيرة التقارب والتكامل.

واستشهد د. محمد مكحلي في نفس الإطار بما استغرقته فرنسا وألمانيا وبقية الدول الأوروبية من أجل تحقيق اندماج أعضائها في وحدة اقتصادية، معتبرا أنه يمكن لتونس والجزائر انتهاج نفس التوجه لتوحيد دول الاتحاد المغاربي والمراهنة على حسن استغلال ما تزخر به من ثروات وإقامة صرح الديمقراطية لكي يصبح لتونس والجزائر دور فعال في صنع التاريخ من جديد للبلدين بشكل خاص وللمنطقة ككل.

 اتفاقات ورهانات

وتقوم العلاقات بين البلدين منذ عقود على عقد عديد اتفاقيات التعاون والشراكة في عدة مجالات اقتصادية وصناعية وتجارية واجتماعية وأمنية. ويكفي التذكير بأن البلدين كانا قد وقعا في 4 أكتوبر 2023 في ختام أشغال اللجنة الكبرى المشتركة المنعقدة بالجزائر العاصمة على 26 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبروتكول، توصلت لجنة المتابعة التونسية- الجزائرية إلى عقدها وتشمل عدة مجالات فضلا عن توجه الانتظارات إلى توسيع دائرة التعاون في مجالات تجارية وتفعيل ما تم الاتفاق حوله من بعث منطقة حدودية حرة بين البلدين.

نزيهة الغضباني

 

 

 

على هامش مشاركته في الاحتفال بذكرى ثورة التحرير الجزائرية .. سعيد وتبّون من أجل كسب التحديات الدولية والإقليمية

 

د.محمد مكحلي لـ"الصباح": توجه العالم نحو التعولم والتحديات الإقليمية والدولية حوافز لتوسيع التقارب بين البلدين

تونس – الصباح

تحول رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى الجزائر للمشاركة في الاحتفال بالذكرى 70 لاندلاع ثورة التحرير الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي بما تحمله هذه المناسبة من رمزية تاريخية وسياسية لشعبي البلدين. وقد حل رئيس الجمهورية مساء أول أمس الخميس بالعاصمة الجزائر تلبية لدعوة من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي كان في استقباله في مطار هواري بومدين. فكانت أول زيارة رسمية للخارج يجريها سعيد بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بعهدة رئاسية جديدة.

وتأتي هذه الزيارة بما تحمله في أبعادها من دلالات تاريخية وسياسية بين البلدين الشقيقين وقياداتها باعتبار أن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد فاز بدوره في الانتخابات الرئاسية لبلاده التي انتظمت يوم 7 سبتمبر الماضي بعهدة رئاسية ثانية، في سياق تحديات وطنية وإقليمية وقارية ودولية كبرى يواجهها البلدان، في ظل ما تشهده المنطقة المغاربية والعربية خاصة من تطورات وأزمات وما يسجله العالم من تغيرات جيواستراتيجية وسياسية واقتصادية كبرى.

وقد حضر قيس سعيد إلى جانب رؤساء عدد من الدول احتفال الجزائر بذكرى غرة نوفمبر الذي انتظم بإشراف الرئيس الجزائري تبون، وتضمن تقديم استعراض عسكري أمّنته مختلف القوات العسكرية البرية والجوية والبحرية، وتضمن عروضا للتشكيلات العسكرية، تكريما لأرواح الشهداء وتضحياتهم في سبيل الدفاع عن وطنهم والذود عن سيادته والذين تجاوز عددهم مليونا ونصف مليون شهيد. خاصة أن تونس كانت داعمة ومساندة للجزائريين في حرب التحرير الوطني ضد المستعمر وعديدة هي الأحداث التي جسدت اختلاط دماء شهداء وشعبي البلدين في نضالهم في ثورة التحرير والحرب ضد نفس المستعمر ولعل في احتفال البلدين بذكرى أحداث ساقية سيدي يوسف تأكيد لذلك.

وبين متابعون للشأن السياسي في المنطقة المغاربية والعربية أن الجزائر وتحديدا نظام عبد المجيد تبون يعد الحليف الأساسي لرئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، نظرا لعدة اعتبارات منها التاريخية والجغرافية والأمنية والثقافية والسياسية والاقتصادية من ناحية، ولتقاطع البلدين حول جملة من القضايا والمسائل والرؤى لعل من أبرزها الموقف الرافض للتطبيع من الكيان الصهيوني المحتل وتأكيد كل طرف على عدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي من البلدين ومساعي البلدين الدبلوماسية لـ"حلحلة" الأزمة القائمة في ليبيا وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين والأطراف المتنازعة هناك حول مصلحة وحدة الدولة الليبية، فضلا عن توجهات البلدين في سياستيهما الخارجية في السنوات الأخيرة للانفتاح على علاقات وأقطاب وتحالفات جديدة مع النزعة لمراجعة الاتفاقيات القديمة لاسيما منها التي تربط البلدين بأوروبا.

وهو التقارب الذي يراهن عليه البعض في قراءاتهم للوضع واستشرافهم لمستقبل العلاقات بين البلدين، ليكون عاملا خادما لمصالح البلدين لاسيما في ظل ما يحظيان به من أهمية جغرافية وإستراتيجية واقتصادية من خلال موقعهما في الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط من ناحية وباعتبارهما بوابة للقارة الإفريقية من ناحية ثانية، خاصة أن كلا البلدين حريصين على الاستثمار في هذه المعطيات بعد أن تبين أهمية دوريهما في ظاهرة الهجرة غير النظامية التي تفاقمت في السنوات الأخيرة أو حاجة البلدان الأوروبية إلى سوق جديد للتزود منها بما تحتاجه من طاقة وغاز وغيرها من الثروات الأخرى بعد الأزمة التي أصبحت تعيشها إثر اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. فضلا عما يشكلانه من حماية أمنية في حدود كلا البلدين، إضافة إلى تأثير دخول قطب اقتصادي وعسكري جديد على خط المنطقة ممثلا في مجموعة "البريكس" والتقارب الكبير في العلاقات بين الجزائر وروسيا والصين باعتبارهما من البلدان المكونة لهذا القطب الجديد.

كل هذه العوامل تؤشر لتطور العلاقات بين البلدين خاصة أن كلا من الرئيسين قيس سعيد وعبد المجيد تبون يقودان نظامي البلدين لعهدة رئاسية جديدة.

روابط مشتركة

وفي هذا السياق وصف الدكتور محمد مكحلي، وهو أكاديمي مختص في التاريخ والفكر الإسلامي بالجامعة الجزائرية في حديثه لـ"الصباح"، بأن العلاقات القائمة بين تونس والجزائر مثالية نظرا لما يوجد بينهما من روابط حضارية وعرقية ودينية وتاريخية، ورغم ما تواجهه من صعوبات إلا أنها تمهد الطريق نحو تحقيق توحيد المغرب العربي بأي شكل كان خاصة وأن العالم الآن يتجه نحو التعولم"، وفق تأكيده.

لذلك يعتبر أن "زيارة قيس سعيد وبقطع النظر عن سياقها الوطني والتاريخي الجزائري، فالمتأمل في العلاقات بين تونس والجزائر يلاحظ أنّها عريقة بحكم التاريخ المشترك للشعبين الشقيقين والموروث الحضاري والثقافي الواحد". مضيفا أنه "رغم بعض الأزمات الظرفيّة العابرة، فقد تميّزت هذه العلاقات على العموم بالاستقرار والتعاون المتواصل بين البلدين الجارَيْنِ بحكم رغبة الشعبَيْنِ في العيش معا في أمن واستقرار وتطلّعهما لوضع ومستقبل أفضل."

كما يرى الأكاديمي الجزائري الذي نشر عديد الدراسات المتمحورة حول قضايا ومسائل تونسية جزائرية، أن المناخ الدولي الجديد ووعي شعبي تونس والجزائر ومعهما الشعوب المغاربية يحتم على الجميع الإسراع في تفعيل هذا الاتحاد وتسريع وتيرة التقارب والتكامل.

واستشهد د. محمد مكحلي في نفس الإطار بما استغرقته فرنسا وألمانيا وبقية الدول الأوروبية من أجل تحقيق اندماج أعضائها في وحدة اقتصادية، معتبرا أنه يمكن لتونس والجزائر انتهاج نفس التوجه لتوحيد دول الاتحاد المغاربي والمراهنة على حسن استغلال ما تزخر به من ثروات وإقامة صرح الديمقراطية لكي يصبح لتونس والجزائر دور فعال في صنع التاريخ من جديد للبلدين بشكل خاص وللمنطقة ككل.

 اتفاقات ورهانات

وتقوم العلاقات بين البلدين منذ عقود على عقد عديد اتفاقيات التعاون والشراكة في عدة مجالات اقتصادية وصناعية وتجارية واجتماعية وأمنية. ويكفي التذكير بأن البلدين كانا قد وقعا في 4 أكتوبر 2023 في ختام أشغال اللجنة الكبرى المشتركة المنعقدة بالجزائر العاصمة على 26 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبروتكول، توصلت لجنة المتابعة التونسية- الجزائرية إلى عقدها وتشمل عدة مجالات فضلا عن توجه الانتظارات إلى توسيع دائرة التعاون في مجالات تجارية وتفعيل ما تم الاتفاق حوله من بعث منطقة حدودية حرة بين البلدين.

نزيهة الغضباني