علي الزنايدي هو فنان تشكيلي من مواليد الخمسينات بتونس العاصمة ضاحية "الربط الجنوبي" (باب الجزيرة) حيث ترعرع هناك الى سن العشرين.. زاول تعليمه الابتدائي في المدينة العتيقة وتحديدا في سيدي علي عزوز والثانوي بمعهد العلوية، اين أصبح فيه استاذا في مراحل متقدمة.
علي الزنايدي عاش طفولة سعيدة بين أحضان عائلة وافرة العدد (إحدى عشر ابنا) في نمط شبه عسكري كان له الأثر الواضح في نظرته للاشياء وإتقانه كل اعماله اليومية..
سعادة طفولته كانت تكمن في ذلك الاختلاط العرقي والثقافي الذي شهده "الربط العربي" منذ الستينات حيث استلهم من نعومة أظفاره من القدرات الحرفية لأصدقائه المسيح واليهود المالطيين والفرنسيين والايطاليين أبعادا فنية ورؤى جمالية باعتبار تميزهم وحرفيتهم في طلاء الجدران والرسوم التي غطت أغلب أرجاءالأنهج والمنازل..
منذ ذلك الوقت بدأ حبه للرسم والفنون يتضخم شيئا فشيئا، ولم يدرك والده حينها أنه سيتخذ الفنون طريقا لمستقبله لا أن يمتهن المحاماة أو القضاء كما أراد، رغم ان تفوقه في الفنون بالتعليم الابتدائي كان واضحا للجميع الى جانب زميله محمد الرصايصي الذي أصبح لاحقا تشكيليا لامعا مثله..
فمن البديهي أن يصبح علي الزنايدي من بين اهم التشكيليين التونسيين منذ السبعينات الى الٱن، وهو الذي عمل على رصد كل ماهو جميل في العالم التونسي وخاصة انهج المدينة العتيقة التي كانت تجمعه بها علاقة خاصة اكتشفت في ما بعد من خلال عناصر حيويتها والوانها المميزة على اللوحات ..
لوحة حرب 67
أما اولى تجارب الفنان علي الزنايدي فكانت لوحة فنية شارك بها في معرض جماعي للأطفال وعمره لم يتجاوز آنذاك 17سنة بعد ان اثر فيه انهيار الجيش المصري عام 67.. وقد أُقترح عليه بيعها بثمانين دينارا لكنّه أبى أن يفرط فيها، ليحتفظ بها الى يوم الناس هذا...
علي الزنايدي اتيحت له فرصة السفر إلى أمريكا اوائل التسعينات بدعوة من المقيمين بأكبر الاروقة التشكيلية هناك، وتواصلت إقامته ثلاثة اسابيع.. ومن الطريف أن أكد لـ"الصباح" أن "لا بنايات امريكا ٱنذاك ولا ناطحات السحاب كانت قادرة على استهوائه، لأن هضبة سيدي بلحسن بالنسبة له كانت أفضل واجمل بكثير من ناطحات منهاتن، "لأنو فيها روح ونحس بيها".. إذ من الطبيعي أنّ المتشبع والمتشبث بتراثه وهويته وأصالته، لا يمكنه أن يتأثر أيما تأثر بأي مكان.. قد يجعله يغفل عن مواطن جمال بلاده.. "
مسيرة فنية ثرية لعلي الزنايدي منذ تخرجه من المعهد العالي للفنون الجميلة كانت تتويجا لخمسين عرضا فرديا في تونس والعديد من البلدان العربية والأوروبية فضلا عن المشاركة في مائتي عرض جماعي سواء مع اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين أو مع مجموعة الزواري والبكري وقديش وقارة والمنصف بن عمر وغيرهم من الفنانين –رحمهم الله- ..
مدرسة تونس والمحدثون
في إطار التطرق الى ذلك الاختلاف بين مدرسة تونس في الستينات والمحدثين أشار علي الزنايدي الى أن كل من المرحوم رضا بن الله والطاهر مميته وبودن والبشير الأخضر وعبد الرزاق الفهري وعمر محمود وحبيب شبيل والسهيلي.. جاؤوا من باريس بلغة تشكيلية جديدة أثرت على المشاهد الثقافي عامة وأثاروا حفيظة مدرسة تونس.. وكان هناك احتدام وتفاعل متناقض بين التشكيليين حول الٱراء والرؤى الفنية، وكيف يمكن للفن أن يكون، نتيجة اختلاف الٱراء بين الكلاسيكيين والمحدثين كاي مجال مثل الادب،والشعر،والمسرح والعمارة...
صدام فني كان بين الوارثين وورثاء المستشرقين وجماعة مدرسة تونس وبين المحدثين الذين زاولوا تعليمهم في المراحل الدراسية المتقدمة بباريس ثم عادوا الى تونس بأفكار حديثة وتيارات معاصرة على غرار رضا بالطيب والمرحوم بلخوجة والمرحوم رضا بن عبدالله وغيرهم ممن كونوا أجيالا أخرى في المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس.. "
مدارس مختلفة لكن ذلك -حسب علي الزنايدي- لم يؤثر على قيمة كل واحدة منها بدليل انه تم الاحتفال مؤخرا بمائوية الفنانة الراحلة والرائدة في الفن التشكيلي صفية فرحات مديرة مدرسة تونس التي ضمت خيرة التشكيليين التونسيين.
في تلك الفترة شهدت الحركة الثقافية تطورا ملحوظا من حيث الانتاجات الفنية وإحياء المعارض، عكس الوقت الراهن -والكلام للفنان علي الزنايدي - "الذي يشهد الكثير من الضوضاء في ظل تواضع الانتاجات واقتحام دخلاء على القطاع الذين لا يمكن أن تنطبق عليهم صفة فنان، باعتبار أن الشهائد العلمية غير كافية لإثبات الكفاءة الإبداعية.. ثم إن الحرص على التطور في مجال الفن التشكيلي يتطلب دقة التأمل في كل ما هو محيط بنا.. في سلوك المواطنين، المعمار، الحرف اليدوية باختلافها.. لا أن يكتفي التشكيلي بنجاح أسلوب معين يوفر له كسبا ماليا، ويجعله يتقوقع في عالم ضيق.."
الفنان علي الزنايدي لم يخف كذلك عن هواجسه وخوفه من إمكانية سيطرة الذكاء الاصطناعي على الفنون وأن يصبح الانسان عبارة عن " ٱلة وعبيد للذكاء الاصطناعي، ويرى أنه على الحكومات أن تصدر قوانين قادرة على حماية الفنون وإلا سيحدث ما لا يحمد عقباه..
ليختم قائلا: "أنصح كل الطلبة المتأثرين بالأساليب الافتراضية ألا يجعلوها الطريق الوحيدة في مشوارهم الفني ..وعليهم خوض العديد من التجارب الفنية والغوص في البحوث المعمقة، لاني شخصيا لا أتصور تونس.. دون ايمان بالثقافة.. ودون هوية".
وليد عبد اللاوي
تونس -الصباح
علي الزنايدي هو فنان تشكيلي من مواليد الخمسينات بتونس العاصمة ضاحية "الربط الجنوبي" (باب الجزيرة) حيث ترعرع هناك الى سن العشرين.. زاول تعليمه الابتدائي في المدينة العتيقة وتحديدا في سيدي علي عزوز والثانوي بمعهد العلوية، اين أصبح فيه استاذا في مراحل متقدمة.
علي الزنايدي عاش طفولة سعيدة بين أحضان عائلة وافرة العدد (إحدى عشر ابنا) في نمط شبه عسكري كان له الأثر الواضح في نظرته للاشياء وإتقانه كل اعماله اليومية..
سعادة طفولته كانت تكمن في ذلك الاختلاط العرقي والثقافي الذي شهده "الربط العربي" منذ الستينات حيث استلهم من نعومة أظفاره من القدرات الحرفية لأصدقائه المسيح واليهود المالطيين والفرنسيين والايطاليين أبعادا فنية ورؤى جمالية باعتبار تميزهم وحرفيتهم في طلاء الجدران والرسوم التي غطت أغلب أرجاءالأنهج والمنازل..
منذ ذلك الوقت بدأ حبه للرسم والفنون يتضخم شيئا فشيئا، ولم يدرك والده حينها أنه سيتخذ الفنون طريقا لمستقبله لا أن يمتهن المحاماة أو القضاء كما أراد، رغم ان تفوقه في الفنون بالتعليم الابتدائي كان واضحا للجميع الى جانب زميله محمد الرصايصي الذي أصبح لاحقا تشكيليا لامعا مثله..
فمن البديهي أن يصبح علي الزنايدي من بين اهم التشكيليين التونسيين منذ السبعينات الى الٱن، وهو الذي عمل على رصد كل ماهو جميل في العالم التونسي وخاصة انهج المدينة العتيقة التي كانت تجمعه بها علاقة خاصة اكتشفت في ما بعد من خلال عناصر حيويتها والوانها المميزة على اللوحات ..
لوحة حرب 67
أما اولى تجارب الفنان علي الزنايدي فكانت لوحة فنية شارك بها في معرض جماعي للأطفال وعمره لم يتجاوز آنذاك 17سنة بعد ان اثر فيه انهيار الجيش المصري عام 67.. وقد أُقترح عليه بيعها بثمانين دينارا لكنّه أبى أن يفرط فيها، ليحتفظ بها الى يوم الناس هذا...
علي الزنايدي اتيحت له فرصة السفر إلى أمريكا اوائل التسعينات بدعوة من المقيمين بأكبر الاروقة التشكيلية هناك، وتواصلت إقامته ثلاثة اسابيع.. ومن الطريف أن أكد لـ"الصباح" أن "لا بنايات امريكا ٱنذاك ولا ناطحات السحاب كانت قادرة على استهوائه، لأن هضبة سيدي بلحسن بالنسبة له كانت أفضل واجمل بكثير من ناطحات منهاتن، "لأنو فيها روح ونحس بيها".. إذ من الطبيعي أنّ المتشبع والمتشبث بتراثه وهويته وأصالته، لا يمكنه أن يتأثر أيما تأثر بأي مكان.. قد يجعله يغفل عن مواطن جمال بلاده.. "
مسيرة فنية ثرية لعلي الزنايدي منذ تخرجه من المعهد العالي للفنون الجميلة كانت تتويجا لخمسين عرضا فرديا في تونس والعديد من البلدان العربية والأوروبية فضلا عن المشاركة في مائتي عرض جماعي سواء مع اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين أو مع مجموعة الزواري والبكري وقديش وقارة والمنصف بن عمر وغيرهم من الفنانين –رحمهم الله- ..
مدرسة تونس والمحدثون
في إطار التطرق الى ذلك الاختلاف بين مدرسة تونس في الستينات والمحدثين أشار علي الزنايدي الى أن كل من المرحوم رضا بن الله والطاهر مميته وبودن والبشير الأخضر وعبد الرزاق الفهري وعمر محمود وحبيب شبيل والسهيلي.. جاؤوا من باريس بلغة تشكيلية جديدة أثرت على المشاهد الثقافي عامة وأثاروا حفيظة مدرسة تونس.. وكان هناك احتدام وتفاعل متناقض بين التشكيليين حول الٱراء والرؤى الفنية، وكيف يمكن للفن أن يكون، نتيجة اختلاف الٱراء بين الكلاسيكيين والمحدثين كاي مجال مثل الادب،والشعر،والمسرح والعمارة...
صدام فني كان بين الوارثين وورثاء المستشرقين وجماعة مدرسة تونس وبين المحدثين الذين زاولوا تعليمهم في المراحل الدراسية المتقدمة بباريس ثم عادوا الى تونس بأفكار حديثة وتيارات معاصرة على غرار رضا بالطيب والمرحوم بلخوجة والمرحوم رضا بن عبدالله وغيرهم ممن كونوا أجيالا أخرى في المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس.. "
مدارس مختلفة لكن ذلك -حسب علي الزنايدي- لم يؤثر على قيمة كل واحدة منها بدليل انه تم الاحتفال مؤخرا بمائوية الفنانة الراحلة والرائدة في الفن التشكيلي صفية فرحات مديرة مدرسة تونس التي ضمت خيرة التشكيليين التونسيين.
في تلك الفترة شهدت الحركة الثقافية تطورا ملحوظا من حيث الانتاجات الفنية وإحياء المعارض، عكس الوقت الراهن -والكلام للفنان علي الزنايدي - "الذي يشهد الكثير من الضوضاء في ظل تواضع الانتاجات واقتحام دخلاء على القطاع الذين لا يمكن أن تنطبق عليهم صفة فنان، باعتبار أن الشهائد العلمية غير كافية لإثبات الكفاءة الإبداعية.. ثم إن الحرص على التطور في مجال الفن التشكيلي يتطلب دقة التأمل في كل ما هو محيط بنا.. في سلوك المواطنين، المعمار، الحرف اليدوية باختلافها.. لا أن يكتفي التشكيلي بنجاح أسلوب معين يوفر له كسبا ماليا، ويجعله يتقوقع في عالم ضيق.."
الفنان علي الزنايدي لم يخف كذلك عن هواجسه وخوفه من إمكانية سيطرة الذكاء الاصطناعي على الفنون وأن يصبح الانسان عبارة عن " ٱلة وعبيد للذكاء الاصطناعي، ويرى أنه على الحكومات أن تصدر قوانين قادرة على حماية الفنون وإلا سيحدث ما لا يحمد عقباه..
ليختم قائلا: "أنصح كل الطلبة المتأثرين بالأساليب الافتراضية ألا يجعلوها الطريق الوحيدة في مشوارهم الفني ..وعليهم خوض العديد من التجارب الفنية والغوص في البحوث المعمقة، لاني شخصيا لا أتصور تونس.. دون ايمان بالثقافة.. ودون هوية".