حسب إحصائيات أصدرها معهد الإحصاء فإن قطاع البناء والأشغال العمومية كان يعتبر من أبرز القطاعات المشغّلة لليد العاملة في تونس، حيث يحتكم على 520 ألف موطن شغل في اختصاصات مختلفة بين كفاءات وإطارات وعمّال، بالإضافة إلى قدرة القطاع على تشغيل عدة قطاعات أخرى بالتوازي مع ذلك، ولكن جائحة كورونا كانت تبعاتها كارثية على قطاع البناء والأشغال العمومية وكانت هناك انتكاسة كبيرة أثّرت عليه خاصّة وأن مشاكل القطاع لم تعالج في حينها.
ولعل من مؤشرات التراجع هو أن هذا القطاع كان يستهلك حوالي 9 ملايين طن من الاسمنت وتراجع هذا الاستهلاك إلى حدود 5 ملايين وهو ما يوضّح حجم الانكماش الذي عاشه هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي اقتصاديا وتنمويا في السنوات الأخيرة .
وتدرك الحكومة أهمية هذا القطاع الحيوي ولعل ذلك اللقاء الأخير الذي جمع رئيس الحكومة كمال المدوري مع رئيس الجامعة الوطنية لمقاولي البناء والأشغال العمومية جمال الكسيبي بحضور وزيرة التجهيز والإسكان سارة الزعفراني الزنزري، حيث أكد رئيس الحكومة على أهمية تنشيط قطاع البناء والأشغال العمومية واعتبره رافعة لتحقيق الإقلاع الاقتصادي والمضي في مراجعة الأمر المنظم للصفقات العمومية والتراخيص إلى جانب إيجاد الحلول الكفيلة بتيسير نفاذ مقاولات البناء والأشغال العمومية للضمانات البنكية في إطار إنجاز المشاريع العمومية.
حيث كان هذا اللقاء فرصة للتباحث في مشاكل القطاع الراهنة والحلول الممكنة لتطويره مستقبلا وفق ما تسنّى لنا من معطيات ..
مشاكل وإشكاليات تنتظر حلولا عاجلة
لقاء رئيس الحكومة برئيس الجامعة الوطنية لمقاولي البناء والأشغال العامة كان أول لقاء رسمي يجمع المدّوري بشخصية قيادية في اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية الذي مازال يرزح تحت مشاكله الداخلية وتخلّى في المدة الأخيرة عن دوره في دفع الاستثمار والتنمية، كما أن لقاءات رؤساء الحكومات السابقين كان دائما مع قطاعات الخدمات ولعلها من المرات القليلة أن يكون هناك لقاء مع ممثلين عن قطاع إنتاجي بحجم قطاع مقاولات البناء والأشغال العامة، ووفق ما تسنّى لنا من معطيات أنه تم خلال اللقاء تناول كل المشاكل التي يعاني منها هذا القطاع الديناميكي والقادر على تحريك الاقتصاد في أكثر من قطاع بالإضافة إلى قدرته على تطوير الأشغال العمومية بما ينعكس إيجابا على الاقتصاد الوطني .
ومن مشاكل التي تمّ التطرّق إليها كان تمويل القطاعات من خلال تمويل الشركات وتمويل المشاريع وهو من المشاكل العويصة التي تواجه مقاولي البناء خاصة في علاقة بالضمانات البنكية حيث تميل البنوك إلى تمويل الأنشطة التجارية أكثر من أنشطة الخدمات، واليوم الحكومة يجب أن تقدّم على الأقل طرق عمل وإجراءات تساعد البنوك العمومية على تمويل هذا القطاع دون خشية من عدم الإيفاء بالتزام المهنيين بعد الحصول على تمويل. وإلى جانب تمويل الشركات فإن تمويل المشاريع يتطلّب كذلك أن تفي الدولة بالتزاماتها المالية في هذه المشاريع حتى توفّر للمهنيين مناخا من الأريحية في التعامل مع التمويلات البنكية لهذه المشاريع.
وكذلك من الإشكاليات التي تطرح اليوم نفسها في علاقة خاصة بالمشاريع العمومية هو الرخص الإدارية حيث يفترض أن تحلّ الإدارة العمومية صاحبة المشروع هذه الإشكاليات قبل إسناد المشروع إلى شركة المقاولات العامة، فوفق بعض المهنيين، تستهلك هذه الإجراءات الإدارية الكثير من الوقت والمجهود على حساب مدة الإنجاز..،كما أن نجاعة وسرعة انجاز هذه المشاريع تتطلب متابعة على مستوى التسيير من أعلى مستوى وهو ما يفرض ضرورة توفّر مكاتب دراسات متمّكنة تسهّل عملية انجاز المشاريع العمومية في أقل وقت ممكن .
اليوم يعد إحداث لجنة «تسريع المشاريع» برئاسة الحكومة ومنذ أكثر من عام يعدّ خطوة هامة في تذليل الصعاب واحتواء مشاكل القطاع ومعالجتها، هذا بالإضافة إلى جدّية وزارة التجهيز في إعادة القطاع إلى سالف نشاطه الذي عرف سنوات من الركود بفعل "الكوفيد" ما أدّى إلى خسارة 30 بالمائة من طاقته التشغيلية وفق تقديرات مهنيي القطاع، الذين يواجهون اليوم نقصا في اليد العاملة، حيث أن الخسارة السابقة لليد العاملة دفعت الكثير من الكفاءات في الميدان إلى الهجرة وهو ما انعكس سلبا عن القطاع ككل، كما أن الرهانات التي تطرح اليوم وتواجه قطاع مقاولي البناء والأشغال العامة هي حضور الشركات التونسية المختصة في الصفقات الدولية خاصة وأن هناك عدة شركات مقاولات تشتغل في إفريقيا وليبيا ولكنها تواجه صعوبات في التمويل.
كما أن اليوم ومع وجود دراسات أولية لإطلاق مشاريع هامة وكبيرة في تونس مثل المدينة الصحية بالقيروان بات لزاما على الحكومة التفكير في ضرورة إشراك الشركات التونسية في هذه المشاريع الكبرى بما يمنحها الخبرة والقدرة على المنافسة الدولية لاحقا .
وفي انتظار عودة النشاط والحيوية لهذا القطاع ذي الطاقة التشغيلية المهمة والتي يمكن أن تساعد في امتصاص نسبة البطالة المتزايدة فإن القطاع البنكي مطالب اليوم بأن يقوم بدوره في استنهاض هذه القطاعات والمراهنة عليها بجدية .
منية العرفاوي
تونس- الصباح
حسب إحصائيات أصدرها معهد الإحصاء فإن قطاع البناء والأشغال العمومية كان يعتبر من أبرز القطاعات المشغّلة لليد العاملة في تونس، حيث يحتكم على 520 ألف موطن شغل في اختصاصات مختلفة بين كفاءات وإطارات وعمّال، بالإضافة إلى قدرة القطاع على تشغيل عدة قطاعات أخرى بالتوازي مع ذلك، ولكن جائحة كورونا كانت تبعاتها كارثية على قطاع البناء والأشغال العمومية وكانت هناك انتكاسة كبيرة أثّرت عليه خاصّة وأن مشاكل القطاع لم تعالج في حينها.
ولعل من مؤشرات التراجع هو أن هذا القطاع كان يستهلك حوالي 9 ملايين طن من الاسمنت وتراجع هذا الاستهلاك إلى حدود 5 ملايين وهو ما يوضّح حجم الانكماش الذي عاشه هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي اقتصاديا وتنمويا في السنوات الأخيرة .
وتدرك الحكومة أهمية هذا القطاع الحيوي ولعل ذلك اللقاء الأخير الذي جمع رئيس الحكومة كمال المدوري مع رئيس الجامعة الوطنية لمقاولي البناء والأشغال العمومية جمال الكسيبي بحضور وزيرة التجهيز والإسكان سارة الزعفراني الزنزري، حيث أكد رئيس الحكومة على أهمية تنشيط قطاع البناء والأشغال العمومية واعتبره رافعة لتحقيق الإقلاع الاقتصادي والمضي في مراجعة الأمر المنظم للصفقات العمومية والتراخيص إلى جانب إيجاد الحلول الكفيلة بتيسير نفاذ مقاولات البناء والأشغال العمومية للضمانات البنكية في إطار إنجاز المشاريع العمومية.
حيث كان هذا اللقاء فرصة للتباحث في مشاكل القطاع الراهنة والحلول الممكنة لتطويره مستقبلا وفق ما تسنّى لنا من معطيات ..
مشاكل وإشكاليات تنتظر حلولا عاجلة
لقاء رئيس الحكومة برئيس الجامعة الوطنية لمقاولي البناء والأشغال العامة كان أول لقاء رسمي يجمع المدّوري بشخصية قيادية في اتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية الذي مازال يرزح تحت مشاكله الداخلية وتخلّى في المدة الأخيرة عن دوره في دفع الاستثمار والتنمية، كما أن لقاءات رؤساء الحكومات السابقين كان دائما مع قطاعات الخدمات ولعلها من المرات القليلة أن يكون هناك لقاء مع ممثلين عن قطاع إنتاجي بحجم قطاع مقاولات البناء والأشغال العامة، ووفق ما تسنّى لنا من معطيات أنه تم خلال اللقاء تناول كل المشاكل التي يعاني منها هذا القطاع الديناميكي والقادر على تحريك الاقتصاد في أكثر من قطاع بالإضافة إلى قدرته على تطوير الأشغال العمومية بما ينعكس إيجابا على الاقتصاد الوطني .
ومن مشاكل التي تمّ التطرّق إليها كان تمويل القطاعات من خلال تمويل الشركات وتمويل المشاريع وهو من المشاكل العويصة التي تواجه مقاولي البناء خاصة في علاقة بالضمانات البنكية حيث تميل البنوك إلى تمويل الأنشطة التجارية أكثر من أنشطة الخدمات، واليوم الحكومة يجب أن تقدّم على الأقل طرق عمل وإجراءات تساعد البنوك العمومية على تمويل هذا القطاع دون خشية من عدم الإيفاء بالتزام المهنيين بعد الحصول على تمويل. وإلى جانب تمويل الشركات فإن تمويل المشاريع يتطلّب كذلك أن تفي الدولة بالتزاماتها المالية في هذه المشاريع حتى توفّر للمهنيين مناخا من الأريحية في التعامل مع التمويلات البنكية لهذه المشاريع.
وكذلك من الإشكاليات التي تطرح اليوم نفسها في علاقة خاصة بالمشاريع العمومية هو الرخص الإدارية حيث يفترض أن تحلّ الإدارة العمومية صاحبة المشروع هذه الإشكاليات قبل إسناد المشروع إلى شركة المقاولات العامة، فوفق بعض المهنيين، تستهلك هذه الإجراءات الإدارية الكثير من الوقت والمجهود على حساب مدة الإنجاز..،كما أن نجاعة وسرعة انجاز هذه المشاريع تتطلب متابعة على مستوى التسيير من أعلى مستوى وهو ما يفرض ضرورة توفّر مكاتب دراسات متمّكنة تسهّل عملية انجاز المشاريع العمومية في أقل وقت ممكن .
اليوم يعد إحداث لجنة «تسريع المشاريع» برئاسة الحكومة ومنذ أكثر من عام يعدّ خطوة هامة في تذليل الصعاب واحتواء مشاكل القطاع ومعالجتها، هذا بالإضافة إلى جدّية وزارة التجهيز في إعادة القطاع إلى سالف نشاطه الذي عرف سنوات من الركود بفعل "الكوفيد" ما أدّى إلى خسارة 30 بالمائة من طاقته التشغيلية وفق تقديرات مهنيي القطاع، الذين يواجهون اليوم نقصا في اليد العاملة، حيث أن الخسارة السابقة لليد العاملة دفعت الكثير من الكفاءات في الميدان إلى الهجرة وهو ما انعكس سلبا عن القطاع ككل، كما أن الرهانات التي تطرح اليوم وتواجه قطاع مقاولي البناء والأشغال العامة هي حضور الشركات التونسية المختصة في الصفقات الدولية خاصة وأن هناك عدة شركات مقاولات تشتغل في إفريقيا وليبيا ولكنها تواجه صعوبات في التمويل.
كما أن اليوم ومع وجود دراسات أولية لإطلاق مشاريع هامة وكبيرة في تونس مثل المدينة الصحية بالقيروان بات لزاما على الحكومة التفكير في ضرورة إشراك الشركات التونسية في هذه المشاريع الكبرى بما يمنحها الخبرة والقدرة على المنافسة الدولية لاحقا .
وفي انتظار عودة النشاط والحيوية لهذا القطاع ذي الطاقة التشغيلية المهمة والتي يمكن أن تساعد في امتصاص نسبة البطالة المتزايدة فإن القطاع البنكي مطالب اليوم بأن يقوم بدوره في استنهاض هذه القطاعات والمراهنة عليها بجدية .