أن الأغلبية الصامتة في تونس يمكن اعتبارها مصدر قوة غير مرئي؛ فهي تؤثر على الحياة العامة بطريقة غير مباشرة.
يعرّف المجتمع أنه جسم واحد تحرّكه أعضاء مختلفة وتبنيه كيانات قد تتعارض وقد تتآلف لكن ذلك لا يعطّل المجتمع بصفته جسدا عن النمو والتطور . كلما ضعفت هذه الكيانات تماما مثلما تضعف أعضاء الجسد يصاب بالمرض والضعف والعجز.
ويصنّف المواطنون حسب انتماءاتهم الفكرية والسياسة والنقابية والقطاعية إلى جزء يحكم و جزء يعارض. وبينهما تتشكّل الأغلبية الصامتة أو ما يعرف بالانقليزية ب "the silent majority". وبالفرنسية ب "la majorité silencieuse".
وهي فئة لها ايجابياتها ولها سلبياتها وقد تكون عبءا على المجتمع أو مصدر قوّته. فمن هي الأغلبية الصامتة وأسباب تكونها ومدى تأثيرها يتأثر المجتمع بها؟
مصطلح "الأغلبيّة الصامتة" يشير إلى شريحة كبيرة من السكان الذين لا يعبّرون عن آرائهم أو مواقفهم بشكل علني أو واضح في النقاشات العامة والسياسية. هؤلاء الأفراد لا يشاركون في الاحتجاجات وليسوا منتمين للأجسام الوسيطة ، ولكنهم يشكلون قوة انتخابية أو اجتماعية هامة. وقد تم استخدام هذا المصطلح لأول مرة من قبل الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عام 1969، عندما تحدّث عن "الأغلبية الصامتة" التي دعّمت سياساته خلال حرب فيتنام ولكنها لم تشارك في الاحتجاجات العامة.
وأسباب صمتها يلخّصه خبراء السياسة والاجتماع في :
* الخوف من الانتقادات أو المواجهات.
* عدم الثقة في النظام السياسي أو في جدوى المشاركة.
* اللامبالاة أو عدم الاهتمام بالشأن العام.
وفي مصر توصف الأغلبية الصامتة بحزب "الكنبة" وهم الذين لا تعنيهم سوى حياتهم الخاصة ولا يشاركون في الشأن العام، سواء في الانتخابات أو الاحتجاجات أو النقاشات السياسية. وهو مصطلح يشير بشكل ساخر إلى الأشخاص الذين يفضّلون مشاهدة الأحداث والتعليق عليها من بعيد (وغالبًا عبر وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي) دون الانخراط الفعلي في صنع التغيير.
الأغلبية الصامتة التونسية
تشكّلت هذه الأغلبية مع الزمن فبعدما كانت قلّة في سنوات السبعينات والثمانينات حينما كان يشارك أغلب المجتمع في رسم التصورات العامة لإدارة الدولة وكانت الأحزاب على قلّتها رافدا مهما لاستقطاب النخب الفكرية وكان الاتحاد العام التونسي للشغل يستقطب العمال. وكان الحزب الحاكم يشكّل كتلة شعبية لا تقل عن المليون مواطن منخرطون في توجهاته وتبني مواقف الدولة ومشاريعها انطلاقا مما يتقرر في أروقته.
ومع اندلاع شرارة الثورة كان للأغلبية الصامتة عن الخوض في الشأن العام الكلمة الفصل وتحولت إلى الأغلبية الناطقة والصادحة بشعارات الكرامة والحرية ومحاربة الفساد والحق في التشغيل. لكنّ هذه الأغلبية تشتّت في مئات الأحزاب وآلاف الجمعيات التي أسست بداية من 2011. ومع وصول القلة التي نصّبت نفسها حامية للثورة بشعارات دينية مخدّرة ومخادعة الى الحكم تبخرت أحلام التونسيين أو الأغلبية الصامتة التي فجّرت الثورة وبدأت تعود شيئا فشيئا الى صمتها وعزوفها عن المشاركة في السياسة وفي العمل المجتمعي وفقد العمل النقابي والقطاعي الكثير من قوته وصلابته.
وقد استعمل هذا المصطلح لأول مرّة في تونس الوزير الأول الأسبق محمد الغنوشي حينما قال خلال تقديم استقالته تحت ضغط جزء من الشعب التونسي في اعتصام القصبة 2011 أن هناك خيوط مؤامرة تنسج ضد الثورة وأن الشعب التونسي وحده وبخاصة الأغلبية الصامتة منه هو الأقدر اليوم على وضع حد للمؤامرات التي تحاك ضد ثورته وتعمل على إفشالها.
وبحساب الأرقام إذا ما اعتبرنا أن الانتخابات هي المعيار الأول الذي تحسب به الأغلبية الصامتة فانّ هذه الفئة ككرة الثلج كلما تقدّمت السنوات كبرت حيث اقترع ما لا يقل عن 4 ملايين و300 ألف في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011، بنسبة 51.97% من جملة المسجّلين و ذروة المشاركة في الاقتراع شهدتها الانتخابات التشريعية لسنة 2014، حيث بلغت نسبة الاقتراع 68.36%. وسببه باعتقادنا هو رغبة الناخبين(الأغلبية الصامتة) في القطع مع فترة التأسيس والترويج للجمهورية الثانية من 2011 إلى 2014 التي شهدت أحداثا إرهابيّة واغتيالات سياسيّة،. أما الانتخابات الرئاسية فقد استقطبت بدورها عددا هاما من المقترعين سنة 2014، بلغت نسبة مشاركتهم 62.9% خلال الدّور الأول، و60.1% خلال الدّور الثاني.
لكن الانتخابات البلديّة سنة 2018 لم تحظ سوى بنسبة 32.9% من الأصوات. ويعد ذلك تاريخا مهما لعودة الأغلبية الصامتة إلى صمتها وعزوفها عن المشاركة في الانتخابات رغم أن ّ انتخابات 2019 خاصة الرئاسية قاربت الحدّ الأدنى من المشاركة بالمقاييس الدولية حيث بلغت في التشريعية 41.7%، وهي نسبة ضعيفة بالمقارنة مع انتخابات 2014، وهي ناتجة عن خيبة الأمل الأولى التي توافق فيها النهضة والنداء.
وفي الدّور الثاني، ارتفعت نسبة التصويت لتصل إلى 55%، وفوز كاسح للرئيس قيس سعيد بأكثر من 70 بالمائة من الأصوات.
ومنذ ذلك التاريخ لم تتجاوز كل المحطات الانتخابية التي أجريت نسبة 30 بالمائة وهو ما يعني شبه استقالة لأكثر من 6 مليون تونسي من الشأن العام ولهذا أسبابه أهمها:
* غياب الثقة في الأحزاب وفشلها في إقناع المواطنين ببرامجها الخيالية وغير الواقعية.
* الزج بالعمل النقابي في العمل السياسي وسيطرة المصالح الشخصية عن المصلحة الوطنية.
* فشل الحكومات القائمة على المحاصصة الحزبية في تحقيق الحدّ الأدنى من المعيشة والتعليم والصحة وانشغالها باقتسام كعكة الحكم.
*غياب شخصيات كاريزمية مؤثرة وظهور المراهقة السياسية والشعبوية.
* تهميش النخبة من الجامعيين والكتاب والخبراء الاقتصاديين.
* استبعاد الشباب من الوظائف العليا ومن القيادة الحزبية والنقابية.
وهذا ما تترجمه نتائج سبر آراء أعدّته شركة “سيغما كونساي”، ونشر بجريدة المغرب يوم 18 ديسمبر 2019 رصدت فيه “ارتفاعًا قويّا في تشاؤم التونسيّين”. فـ72.4% من المُستجوَبين يعتبرون أنّ “البلاد تسير في الطّريق الخاطئ”و80.4% “غير راضين على الطريقة التي تسير بها البلاد”. ومع تفاقم الوضع الوبائي في ماي 2021 وتدهور الوضع الاقتصادي، الّذي لم يتعافَ إلى الآن، تقول نتائج سبر الآراء إنّ 90% ممّن تمّ استجوابهم يعتبرون أنّ تونس تسير في الطّريق الخاطئ.
الأغلبية الصامتة كيف ننطقها؟
لابدّ أن نضع في الاعتبار نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتي تثبت أنّ الأغلبية الصامتة لا تزال تمثل معضلة في المجتمع التونسي والتي تحوّلت الى السلبية بعدم مشاركتها في الانتخابات لا لموقف سياسي أو فكري وإنما لانشغالها بتفاصيل الحياة اليومية من غلاء معيشة وتردّي الخدمات الاجتماعية وتراجع الخدمات الإدارية وبالتالي فهذه الأغلبية قد يكون أغلبها مع الرئيس قيس سعيد وبالتالي لابدّ من احتوائها مجدّدا وجعلها تعبّر عن رأيها وتشارك في مرحلة البناء والتشييد بقطع النظر عن الخلافات السياسية والفكرية طالما الهدف واحد .
وهذا يتمّ عبر عقد اجتماعي جديد ومصالحة سياسية واقتصادية شاملة قوامها:
• تنقيح قانون الأحزاب والجمعيات في اتجاه التشجيع على العمل الحزبي والمجتمعي بعقلية جديدة تستقطب الشباب وتقطع مع القوانين الحالية التي أثبتت فشلها وتكرّس للارتباط بالخارج أكثر منه ارتباطها بالداخل وخدمة المصلحة الوطنية.
• إطلاق مبادرة "أمان" مع رجال الأعمال وتشجيع المستثمرين الشبان في القطاعات الرقمية والتكنولوجية وإزالة عراقيل التمويل والصرف من طريقهم.
• الإسراع في تفعيل المجلس الأعلى للتربية والتعليم لاستيعاب جزء مهم من الأغلبية الصامتة وتركيز مجالس مماثلة في الصحة والثقافة والنقل وغيرها من القطاعات الحيوية.
• تشجيعات حقيقية للجالية بالخارج للاستثمار في تونس فهم أيضا جزء مهم من الأغلبية الصامتة التي نحتاج أراءها وخبراتها.
• إعادة هيكلة وزارات الشباب والرياضة ووضع برامج ومنصات تواصل مع الشباب الذين يمثلون أغلبية الأغلبية الصامتة .
خلاصة القول أن الأغلبية الصامتة في تونس يمكن اعتبارها مصدر قوة غير مرئي؛ فهي تؤثر على الحياة العامة بطريقة غير مباشرة. وعندما تُخاطب احتياجاتها وتبدّد مخاوفها ، يمكن أن تتحول إلى قوة دافعة نحو البناء والتشييد فهي تشكل شريحة كبيرة من المواطنين الذين قد لا يظهرون في المشهد العام، ولكنّ دورهم مهم في التوازن الاجتماعي حتى بصمتهم .أمّا إذا لم يتم الانتباه إلى صمتها وعدم محاولة معالجة أسبابه فإنها تتحوّل إلى عبء على المجتمع ومعطّل له.
بقلم ريم بالخذيري
أن الأغلبية الصامتة في تونس يمكن اعتبارها مصدر قوة غير مرئي؛ فهي تؤثر على الحياة العامة بطريقة غير مباشرة.
يعرّف المجتمع أنه جسم واحد تحرّكه أعضاء مختلفة وتبنيه كيانات قد تتعارض وقد تتآلف لكن ذلك لا يعطّل المجتمع بصفته جسدا عن النمو والتطور . كلما ضعفت هذه الكيانات تماما مثلما تضعف أعضاء الجسد يصاب بالمرض والضعف والعجز.
ويصنّف المواطنون حسب انتماءاتهم الفكرية والسياسة والنقابية والقطاعية إلى جزء يحكم و جزء يعارض. وبينهما تتشكّل الأغلبية الصامتة أو ما يعرف بالانقليزية ب "the silent majority". وبالفرنسية ب "la majorité silencieuse".
وهي فئة لها ايجابياتها ولها سلبياتها وقد تكون عبءا على المجتمع أو مصدر قوّته. فمن هي الأغلبية الصامتة وأسباب تكونها ومدى تأثيرها يتأثر المجتمع بها؟
مصطلح "الأغلبيّة الصامتة" يشير إلى شريحة كبيرة من السكان الذين لا يعبّرون عن آرائهم أو مواقفهم بشكل علني أو واضح في النقاشات العامة والسياسية. هؤلاء الأفراد لا يشاركون في الاحتجاجات وليسوا منتمين للأجسام الوسيطة ، ولكنهم يشكلون قوة انتخابية أو اجتماعية هامة. وقد تم استخدام هذا المصطلح لأول مرة من قبل الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عام 1969، عندما تحدّث عن "الأغلبية الصامتة" التي دعّمت سياساته خلال حرب فيتنام ولكنها لم تشارك في الاحتجاجات العامة.
وأسباب صمتها يلخّصه خبراء السياسة والاجتماع في :
* الخوف من الانتقادات أو المواجهات.
* عدم الثقة في النظام السياسي أو في جدوى المشاركة.
* اللامبالاة أو عدم الاهتمام بالشأن العام.
وفي مصر توصف الأغلبية الصامتة بحزب "الكنبة" وهم الذين لا تعنيهم سوى حياتهم الخاصة ولا يشاركون في الشأن العام، سواء في الانتخابات أو الاحتجاجات أو النقاشات السياسية. وهو مصطلح يشير بشكل ساخر إلى الأشخاص الذين يفضّلون مشاهدة الأحداث والتعليق عليها من بعيد (وغالبًا عبر وسائل الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي) دون الانخراط الفعلي في صنع التغيير.
الأغلبية الصامتة التونسية
تشكّلت هذه الأغلبية مع الزمن فبعدما كانت قلّة في سنوات السبعينات والثمانينات حينما كان يشارك أغلب المجتمع في رسم التصورات العامة لإدارة الدولة وكانت الأحزاب على قلّتها رافدا مهما لاستقطاب النخب الفكرية وكان الاتحاد العام التونسي للشغل يستقطب العمال. وكان الحزب الحاكم يشكّل كتلة شعبية لا تقل عن المليون مواطن منخرطون في توجهاته وتبني مواقف الدولة ومشاريعها انطلاقا مما يتقرر في أروقته.
ومع اندلاع شرارة الثورة كان للأغلبية الصامتة عن الخوض في الشأن العام الكلمة الفصل وتحولت إلى الأغلبية الناطقة والصادحة بشعارات الكرامة والحرية ومحاربة الفساد والحق في التشغيل. لكنّ هذه الأغلبية تشتّت في مئات الأحزاب وآلاف الجمعيات التي أسست بداية من 2011. ومع وصول القلة التي نصّبت نفسها حامية للثورة بشعارات دينية مخدّرة ومخادعة الى الحكم تبخرت أحلام التونسيين أو الأغلبية الصامتة التي فجّرت الثورة وبدأت تعود شيئا فشيئا الى صمتها وعزوفها عن المشاركة في السياسة وفي العمل المجتمعي وفقد العمل النقابي والقطاعي الكثير من قوته وصلابته.
وقد استعمل هذا المصطلح لأول مرّة في تونس الوزير الأول الأسبق محمد الغنوشي حينما قال خلال تقديم استقالته تحت ضغط جزء من الشعب التونسي في اعتصام القصبة 2011 أن هناك خيوط مؤامرة تنسج ضد الثورة وأن الشعب التونسي وحده وبخاصة الأغلبية الصامتة منه هو الأقدر اليوم على وضع حد للمؤامرات التي تحاك ضد ثورته وتعمل على إفشالها.
وبحساب الأرقام إذا ما اعتبرنا أن الانتخابات هي المعيار الأول الذي تحسب به الأغلبية الصامتة فانّ هذه الفئة ككرة الثلج كلما تقدّمت السنوات كبرت حيث اقترع ما لا يقل عن 4 ملايين و300 ألف في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي سنة 2011، بنسبة 51.97% من جملة المسجّلين و ذروة المشاركة في الاقتراع شهدتها الانتخابات التشريعية لسنة 2014، حيث بلغت نسبة الاقتراع 68.36%. وسببه باعتقادنا هو رغبة الناخبين(الأغلبية الصامتة) في القطع مع فترة التأسيس والترويج للجمهورية الثانية من 2011 إلى 2014 التي شهدت أحداثا إرهابيّة واغتيالات سياسيّة،. أما الانتخابات الرئاسية فقد استقطبت بدورها عددا هاما من المقترعين سنة 2014، بلغت نسبة مشاركتهم 62.9% خلال الدّور الأول، و60.1% خلال الدّور الثاني.
لكن الانتخابات البلديّة سنة 2018 لم تحظ سوى بنسبة 32.9% من الأصوات. ويعد ذلك تاريخا مهما لعودة الأغلبية الصامتة إلى صمتها وعزوفها عن المشاركة في الانتخابات رغم أن ّ انتخابات 2019 خاصة الرئاسية قاربت الحدّ الأدنى من المشاركة بالمقاييس الدولية حيث بلغت في التشريعية 41.7%، وهي نسبة ضعيفة بالمقارنة مع انتخابات 2014، وهي ناتجة عن خيبة الأمل الأولى التي توافق فيها النهضة والنداء.
وفي الدّور الثاني، ارتفعت نسبة التصويت لتصل إلى 55%، وفوز كاسح للرئيس قيس سعيد بأكثر من 70 بالمائة من الأصوات.
ومنذ ذلك التاريخ لم تتجاوز كل المحطات الانتخابية التي أجريت نسبة 30 بالمائة وهو ما يعني شبه استقالة لأكثر من 6 مليون تونسي من الشأن العام ولهذا أسبابه أهمها:
* غياب الثقة في الأحزاب وفشلها في إقناع المواطنين ببرامجها الخيالية وغير الواقعية.
* الزج بالعمل النقابي في العمل السياسي وسيطرة المصالح الشخصية عن المصلحة الوطنية.
* فشل الحكومات القائمة على المحاصصة الحزبية في تحقيق الحدّ الأدنى من المعيشة والتعليم والصحة وانشغالها باقتسام كعكة الحكم.
*غياب شخصيات كاريزمية مؤثرة وظهور المراهقة السياسية والشعبوية.
* تهميش النخبة من الجامعيين والكتاب والخبراء الاقتصاديين.
* استبعاد الشباب من الوظائف العليا ومن القيادة الحزبية والنقابية.
وهذا ما تترجمه نتائج سبر آراء أعدّته شركة “سيغما كونساي”، ونشر بجريدة المغرب يوم 18 ديسمبر 2019 رصدت فيه “ارتفاعًا قويّا في تشاؤم التونسيّين”. فـ72.4% من المُستجوَبين يعتبرون أنّ “البلاد تسير في الطّريق الخاطئ”و80.4% “غير راضين على الطريقة التي تسير بها البلاد”. ومع تفاقم الوضع الوبائي في ماي 2021 وتدهور الوضع الاقتصادي، الّذي لم يتعافَ إلى الآن، تقول نتائج سبر الآراء إنّ 90% ممّن تمّ استجوابهم يعتبرون أنّ تونس تسير في الطّريق الخاطئ.
الأغلبية الصامتة كيف ننطقها؟
لابدّ أن نضع في الاعتبار نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة والتي تثبت أنّ الأغلبية الصامتة لا تزال تمثل معضلة في المجتمع التونسي والتي تحوّلت الى السلبية بعدم مشاركتها في الانتخابات لا لموقف سياسي أو فكري وإنما لانشغالها بتفاصيل الحياة اليومية من غلاء معيشة وتردّي الخدمات الاجتماعية وتراجع الخدمات الإدارية وبالتالي فهذه الأغلبية قد يكون أغلبها مع الرئيس قيس سعيد وبالتالي لابدّ من احتوائها مجدّدا وجعلها تعبّر عن رأيها وتشارك في مرحلة البناء والتشييد بقطع النظر عن الخلافات السياسية والفكرية طالما الهدف واحد .
وهذا يتمّ عبر عقد اجتماعي جديد ومصالحة سياسية واقتصادية شاملة قوامها:
• تنقيح قانون الأحزاب والجمعيات في اتجاه التشجيع على العمل الحزبي والمجتمعي بعقلية جديدة تستقطب الشباب وتقطع مع القوانين الحالية التي أثبتت فشلها وتكرّس للارتباط بالخارج أكثر منه ارتباطها بالداخل وخدمة المصلحة الوطنية.
• إطلاق مبادرة "أمان" مع رجال الأعمال وتشجيع المستثمرين الشبان في القطاعات الرقمية والتكنولوجية وإزالة عراقيل التمويل والصرف من طريقهم.
• الإسراع في تفعيل المجلس الأعلى للتربية والتعليم لاستيعاب جزء مهم من الأغلبية الصامتة وتركيز مجالس مماثلة في الصحة والثقافة والنقل وغيرها من القطاعات الحيوية.
• تشجيعات حقيقية للجالية بالخارج للاستثمار في تونس فهم أيضا جزء مهم من الأغلبية الصامتة التي نحتاج أراءها وخبراتها.
• إعادة هيكلة وزارات الشباب والرياضة ووضع برامج ومنصات تواصل مع الشباب الذين يمثلون أغلبية الأغلبية الصامتة .
خلاصة القول أن الأغلبية الصامتة في تونس يمكن اعتبارها مصدر قوة غير مرئي؛ فهي تؤثر على الحياة العامة بطريقة غير مباشرة. وعندما تُخاطب احتياجاتها وتبدّد مخاوفها ، يمكن أن تتحول إلى قوة دافعة نحو البناء والتشييد فهي تشكل شريحة كبيرة من المواطنين الذين قد لا يظهرون في المشهد العام، ولكنّ دورهم مهم في التوازن الاجتماعي حتى بصمتهم .أمّا إذا لم يتم الانتباه إلى صمتها وعدم محاولة معالجة أسبابه فإنها تتحوّل إلى عبء على المجتمع ومعطّل له.