تمر السنوات وتتعاقب الأجيال ... وهو لايزال نسرا شامخا في سماء الإنسانية شاديا بجمال الوجود وإرادة الانسان الحر الثائر الرافض للاستكانة والجمود والخنوع .
ابوالقاسم الشابي الذي تمر دا الأربعاء 9 أكتوبر تسعون سنة على رحيله الى دار الخلد لازال وسيبقى نابضا بالحياة والحب والجمال في الوجدان العربي ... شاعر شغل ومازال يشغل الدارسين والأكاديميين واهل الفكر والادب بما صاغه من اشعار واسس له من مبادئ في العملية الإبداعية الشعرية فكان ان تعددت الدراسات وتنوعت التحاليل والقراءات لاشعاره وكتاباته النثرية ويومياته... ففي كل دراسة حديثة هناك سر وخصوصية متفردة يتم الكشف عنها في مدونة شاعر اكدت ابداعاته انه فوق النسيان الامس واليوم وغدا
انه قدر شاعر ارادته الحياة ان يبقى نابضا في وجدانها القا وتالقا وصفاء روحيا وطموحا لا حدود له. انه أبو القاسم الشابي.
ابو القاسم الشابي شاعر فوق الوصف
ولد ابو القاسم الشابي في الرابع والعشرين من فيفري سنة 1909 في قرية الشَّابِّية بتوزر ونشأ في عائلة عرف عنها ميلها إلى التصوّف والاهتمام بمؤلفات أعلامه. درس أبوه بالزيتونة ثم رحل إلى الأزهر لاتمام دراسته وتولّى بعد رجوعه خطة القضاء الشرعي وكانت تدعو القائم عليها إلى الانتقال بين الجهات فعرف الابن بلادا كثيرة. أرسله والده، في البداية، إلى مدرسة تعلّم اللسانين العربي والفرنسي لكن سرعان ما غيّر رأيه وألحقه بعد أسبوعين فقط بالكتّاب لقراءة القرآن وحفظه استعدادا للالتحاق بالجامعة الزيتونية. وفي هذه الفترة المبكرة بدأت ميوله الأدبية تظهر وشغفه بالقراءة يشتدّ.
التحق بالجامعة الزيتونية في أكتوبر 1920. وعرف عن الشابي ملازمته للمكتبات وشغفه بالمطالعة واطّلع، على أهم تجربتين تحديثيتين في الشعر آنذاك وهما تجربة الرابطة القلمية، وجماعة الديوان; كما كانت له معرفة بشعر الإحياء في مصر وفي العراق خاصة، كما أقبل على قراءة مؤلفات أحمد حسن الزيّات وطه حسين. وقد كانت لأحمد أمين في نفسه مكانة خاصة.
وفي هذه الفترة كتب أولى محاولاته الشعرية وبعد حصوله على التطويع سنة 1928 انتسب إلى مدرسة الحقوق التونسية التي كانت الدروس فيها تلقى بالعربية وتدوم سنتين. وكانت محاضرته عن "الخيال الشعري عند العرب" التي القاها في 1929 بعد حدثا مهما ودامت ما يزيد على الثلاث ساعات بالقاعة الكبرى للمحاضرات بالجمعية الخلدونية يوم غرة فيفري 1929
ولقد كان الشابي حريصا على نشر محاضرته، رغم ظروفه الحزينة فلقد مرض أبوه بضع أشهر بعد إلقائه المحاضرة وتوفي في 8 سبتمبر 1929 وزعزع الموت كيانه، وأثقل كاهله بمسؤولية مفاجئة لم يستعد لها. طُبع الكتاب في نسخ معدودات على قدر ما وزّع على "أحباء الأدب الحي" من مقتطعات وخرج للناس بمقدمة كتبها ناشره وحاضن أدبه وفكره زين العابدين السنوسي في أكتوبر 1929.
تزوّج الشابي سنة 1930 وكانت أعراض أمراض القلب بدأت تلوح عليه منذ 1928 واشتد عليه في الأربع سنوات الأخيرة من حياته .
وقد تطور شعره تطوّرا حاسما في هذه الفترة بشهادة النقاد. وبدأت تتحدّد أبرز سمات تجربته. وفي هذه الفترة أيضا سيعترف الشرق بمنزلته الشعرية عندما بدأ ينشر شعره بمجلة أبولو وكانت الفاتحة، سنة 1933، برائعته "صلوات في هيكل الحب" وكان من أبرز نتائجها طلب أبي شادي، زعيم الجماعة، من الشابي كتابة مقدمة ديوانه "الينبوع"، وطلب الشابي منه أن ينشر ديوانه بمصر ولذلك قام على جمعه وإعداده للطبع وسمّاه "أغاني الحياة" إلا أنّ المنية عاجلته فتوفي فجر يوم 9 أكتبور 1934 ولم يصدر الديوان إلا سنة 1955 بعناية أخيه الأستاذ محمد الأمين الشابي.
و"أغاني الحياة" صوت فذ منفرد تتناغم في قراره أصوات تحكي حياة الشعر العربي قديمه وحديثه، وتصوّر طموح جيل الشابي وأجيالا قبله إلى "الشاعرية الحق". والدراسات كثيرة والاراء مختلفة وتتراوح بين المدح والنقد الشديد والقدح احيانا لكن لا نجد من النقاد من لا يُقر بأنه شاعر غيرُ عادي، وأنّ شاعريته فوق الوصف وأبعد ممّا قد تصل إليه مناهج تحليل النصوص المكتفية بالبنى الماثلة فيها وفق ما جاء في الموسوعة التونسية.
الشابي والتًصوف.. المنحى الذي غاب عن الدارسين
اهتم رجل السياسة والثقافة الدكتورعلي الشابي في كتابه " ظلال النخيل " لأول مرة بمنحى التصوف في شعر الشابي مبرزا هذه الخصوصية –التي لم يتفطن لها أي من الدراسين لشعر صاحب "إرادة الحياة" على حد تعبيره
يقول الدكتور علي الشابي : لا أحد تناول بالدرس والتفصيل في هذا الامر انها صيغة عامة اردنا تجليتها بالتحليل والتعليل والاستشهاد بشعر الشابي الذي تأثر بالتصوف من حيث الصورة واللغة والمبادئ.
لقد كان الشابي – والكلام للدكتور علي الشابي --متأثرا بالتصوف ومستمدا من مبادئ التصوف ما به يرق وجدانه وتزكو روحه وتسمو لغته فهو متأثر بمبادئ التصوف المتمثلة في وحدة الوجود وفي تقديس الحب والجمال وفي إشكالية الهبوط والعروج أي هبوط الروح من العالم العلوي الى الأرض لتسجن في البدن وتظل رانية الى منبتها الأصلي أي الى العالم العلوي .
وتوقف الدكتور علي الشابي عند ميزة الصوفية المتمثلة في مبدا الهبوط والعروج وهو مبدا صوفي فلسفي وقف عنده الشابي كثيرا في شعره ولقد وقف هو كما وقف الصوفية من قبله عند هذا المبدأ وكان الهدف من ذلك هو طلب الخلاص من سجن البدن ومن عتبة المادة ومن ظلمة الأرض أي خلاص الروح من هذا البدن لتعود الى منبتها الأصلي أي الى العالم العلوي حيث الصفاء والطهر والنقاء والمحبة وحيث تنعم الروح ببديع الالحان.
وكشف الدكتور علي الشابي ان الشابي تناول هذا المعنى في 5 قصائد و هي "الى الموت" و"الاشواق التائهة" و"صوت تائه " وهذه الثلاثة منشورة في ديوانه وفي كتاب " ظلال النخيل " قصيدان اخريان " كنت بالأمس" و"ايها القلب " كما خصص لهذا المبدأ أي الهبوط والعروج ابياتا من قصائده " حكمة الانسان" و"نشيد الجبار" و"الى الله" و"جدول الحب " وهو ما غفل عنه الدراسون لشعر الشابي كما اكد على ذلك الدكتور علي الشابي .
الشابي وسر قصيدة " صلوات في هيكل الحب "
قال الشاعر الكبير خير الدين الشابي ان الأستاذ الراحل صالح بن علي بن صالح الشابي وهو في عمر التسعين أي سنة-قبل رحيله- كان اخر من حدثه عن الشابي حيث كان بين الاثنين لقاء كشف فيه الراحل عن سر قصيدة " صلوات في هيكل الحب "
يقول خير الدين الشابي :
" في اخر لقاء جمعني بالأستاذ صالح بن علي بن صالح الشابي " قال لي
خير الدين أزف اليك خبرا لا يعلمه إلا الله ووالدتي عيشة بنت خديجة رحمها الله قالت لي بالحرف الواحد أن قصيدة صلوات في معبد الحب الشابي كتبها عن زوجته صديقتي المرحومة شهلة بنت باهي الشابي يعني زوجة الشابي بعد زواجه منها بشهرين ونصف تقريبا وكان الشابي كلما كتب بعض من اسطرها يقرؤها على زوجته، مشيرا ان الراحل صالح بن علي بن صالح الشابي قد اهداه كتابيا كل تفاصيل قصيد " صلوات في هيكل الحب " وهي في حوزته الى اليوم "
بمنتدى الفكر التنويري.. ندوة وكتاب
احياء لذكرى " تسعينية الشابي " ينظم منتدى الفكر التنويري بإدارة الكاتب والباحث محمد المي ندوة فكرية غدا الأربعاء 9 أكتوبر تتضمن 8 محاضرات محورها الرئيسي " الشابي ... شاعر النور " يتوقف خلالها المحاضرون عند الكثير من خصوصيات هذا الشاعر الخالد في الشعر والنثر والقصة ويحاضر بالمناسبة عدد هام من النقاد والباحثين والمهتمين بتجربة ابو القاسم الشابي.
وتتوزع المحاضرات على جلستين الأولى صباحية وتديرها الكاتبة والناقدة حبيبة المحرزي والثانية بعد الظهر وتديرها الناقدة والأدبية مفيدة الجلاصي
تشهد الندوة في جانب اخر منها معرضا وثائقيا خاصا بالشابي الى جانب توزيع كتاب " الشابي شاعر النور " مجانا على الحاضرين وهو التمشي الذي أسس له وانفرد به منتدى الفكر التنويري منذ 2018 تونسيا وعربيا والمتمثل في توثيق كل اعمال ندواته الفكرية في كتاب يتم توزيعه مجانا على الحاضرين
وكتاب " الشابي شاعر النور " يحمل رقم" 37" وهو عدد الكتب التي أصدرها هذا المنتدى الى حد الان.
أفراح الجبالي.. 15 قصيدة ... 15 لوحة تشكيلية
تشارك الشاعرة والرسامة التشكيلية افراح الجبالي في الندوة الوطنية الكبرى الخاصة بـ "تسعينية الشابي" بمنجز فني يتمثّل لأول مرة في خمس عشرة لوحة لنصوص أبي القاسم الشابي النثريّة التالية: أيتها النفس/ الخريف / الذكرى / أمام الكهف / الشاعر / النفس التائهة / بقايا الشفق، و لوحتين لكل من النصوص الآتية: الذكريات الباكية / الأحزان الثلاثة / أغنية الألم / الليل. اللوحات تقوم بتقديمها من خلال مقالة لها بعنوان "قصيدةُ الرسم اليتيمةُ بلا انتهاء".
تقول افراح الجبالي "هي قراءة لنصوص الشاعر النثريّة الفريدة والتي تضمّنها كتاب "صفحات من كتاب الوجود: القصائد النثريّة" عن منشورات المجمّع التونسيّ بيت الحكمة. والنُصوص، كما لو أنها مُحاولة لكتابة مُذكّرات أو يوميّات انحرفتْ عن مَسارها لتَكون موضوعًا للنَّظر. هكذا أرى قصائد الشابي التي اخترت، الصفحات التي تمتصّ الأشكالَ والضوء واللون، الشّابي مُشارك في الرّسم، يصبح عنصُرا من عناصر الجمال المَرئيّ ومكوِّنا في بناء المنجز الفنيّ التشكيليّ. نصوص اللوحات، ولوحات النصوص حيث تتفاعل العناصرُ. وحيث يُمكن الحُصول على اللّون مثلا مِن خلال الإيحاء به أو إيجاد فُسحة ممكنةٍ تقوله. نصوصُ الشابي تفعلُ ذلك.
"صفحات من ديوان الوجود" لسوف عبيد.. أمنية الشابي التي تحققت
بادر الشاعر سوف عبيد تحت اشراف "بيت الحكمة "بإصدار ما يمكن اعتباره الديوان الثاني للشابي بعد "أغاني الحياة" وعنوانه" صفحات من كتاب الوجود" وهذا العنوان اقترحه الشابي نفسه – كما بين ذلك سوف عبيد –على اعتبار ان الشابي قد ذكره " اي العنوان " في الرسالة الثالثة التي أرسلها إلى صديقه محمد الحليوي ولم يتسنّ للشاعر أن يجمعها وأن يصدرها في حياته فظلّت مبثوثة في مصادر مختلفة.
وبين سوف عبيد انه توصل اليها بعد اطلاعه على اثار الشابي التي وجدها منشورة مع غيرها من مختلف نصوصه الأخرى في غير ديوانه أغاني الحياة وقد أشار إلى بعضها دارسون مختصون مثل أبي القاسم محمد كرّو وتوفيق بكار وأبو زيان السعدي.
واكد سوف عبيد ان " صفحات من كتب الوجود" تضمن القصائد النثرية للشابي وهي قصائد مجهولة وغير متداولة وانه اتبع في هذا الديوان نفس المنهج الذي أراده الشابي وهو سعيد بكونه كسب من خلال هذا الكتاب رهان تحقيق امنية الشابي.
أدتها أصوات شهيرة.. قصيد "إرادة الحياة" ملهمة كبار الملحنين في العالم العربي
حفلت المدونة الموسيقية التونسية والعربية بالعديد من قصائد الشابي التي وجدت طريقها إلى التلحين وقد شدا بها أكثر من صوت عربي.
وما يلفت الانتباه في هذا المجال قصيدة " إرادة الحياة " التي بادر الملحن اللبناني الكبير الخالد حليم الرومي بتلحينها وادائها وتسجيلها بصوته في ستينات القرن الماضي كردة فعل عربية على نكسة حرب 1967 والتي كان من نتيجتها احتلال سيناء المصرية والجولان السورية والقدس والضفة الغربية الفلسطينية من قبل قوات الاحتلال الصهيوني الغاشم بمساعدة ودعم من القوى الاستعمارية الغربية والولايات المتحدة الامريكية وقام بعد ذلك الملحن حليم الرومي بعرض هذا اللحن لقصيدة " إرادة الحياة " على الفنانة الكبيرة سعاد محمد التي كانت سعيدة به وسجلته بصوتها.
واواخر سبعينات القرن الماضي عمل امير النغم العربي الخالد رياض السنباطي وبعد الانتصار العربي في حرب أكتوبر 1973 على اعداد لحن جديد لقصيدة "إرادة الحياة " وطلب من سعاد محمد ان تسجله بصوتها وكان له ما أراد لتكون بذلك هذه الفنانة اللبنانية العربية الخالدة اول صوت عربي يؤدي ويسجل قصيدة وطنية بلحنين مختلفين.
قصيدة للشاعر الجزائري الكبير مفدي زكرياء في موكب تأبين الشابي
طربت أمس هناء واليوم أبكي عزاء
تلك الدنيا عوّدتني خداعها والرياء
حتّى رأيت سواء بكاءها والغناء
و(أمّ دفر) عجوز تباشر الفحشاء
أضاعت الرشد لمّا أضاعت الخرفاء
كم أجزلت لي رضاها وبادلتني الولاء
وكم أرتني وجها مهلّلا وضّاء
وناولتني ثغرا لثمت فيه الرّجاء
حتّى إذا رمت وصلا وجئت أرجو الوفاء
رأيتها وهي تنسا ب حيّة رقطاء
وكم لها من إهاب تغري به البسطاء
حتّى إذا لمسوها تبدّلت حرباء
يا ناعي الشعر هلاّ كفى البلاد بلاء
في كلّ يوم حداد يبقي البلاد خلاء
في كلّ يوم مصاب يبكي العيون دماء
وأكبد مزّقتها يد البلاء أشلاء
وأنفس ضارعات حرّى تعاني الشقاء
في كلّ بيت أنين يفتّت الاحشاء
وكم بها زفرات ألهبن هذا الفضاء
أما كفاها صليا أما كفى برحاء
مآتم تلو أخرى تذري القلوب هباء
رحماك يا ربّ يا من خلقتنا ضعفاء
لم نذرع في الرزايا إليك إلاّ الدعاء
ويا بني (تلك)!! مهلا لا تركبوا الخيلاء
كنّا لكم شرفاء كونوا لنا شرفاء
يا خالد الذكر فاهنا لقد بلغت البقاء
نم في الضلوع وخذ هذه القلوب غطاء
بنيت فيها عروشا لمن تركت البناء
تبكيك زهر القوافي فافرغ عليها العزاء
قد كنت فيها أمينا تقدّس الامناء
تروي الحديث عن القلب صادقا لا هراء
فلم تقلّد لبيدا فيه ولا الخنساء
فكان شعرك حرّا وكنت فيه ثناء
والشّعر إن كان لغوا فناد فيه العفاء
يبلى غدا فيلقى تصدية ومكاء
سئمت دهرك لمّا عانيت داء عياء
فجئت للموت ترجو على يديه الشفاء
ناديت بالشعر عزرا ئيلا فلبّى النّداء
ولو درى أنّها رو ح شاعر ما أساء
كفى ذوي الشّعر أن ينالوا البقاء
لو سامح الموت قوما لسامح الشعراء
نم هانئا مطمئنّا واطرح هناك العناء
هذا رثائي وإن كنت لا أجيد الرّثاء
ولدت هشّا طروبا وما ألفت البكاء
فاقبل من الاخت منّي تحيّة وولاء
واسجد لربّك شكرا ونل هناك الجزاء
من اشهر قصائد الشابي
ارادة الحياة
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر
تمر السنوات وتتعاقب الأجيال ... وهو لايزال نسرا شامخا في سماء الإنسانية شاديا بجمال الوجود وإرادة الانسان الحر الثائر الرافض للاستكانة والجمود والخنوع .
ابوالقاسم الشابي الذي تمر دا الأربعاء 9 أكتوبر تسعون سنة على رحيله الى دار الخلد لازال وسيبقى نابضا بالحياة والحب والجمال في الوجدان العربي ... شاعر شغل ومازال يشغل الدارسين والأكاديميين واهل الفكر والادب بما صاغه من اشعار واسس له من مبادئ في العملية الإبداعية الشعرية فكان ان تعددت الدراسات وتنوعت التحاليل والقراءات لاشعاره وكتاباته النثرية ويومياته... ففي كل دراسة حديثة هناك سر وخصوصية متفردة يتم الكشف عنها في مدونة شاعر اكدت ابداعاته انه فوق النسيان الامس واليوم وغدا
انه قدر شاعر ارادته الحياة ان يبقى نابضا في وجدانها القا وتالقا وصفاء روحيا وطموحا لا حدود له. انه أبو القاسم الشابي.
ابو القاسم الشابي شاعر فوق الوصف
ولد ابو القاسم الشابي في الرابع والعشرين من فيفري سنة 1909 في قرية الشَّابِّية بتوزر ونشأ في عائلة عرف عنها ميلها إلى التصوّف والاهتمام بمؤلفات أعلامه. درس أبوه بالزيتونة ثم رحل إلى الأزهر لاتمام دراسته وتولّى بعد رجوعه خطة القضاء الشرعي وكانت تدعو القائم عليها إلى الانتقال بين الجهات فعرف الابن بلادا كثيرة. أرسله والده، في البداية، إلى مدرسة تعلّم اللسانين العربي والفرنسي لكن سرعان ما غيّر رأيه وألحقه بعد أسبوعين فقط بالكتّاب لقراءة القرآن وحفظه استعدادا للالتحاق بالجامعة الزيتونية. وفي هذه الفترة المبكرة بدأت ميوله الأدبية تظهر وشغفه بالقراءة يشتدّ.
التحق بالجامعة الزيتونية في أكتوبر 1920. وعرف عن الشابي ملازمته للمكتبات وشغفه بالمطالعة واطّلع، على أهم تجربتين تحديثيتين في الشعر آنذاك وهما تجربة الرابطة القلمية، وجماعة الديوان; كما كانت له معرفة بشعر الإحياء في مصر وفي العراق خاصة، كما أقبل على قراءة مؤلفات أحمد حسن الزيّات وطه حسين. وقد كانت لأحمد أمين في نفسه مكانة خاصة.
وفي هذه الفترة كتب أولى محاولاته الشعرية وبعد حصوله على التطويع سنة 1928 انتسب إلى مدرسة الحقوق التونسية التي كانت الدروس فيها تلقى بالعربية وتدوم سنتين. وكانت محاضرته عن "الخيال الشعري عند العرب" التي القاها في 1929 بعد حدثا مهما ودامت ما يزيد على الثلاث ساعات بالقاعة الكبرى للمحاضرات بالجمعية الخلدونية يوم غرة فيفري 1929
ولقد كان الشابي حريصا على نشر محاضرته، رغم ظروفه الحزينة فلقد مرض أبوه بضع أشهر بعد إلقائه المحاضرة وتوفي في 8 سبتمبر 1929 وزعزع الموت كيانه، وأثقل كاهله بمسؤولية مفاجئة لم يستعد لها. طُبع الكتاب في نسخ معدودات على قدر ما وزّع على "أحباء الأدب الحي" من مقتطعات وخرج للناس بمقدمة كتبها ناشره وحاضن أدبه وفكره زين العابدين السنوسي في أكتوبر 1929.
تزوّج الشابي سنة 1930 وكانت أعراض أمراض القلب بدأت تلوح عليه منذ 1928 واشتد عليه في الأربع سنوات الأخيرة من حياته .
وقد تطور شعره تطوّرا حاسما في هذه الفترة بشهادة النقاد. وبدأت تتحدّد أبرز سمات تجربته. وفي هذه الفترة أيضا سيعترف الشرق بمنزلته الشعرية عندما بدأ ينشر شعره بمجلة أبولو وكانت الفاتحة، سنة 1933، برائعته "صلوات في هيكل الحب" وكان من أبرز نتائجها طلب أبي شادي، زعيم الجماعة، من الشابي كتابة مقدمة ديوانه "الينبوع"، وطلب الشابي منه أن ينشر ديوانه بمصر ولذلك قام على جمعه وإعداده للطبع وسمّاه "أغاني الحياة" إلا أنّ المنية عاجلته فتوفي فجر يوم 9 أكتبور 1934 ولم يصدر الديوان إلا سنة 1955 بعناية أخيه الأستاذ محمد الأمين الشابي.
و"أغاني الحياة" صوت فذ منفرد تتناغم في قراره أصوات تحكي حياة الشعر العربي قديمه وحديثه، وتصوّر طموح جيل الشابي وأجيالا قبله إلى "الشاعرية الحق". والدراسات كثيرة والاراء مختلفة وتتراوح بين المدح والنقد الشديد والقدح احيانا لكن لا نجد من النقاد من لا يُقر بأنه شاعر غيرُ عادي، وأنّ شاعريته فوق الوصف وأبعد ممّا قد تصل إليه مناهج تحليل النصوص المكتفية بالبنى الماثلة فيها وفق ما جاء في الموسوعة التونسية.
الشابي والتًصوف.. المنحى الذي غاب عن الدارسين
اهتم رجل السياسة والثقافة الدكتورعلي الشابي في كتابه " ظلال النخيل " لأول مرة بمنحى التصوف في شعر الشابي مبرزا هذه الخصوصية –التي لم يتفطن لها أي من الدراسين لشعر صاحب "إرادة الحياة" على حد تعبيره
يقول الدكتور علي الشابي : لا أحد تناول بالدرس والتفصيل في هذا الامر انها صيغة عامة اردنا تجليتها بالتحليل والتعليل والاستشهاد بشعر الشابي الذي تأثر بالتصوف من حيث الصورة واللغة والمبادئ.
لقد كان الشابي – والكلام للدكتور علي الشابي --متأثرا بالتصوف ومستمدا من مبادئ التصوف ما به يرق وجدانه وتزكو روحه وتسمو لغته فهو متأثر بمبادئ التصوف المتمثلة في وحدة الوجود وفي تقديس الحب والجمال وفي إشكالية الهبوط والعروج أي هبوط الروح من العالم العلوي الى الأرض لتسجن في البدن وتظل رانية الى منبتها الأصلي أي الى العالم العلوي .
وتوقف الدكتور علي الشابي عند ميزة الصوفية المتمثلة في مبدا الهبوط والعروج وهو مبدا صوفي فلسفي وقف عنده الشابي كثيرا في شعره ولقد وقف هو كما وقف الصوفية من قبله عند هذا المبدأ وكان الهدف من ذلك هو طلب الخلاص من سجن البدن ومن عتبة المادة ومن ظلمة الأرض أي خلاص الروح من هذا البدن لتعود الى منبتها الأصلي أي الى العالم العلوي حيث الصفاء والطهر والنقاء والمحبة وحيث تنعم الروح ببديع الالحان.
وكشف الدكتور علي الشابي ان الشابي تناول هذا المعنى في 5 قصائد و هي "الى الموت" و"الاشواق التائهة" و"صوت تائه " وهذه الثلاثة منشورة في ديوانه وفي كتاب " ظلال النخيل " قصيدان اخريان " كنت بالأمس" و"ايها القلب " كما خصص لهذا المبدأ أي الهبوط والعروج ابياتا من قصائده " حكمة الانسان" و"نشيد الجبار" و"الى الله" و"جدول الحب " وهو ما غفل عنه الدراسون لشعر الشابي كما اكد على ذلك الدكتور علي الشابي .
الشابي وسر قصيدة " صلوات في هيكل الحب "
قال الشاعر الكبير خير الدين الشابي ان الأستاذ الراحل صالح بن علي بن صالح الشابي وهو في عمر التسعين أي سنة-قبل رحيله- كان اخر من حدثه عن الشابي حيث كان بين الاثنين لقاء كشف فيه الراحل عن سر قصيدة " صلوات في هيكل الحب "
يقول خير الدين الشابي :
" في اخر لقاء جمعني بالأستاذ صالح بن علي بن صالح الشابي " قال لي
خير الدين أزف اليك خبرا لا يعلمه إلا الله ووالدتي عيشة بنت خديجة رحمها الله قالت لي بالحرف الواحد أن قصيدة صلوات في معبد الحب الشابي كتبها عن زوجته صديقتي المرحومة شهلة بنت باهي الشابي يعني زوجة الشابي بعد زواجه منها بشهرين ونصف تقريبا وكان الشابي كلما كتب بعض من اسطرها يقرؤها على زوجته، مشيرا ان الراحل صالح بن علي بن صالح الشابي قد اهداه كتابيا كل تفاصيل قصيد " صلوات في هيكل الحب " وهي في حوزته الى اليوم "
بمنتدى الفكر التنويري.. ندوة وكتاب
احياء لذكرى " تسعينية الشابي " ينظم منتدى الفكر التنويري بإدارة الكاتب والباحث محمد المي ندوة فكرية غدا الأربعاء 9 أكتوبر تتضمن 8 محاضرات محورها الرئيسي " الشابي ... شاعر النور " يتوقف خلالها المحاضرون عند الكثير من خصوصيات هذا الشاعر الخالد في الشعر والنثر والقصة ويحاضر بالمناسبة عدد هام من النقاد والباحثين والمهتمين بتجربة ابو القاسم الشابي.
وتتوزع المحاضرات على جلستين الأولى صباحية وتديرها الكاتبة والناقدة حبيبة المحرزي والثانية بعد الظهر وتديرها الناقدة والأدبية مفيدة الجلاصي
تشهد الندوة في جانب اخر منها معرضا وثائقيا خاصا بالشابي الى جانب توزيع كتاب " الشابي شاعر النور " مجانا على الحاضرين وهو التمشي الذي أسس له وانفرد به منتدى الفكر التنويري منذ 2018 تونسيا وعربيا والمتمثل في توثيق كل اعمال ندواته الفكرية في كتاب يتم توزيعه مجانا على الحاضرين
وكتاب " الشابي شاعر النور " يحمل رقم" 37" وهو عدد الكتب التي أصدرها هذا المنتدى الى حد الان.
أفراح الجبالي.. 15 قصيدة ... 15 لوحة تشكيلية
تشارك الشاعرة والرسامة التشكيلية افراح الجبالي في الندوة الوطنية الكبرى الخاصة بـ "تسعينية الشابي" بمنجز فني يتمثّل لأول مرة في خمس عشرة لوحة لنصوص أبي القاسم الشابي النثريّة التالية: أيتها النفس/ الخريف / الذكرى / أمام الكهف / الشاعر / النفس التائهة / بقايا الشفق، و لوحتين لكل من النصوص الآتية: الذكريات الباكية / الأحزان الثلاثة / أغنية الألم / الليل. اللوحات تقوم بتقديمها من خلال مقالة لها بعنوان "قصيدةُ الرسم اليتيمةُ بلا انتهاء".
تقول افراح الجبالي "هي قراءة لنصوص الشاعر النثريّة الفريدة والتي تضمّنها كتاب "صفحات من كتاب الوجود: القصائد النثريّة" عن منشورات المجمّع التونسيّ بيت الحكمة. والنُصوص، كما لو أنها مُحاولة لكتابة مُذكّرات أو يوميّات انحرفتْ عن مَسارها لتَكون موضوعًا للنَّظر. هكذا أرى قصائد الشابي التي اخترت، الصفحات التي تمتصّ الأشكالَ والضوء واللون، الشّابي مُشارك في الرّسم، يصبح عنصُرا من عناصر الجمال المَرئيّ ومكوِّنا في بناء المنجز الفنيّ التشكيليّ. نصوص اللوحات، ولوحات النصوص حيث تتفاعل العناصرُ. وحيث يُمكن الحُصول على اللّون مثلا مِن خلال الإيحاء به أو إيجاد فُسحة ممكنةٍ تقوله. نصوصُ الشابي تفعلُ ذلك.
"صفحات من ديوان الوجود" لسوف عبيد.. أمنية الشابي التي تحققت
بادر الشاعر سوف عبيد تحت اشراف "بيت الحكمة "بإصدار ما يمكن اعتباره الديوان الثاني للشابي بعد "أغاني الحياة" وعنوانه" صفحات من كتاب الوجود" وهذا العنوان اقترحه الشابي نفسه – كما بين ذلك سوف عبيد –على اعتبار ان الشابي قد ذكره " اي العنوان " في الرسالة الثالثة التي أرسلها إلى صديقه محمد الحليوي ولم يتسنّ للشاعر أن يجمعها وأن يصدرها في حياته فظلّت مبثوثة في مصادر مختلفة.
وبين سوف عبيد انه توصل اليها بعد اطلاعه على اثار الشابي التي وجدها منشورة مع غيرها من مختلف نصوصه الأخرى في غير ديوانه أغاني الحياة وقد أشار إلى بعضها دارسون مختصون مثل أبي القاسم محمد كرّو وتوفيق بكار وأبو زيان السعدي.
واكد سوف عبيد ان " صفحات من كتب الوجود" تضمن القصائد النثرية للشابي وهي قصائد مجهولة وغير متداولة وانه اتبع في هذا الديوان نفس المنهج الذي أراده الشابي وهو سعيد بكونه كسب من خلال هذا الكتاب رهان تحقيق امنية الشابي.
أدتها أصوات شهيرة.. قصيد "إرادة الحياة" ملهمة كبار الملحنين في العالم العربي
حفلت المدونة الموسيقية التونسية والعربية بالعديد من قصائد الشابي التي وجدت طريقها إلى التلحين وقد شدا بها أكثر من صوت عربي.
وما يلفت الانتباه في هذا المجال قصيدة " إرادة الحياة " التي بادر الملحن اللبناني الكبير الخالد حليم الرومي بتلحينها وادائها وتسجيلها بصوته في ستينات القرن الماضي كردة فعل عربية على نكسة حرب 1967 والتي كان من نتيجتها احتلال سيناء المصرية والجولان السورية والقدس والضفة الغربية الفلسطينية من قبل قوات الاحتلال الصهيوني الغاشم بمساعدة ودعم من القوى الاستعمارية الغربية والولايات المتحدة الامريكية وقام بعد ذلك الملحن حليم الرومي بعرض هذا اللحن لقصيدة " إرادة الحياة " على الفنانة الكبيرة سعاد محمد التي كانت سعيدة به وسجلته بصوتها.
واواخر سبعينات القرن الماضي عمل امير النغم العربي الخالد رياض السنباطي وبعد الانتصار العربي في حرب أكتوبر 1973 على اعداد لحن جديد لقصيدة "إرادة الحياة " وطلب من سعاد محمد ان تسجله بصوتها وكان له ما أراد لتكون بذلك هذه الفنانة اللبنانية العربية الخالدة اول صوت عربي يؤدي ويسجل قصيدة وطنية بلحنين مختلفين.
قصيدة للشاعر الجزائري الكبير مفدي زكرياء في موكب تأبين الشابي
طربت أمس هناء واليوم أبكي عزاء
تلك الدنيا عوّدتني خداعها والرياء
حتّى رأيت سواء بكاءها والغناء
و(أمّ دفر) عجوز تباشر الفحشاء
أضاعت الرشد لمّا أضاعت الخرفاء
كم أجزلت لي رضاها وبادلتني الولاء
وكم أرتني وجها مهلّلا وضّاء
وناولتني ثغرا لثمت فيه الرّجاء
حتّى إذا رمت وصلا وجئت أرجو الوفاء
رأيتها وهي تنسا ب حيّة رقطاء
وكم لها من إهاب تغري به البسطاء
حتّى إذا لمسوها تبدّلت حرباء
يا ناعي الشعر هلاّ كفى البلاد بلاء
في كلّ يوم حداد يبقي البلاد خلاء
في كلّ يوم مصاب يبكي العيون دماء
وأكبد مزّقتها يد البلاء أشلاء
وأنفس ضارعات حرّى تعاني الشقاء
في كلّ بيت أنين يفتّت الاحشاء
وكم بها زفرات ألهبن هذا الفضاء
أما كفاها صليا أما كفى برحاء
مآتم تلو أخرى تذري القلوب هباء
رحماك يا ربّ يا من خلقتنا ضعفاء
لم نذرع في الرزايا إليك إلاّ الدعاء
ويا بني (تلك)!! مهلا لا تركبوا الخيلاء
كنّا لكم شرفاء كونوا لنا شرفاء
يا خالد الذكر فاهنا لقد بلغت البقاء
نم في الضلوع وخذ هذه القلوب غطاء
بنيت فيها عروشا لمن تركت البناء
تبكيك زهر القوافي فافرغ عليها العزاء
قد كنت فيها أمينا تقدّس الامناء
تروي الحديث عن القلب صادقا لا هراء
فلم تقلّد لبيدا فيه ولا الخنساء
فكان شعرك حرّا وكنت فيه ثناء
والشّعر إن كان لغوا فناد فيه العفاء
يبلى غدا فيلقى تصدية ومكاء
سئمت دهرك لمّا عانيت داء عياء
فجئت للموت ترجو على يديه الشفاء
ناديت بالشعر عزرا ئيلا فلبّى النّداء
ولو درى أنّها رو ح شاعر ما أساء
كفى ذوي الشّعر أن ينالوا البقاء
لو سامح الموت قوما لسامح الشعراء
نم هانئا مطمئنّا واطرح هناك العناء
هذا رثائي وإن كنت لا أجيد الرّثاء
ولدت هشّا طروبا وما ألفت البكاء
فاقبل من الاخت منّي تحيّة وولاء
واسجد لربّك شكرا ونل هناك الجزاء
من اشهر قصائد الشابي
ارادة الحياة
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ فَلا بُدَّ أنْ يَسْتَجِيبَ القَـدَر