لم يكن لـ "طوفان الأقصى" أن يبلغ أقصاه، بعد عام من العملية الهجومية التي قادتها المقاومة الفلسطينية في غزة، قبل أن "يغرق" كل منطقة الشرق الوسط بأمواجه التي حملت نار الصراع من "غلاف غزة" نحو الضاحية الجنوبية، لتفتح صفحة "الحساب المفتوح" في جنوب لبنان، قبل أن يبلغ "زبده" حدود طهران مع "وعدين صادقين" في مواجهة بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، حبست أنفاس شعوب المنطقة خوفا من أن يمطر "الطوفان" المنطقة بحرب شاملة مفتوحة، رسمت حدودها المباشرة من سواحل اليمن ومضيق باب المندب حيث أطلق "أنصار الله" حربهم الخاصة على مراحل متعددة ضد تل أبيب وحلفائها الغربيين.
"الطوفان" زاد من مده بعد أشهر ليبلغ عمقه في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي (عملية "البايجر" ضد "حزب الله" اللبناني)، وتظهر "فقاقيع نيرانه" في كورسك الروسية (المسيرات الإيرانية وصواريخها التي تستعملها روسيا ضد أوكرانيا التي من جهتها تلقى مساندة من الكيان في حربها)، والقرن الإفريقي حيث "حفرت" تل أبيب ملامح صراع على نهر النيل بمساندتها لأثيوبيا على حساب مصر "المتوجسة" من خرق الاحتلال لمعاهدة كامب ديفيد "للسلام" وسيطرته على محور فيلادلفيا الحدودي بين غزة وسيناء، في إحدى المتغيرات الجيواستراتيجية التي أحدثها "تسونامي" "طوفان الأقصى" ذات 7 أكتوبر من سنة 2023.
لم يكتف "الطوفان" بإغراق المنطقة في عمق كبير من المتغيّرات الجيوسياسية بل حتمت على جميع الأطراف المتداخلة في الصراع المضي في حرب غير مباشرة ولاتماثلية، قواعدها تنحصر في معادلة من "السهل الممتنع":"إذا لم تخسر فأنت الرابح"، وضمير المخاطب "أنت" هنا تعود لفصائل المقاومة، التي رفعت تكتيك "حرب الاستنزاف" لتحقيق المكاسب الإستراتيجية الكبرى ضد جيش الاحتلال بفيالقه ووحداته الخاصة وطيرانه الحربي ومخابراته –التي فشلت في اكتشاف مخطط العبور من القطاع المحاصر نحو "كيبوتسات" "الغلاف" يوم 7 أكتوبر 2023- والمتمثلة في إثنائه عن تحقيق أهدافه العسكرية والسياسية في القطاع، وأبرزها القضاء على سلاح المقاومة بمختلف فصائلها، وإعادة احتلال القطاع بتعيين إدارة عسكرية أو مدنية فلسطينية موالية للاحتلال، وإيجاد موطئ قدم عسكري في محورين أساسيين وهما محور نتساريم الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه، ومحور فيلادلفيا الذي يفصل غزة عن سيناء المصرية.
ولعل ما حققه "الطوفان" من متغيّرات عميقة على المستوى الجيوسياسي، بدأت تداعياته "تطفح" على سطح الشرق الأوسط المتشظي كقطع الفخار المتناثرة بفعل عقود من الحروب المدمرة.
تلك الحروب التي دفعت إلى تسويات سياسية ترجمت إلى اتفاقيات تطبيع بين الكيان والطوق العربي للأراضي الفلسطينية المحتلة في المرحلة الأولى، وصفقات سياسية بينه وبين عواصم عربية أخرى في مرحلة ثانية في إطار "اتفاقيات أبراهام، وقادت في الأخير إلى واقع سياسي جديد أخرج القضية الفلسطينية من عمقها العربي إلى عمق آخر من الصراع الجيوسياسي الإقليمي بين قوى إقليمية صعدت إلى المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط بفضل استغللها لعامل الجغرافيا، هي تركيا وإيران، ومن بعدهما المملكة العربية السعودية، إضافة للكيان المحتل.
هذه "الدول المتأرجحة" أضحت تمارس نوعا من البراغماتية في سياستها الخارجية مع القوى الدولية الكبرى التي دخلت في نطاق صراع جيوسياسي دولي جديد، يؤشر لتحول مركزه من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى، وهو ما تريده الولايات المتحدة في نزاعها مع الصين وروسيا.
ويبدو أن "طوفان الأقصى" قد يقود الولايات المتحدة إلى إعادة صياغة عقيدتها الإستراتيجية لتعود إلى "وحل الحرب" في الشرق الأوسط، خصوصا وأن حليفها الأول في المنطقة وهو الكيان الصهيوني، يسعى إلى جرها لحرب مفتوحة ضد إيران، تسقطها من حسابات القوى الإقليمية، ولتكون تركيا في مقام ثان، وأن تنجح بذلك في أن تقنع واشنطن بإضافة بند التطبيع مع الرياض كشرط أساسي في الاتفاقية الأمنية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة والتي قد تكون معوضة لاتفاقية السفينة كوينزي سنة 1945 بين الملك سعود مؤسس المملكة والرئيس الأمريكي تيودور روزفيلت، والتي ربطت الطاقة بالدولار، وساهمت في بناء معادلة البيترودولار التي تقود النظام المالي العالمي منذ الحرب العالمية الثانية وزاد في نفوذها بع سقوط الاتحاد السوفياتي أواخر الثمانينات من القرن الماضي.
بقلم: نزار مقني
لم يكن لـ "طوفان الأقصى" أن يبلغ أقصاه، بعد عام من العملية الهجومية التي قادتها المقاومة الفلسطينية في غزة، قبل أن "يغرق" كل منطقة الشرق الوسط بأمواجه التي حملت نار الصراع من "غلاف غزة" نحو الضاحية الجنوبية، لتفتح صفحة "الحساب المفتوح" في جنوب لبنان، قبل أن يبلغ "زبده" حدود طهران مع "وعدين صادقين" في مواجهة بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، حبست أنفاس شعوب المنطقة خوفا من أن يمطر "الطوفان" المنطقة بحرب شاملة مفتوحة، رسمت حدودها المباشرة من سواحل اليمن ومضيق باب المندب حيث أطلق "أنصار الله" حربهم الخاصة على مراحل متعددة ضد تل أبيب وحلفائها الغربيين.
"الطوفان" زاد من مده بعد أشهر ليبلغ عمقه في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي (عملية "البايجر" ضد "حزب الله" اللبناني)، وتظهر "فقاقيع نيرانه" في كورسك الروسية (المسيرات الإيرانية وصواريخها التي تستعملها روسيا ضد أوكرانيا التي من جهتها تلقى مساندة من الكيان في حربها)، والقرن الإفريقي حيث "حفرت" تل أبيب ملامح صراع على نهر النيل بمساندتها لأثيوبيا على حساب مصر "المتوجسة" من خرق الاحتلال لمعاهدة كامب ديفيد "للسلام" وسيطرته على محور فيلادلفيا الحدودي بين غزة وسيناء، في إحدى المتغيرات الجيواستراتيجية التي أحدثها "تسونامي" "طوفان الأقصى" ذات 7 أكتوبر من سنة 2023.
لم يكتف "الطوفان" بإغراق المنطقة في عمق كبير من المتغيّرات الجيوسياسية بل حتمت على جميع الأطراف المتداخلة في الصراع المضي في حرب غير مباشرة ولاتماثلية، قواعدها تنحصر في معادلة من "السهل الممتنع":"إذا لم تخسر فأنت الرابح"، وضمير المخاطب "أنت" هنا تعود لفصائل المقاومة، التي رفعت تكتيك "حرب الاستنزاف" لتحقيق المكاسب الإستراتيجية الكبرى ضد جيش الاحتلال بفيالقه ووحداته الخاصة وطيرانه الحربي ومخابراته –التي فشلت في اكتشاف مخطط العبور من القطاع المحاصر نحو "كيبوتسات" "الغلاف" يوم 7 أكتوبر 2023- والمتمثلة في إثنائه عن تحقيق أهدافه العسكرية والسياسية في القطاع، وأبرزها القضاء على سلاح المقاومة بمختلف فصائلها، وإعادة احتلال القطاع بتعيين إدارة عسكرية أو مدنية فلسطينية موالية للاحتلال، وإيجاد موطئ قدم عسكري في محورين أساسيين وهما محور نتساريم الذي يفصل شمال القطاع عن جنوبه، ومحور فيلادلفيا الذي يفصل غزة عن سيناء المصرية.
ولعل ما حققه "الطوفان" من متغيّرات عميقة على المستوى الجيوسياسي، بدأت تداعياته "تطفح" على سطح الشرق الأوسط المتشظي كقطع الفخار المتناثرة بفعل عقود من الحروب المدمرة.
تلك الحروب التي دفعت إلى تسويات سياسية ترجمت إلى اتفاقيات تطبيع بين الكيان والطوق العربي للأراضي الفلسطينية المحتلة في المرحلة الأولى، وصفقات سياسية بينه وبين عواصم عربية أخرى في مرحلة ثانية في إطار "اتفاقيات أبراهام، وقادت في الأخير إلى واقع سياسي جديد أخرج القضية الفلسطينية من عمقها العربي إلى عمق آخر من الصراع الجيوسياسي الإقليمي بين قوى إقليمية صعدت إلى المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط بفضل استغللها لعامل الجغرافيا، هي تركيا وإيران، ومن بعدهما المملكة العربية السعودية، إضافة للكيان المحتل.
هذه "الدول المتأرجحة" أضحت تمارس نوعا من البراغماتية في سياستها الخارجية مع القوى الدولية الكبرى التي دخلت في نطاق صراع جيوسياسي دولي جديد، يؤشر لتحول مركزه من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى، وهو ما تريده الولايات المتحدة في نزاعها مع الصين وروسيا.
ويبدو أن "طوفان الأقصى" قد يقود الولايات المتحدة إلى إعادة صياغة عقيدتها الإستراتيجية لتعود إلى "وحل الحرب" في الشرق الأوسط، خصوصا وأن حليفها الأول في المنطقة وهو الكيان الصهيوني، يسعى إلى جرها لحرب مفتوحة ضد إيران، تسقطها من حسابات القوى الإقليمية، ولتكون تركيا في مقام ثان، وأن تنجح بذلك في أن تقنع واشنطن بإضافة بند التطبيع مع الرياض كشرط أساسي في الاتفاقية الأمنية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة والتي قد تكون معوضة لاتفاقية السفينة كوينزي سنة 1945 بين الملك سعود مؤسس المملكة والرئيس الأمريكي تيودور روزفيلت، والتي ربطت الطاقة بالدولار، وساهمت في بناء معادلة البيترودولار التي تقود النظام المالي العالمي منذ الحرب العالمية الثانية وزاد في نفوذها بع سقوط الاتحاد السوفياتي أواخر الثمانينات من القرن الماضي.