إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

لتحقيق أمننا الغذائي.. الأراضي الدولية.. والبحث العلمي خطوة نحو الاكتفاء الذاتي من الحبوب

تونس-الصباح

في تصريح للرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب سلوى بن حديد منذ أيام، أكدت أن المخزون الاحتياطي الوطني من قمح الاستهلاك لا يتجاوز الشهرين فقط، بعد أن تم استنفاده خلال الموسم المنقضي. وذكرت بن حديد أن الحكومة لجأت إلى توريد كميات كبيرة من القمح الصلب خلال فصل الصيف بأسعار تتراوح بين 350 و400 دولار للطن الواحد، وذلك بهدف تغطية العجز في المخزون. كما أشارت إلى الجهود المبذولة لتطوير طاقات التخزين الوطنية، وهي خطوة هامة لتأمين احتياطي يكفي لفترات أطول.

سفيان رجب

يذكر أن معدل توزيع البذور على الفلاحين التونسيين سنويا لا يتجاوز الـ 350 ألف قنطار في ظل النقص الكبير في البذور المثبتّة، حيث لم تتجاوز الكمية المتاحة 270 ألف قنطار تكفي فقط لزراعة حوالي 150 ألف هكتار على مساحة مبرمجة لأكثر من مليون و100 ألف هكتار وهو ما يعني أن حوالي 950 ألف هكتار مبرمجة للبذر ستبقى دون بذور مثبتّة ودون تغطية حاجيات الفلاحين ليبقى قطاع الحبوب يعاني من إشكاليات هيكلية كبيرة تستدعي اتخاذ قرارات ثورية وشجاعة من أجل الإصلاح والاقتراب من الاكتفاء الذاتي على الأقل والحد من التوريد الذي يستنزف نسبة هامة من مخزوننا الوطني من العملة الأجنبية بما يقارب أكثر من 3,5 مليار دينار سنويا.

الأراضي الدولية حل للأزمة الزراعية

ومن المتعارف عليه أن الأمن الغذائي من المفروض أن يكون بيد الدولة، لذلك من الضروري على الحكومة اتخاذ إجراءات إستراتيجية معقولة تعود بالفائدة اقتصاديا واجتماعيا على الجميع من ذلك استغلال الأراضي الدولية (حوالي 156 ألف هكتار موزّعة على مختلف ولايات الجمهوريّة) كمنصة نموذجية للاختبارات والتجارب يشرف عليها ديوان الأراضي الدولية وتجربة أنواع جديدة من البذور خاصة تلك التي ثبتت مردوديتها ونجاعتها عالميا وحتى عند تجربتها في تونس نذكر منها "اريد" و"ساراغولا" وغيرها المسجلة بالسجل الرسمي للبذور والمشاتل والتي سبق تجربتها في 7 ولايات من قبل عدد هام من الفلاحين وأثبتت جدواها ومردوديتها خاصة في الظروف المناخية الصعبة وثبتت جودة نوعيتها المخبزية مما رفعّ من الطلبات عليها من قبل الفلاحين والمهنيين.

فمن الممكن تخصيص ألف هكتار من الأراضي الدولية في كل ولاية من الولايات السبع المنتجة للقمح لاختبار بعض البذور التي ثبتت مردوديتها ومنها على سبيل الذكر "ايريد" و"ساراغولا"، تتوزع على اغلب الجهات التونسية المنتجة للقمح خاصة أن مناخ البلاد التونسية عرف منذ القدم بأنه مناخ ملائم لمثل هذه الزراعات وهو ما يفسر استثمار الرومان في أراضينا عبر التاريخ لأكثر من 3 آلاف سنة في زراعات القمح والزيتون ومن هنا جاءت تسمية بلادنا بمطمورة روما.

مع العلم أن البذور المعتمدة اليوم ومنذ الاستقلال فيما يتعلق بزراعات القمح أثبتت الدراسات أنها جينيا غير تونسية بل هي أصيلة الشيلي وأستراليا والمكسيك وفرنسا وقع تحسينها ولكن بمرور الزمن لم تعد خصبة وبالتالي أشارت الدراسات إلى ضرورة تعويضها بأصول جينية حديثة على غرار ما قامت به ايطاليا.

شراكة بين القطاعين العام والخاص

وقد ثبت أن مساعي الحكومة لتوفير البذور وزيادة الإنتاج من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي أو الاقتراب منه لا يكفي، وبالتالي من الضروري الدخول في شراكات بين القطاعين العمومي والخاص للتغلب على العوائق التي تواجه القطاع الزراعي على غرار ما حصل منذ سنة 2007 مع 7 مجامع من منتجي الحبوب بالشمال وعلى رأسها مجمع باجة مع شركة "ستيما" وهو ما سيؤدي إلى إصلاح المنظومة الإنتاجية وبالتالي وبصفة آلية إصلاح القطاع الفلاحي بصفة عامة وتأثيره إيجابا على القطاعات المتداخلة دون الحديث عن إمكانيات الاستثمار في مجالات الصناعات الغذائية الخاصة بالعجائن خاصة بولايات الشمال المنتجة للحبوب.

خطوة هامة نحو الاكتفاء الذاتي

إن تونس تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي الدولية ضعيفة المردودية المستغلة ومن الضروري استغلال هذه الأراضي لزراعة الحبوب فيها، وهو ممكن أن  يكون خطوة كبيرة نحو الاقتراب من الاكتفاء الذات، ويمكن لهذه الأراضي أن تكون مصدراً كبيراً للثروة الوطنية إذا ما استغلت بالشكل الأمثل.

فالوضع الحالي للمخزون الاحتياطي من الحبوب في تونس يمثل تحدياً كبيراً، ولكن مع الإرادة السياسية الصحيحة وتطبيق استراتيجيات طويلة المدى مثل استصلاح واستغلال الأراضي الدولية، يمكن تحقيق الاستقرار في القطاع الزراعي والاقتراب من الاكتفاء الذاتي. وما على الحكومة إلا أن تستمر في دعم الفلاحين وتوفير البيئة الملائمة للإنتاج الزراعي، وتوجيه الجهود نحو تعزيز القدرات الوطنية في إنتاج الحبوب وخاصة التوجه أكثر نحو البحث العلمي في القطاع الفلاحي ومواكبة التطورات والاتجاه نحو كل ما يمكن أن يزيد في الإنتاج وهو ما سيؤمن الحاضر والمستقبل الغذائي لتونس.

 فالاستثمار في الزراعة والبحث العلمي الزراعي والتطبيقي هو استثمار في الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي. واستصلاح الأراضي الدولية واستغلالها في إطار زراعات الحبوب التي أثبتت التجارب جدواها ومردوديتها والتركيز على البحث العلم المخبري ثم التطبيقي، يمكن أن يدخل في الرؤية الإستراتيجية للدولة وهو ما من شأنه أن يقود البلاد نحو مزيد من الاستقلالية في تلبية احتياجاتها الغذائية، وتقليل الاعتماد على الأسواق العالمية المتقلبة والتي تثقل كاهل الدولة وميزانيتها بما لا يقل عن 3,5 مليار دينار.

لتحقيق أمننا الغذائي.. الأراضي الدولية.. والبحث العلمي  خطوة نحو الاكتفاء الذاتي من الحبوب

تونس-الصباح

في تصريح للرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب سلوى بن حديد منذ أيام، أكدت أن المخزون الاحتياطي الوطني من قمح الاستهلاك لا يتجاوز الشهرين فقط، بعد أن تم استنفاده خلال الموسم المنقضي. وذكرت بن حديد أن الحكومة لجأت إلى توريد كميات كبيرة من القمح الصلب خلال فصل الصيف بأسعار تتراوح بين 350 و400 دولار للطن الواحد، وذلك بهدف تغطية العجز في المخزون. كما أشارت إلى الجهود المبذولة لتطوير طاقات التخزين الوطنية، وهي خطوة هامة لتأمين احتياطي يكفي لفترات أطول.

سفيان رجب

يذكر أن معدل توزيع البذور على الفلاحين التونسيين سنويا لا يتجاوز الـ 350 ألف قنطار في ظل النقص الكبير في البذور المثبتّة، حيث لم تتجاوز الكمية المتاحة 270 ألف قنطار تكفي فقط لزراعة حوالي 150 ألف هكتار على مساحة مبرمجة لأكثر من مليون و100 ألف هكتار وهو ما يعني أن حوالي 950 ألف هكتار مبرمجة للبذر ستبقى دون بذور مثبتّة ودون تغطية حاجيات الفلاحين ليبقى قطاع الحبوب يعاني من إشكاليات هيكلية كبيرة تستدعي اتخاذ قرارات ثورية وشجاعة من أجل الإصلاح والاقتراب من الاكتفاء الذاتي على الأقل والحد من التوريد الذي يستنزف نسبة هامة من مخزوننا الوطني من العملة الأجنبية بما يقارب أكثر من 3,5 مليار دينار سنويا.

الأراضي الدولية حل للأزمة الزراعية

ومن المتعارف عليه أن الأمن الغذائي من المفروض أن يكون بيد الدولة، لذلك من الضروري على الحكومة اتخاذ إجراءات إستراتيجية معقولة تعود بالفائدة اقتصاديا واجتماعيا على الجميع من ذلك استغلال الأراضي الدولية (حوالي 156 ألف هكتار موزّعة على مختلف ولايات الجمهوريّة) كمنصة نموذجية للاختبارات والتجارب يشرف عليها ديوان الأراضي الدولية وتجربة أنواع جديدة من البذور خاصة تلك التي ثبتت مردوديتها ونجاعتها عالميا وحتى عند تجربتها في تونس نذكر منها "اريد" و"ساراغولا" وغيرها المسجلة بالسجل الرسمي للبذور والمشاتل والتي سبق تجربتها في 7 ولايات من قبل عدد هام من الفلاحين وأثبتت جدواها ومردوديتها خاصة في الظروف المناخية الصعبة وثبتت جودة نوعيتها المخبزية مما رفعّ من الطلبات عليها من قبل الفلاحين والمهنيين.

فمن الممكن تخصيص ألف هكتار من الأراضي الدولية في كل ولاية من الولايات السبع المنتجة للقمح لاختبار بعض البذور التي ثبتت مردوديتها ومنها على سبيل الذكر "ايريد" و"ساراغولا"، تتوزع على اغلب الجهات التونسية المنتجة للقمح خاصة أن مناخ البلاد التونسية عرف منذ القدم بأنه مناخ ملائم لمثل هذه الزراعات وهو ما يفسر استثمار الرومان في أراضينا عبر التاريخ لأكثر من 3 آلاف سنة في زراعات القمح والزيتون ومن هنا جاءت تسمية بلادنا بمطمورة روما.

مع العلم أن البذور المعتمدة اليوم ومنذ الاستقلال فيما يتعلق بزراعات القمح أثبتت الدراسات أنها جينيا غير تونسية بل هي أصيلة الشيلي وأستراليا والمكسيك وفرنسا وقع تحسينها ولكن بمرور الزمن لم تعد خصبة وبالتالي أشارت الدراسات إلى ضرورة تعويضها بأصول جينية حديثة على غرار ما قامت به ايطاليا.

شراكة بين القطاعين العام والخاص

وقد ثبت أن مساعي الحكومة لتوفير البذور وزيادة الإنتاج من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي أو الاقتراب منه لا يكفي، وبالتالي من الضروري الدخول في شراكات بين القطاعين العمومي والخاص للتغلب على العوائق التي تواجه القطاع الزراعي على غرار ما حصل منذ سنة 2007 مع 7 مجامع من منتجي الحبوب بالشمال وعلى رأسها مجمع باجة مع شركة "ستيما" وهو ما سيؤدي إلى إصلاح المنظومة الإنتاجية وبالتالي وبصفة آلية إصلاح القطاع الفلاحي بصفة عامة وتأثيره إيجابا على القطاعات المتداخلة دون الحديث عن إمكانيات الاستثمار في مجالات الصناعات الغذائية الخاصة بالعجائن خاصة بولايات الشمال المنتجة للحبوب.

خطوة هامة نحو الاكتفاء الذاتي

إن تونس تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي الدولية ضعيفة المردودية المستغلة ومن الضروري استغلال هذه الأراضي لزراعة الحبوب فيها، وهو ممكن أن  يكون خطوة كبيرة نحو الاقتراب من الاكتفاء الذات، ويمكن لهذه الأراضي أن تكون مصدراً كبيراً للثروة الوطنية إذا ما استغلت بالشكل الأمثل.

فالوضع الحالي للمخزون الاحتياطي من الحبوب في تونس يمثل تحدياً كبيراً، ولكن مع الإرادة السياسية الصحيحة وتطبيق استراتيجيات طويلة المدى مثل استصلاح واستغلال الأراضي الدولية، يمكن تحقيق الاستقرار في القطاع الزراعي والاقتراب من الاكتفاء الذاتي. وما على الحكومة إلا أن تستمر في دعم الفلاحين وتوفير البيئة الملائمة للإنتاج الزراعي، وتوجيه الجهود نحو تعزيز القدرات الوطنية في إنتاج الحبوب وخاصة التوجه أكثر نحو البحث العلمي في القطاع الفلاحي ومواكبة التطورات والاتجاه نحو كل ما يمكن أن يزيد في الإنتاج وهو ما سيؤمن الحاضر والمستقبل الغذائي لتونس.

 فالاستثمار في الزراعة والبحث العلمي الزراعي والتطبيقي هو استثمار في الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي. واستصلاح الأراضي الدولية واستغلالها في إطار زراعات الحبوب التي أثبتت التجارب جدواها ومردوديتها والتركيز على البحث العلم المخبري ثم التطبيقي، يمكن أن يدخل في الرؤية الإستراتيجية للدولة وهو ما من شأنه أن يقود البلاد نحو مزيد من الاستقلالية في تلبية احتياجاتها الغذائية، وتقليل الاعتماد على الأسواق العالمية المتقلبة والتي تثقل كاهل الدولة وميزانيتها بما لا يقل عن 3,5 مليار دينار.