منذ انطلاق السنة الدراسية وحتى قبل ذلك أصبح هاجس الدروس الخصوصية يسيطر على أغلب العائلات التونسية وبدأت رحلة البحث عن المربين لعقد اتفاقات لتخصيص حصص للأبناء حتى قبل الانطلاق الفعلي في تدريس المناهج الرسمية.
والملفت للانتباه ارتفاع أسعار الدروس الخصوصية من سنة إلى أخرى حيث يتراوح ثمن الحصة الواحدة بالنسبة لبعض المواد الأساسية مثل الرياضيات أو العربية أو الفرنسية بين 25 و30 دينارا مما يثقل كاهل العائلات التونسية التي أصبحت تلجأ إلى تعليم أبنائها في المدارس الخاصة بحثا عن جودة التعليم من وجهة نظرهم.
وقد تحولت الدروس الخصوصية أو دروس الدعم في تونس خلال السنوات الأخيرة إلى سوق تخضع إلى منطق المعاملات الاقتصادية وتحكمها عقلية العرض والطلب بين الولي الذي يسعى إلى تحسين المستوى الدراسي لأبنائه والمربي الذي يسعى بدوره إلى تحسين وضعه المادي لتتحول المناهج التعليمية إلى "سلعة" تباع وتشترى دون رقيب أو حسيب.
في المقابل يرى مختصون في الشأن التربوي أن دروس الدعم هي عبارة عن منشطات وبعامل الوقت تتحول إلى نوع من الإدمان بالنسبة لعديد التلاميذ الذين اعتادوا عليها فتصبح دافعا أساسيا بالنسبة لهم في عملية التعلّم، كما أنها لا تعكس المستوى الدراسي الحقيقي لديهم إلا آن الإقبال عليها يتجاوز كل التوقعات في ظل سيادة منطق العدد على العملية التعليمية حيث أن تقييم التلميذ أصبح لا يخضع للقدرات المعرفية بقدر ما هو مرتبط بالأعداد التي يتحصل عليها في الامتحانات.
كما ضربت الدروس الخصوصية التي تحولت إلى هوس "مزمن" مبدأ مجانية التعليم وساهمت في انتهاك مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ رغم الدعوات المتكررة إلى تدخل وزارة التربية والأطراف المتداخلة لاتخاذ إجراءات تحد من "غطرسة" دروس الدعم التي أصبحت بمثابة "الشرط" لنجاح التلميذ أو الحصول على أعداد جيدة رغم أنها لا تعكس المستوى الحقيقي للتحصيل المعرفي كما أنّها تمنح الأفضليّة للتلاميذ من أبناء العائلات الميسورة وذات الدخل المتوسط على حساب التلاميذ من أبناء العائلات ذات الدخل الضعيف. وتعمل الظاهرة على تعميق التفاوت الاجتماعي من خلال آلية الانتقاء، التّي تستند إلى القدرات الماديّة للمتعلّم وليس لكفاءته وقدراته على التعلّم طبقا للقانون المدرسي وهو ما أكدته دراسة قام بها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
واعتبر المنتدى إن انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية ما فتئ يهدد مبدأ نظام التعليم العمومي خاصّة وأنّ هذه الدروس لا تستهدف التلاميذ الذّين يعانون صعوبات في التعلّم، لكن كل فئات المتعلّمين بما في ذلك التلاميذ الموهوبين.
وتقدّر الكلفة السنوية للدروس الخصوصية بـ 1،468 مليار دينار، بمعدل شهري تناهز قيمته 146 مليون دينار وذلك وفقا لدراسة أنجزها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول النفقات الاجتماعية المخصّصة للتعليم: ما بين وهم المجاني والصعوبات المادية للعائلات.
وكانت الدراسة، التّي نشرت قبل العودة المدرسية، في سبتمبر 2023، أشارت إلى أنّ معدل التلاميذ، الذّين يلجأون إلى الدروس الخصوصيّة يقدر بـ 67 بالمائة بالنسبة إلى تلاميذ المدارس وبـ 61 بالمائة في الإعداديات وبـ 80 بالمائة في المعاهد.
ويصل معدل الكلفة الشهرية للدروس الخصوصيّة إلى 94 دينارا بالنسبة لتلميذ الابتدائي وبـ 74 دينارا لتلميذ الإعدادي وإلى 120 دينارا لتلميذ الثانوي.
وفي نفس السياق قال رضا الزهروني رئيس جمعية الأولياء والتلاميذ لـ "الصباح" إن الدروس الخصوصية أصبحت تقليدا على مدار السنة الدراسية وحتى في العطلة الصيفية شهدنا إقبالا على الدروس الخصوصية استعداد للسنة الدراسية خاصة بالنسبة للأقسام النهائية.
واعتبر الزهروني أن هذا الإقبال الكبير على دروس الدعم هو منطقي خاصة وأن عديد الأولياء أصبحت لديهم قناعة راسخة بأنه دون تلقي الأبناء لدروس الدعم لن يكون هناك نجاح أو تميز رغم الكلفة الكبيرة التي تتحملها عديد العائلات.
وحسب الزهروني فإن الدروس الخصوصية تمثل مسارا موازيا لمسار الدروس العادية، في حين أن إصلاح المنظومة التربوية يقتضي التخفيف من ساعات الدرس، وتمكين التلميذ من ممارسة الأنشطة الترفيهية والثقافية الضرورية لبناء شخصية التلميذ وصقل المهارات.
وكانت المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك كشفت أن رقم معاملات الدروس الخصوصية في تونس يقدر بـ 3000 مليون دينار سنويا، حيث أن الأقسام النهائية الباكالوريا يتلقون دروسا خصوصية في 5 مواد على الأقل مثل العلوم التقنية، هذا إلى جانب فترة المراجعة بالتوازي مع الدروس الخصوصية الشهرية.
جهاد الكلبوسي
تونس – الصباح
منذ انطلاق السنة الدراسية وحتى قبل ذلك أصبح هاجس الدروس الخصوصية يسيطر على أغلب العائلات التونسية وبدأت رحلة البحث عن المربين لعقد اتفاقات لتخصيص حصص للأبناء حتى قبل الانطلاق الفعلي في تدريس المناهج الرسمية.
والملفت للانتباه ارتفاع أسعار الدروس الخصوصية من سنة إلى أخرى حيث يتراوح ثمن الحصة الواحدة بالنسبة لبعض المواد الأساسية مثل الرياضيات أو العربية أو الفرنسية بين 25 و30 دينارا مما يثقل كاهل العائلات التونسية التي أصبحت تلجأ إلى تعليم أبنائها في المدارس الخاصة بحثا عن جودة التعليم من وجهة نظرهم.
وقد تحولت الدروس الخصوصية أو دروس الدعم في تونس خلال السنوات الأخيرة إلى سوق تخضع إلى منطق المعاملات الاقتصادية وتحكمها عقلية العرض والطلب بين الولي الذي يسعى إلى تحسين المستوى الدراسي لأبنائه والمربي الذي يسعى بدوره إلى تحسين وضعه المادي لتتحول المناهج التعليمية إلى "سلعة" تباع وتشترى دون رقيب أو حسيب.
في المقابل يرى مختصون في الشأن التربوي أن دروس الدعم هي عبارة عن منشطات وبعامل الوقت تتحول إلى نوع من الإدمان بالنسبة لعديد التلاميذ الذين اعتادوا عليها فتصبح دافعا أساسيا بالنسبة لهم في عملية التعلّم، كما أنها لا تعكس المستوى الدراسي الحقيقي لديهم إلا آن الإقبال عليها يتجاوز كل التوقعات في ظل سيادة منطق العدد على العملية التعليمية حيث أن تقييم التلميذ أصبح لا يخضع للقدرات المعرفية بقدر ما هو مرتبط بالأعداد التي يتحصل عليها في الامتحانات.
كما ضربت الدروس الخصوصية التي تحولت إلى هوس "مزمن" مبدأ مجانية التعليم وساهمت في انتهاك مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ رغم الدعوات المتكررة إلى تدخل وزارة التربية والأطراف المتداخلة لاتخاذ إجراءات تحد من "غطرسة" دروس الدعم التي أصبحت بمثابة "الشرط" لنجاح التلميذ أو الحصول على أعداد جيدة رغم أنها لا تعكس المستوى الحقيقي للتحصيل المعرفي كما أنّها تمنح الأفضليّة للتلاميذ من أبناء العائلات الميسورة وذات الدخل المتوسط على حساب التلاميذ من أبناء العائلات ذات الدخل الضعيف. وتعمل الظاهرة على تعميق التفاوت الاجتماعي من خلال آلية الانتقاء، التّي تستند إلى القدرات الماديّة للمتعلّم وليس لكفاءته وقدراته على التعلّم طبقا للقانون المدرسي وهو ما أكدته دراسة قام بها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
واعتبر المنتدى إن انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية ما فتئ يهدد مبدأ نظام التعليم العمومي خاصّة وأنّ هذه الدروس لا تستهدف التلاميذ الذّين يعانون صعوبات في التعلّم، لكن كل فئات المتعلّمين بما في ذلك التلاميذ الموهوبين.
وتقدّر الكلفة السنوية للدروس الخصوصية بـ 1،468 مليار دينار، بمعدل شهري تناهز قيمته 146 مليون دينار وذلك وفقا لدراسة أنجزها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول النفقات الاجتماعية المخصّصة للتعليم: ما بين وهم المجاني والصعوبات المادية للعائلات.
وكانت الدراسة، التّي نشرت قبل العودة المدرسية، في سبتمبر 2023، أشارت إلى أنّ معدل التلاميذ، الذّين يلجأون إلى الدروس الخصوصيّة يقدر بـ 67 بالمائة بالنسبة إلى تلاميذ المدارس وبـ 61 بالمائة في الإعداديات وبـ 80 بالمائة في المعاهد.
ويصل معدل الكلفة الشهرية للدروس الخصوصيّة إلى 94 دينارا بالنسبة لتلميذ الابتدائي وبـ 74 دينارا لتلميذ الإعدادي وإلى 120 دينارا لتلميذ الثانوي.
وفي نفس السياق قال رضا الزهروني رئيس جمعية الأولياء والتلاميذ لـ "الصباح" إن الدروس الخصوصية أصبحت تقليدا على مدار السنة الدراسية وحتى في العطلة الصيفية شهدنا إقبالا على الدروس الخصوصية استعداد للسنة الدراسية خاصة بالنسبة للأقسام النهائية.
واعتبر الزهروني أن هذا الإقبال الكبير على دروس الدعم هو منطقي خاصة وأن عديد الأولياء أصبحت لديهم قناعة راسخة بأنه دون تلقي الأبناء لدروس الدعم لن يكون هناك نجاح أو تميز رغم الكلفة الكبيرة التي تتحملها عديد العائلات.
وحسب الزهروني فإن الدروس الخصوصية تمثل مسارا موازيا لمسار الدروس العادية، في حين أن إصلاح المنظومة التربوية يقتضي التخفيف من ساعات الدرس، وتمكين التلميذ من ممارسة الأنشطة الترفيهية والثقافية الضرورية لبناء شخصية التلميذ وصقل المهارات.
وكانت المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك كشفت أن رقم معاملات الدروس الخصوصية في تونس يقدر بـ 3000 مليون دينار سنويا، حيث أن الأقسام النهائية الباكالوريا يتلقون دروسا خصوصية في 5 مواد على الأقل مثل العلوم التقنية، هذا إلى جانب فترة المراجعة بالتوازي مع الدروس الخصوصية الشهرية.