هل حان الوقت لضرورة تغيير الخارطة الفلاحية بما ينسجم مع الموارد المائية التي باتت شحيحة وفي تراجع مقلق من سنة إلى أخرى؟ هذا السؤال وغيره أصبح يُطرح بجدية اليوم مع وضع الشح المائي الشديد الذي باتت تعيش على وقعه البلاد من سنة إلى أخرى مع تواصل سنوات الجفاف ..
آخر المعطيات حول معدّلات الشحّ المائي تفيد أن مخزون المياه في السدود بلغ في غرّة أكتوبر الجاري نحو 507 مليون متر مكعّب أي ما يعادل نسبة امتلاء بنحو 21.6 بالمائة وقد تراجع المخزون مقارنة بما كان عليه في نفس الفترة من السنة المنقضية والتي تقدّر بنحو 596 مليون متر مكعّب أي ما يعادل نسبة امتلاء بنحو 25.8 بالمائة وهو ما يؤكّد هذا التراجع الكبير في نسب امتلاء السدود والتي تعدّ أبرز مواردنا المائية بسبب تواصل سنوات الجفاف وشحّ الأمطار، وحتّى الأمطار الأخيرة لم تحسّن كثيرا في تعبئة السدود بفعل جفاف الأرض وعدم كفاية السيول في تزويد هذه السدود ..
وهذا الوضع المائي المقلق يفرض اليوم البحث عن خطط بديلة خاصة في علاقة بالفلاحة، أولا لحماية المخزون المائي ولضمان حدّ مقبول من الأمن المائي في السنوات القادمة ..
خارطة فلاحية جديدة
في دارسة أولية أعدها المشروع الدولي للتصرّف في المخاطر الفلاحية بالاشتراك مع وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري تم الإشارة إلى أن تونس يمكن أن تخسر حوالي ثلث محصول الزياتين وزهاء 350 ألف طن من الحبوب في حال حدوث مخاطر فلاحية قصوى بكل ما يعني ذلك من انعكاسات اقتصادية ومالية والتأثّر السلبي لميزان الدفوعات وارتفاع قيمة توريد الحبوب وخسارة العملة الأجنبية من عائدات تصدير زيت الزيتون.. الدراسة التي دامت ستة أشهر وتم تقديمها خلال ورشة عمل أكّدت أن من بين هذه المخاطر الفلاحية القصوى هو التغييرات المناخية والتي ركّزت عليها الدراسة من خلال دراسة تأثير النقص الحاد في المياه على الزياتين ..
كما أشار القائمون على هذه الدراسة إلى أن مخاطر ارتفاع درجة الحرارة والإجهاد المائي قد تذهب بثلث محصول الحبوب.
هذه الدراسة أكّدت أيضا على ضرورة التفكير العميق والجدّي لتفادي هذه المخاطر ومنها التوجّه إلى خارطة فلاحية جديدة وإرساء آليات صلبة لمساعدة الفلاحين في مجال غراسة الزيتون وفي قطاع الحبوب .
ومن بين الإحصائيات التي تطرّقت إليها الدراسة الطاقة التشغيلية للقطاع الفلاحي وهي في حدود 14 بالمائة وكيف يمكن لهذه المخاطر أن تؤثّر سلبا على الطاقة التشغيلية للقطاع ولها انعكاسات اقتصادية سلبية، ولتلافي كل ذلك لابدّ من استعجال إيجاد حلول ومنها البحث عن موارد مائية أخرى وعدم الاكتفاء بالتعويل على مياه الأمطار حيث لم تعد الأمطار وحدها كافية نظرا إلى التغييرات المناخية الكبيرة من موجات الجفاف وعدم كفاية التساقطات وهو ما يفرض على الدولة التوجّه بشكل أسرع إلى تحلية مياه البحر ومعالجة المياه المستعملة ورسكلتها وتوظيف ذلك على الأقل في عملية سقي بعض المنتوجات الفلاحية .
إلى جانب تغيير الاستراتيجيات الزراعية والأخذ بعين الاعتبار مسألة الشح المائي ومؤخرا انعقدت بمقر ديوان تنمية الغابات والمراعي بالشمال الغربي بمدينة باجة، ندوة علمية لتقديم "رؤية لنموذج فلاحي ملائم للتغييرات المناخية ومخاطر ندرة المياه"، بالإضافة إلى تقديم معطيات حول تأثير تغيير المناخ على الخارطة الفلاحية بباجة وعلى قطاع المياه.. وخلال هذه الندوة أعلن وزير الفلاحة عن برمجة انجاز 32 سدّا تليا وتثمين المياه غير التقليدية والترفيع في استعمال المياه المعالجة وقد دعا الوزير إلى الاشتغال على الخارطة الفلاحية وتغييرها بما يتلاءم مع تغييرات المياه كحلّ أساسي في معالجة ندرة المياه رغم صعوبة تغيير الصبغة الفلاحية لجهات بكاملها وصعوبة تغيير العقلية والعادات الزراعية ولكن التغيّرات المناخية بدأت في فرض واقع جديد لا بدّ من أخذه بعين الاعتبار ..
ويجمع اليوم عدد كبير من المختصين في القطاع الفلاحي على أن بعض الزراعات تستهلك كميات كبيرة من المياه مثل الطماطم والدلاع والبرتقال، كما أن هناك إجماعا اليوم على ضرورة الاستغناء عن الزراعات السقوية والتقليص في بعض المساحات المزروعة مثل "الدلاع" للمحافظة على مخزون المياه الموجود، علما وأن 80% من استهلاك المياه موجه للفلاحة. وكان المرصد التونسي للاقتصاد قد أكد في مذّكرة عمل قام بها بعنوان:"من أجل الحق في الماء والسيادة الغذائية في تونس"، أنه بالتوازي مع النقص المسجل على مستوى التساقطات فان بعض الزراعات أو المواد الموجهة للتصدير تؤثر على الموارد المائية بكامل البلاد وفي بعض الجهات على وجه الخصوص.
وفي هذا السياق أوضح المرصد أن الثروة المائية المتوفرة في جهة قبلي موجهة أساسا نحو قطاع التمور معتبرا أن إتباع هذا النسق من الإنتاج يؤدي إلى الاستغلال المفرط والإجهاد المائي كما اعتبر المرصد أن تصدير 26 ألف طن من القوارص المتأتية من الوطن القبلي يتطلب 14560 متر مكعب من "المياه المفترضة" في وقت تعاني فيه المنطقة من نقص في المياه وتتزود من مياه الشمال الغربي.
ومع كل هذه الدراسات وورقات العمل يتضح أكثر ضرورة العمل بجدّ ودون تردد على تغيير الاستراتيجيات الزراعية قبل أن يتأزّم الوضع أكثر.
منية العرفاوي
تونس – الصباح
هل حان الوقت لضرورة تغيير الخارطة الفلاحية بما ينسجم مع الموارد المائية التي باتت شحيحة وفي تراجع مقلق من سنة إلى أخرى؟ هذا السؤال وغيره أصبح يُطرح بجدية اليوم مع وضع الشح المائي الشديد الذي باتت تعيش على وقعه البلاد من سنة إلى أخرى مع تواصل سنوات الجفاف ..
آخر المعطيات حول معدّلات الشحّ المائي تفيد أن مخزون المياه في السدود بلغ في غرّة أكتوبر الجاري نحو 507 مليون متر مكعّب أي ما يعادل نسبة امتلاء بنحو 21.6 بالمائة وقد تراجع المخزون مقارنة بما كان عليه في نفس الفترة من السنة المنقضية والتي تقدّر بنحو 596 مليون متر مكعّب أي ما يعادل نسبة امتلاء بنحو 25.8 بالمائة وهو ما يؤكّد هذا التراجع الكبير في نسب امتلاء السدود والتي تعدّ أبرز مواردنا المائية بسبب تواصل سنوات الجفاف وشحّ الأمطار، وحتّى الأمطار الأخيرة لم تحسّن كثيرا في تعبئة السدود بفعل جفاف الأرض وعدم كفاية السيول في تزويد هذه السدود ..
وهذا الوضع المائي المقلق يفرض اليوم البحث عن خطط بديلة خاصة في علاقة بالفلاحة، أولا لحماية المخزون المائي ولضمان حدّ مقبول من الأمن المائي في السنوات القادمة ..
خارطة فلاحية جديدة
في دارسة أولية أعدها المشروع الدولي للتصرّف في المخاطر الفلاحية بالاشتراك مع وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري تم الإشارة إلى أن تونس يمكن أن تخسر حوالي ثلث محصول الزياتين وزهاء 350 ألف طن من الحبوب في حال حدوث مخاطر فلاحية قصوى بكل ما يعني ذلك من انعكاسات اقتصادية ومالية والتأثّر السلبي لميزان الدفوعات وارتفاع قيمة توريد الحبوب وخسارة العملة الأجنبية من عائدات تصدير زيت الزيتون.. الدراسة التي دامت ستة أشهر وتم تقديمها خلال ورشة عمل أكّدت أن من بين هذه المخاطر الفلاحية القصوى هو التغييرات المناخية والتي ركّزت عليها الدراسة من خلال دراسة تأثير النقص الحاد في المياه على الزياتين ..
كما أشار القائمون على هذه الدراسة إلى أن مخاطر ارتفاع درجة الحرارة والإجهاد المائي قد تذهب بثلث محصول الحبوب.
هذه الدراسة أكّدت أيضا على ضرورة التفكير العميق والجدّي لتفادي هذه المخاطر ومنها التوجّه إلى خارطة فلاحية جديدة وإرساء آليات صلبة لمساعدة الفلاحين في مجال غراسة الزيتون وفي قطاع الحبوب .
ومن بين الإحصائيات التي تطرّقت إليها الدراسة الطاقة التشغيلية للقطاع الفلاحي وهي في حدود 14 بالمائة وكيف يمكن لهذه المخاطر أن تؤثّر سلبا على الطاقة التشغيلية للقطاع ولها انعكاسات اقتصادية سلبية، ولتلافي كل ذلك لابدّ من استعجال إيجاد حلول ومنها البحث عن موارد مائية أخرى وعدم الاكتفاء بالتعويل على مياه الأمطار حيث لم تعد الأمطار وحدها كافية نظرا إلى التغييرات المناخية الكبيرة من موجات الجفاف وعدم كفاية التساقطات وهو ما يفرض على الدولة التوجّه بشكل أسرع إلى تحلية مياه البحر ومعالجة المياه المستعملة ورسكلتها وتوظيف ذلك على الأقل في عملية سقي بعض المنتوجات الفلاحية .
إلى جانب تغيير الاستراتيجيات الزراعية والأخذ بعين الاعتبار مسألة الشح المائي ومؤخرا انعقدت بمقر ديوان تنمية الغابات والمراعي بالشمال الغربي بمدينة باجة، ندوة علمية لتقديم "رؤية لنموذج فلاحي ملائم للتغييرات المناخية ومخاطر ندرة المياه"، بالإضافة إلى تقديم معطيات حول تأثير تغيير المناخ على الخارطة الفلاحية بباجة وعلى قطاع المياه.. وخلال هذه الندوة أعلن وزير الفلاحة عن برمجة انجاز 32 سدّا تليا وتثمين المياه غير التقليدية والترفيع في استعمال المياه المعالجة وقد دعا الوزير إلى الاشتغال على الخارطة الفلاحية وتغييرها بما يتلاءم مع تغييرات المياه كحلّ أساسي في معالجة ندرة المياه رغم صعوبة تغيير الصبغة الفلاحية لجهات بكاملها وصعوبة تغيير العقلية والعادات الزراعية ولكن التغيّرات المناخية بدأت في فرض واقع جديد لا بدّ من أخذه بعين الاعتبار ..
ويجمع اليوم عدد كبير من المختصين في القطاع الفلاحي على أن بعض الزراعات تستهلك كميات كبيرة من المياه مثل الطماطم والدلاع والبرتقال، كما أن هناك إجماعا اليوم على ضرورة الاستغناء عن الزراعات السقوية والتقليص في بعض المساحات المزروعة مثل "الدلاع" للمحافظة على مخزون المياه الموجود، علما وأن 80% من استهلاك المياه موجه للفلاحة. وكان المرصد التونسي للاقتصاد قد أكد في مذّكرة عمل قام بها بعنوان:"من أجل الحق في الماء والسيادة الغذائية في تونس"، أنه بالتوازي مع النقص المسجل على مستوى التساقطات فان بعض الزراعات أو المواد الموجهة للتصدير تؤثر على الموارد المائية بكامل البلاد وفي بعض الجهات على وجه الخصوص.
وفي هذا السياق أوضح المرصد أن الثروة المائية المتوفرة في جهة قبلي موجهة أساسا نحو قطاع التمور معتبرا أن إتباع هذا النسق من الإنتاج يؤدي إلى الاستغلال المفرط والإجهاد المائي كما اعتبر المرصد أن تصدير 26 ألف طن من القوارص المتأتية من الوطن القبلي يتطلب 14560 متر مكعب من "المياه المفترضة" في وقت تعاني فيه المنطقة من نقص في المياه وتتزود من مياه الشمال الغربي.
ومع كل هذه الدراسات وورقات العمل يتضح أكثر ضرورة العمل بجدّ ودون تردد على تغيير الاستراتيجيات الزراعية قبل أن يتأزّم الوضع أكثر.