إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مع تواصل اعتماد منوال تنمية تجاوزه الزمن... كيف يمكن دفع نسب النمو إلى أكثر من3 %؟

 

تونس - الصباح

تواجه تونس منذ سنوات تحديات اقتصادية متعددة، حيث لم يتمكن المنوال الاقتصادي الحالي من تحقيق نسب نمو قوية ومستدامة تتراوح بين 6% و7%، كما كان مأمولاً، فبدلاً من ذلك، ظلت معدلات النمو ضعيفة ولا تتجاوز في أقصى حالاتها معدل 3%، مما جعل البلاد ترزح تحت وطأة أزمات اقتصادية واجتماعية معقدة. في هذا المقال، سنحلل الأسباب التي أدت إلى عدم نجاعة النموذج الاقتصادي الحالي، ونسلط الضوء على رؤية تونس الإستراتيجية (2025-2035) الصادرة عن وزارة الاقتصاد والتخطيط، والتي تحصلت "الصباح" على نسخة منها مع اقتراح سبل لتحقيق نسب نمو قوية ومستدامة.

الاعتماد على القطاعات التقليدية

في البداية يعتمد الاقتصاد التونسي بشكل كبير على قطاعات تقليدية مثل الزراعة، والصناعات التحويلية، والخدمات السياحية. ورغم أهميتها التاريخية، فإن هذه القطاعات تواجه تحديات عديدة، منها تقلبات الأسواق الخارجية، وتغير المناخ، والضغوط المنافسة من دول أخرى. علاوة على ذلك، تعتمد هذه القطاعات على إنتاج منخفض للقيمة المضافة، مما يجعلها غير قادرة على توليد نسب نمو قوية.

وتشير البيانات إلى تراجع في مستوى الاستثمارات، سواء المحلية أو الأجنبية، مرده عدم استقرار الاقتصاد العالمي، والتردد المستمر في تنفيذ إصلاحات هيكلية. هذا الضعف في الاستثمار أدى إلى نقص في خلق فرص العمل الجديدة، مما أضعف القدرة على زيادة الإنتاجية والنمو الاقتصادي.

وتواجه تونس مثل بقية البلدان النامية مشكلة بطالة مرتفعة، خصوصاً في صفوف الشباب وحاملي الشهادات العليا. ورغم الجهود الحكومية لتشجيع ريادة الأعمال وتوسيع سوق العمل، إلا أن العديد من هذه الوظائف تظل في قطاعات غير منتجة أو ذات قيمة مضافة منخفضة، مما يحد من قدرة الاقتصاد على النمو.

ويؤكد العديد من خبراء الاقتصاد في تصريحات لـ"الصباح" أن تونس تعاني من عجز مالي مزمن وتزايد في الدين العام، وما يزيد من الضغوط على الاقتصاد،الإنفاق الحكومي الكبير، لاسيما في القطاع العام ودعم الطاقة، يُستنزف الموارد المالية ويحد من قدرة الحكومة على تمويل استثمارات إنتاجية جديدة.

ومن اجل تحقيق نسب نمو قوية ومستدامة، من الضروري الاستثمار في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، والتي من الممكن أن تحول تونس إلى نموذج اقتصادي وقطب رائد، مثل التكنولوجيا الرقمية، والصناعات الخضراء، والطاقة المتجددة. هذه القطاعات قادرة على خلق وظائف جديدة وزيادة الإنتاجية، مما يعزز من فرص تحقيق نسب نمو قوية. كذلك فإن الاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية والتعليم والتدريب المهني سيساهم في رفع مستوى الكفاءة والإنتاجية.

تحسين مناخ الاستثمار

يتفق الجميع اليوم على ضرورة أن تعمل تونس على تحسين مناخ الاستثمار من خلال تبسيط الإجراءات الإدارية، وتحسين الإطار القانوني، وتقديم حوافز للمستثمرين المحليين والأجانب، حيث أن الاستقرار السياسي والاقتصادي هو مفتاح جذب رؤوس الأموال الأجنبية التي يمكن أن تسهم في رفع معدلات النمو. كما يمكن للاقتصاد الاجتماعي والتضامني أن يلعب دوراً مهماً في خلق فرص عمل مستدامة، خاصة في المناطق المهمشة، من خلال تشجيع المشاريع الاجتماعية، والتي من الممكن أن تعزز النمو الاقتصادي بطريقة شاملة تستفيد منها جميع فئات المجتمع.

ولتجنب العجز المالي المزمن وتخفيف العبء عن الدين العام، يجب تنفيذ إصلاحات هيكلية شاملة، تشمل تقليص الإنفاق الحكومي غير المنتج، وتحسين جباية الضرائب، وتوجيه الدعم الحكومي نحو الفئات الأكثر احتياجاً. هذه الإصلاحات ستساعد على تعزيز الاستدامة المالية وتحسين قدرة الاقتصاد على النمو.

رؤية إستراتيجية

وحول أهمية المنوال التنموي ونجاعته، أفاد مسؤول بوزارة الاقتصاد والتخطيط لـ"الصباح"، أن لتونس رؤية إستراتيجية تمتد إلى غاية 2035، وتم إعدادها في إطار مواجهة التحديات الاقتصادية وتجاوز نقاط الضعف. هذه الرؤية ترتكز على محاور رئيسية تهدف إلى تحقيق تحول اقتصادي شامل ومستدام، ومن أبرز ملامح هذه الإستراتيجية الانتقال نحو اقتصاد المعرفة، حيث تضع الرؤية الإستراتيجية 2025-2035 هدفًا أساسيًا يتمثل في تعزيز اقتصاد المعرفة وتنويع الاقتصاد التونسي. يركز هذا المحور على الاستثمار في التعليم والتكنولوجيا والابتكار، بما يتناسب مع المتغيرات العالمية المتسارعة في هذا المجال. من خلال تعزيز ريادة الأعمال في مجالات التكنولوجيا والبحث العلمي، يمكن لتونس أن تحقق نموًا اقتصاديًا قائمًا على المعرفة والابتكار، كذلك تعزيز الاقتصاد الأخضر والمستدام، حيث تسعى الرؤية إلى تحويل تونس إلى مركز إقليمي للطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية والرياح. هذا التحول نحو الاقتصاد الأخضر سيساهم في خلق فرص عمل جديدة، وتقليل التبعية للموارد الطاقية المستوردة، مما يعزز النمو الاقتصادي المستدام. كما تركز الرؤية على تعزيز الاستدامة البيئية من خلال تبني سياسات إنتاج واستهلاك مستدامة.

ثالثا، تحسين البنية التحتية وتعزيز اللامركزية، حيث تعمل الرؤية الإستراتيجية للوزارة على تحسين البنية التحتية بكل أنواعها، بما في ذلك البنية التحتية التكنولوجية واللوجستية والمواصلات. كما تسعى إلى تعزيز اللامركزية من خلال دعم التنمية المحلية في الأقاليم الداخلية، مما يمكن أن يسهم في تحقيق نمو شامل ومستدام، إلى جانب تعزيز الاستثمار الأجنبي والتجارة الخارجية، حيث يطمح المخطط المعد من قبل الوزارة، إلى فتح الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية من خلال تحسين مناخ الأعمال وتطوير الشراكات الإستراتيجية. كما يرتكز المخطط على توسيع الأسواق التجارية لتونس وجذب استثمارات جديدة، خاصة في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية.

تنويع الاستثمارات التكنولوجية

ولتحقيق نسب نمو اقتصادي تتراوح بين 6% و7% في تونس يتطلب تبني مقاربة شاملة وإستراتيجية متكاملة، تأخذ بعين الاعتبار التحديات الاقتصادية الحالية وتستفيد من الفرص المتاحة. يتفق اغلب الخبراء على أن الاقتصاد التونسي يعتمد بشكل كبير على قطاعات تقليدية مثل الزراعة والصناعات التحويلية، التي تتسم بقيمة مضافة منخفضة، ولتحقيق نسب نمو مرتفعة، يجب على تونس التحول إلى "اقتصاد المعرفة". وهذا يتطلب تعزيز الاستثمار في البحث العلمي، التكنولوجيا، والابتكارات الرقمية. تعمل الحكومة التونسية اليوم، على تشجيع الشركات الناشئة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة، والتكنولوجيا الحيوية، وهذه القطاعات هي الأبرز اليوم وحلقت بدول ليست لها موارد، مثل كوريا الجنوبية وتايوان، وهي دول ارتفع ناتج المحلي الإجمالي بسبب مشاريع تقنية بحتة تدر القيمة المضافة العالية.

ولا يمكن تحقيق اقتصاد المعرفة دون نظام تعليمي قوي يتماشى مع احتياجات سوق العمل المستقبلية. لذلك، يتعين على تونس تحسين جودة التعليم العالي والبحث العلمي، واعتماد برامج تدريبية تركز على المهارات التقنية الحديثة وريادة الأعمال، والاستثمار في التعليم والتدريب سيزيد من إنتاجية القوى العاملة، مما يسهم في رفع معدلات النمو.

كذلك التحول إلى اقتصاد مستدام، يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في تحقيق نسب نمو مرتفعة، حيث تمتلك تونس إمكانيات كبيرة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. الاستثمار في هذه القطاعات ليس فقط سيوفر فرص عمل جديدة، بل سيقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد، مما يحسن الميزان التجاري ويدعم الاستدامة البيئية. كما يمكن لتونس تعزيز صناعات ذات قيمة مضافة عالية مثل صناعة الأدوية، الإلكترونيات، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. هذه القطاعات لديها إمكانيات كبيرة للنمو، خاصة إذا تم دعمها من خلال سياسات حكومية مشجعة لتحفيز الابتكار والصادرات.

لا شك أن القطاع العام في تونس يعاني من تضخم كبير في عدد الموظفين، مما يثقل كاهل الميزانية ويحد من قدرة الحكومة على الاستثمار في مشاريع تنموية. يتفق الجميع اليوم على ضرورة تنفيذ إصلاحات هيكلية تشمل تقليص حجم القطاع العام، وتحسين كفاءته، وتوجيه الموارد نحو القطاعات الإنتاجية.

التحول الرقمي

من الضروري التنصيص على أهمية التحول الرقمي اليوم في تونس، حيث يمكن أن يعزز من كفاءة القطاعين العام والخاص. وتوظيف التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وإنترنات الأشياء يمكن أن يسهم في تحسين الإنتاجية وتقليل التكاليف. الرقمنة ستسهل أيضًا عملية التعامل مع الحكومة، مما يسهل على الشركات ممارسة الأعمال التجارية ويزيد من جاذبية تونس للاستثمارات.

تحقيق نسب نمو تتراوح بين 6% و7% في تونس ليس بالمهمة المستحيلة، لكنه يتطلب تبني منوال تنمية جديد يقوم على تنويع الاقتصاد، وتعزيز الابتكار، وتحسين مناخ الاستثمار، وتطوير البنية التحتية. كما يجب على الحكومة التونسية تنفيذ إصلاحات هيكلية شاملة في القطاع العام، مع التركيز على التنمية الإقليمية والاستدامة المالية.

ومن الواضح أن المنوال الاقتصادي الحالي لتونس لم يعد قادراً على تحقيق نسب نمو قوية تتراوح بين 6% و7% وهو منوال قديم يعود إلى الثمانينات من القرن الماضي، لذلك، هناك حاجة ملحة اليوم لإصلاحات هيكلية عميقة، وتحول نحو نموذج اقتصادي أكثر تنوعًا وابتكارًا. رؤية تونس 2025-2035 تقدم إطارًا شاملًا لتحقيق هذا التحول من خلال التركيز على اقتصاد المعرفة، الاقتصاد الأخضر، وتحسين البنية التحتية والاستثمار. بتطبيق هذه الإستراتيجية بفعالية، يمكن لتونس أن تحقق معدلات نمو قوية ومستدامة، مما يساهم في تحسين مستوى المعيشة وتعزيز استقرارها الاقتصادي، لكن يبقى النجاح يعتمد على التنفيذ الفعّال والشامل لهذه السياسات.

سفيان المهداوي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مع تواصل اعتماد منوال تنمية تجاوزه الزمن...  كيف يمكن دفع نسب النمو إلى أكثر من3 %؟

 

تونس - الصباح

تواجه تونس منذ سنوات تحديات اقتصادية متعددة، حيث لم يتمكن المنوال الاقتصادي الحالي من تحقيق نسب نمو قوية ومستدامة تتراوح بين 6% و7%، كما كان مأمولاً، فبدلاً من ذلك، ظلت معدلات النمو ضعيفة ولا تتجاوز في أقصى حالاتها معدل 3%، مما جعل البلاد ترزح تحت وطأة أزمات اقتصادية واجتماعية معقدة. في هذا المقال، سنحلل الأسباب التي أدت إلى عدم نجاعة النموذج الاقتصادي الحالي، ونسلط الضوء على رؤية تونس الإستراتيجية (2025-2035) الصادرة عن وزارة الاقتصاد والتخطيط، والتي تحصلت "الصباح" على نسخة منها مع اقتراح سبل لتحقيق نسب نمو قوية ومستدامة.

الاعتماد على القطاعات التقليدية

في البداية يعتمد الاقتصاد التونسي بشكل كبير على قطاعات تقليدية مثل الزراعة، والصناعات التحويلية، والخدمات السياحية. ورغم أهميتها التاريخية، فإن هذه القطاعات تواجه تحديات عديدة، منها تقلبات الأسواق الخارجية، وتغير المناخ، والضغوط المنافسة من دول أخرى. علاوة على ذلك، تعتمد هذه القطاعات على إنتاج منخفض للقيمة المضافة، مما يجعلها غير قادرة على توليد نسب نمو قوية.

وتشير البيانات إلى تراجع في مستوى الاستثمارات، سواء المحلية أو الأجنبية، مرده عدم استقرار الاقتصاد العالمي، والتردد المستمر في تنفيذ إصلاحات هيكلية. هذا الضعف في الاستثمار أدى إلى نقص في خلق فرص العمل الجديدة، مما أضعف القدرة على زيادة الإنتاجية والنمو الاقتصادي.

وتواجه تونس مثل بقية البلدان النامية مشكلة بطالة مرتفعة، خصوصاً في صفوف الشباب وحاملي الشهادات العليا. ورغم الجهود الحكومية لتشجيع ريادة الأعمال وتوسيع سوق العمل، إلا أن العديد من هذه الوظائف تظل في قطاعات غير منتجة أو ذات قيمة مضافة منخفضة، مما يحد من قدرة الاقتصاد على النمو.

ويؤكد العديد من خبراء الاقتصاد في تصريحات لـ"الصباح" أن تونس تعاني من عجز مالي مزمن وتزايد في الدين العام، وما يزيد من الضغوط على الاقتصاد،الإنفاق الحكومي الكبير، لاسيما في القطاع العام ودعم الطاقة، يُستنزف الموارد المالية ويحد من قدرة الحكومة على تمويل استثمارات إنتاجية جديدة.

ومن اجل تحقيق نسب نمو قوية ومستدامة، من الضروري الاستثمار في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، والتي من الممكن أن تحول تونس إلى نموذج اقتصادي وقطب رائد، مثل التكنولوجيا الرقمية، والصناعات الخضراء، والطاقة المتجددة. هذه القطاعات قادرة على خلق وظائف جديدة وزيادة الإنتاجية، مما يعزز من فرص تحقيق نسب نمو قوية. كذلك فإن الاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية والتعليم والتدريب المهني سيساهم في رفع مستوى الكفاءة والإنتاجية.

تحسين مناخ الاستثمار

يتفق الجميع اليوم على ضرورة أن تعمل تونس على تحسين مناخ الاستثمار من خلال تبسيط الإجراءات الإدارية، وتحسين الإطار القانوني، وتقديم حوافز للمستثمرين المحليين والأجانب، حيث أن الاستقرار السياسي والاقتصادي هو مفتاح جذب رؤوس الأموال الأجنبية التي يمكن أن تسهم في رفع معدلات النمو. كما يمكن للاقتصاد الاجتماعي والتضامني أن يلعب دوراً مهماً في خلق فرص عمل مستدامة، خاصة في المناطق المهمشة، من خلال تشجيع المشاريع الاجتماعية، والتي من الممكن أن تعزز النمو الاقتصادي بطريقة شاملة تستفيد منها جميع فئات المجتمع.

ولتجنب العجز المالي المزمن وتخفيف العبء عن الدين العام، يجب تنفيذ إصلاحات هيكلية شاملة، تشمل تقليص الإنفاق الحكومي غير المنتج، وتحسين جباية الضرائب، وتوجيه الدعم الحكومي نحو الفئات الأكثر احتياجاً. هذه الإصلاحات ستساعد على تعزيز الاستدامة المالية وتحسين قدرة الاقتصاد على النمو.

رؤية إستراتيجية

وحول أهمية المنوال التنموي ونجاعته، أفاد مسؤول بوزارة الاقتصاد والتخطيط لـ"الصباح"، أن لتونس رؤية إستراتيجية تمتد إلى غاية 2035، وتم إعدادها في إطار مواجهة التحديات الاقتصادية وتجاوز نقاط الضعف. هذه الرؤية ترتكز على محاور رئيسية تهدف إلى تحقيق تحول اقتصادي شامل ومستدام، ومن أبرز ملامح هذه الإستراتيجية الانتقال نحو اقتصاد المعرفة، حيث تضع الرؤية الإستراتيجية 2025-2035 هدفًا أساسيًا يتمثل في تعزيز اقتصاد المعرفة وتنويع الاقتصاد التونسي. يركز هذا المحور على الاستثمار في التعليم والتكنولوجيا والابتكار، بما يتناسب مع المتغيرات العالمية المتسارعة في هذا المجال. من خلال تعزيز ريادة الأعمال في مجالات التكنولوجيا والبحث العلمي، يمكن لتونس أن تحقق نموًا اقتصاديًا قائمًا على المعرفة والابتكار، كذلك تعزيز الاقتصاد الأخضر والمستدام، حيث تسعى الرؤية إلى تحويل تونس إلى مركز إقليمي للطاقة المتجددة، خاصة الطاقة الشمسية والرياح. هذا التحول نحو الاقتصاد الأخضر سيساهم في خلق فرص عمل جديدة، وتقليل التبعية للموارد الطاقية المستوردة، مما يعزز النمو الاقتصادي المستدام. كما تركز الرؤية على تعزيز الاستدامة البيئية من خلال تبني سياسات إنتاج واستهلاك مستدامة.

ثالثا، تحسين البنية التحتية وتعزيز اللامركزية، حيث تعمل الرؤية الإستراتيجية للوزارة على تحسين البنية التحتية بكل أنواعها، بما في ذلك البنية التحتية التكنولوجية واللوجستية والمواصلات. كما تسعى إلى تعزيز اللامركزية من خلال دعم التنمية المحلية في الأقاليم الداخلية، مما يمكن أن يسهم في تحقيق نمو شامل ومستدام، إلى جانب تعزيز الاستثمار الأجنبي والتجارة الخارجية، حيث يطمح المخطط المعد من قبل الوزارة، إلى فتح الأبواب أمام الاستثمارات الأجنبية من خلال تحسين مناخ الأعمال وتطوير الشراكات الإستراتيجية. كما يرتكز المخطط على توسيع الأسواق التجارية لتونس وجذب استثمارات جديدة، خاصة في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية.

تنويع الاستثمارات التكنولوجية

ولتحقيق نسب نمو اقتصادي تتراوح بين 6% و7% في تونس يتطلب تبني مقاربة شاملة وإستراتيجية متكاملة، تأخذ بعين الاعتبار التحديات الاقتصادية الحالية وتستفيد من الفرص المتاحة. يتفق اغلب الخبراء على أن الاقتصاد التونسي يعتمد بشكل كبير على قطاعات تقليدية مثل الزراعة والصناعات التحويلية، التي تتسم بقيمة مضافة منخفضة، ولتحقيق نسب نمو مرتفعة، يجب على تونس التحول إلى "اقتصاد المعرفة". وهذا يتطلب تعزيز الاستثمار في البحث العلمي، التكنولوجيا، والابتكارات الرقمية. تعمل الحكومة التونسية اليوم، على تشجيع الشركات الناشئة في مجالات التكنولوجيا المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي، البيانات الضخمة، والتكنولوجيا الحيوية، وهذه القطاعات هي الأبرز اليوم وحلقت بدول ليست لها موارد، مثل كوريا الجنوبية وتايوان، وهي دول ارتفع ناتج المحلي الإجمالي بسبب مشاريع تقنية بحتة تدر القيمة المضافة العالية.

ولا يمكن تحقيق اقتصاد المعرفة دون نظام تعليمي قوي يتماشى مع احتياجات سوق العمل المستقبلية. لذلك، يتعين على تونس تحسين جودة التعليم العالي والبحث العلمي، واعتماد برامج تدريبية تركز على المهارات التقنية الحديثة وريادة الأعمال، والاستثمار في التعليم والتدريب سيزيد من إنتاجية القوى العاملة، مما يسهم في رفع معدلات النمو.

كذلك التحول إلى اقتصاد مستدام، يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في تحقيق نسب نمو مرتفعة، حيث تمتلك تونس إمكانيات كبيرة في مجال الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. الاستثمار في هذه القطاعات ليس فقط سيوفر فرص عمل جديدة، بل سيقلل من الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد، مما يحسن الميزان التجاري ويدعم الاستدامة البيئية. كما يمكن لتونس تعزيز صناعات ذات قيمة مضافة عالية مثل صناعة الأدوية، الإلكترونيات، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. هذه القطاعات لديها إمكانيات كبيرة للنمو، خاصة إذا تم دعمها من خلال سياسات حكومية مشجعة لتحفيز الابتكار والصادرات.

لا شك أن القطاع العام في تونس يعاني من تضخم كبير في عدد الموظفين، مما يثقل كاهل الميزانية ويحد من قدرة الحكومة على الاستثمار في مشاريع تنموية. يتفق الجميع اليوم على ضرورة تنفيذ إصلاحات هيكلية تشمل تقليص حجم القطاع العام، وتحسين كفاءته، وتوجيه الموارد نحو القطاعات الإنتاجية.

التحول الرقمي

من الضروري التنصيص على أهمية التحول الرقمي اليوم في تونس، حيث يمكن أن يعزز من كفاءة القطاعين العام والخاص. وتوظيف التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وإنترنات الأشياء يمكن أن يسهم في تحسين الإنتاجية وتقليل التكاليف. الرقمنة ستسهل أيضًا عملية التعامل مع الحكومة، مما يسهل على الشركات ممارسة الأعمال التجارية ويزيد من جاذبية تونس للاستثمارات.

تحقيق نسب نمو تتراوح بين 6% و7% في تونس ليس بالمهمة المستحيلة، لكنه يتطلب تبني منوال تنمية جديد يقوم على تنويع الاقتصاد، وتعزيز الابتكار، وتحسين مناخ الاستثمار، وتطوير البنية التحتية. كما يجب على الحكومة التونسية تنفيذ إصلاحات هيكلية شاملة في القطاع العام، مع التركيز على التنمية الإقليمية والاستدامة المالية.

ومن الواضح أن المنوال الاقتصادي الحالي لتونس لم يعد قادراً على تحقيق نسب نمو قوية تتراوح بين 6% و7% وهو منوال قديم يعود إلى الثمانينات من القرن الماضي، لذلك، هناك حاجة ملحة اليوم لإصلاحات هيكلية عميقة، وتحول نحو نموذج اقتصادي أكثر تنوعًا وابتكارًا. رؤية تونس 2025-2035 تقدم إطارًا شاملًا لتحقيق هذا التحول من خلال التركيز على اقتصاد المعرفة، الاقتصاد الأخضر، وتحسين البنية التحتية والاستثمار. بتطبيق هذه الإستراتيجية بفعالية، يمكن لتونس أن تحقق معدلات نمو قوية ومستدامة، مما يساهم في تحسين مستوى المعيشة وتعزيز استقرارها الاقتصادي، لكن يبقى النجاح يعتمد على التنفيذ الفعّال والشامل لهذه السياسات.

سفيان المهداوي