عاش العالم العربي عشرية بداية القرن الواحد والعشرين كعشرية من أخطر العشريات التي شهدها بعد الاستقلالات الوطنية منذ خمسينات القرن الماضي،عمّ فيها الخراب المادي والفكري في أغلب دوله التي تحولت إلى ساحة للإرهاب والحروب الأهلية التي أُشتعلت فيه بفعل فاعل هنا وهناك.
لقد بدأت تلك العشرية بخطة وشعار تكريس الانتقال الديمقراطي وإزاحة الأنظمة الوطنية الاستبدادية التي نصبت نفسها مدافعة عن الأوطان العربية بعد الفترة الاستعمارية. وكانت الخطة الانتقالية من تدبير الغرب الصناعي الذي كان يستعمر قبل نصف قرن من ذلك بلدان العالم العربي، الذي تمكن من التحرّر من ربقة الاستعمار والاحتلال عن طريق حركات تحرير وطنية في المشرق والمغرب أعلنت الثورة على الاستعمار بعيد الحرب العالمية الثانية مستفيدة من ميلاد عالم جديد معاد للاستعمار.
وقد تجددت محاولات احتواء هذه البلدان الوطنية وإرجاعها إلى مربع التبعية الكاملة عبر شعارات جديدة ويافطة أخرى منها "الانتقال الديمقراطي"، بعد أن كان انتصاب الاستعمار منذ قرن ونصف جاء بحجة "التمدين الحضاري لشعوب همجية".
هكذا تقرر في مراكز التخطيط الاستعمارية الجديدة وصناع السيناريوهات في عواصم نيويورك وباريس ولندن وبروكسيل وسترازبورغ، للتخلص من الأنظمة العربية التي كانت تشاغب المركز الغربي بداعي الوطنية وحجة السيادة على الثروات الوطنية ، في محيط شرق أوسطي كانت فيه إسرائيل البنت المدلّلة لذلك الغرب، وهي محاطة بأنظمة تهدد الإسرائيليين "بإلقائهم في البحر"، كما تردد الدعاية الإسرائيلية، وتنقل عنها ببّغاويًّا الصحافة الغربية الموالية حد الطاعة العمياء للّوبي الصهيوني في تلك العواصم.
وقد تقرر في هذا الصدد تحييد تلك الأنظمة العربية الوطنية المنفلتة والمشاغبة باستعمال العصا الغليظة مع البعض منها، والقفازات الناعمة مع البعض الاخر، بالتوازي في الحالتين، مع تقويض المقومات الفكرية والحضارية ومنظومة القيم لدى شبابهم، كما تقرر في سراديب الغرب الأطلسي.
وقد كشفت تلك المخططات الجهنمية المصادر الغربية نفسها من خلال تسريبات شبكة ويكيليكس للمراسلات بين السفارات الغربية والأمريكية.
وهكذا أطلقت موجة "الربيع العربي الديمقراطي"، على غرار ماتم في السابق من موجات ربيع ديمقراطي للثورات الملوّنة في أوروبا الشرقية في التسعينات وفي جنوب شرق اسيا وفي افريقيا وجنوب القارة الأمريكية. وأغلب التجارب في تلك البلدان نجحت بدرجات متفاوتة . ولكن العالم العربي، الذي يضم إسرائيل المحْميّة، لا يجب ان ينجح فيه المسار الديمقراطي حتى يبقى على قارعة الطريق الدولية السريعة للديمقراطية في العالم ،وحتى تبقي إسرائيل هي "الديمقراطية الوحيدة في المنطقة"، كما يزعم زورا وبهتانا . ورددت الصحافة الغربية فايْك نيوز، أن العالم العربي مازال في بداية الألفية الجديدة متخلفا عن الانتقالات الديمقراطية في العالم ويتلكأ في الالتحاق بركب الديمقراطية العالمية بخصوصياتها الكونية المأخوذة استنساخا عن النموذج الغربي الأورو امريكي، ولامجال للاجتهاد بالخصوص في هذا الباب.
ويجدر التذكير أنه على هذا الأساس، تم وضع خطط عسكرية ولوجستية لفرض هذا الانتقال الديمقراطي سلما أو حربا، واعتبار ذلك فرصة لاستعادة السيطرة من جديد على العالم العربي المجاور، ذي الموارد الطبيعية الهائلة. وتم للغرض تجنيد عشرات الألاف من الشباب العربي في أوروبا وتشجيع الأنظمة المحيطة على تسفير الشباب نحو البلدان الاستبدادية للإطاحة بحكامها ومن تبقى منهم. وفتح الغرب الأطلسي، الذي يعرف دروب المنطقة وعقلياتها منذ الفترة الاستعمارية ولورانس العرب وزملاؤه في الاستخبار ، باب جهنم للمتطرفين الذين شجهم بكل الوسائل، وهو الغرب الديمقراطي الذي يقمع بكل قسوة قانونية الجماعات المتطرفة لديه من اليمين واليسار خارج البرلمان ويحاصر بكل الوسائل القانونية والإعلامية من هي داخله في كتل برلمانية محيّدة وتحت الرقابة بدعوى معاداة السامية كتهمة مركزية لها تفرعاتها على كل القطاعات السياسية والإعلامية والقانونية . نفس الغرب الديمقراطي جهّز وسلّح وغسَل دماغ الشباب المسلم الموجود في بلاده في العالم العربي او الموجود في أوروبا، حيث نظم جسرا جويا عامي 2011 و2012 بين العواصم الأوروبية الأطلسية ومطارات تركيا الأطلسية، عاصمة الخلافة الإسلامية لخمسة قرون، ومنها الي معسكرات الجهاد في سوريا وليبيا، حيث جهاد القتل والترويع وجهاد النكاح للبنات مقدّمين صورا بشعة ومروعة مفبركة وفولكلورية عن العالم الإسلامي في عموم الكرة الأرضية. في تلك المجزرة الحضارية، تم تقديم الإسلام على أنه دين الهمجية والنكاح البهيمي ودين سفك الدماء عبر تسمية المنظمة المفبركة من الغرب الماكْيافيلي وصنيعته التي أسماها " الدولة الإسلامية للعراق والشام " داعش " لينطلي التضليل الإعلامي على العالم كله تشويها للإسلام، دين الوسطية والاعتدال والسماحة والعلم والتوازن النفسي والروحي ، والحال أن "الدولة الإسلامية" التي ينطبق عليها تسمية الدولة هي دولة الخليفة هارون الرشيد وابنه الخليفة المأمون وهو العالم والفيلسوف الليبرالي من نخبة المعتزلة العقلية وصديقه ومستشاره أبو بكر الخوارزمي الذي عينه رئيسا لبيت الحكمة في بغداد كوكالة أبحاث علمية في اختصاصات العلوم وعلم الفلك والطب والهندسة والكيمياء في القرن العاشر الميلادي حين كانت أوروبا تغط في سبات الجهل والخرافة والتعصب الديني . كل هذه الصورة الزاهية للإسلام العلمي حرص المخططون الاستعماريون على طمسها وتعويضها بجحافل الجماعات الإرهابية التي انتشرت كالجراد لنشر الديمقراطية المغشوشة .
عشرية الخواء الفكري
خلال تلك العشرية الكئيبة الملتحفة بالسواد، سادت في المجتمعات العربية نقاشات مواضيع الجدل البيزنطي في منتديات فكرية مدفوعة الأجر بسخاء لنشر كل مايدمر الفكر الإسلامي الوضّاء .ولم يعد يسمع طوال تلك العشرية غير أصوات معاول الهدم للإرث المُزْهِر للحضارة العربية الإسلامية. واصبح الاستناد الى الإسلام الوهابي المحنط المبتدع والذي كان من افرازات قرون الانحطاط وخزعبلات الاستعمار. وقد أنهاها الاستقلال الوطني، الذي جعل في تونس وسائر البلاد العربية المستقلة، من العلم والمعرفة ومن المصعد الاجتماعي والكفاءة العلمية ، أساس الارتقاء الاجتماعي والسياسي ونشر المعرفة.
ارقام قياسية في الإنتاج الإرهابي
في تلك الفترة الملعونة انتشرت ارقام قياسية جديدة ليس في مجال حيازة العلوم والتكنولوجيا وإنتاج الحواسيب والهواتف الجوالة، بل في مجال القتل والترويع. وفي هذا السباق التدميري، حازت تونس في تلك الفترة لقب أكبربلد مصدر للإرهابيين وجهاد النكاح بأكثر من خمسة الاف ارهابي، وليبيا اكبر بلد في الاختطافات وفي النفط المسروق من الميليشيات الارهابية الحاكمة في إمارات الطوائف ، في حين أصبح العراق أكبر منتج للعبوات الناسفة وللسيارات وليست السيارات الاستهلاكية الكهربائية ، بل السيارات المفخخة التي تقتل كل يوم المئات من المدنيين عند انفجارها في الأماكن العامة المزدحمة . هكذا كان العرس الديمقراطي العربي ملتحفا بالسواد والدماء في كل مكان .
عشرية الدماء في العالم العربي
خلال تلك العشرية المشؤومة تجرع المشاهد العربي والمتلقي للرسالة الإعلامية علقم تردد أسماء المدن والقرى العربية في ظروف مأساوية دموية عاشتها الدول العربية في كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن، وأصبحت موضة تلك الفترة أن يأخذ أقطاب الساسة الجدد صور سيلفي دعائية مع الإرهابيين الدمويين أصحاب الارقام القياسية في سفك الدماء وفي أيدي السياسيين بنادق الكلاشنيكوف تباهيا وإمعانا في العمالة للحلف الأطلسي.
في خضم ذلك أصبحت بعض المدن العربية مشهورة في تلك المنطقة لفظاعة المجازر التي ارتكبت فيها مثل مدينة الفلوجة العراقية التي حاصرتها وأبادتها القوات الامريكية مدعومة بالمرتزقة الأوكرانيين الى جانب مدن عراقية طبقت شهرتها الافاق بسبب الإرهاب مثل الرمادي وبعقوبة ونينوي وإربيل وتكريت وكركوك والنجف .ونفس الأمر ينطبق على مدن ليبية شهيدة مثل أجدابيا وسرت والبريقة ودرنة وسيدي سلطان والزويتينة وبنينة وسليم.
لقد كانت مأساة متعددة الأوجه في تلك الأيام . فعوض أن يتعرف الشباب العربي على جغرافية مدن وقرى وأرياف وشواطئ ومنتجعات بلدان العالم العربي الواحد الذي لايفرق بينها أي شيء في اللغة والدين والثقافة، عبر الرحلات السياحية والتبادل الشبابي والطلابي بين أبناء الأمة الواحدة، كان الإطلاع على جغرافيا الدول العربية بواسطة شلال دماء بسبب الإرهاب الذي احتضنه وأخرجه الغرب من قمقمه النائم ، ويعرف سبل التحكم فيه منذ الحملات الصليبية.
ولايخفى على أحد في هذا الباب ما وفره الغرب الأوروبي لأبنائه من سياحة الشباب والتبادل الطلابي والمعرفي في حدود بلدان الاتحاد الأوروبي وفضاء شينغان، من فرص عبر البرنامج الأوروبي "إيراسموس"، الذي يحمل اسم الفيلسوف الهولاندي مؤسس النهضة الفكرية لأوروبا في القرن الخامس عشر ميلادي والقائمة على أفكار الفلسفة الإنسانية .
وبالمقابل تم الزج بأبناء الشباب العربي المسلم طيلة عشرية سوداء في أتون القتل والتدمير لشباب غسلت أدمغتهم فانقلبوا على بلدانهم وأهلهم وذويهم بدعوى مقاتلة الأنظمة الدكتاتورية في بلدانهم ونشر الفوضى الخلاقة، معتبرين ذلك جهادا إسلاميا في البلدان المحيطة بإسرائيل، ناسين أن الجهاد لايكون ضد الحاكم الظالم بل أولا ضد العدو الخارجي غير المسلم محتل الأرض والمقدسات.
وبفضل ذلك نعمت إسرائيل خلال العشرية الأخيرة بسلام لم تعرفه في تاريخها ولكن الي حين. فالعالم العربي يسعي جاهدا ويجاهد الجهاد الأكبر من أجل الخروج من المستنقع والبئر اللذين ألقاه فيهما الأشرار وعتاة أزلام الشيطان الأكبر.
(هذا المقال مساهمة في تكسير معاول الهدم الحضاري).
بقلم الصحراوي قمعون
صحفي باحث في علوم الاعلام والصحافة
عاش العالم العربي عشرية بداية القرن الواحد والعشرين كعشرية من أخطر العشريات التي شهدها بعد الاستقلالات الوطنية منذ خمسينات القرن الماضي،عمّ فيها الخراب المادي والفكري في أغلب دوله التي تحولت إلى ساحة للإرهاب والحروب الأهلية التي أُشتعلت فيه بفعل فاعل هنا وهناك.
لقد بدأت تلك العشرية بخطة وشعار تكريس الانتقال الديمقراطي وإزاحة الأنظمة الوطنية الاستبدادية التي نصبت نفسها مدافعة عن الأوطان العربية بعد الفترة الاستعمارية. وكانت الخطة الانتقالية من تدبير الغرب الصناعي الذي كان يستعمر قبل نصف قرن من ذلك بلدان العالم العربي، الذي تمكن من التحرّر من ربقة الاستعمار والاحتلال عن طريق حركات تحرير وطنية في المشرق والمغرب أعلنت الثورة على الاستعمار بعيد الحرب العالمية الثانية مستفيدة من ميلاد عالم جديد معاد للاستعمار.
وقد تجددت محاولات احتواء هذه البلدان الوطنية وإرجاعها إلى مربع التبعية الكاملة عبر شعارات جديدة ويافطة أخرى منها "الانتقال الديمقراطي"، بعد أن كان انتصاب الاستعمار منذ قرن ونصف جاء بحجة "التمدين الحضاري لشعوب همجية".
هكذا تقرر في مراكز التخطيط الاستعمارية الجديدة وصناع السيناريوهات في عواصم نيويورك وباريس ولندن وبروكسيل وسترازبورغ، للتخلص من الأنظمة العربية التي كانت تشاغب المركز الغربي بداعي الوطنية وحجة السيادة على الثروات الوطنية ، في محيط شرق أوسطي كانت فيه إسرائيل البنت المدلّلة لذلك الغرب، وهي محاطة بأنظمة تهدد الإسرائيليين "بإلقائهم في البحر"، كما تردد الدعاية الإسرائيلية، وتنقل عنها ببّغاويًّا الصحافة الغربية الموالية حد الطاعة العمياء للّوبي الصهيوني في تلك العواصم.
وقد تقرر في هذا الصدد تحييد تلك الأنظمة العربية الوطنية المنفلتة والمشاغبة باستعمال العصا الغليظة مع البعض منها، والقفازات الناعمة مع البعض الاخر، بالتوازي في الحالتين، مع تقويض المقومات الفكرية والحضارية ومنظومة القيم لدى شبابهم، كما تقرر في سراديب الغرب الأطلسي.
وقد كشفت تلك المخططات الجهنمية المصادر الغربية نفسها من خلال تسريبات شبكة ويكيليكس للمراسلات بين السفارات الغربية والأمريكية.
وهكذا أطلقت موجة "الربيع العربي الديمقراطي"، على غرار ماتم في السابق من موجات ربيع ديمقراطي للثورات الملوّنة في أوروبا الشرقية في التسعينات وفي جنوب شرق اسيا وفي افريقيا وجنوب القارة الأمريكية. وأغلب التجارب في تلك البلدان نجحت بدرجات متفاوتة . ولكن العالم العربي، الذي يضم إسرائيل المحْميّة، لا يجب ان ينجح فيه المسار الديمقراطي حتى يبقى على قارعة الطريق الدولية السريعة للديمقراطية في العالم ،وحتى تبقي إسرائيل هي "الديمقراطية الوحيدة في المنطقة"، كما يزعم زورا وبهتانا . ورددت الصحافة الغربية فايْك نيوز، أن العالم العربي مازال في بداية الألفية الجديدة متخلفا عن الانتقالات الديمقراطية في العالم ويتلكأ في الالتحاق بركب الديمقراطية العالمية بخصوصياتها الكونية المأخوذة استنساخا عن النموذج الغربي الأورو امريكي، ولامجال للاجتهاد بالخصوص في هذا الباب.
ويجدر التذكير أنه على هذا الأساس، تم وضع خطط عسكرية ولوجستية لفرض هذا الانتقال الديمقراطي سلما أو حربا، واعتبار ذلك فرصة لاستعادة السيطرة من جديد على العالم العربي المجاور، ذي الموارد الطبيعية الهائلة. وتم للغرض تجنيد عشرات الألاف من الشباب العربي في أوروبا وتشجيع الأنظمة المحيطة على تسفير الشباب نحو البلدان الاستبدادية للإطاحة بحكامها ومن تبقى منهم. وفتح الغرب الأطلسي، الذي يعرف دروب المنطقة وعقلياتها منذ الفترة الاستعمارية ولورانس العرب وزملاؤه في الاستخبار ، باب جهنم للمتطرفين الذين شجهم بكل الوسائل، وهو الغرب الديمقراطي الذي يقمع بكل قسوة قانونية الجماعات المتطرفة لديه من اليمين واليسار خارج البرلمان ويحاصر بكل الوسائل القانونية والإعلامية من هي داخله في كتل برلمانية محيّدة وتحت الرقابة بدعوى معاداة السامية كتهمة مركزية لها تفرعاتها على كل القطاعات السياسية والإعلامية والقانونية . نفس الغرب الديمقراطي جهّز وسلّح وغسَل دماغ الشباب المسلم الموجود في بلاده في العالم العربي او الموجود في أوروبا، حيث نظم جسرا جويا عامي 2011 و2012 بين العواصم الأوروبية الأطلسية ومطارات تركيا الأطلسية، عاصمة الخلافة الإسلامية لخمسة قرون، ومنها الي معسكرات الجهاد في سوريا وليبيا، حيث جهاد القتل والترويع وجهاد النكاح للبنات مقدّمين صورا بشعة ومروعة مفبركة وفولكلورية عن العالم الإسلامي في عموم الكرة الأرضية. في تلك المجزرة الحضارية، تم تقديم الإسلام على أنه دين الهمجية والنكاح البهيمي ودين سفك الدماء عبر تسمية المنظمة المفبركة من الغرب الماكْيافيلي وصنيعته التي أسماها " الدولة الإسلامية للعراق والشام " داعش " لينطلي التضليل الإعلامي على العالم كله تشويها للإسلام، دين الوسطية والاعتدال والسماحة والعلم والتوازن النفسي والروحي ، والحال أن "الدولة الإسلامية" التي ينطبق عليها تسمية الدولة هي دولة الخليفة هارون الرشيد وابنه الخليفة المأمون وهو العالم والفيلسوف الليبرالي من نخبة المعتزلة العقلية وصديقه ومستشاره أبو بكر الخوارزمي الذي عينه رئيسا لبيت الحكمة في بغداد كوكالة أبحاث علمية في اختصاصات العلوم وعلم الفلك والطب والهندسة والكيمياء في القرن العاشر الميلادي حين كانت أوروبا تغط في سبات الجهل والخرافة والتعصب الديني . كل هذه الصورة الزاهية للإسلام العلمي حرص المخططون الاستعماريون على طمسها وتعويضها بجحافل الجماعات الإرهابية التي انتشرت كالجراد لنشر الديمقراطية المغشوشة .
عشرية الخواء الفكري
خلال تلك العشرية الكئيبة الملتحفة بالسواد، سادت في المجتمعات العربية نقاشات مواضيع الجدل البيزنطي في منتديات فكرية مدفوعة الأجر بسخاء لنشر كل مايدمر الفكر الإسلامي الوضّاء .ولم يعد يسمع طوال تلك العشرية غير أصوات معاول الهدم للإرث المُزْهِر للحضارة العربية الإسلامية. واصبح الاستناد الى الإسلام الوهابي المحنط المبتدع والذي كان من افرازات قرون الانحطاط وخزعبلات الاستعمار. وقد أنهاها الاستقلال الوطني، الذي جعل في تونس وسائر البلاد العربية المستقلة، من العلم والمعرفة ومن المصعد الاجتماعي والكفاءة العلمية ، أساس الارتقاء الاجتماعي والسياسي ونشر المعرفة.
ارقام قياسية في الإنتاج الإرهابي
في تلك الفترة الملعونة انتشرت ارقام قياسية جديدة ليس في مجال حيازة العلوم والتكنولوجيا وإنتاج الحواسيب والهواتف الجوالة، بل في مجال القتل والترويع. وفي هذا السباق التدميري، حازت تونس في تلك الفترة لقب أكبربلد مصدر للإرهابيين وجهاد النكاح بأكثر من خمسة الاف ارهابي، وليبيا اكبر بلد في الاختطافات وفي النفط المسروق من الميليشيات الارهابية الحاكمة في إمارات الطوائف ، في حين أصبح العراق أكبر منتج للعبوات الناسفة وللسيارات وليست السيارات الاستهلاكية الكهربائية ، بل السيارات المفخخة التي تقتل كل يوم المئات من المدنيين عند انفجارها في الأماكن العامة المزدحمة . هكذا كان العرس الديمقراطي العربي ملتحفا بالسواد والدماء في كل مكان .
عشرية الدماء في العالم العربي
خلال تلك العشرية المشؤومة تجرع المشاهد العربي والمتلقي للرسالة الإعلامية علقم تردد أسماء المدن والقرى العربية في ظروف مأساوية دموية عاشتها الدول العربية في كل من العراق وسوريا وليبيا واليمن، وأصبحت موضة تلك الفترة أن يأخذ أقطاب الساسة الجدد صور سيلفي دعائية مع الإرهابيين الدمويين أصحاب الارقام القياسية في سفك الدماء وفي أيدي السياسيين بنادق الكلاشنيكوف تباهيا وإمعانا في العمالة للحلف الأطلسي.
في خضم ذلك أصبحت بعض المدن العربية مشهورة في تلك المنطقة لفظاعة المجازر التي ارتكبت فيها مثل مدينة الفلوجة العراقية التي حاصرتها وأبادتها القوات الامريكية مدعومة بالمرتزقة الأوكرانيين الى جانب مدن عراقية طبقت شهرتها الافاق بسبب الإرهاب مثل الرمادي وبعقوبة ونينوي وإربيل وتكريت وكركوك والنجف .ونفس الأمر ينطبق على مدن ليبية شهيدة مثل أجدابيا وسرت والبريقة ودرنة وسيدي سلطان والزويتينة وبنينة وسليم.
لقد كانت مأساة متعددة الأوجه في تلك الأيام . فعوض أن يتعرف الشباب العربي على جغرافية مدن وقرى وأرياف وشواطئ ومنتجعات بلدان العالم العربي الواحد الذي لايفرق بينها أي شيء في اللغة والدين والثقافة، عبر الرحلات السياحية والتبادل الشبابي والطلابي بين أبناء الأمة الواحدة، كان الإطلاع على جغرافيا الدول العربية بواسطة شلال دماء بسبب الإرهاب الذي احتضنه وأخرجه الغرب من قمقمه النائم ، ويعرف سبل التحكم فيه منذ الحملات الصليبية.
ولايخفى على أحد في هذا الباب ما وفره الغرب الأوروبي لأبنائه من سياحة الشباب والتبادل الطلابي والمعرفي في حدود بلدان الاتحاد الأوروبي وفضاء شينغان، من فرص عبر البرنامج الأوروبي "إيراسموس"، الذي يحمل اسم الفيلسوف الهولاندي مؤسس النهضة الفكرية لأوروبا في القرن الخامس عشر ميلادي والقائمة على أفكار الفلسفة الإنسانية .
وبالمقابل تم الزج بأبناء الشباب العربي المسلم طيلة عشرية سوداء في أتون القتل والتدمير لشباب غسلت أدمغتهم فانقلبوا على بلدانهم وأهلهم وذويهم بدعوى مقاتلة الأنظمة الدكتاتورية في بلدانهم ونشر الفوضى الخلاقة، معتبرين ذلك جهادا إسلاميا في البلدان المحيطة بإسرائيل، ناسين أن الجهاد لايكون ضد الحاكم الظالم بل أولا ضد العدو الخارجي غير المسلم محتل الأرض والمقدسات.
وبفضل ذلك نعمت إسرائيل خلال العشرية الأخيرة بسلام لم تعرفه في تاريخها ولكن الي حين. فالعالم العربي يسعي جاهدا ويجاهد الجهاد الأكبر من أجل الخروج من المستنقع والبئر اللذين ألقاه فيهما الأشرار وعتاة أزلام الشيطان الأكبر.