ثلاثة مستويات من التحولات الجيوسياسية التي قد يفهم من خلالها عدم قدرة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على كبح جماح الكيان الصهيوني في القيام بالجرائم والتصعيدات العسكرية على أكثر من واجهة.
وبعيدا عما تطرحه الانتخابات الأمريكية من تضييق للخيارات على الإدارة الحالية، والتي ستغادر بعد انتخابات نوفمبر القادم، فإن هذه الانتخابات مثلت فرصة بالنسبة لتل أبيب وحكومتها اليمينية لزيادة منسوب "عسكرة" الخيارات من خلال التصعيد الكبير للصراع في الشرق الأوسط، وخصوصا في قطاع غزة.
في ماي الماضي استعملت إدارة بايدن، عندما كان مرشحا للحزب الديمقراطي للانتخابات الأمريكية، ورقة ضغط عسكرية وهي سحب القنابل الثقيلة من "المساعدات العسكرية" لإسرائيل، وهو ما كان محل تجاذب سياسي وورقة استعملها غريمه دونالد ترامب لجذب أصوات اللوبي الصهيوني إلى صف الحزب الجمهوري، وهو ما كان وراء إعادة توزيع الأوراق وتنازل بايدن عن هذه الورقة بعد زيارة لوزير الحرب الإسرائيلي يؤاف غالانت لواشنطن.
نفس هذا "الجوكر" أخذ بنيامين نتنياهو في استعماله، خاصة في مفاوضات التوصل الى هدنة في غزة، وهو ما جعل الإدارة الأمريكية، تذهب في خيار آخر وهو مجاراة ما يقوم به نتنياهو وتكتفي بعدم تحمل مسؤوليتها على عديد العمليات العسكرية والاستخبارية التي تسببت في قتل مدنيين.
ويبدو أن نتنياهو، الذي واصل ممارسة سياسة العصا والجزرة مع الديمقراطيين الأمريكيين، أتى في وقت، ترى فيه الإدارة الأمريكية أن روسيا واصلت في تقدمها في أوكرانيا، وأن الصين قد طوت مراحل في التحكم في بحر الصين الجنوبي في اتجاه التحكم في المضائق الرئيسية على طريق التجارة الدولية.
ويبدو أن هذين الملفين الجيوسياسيين الأهم بالنسبة لواشنطن، وأُقرا كأبرز التهديدات منذ أن كان باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة، بل إن الإستراتيجية العامة الأمريكية تغيرت على أساسهما، وحاولت أمريكا على ضوئهما الخروج من الشرق الأوسط، كمركز للثقل الجيواستراتيجي بالنسبة إليها -وقامت بتقديم تنازلات كبيرة في هذا الشان وأبرزها الاتفاق مع إيران في إطار حسم الملف النووي سنة 2015- نحو فضاءات جديدة، شملتها تحولات جيوسياسية وأبرزها صعود الصين وروسيا.
ولعل ما رسمته الولايات المتحدة، كخط استراتيجي لها، غير متوافق مع يريده اليمين الصهيوني الديني الحاكم في إسرائيل، فهو اليوم يسعى لتوسيع الحرب مع حزب الله، وهو ما قد يقود لجر واشنطن وإيران لحرب كبرى في الشرق الأوسط.
إلا أن خيارات إيران لا تبدو أنها على نفس طموحات نتنياهو، الذي يعلم جيدا أن أبرز الأولويات للرئيس الإصلاحي الموجود في السلطة مسعود بزشكيان، هي إعادة الاتفاق النووي لسنة 2015، وأنها تضغط بالقوى المتحالفة معها في الشرق الأوسط من أجل تحقيق هذا الهدف.
ومن جهتها فإن روسيا لا تريد دخول إيران في مغامرة الحرب الكبرى في الشرق الأوسط، خصوصا وأنها باتت من جهتها مصدرا لتسليح جيوش الرئيس فلاديمير بوتين التي تحارب في شرق أوكرانيا وعلى جبهة كورسك على الأراضي الروسية.
إن هذه التوازنات تقود الشرق الأوسط إلى منطقة حافة الهاوية، فأي قرار من هذه الدول للانخراط في حرب اللاتماثلية القائمة بين إسرائيل والقوى غير الدولية والميلاشيوية في الشرق الأوسط، قد ينقلها إلى مستوى الحرب النظامية والتي قد تدخلها الولايات المتحدة عنوة، لتحقيق مطلب إسرائيلي ملح وهو القضاء على البرنامج النووي الإيراني، وإعادة المنطقة إلى توازن ما قبل حرب 1973، خصوصا وأن الكيان الإسرائيلي لا يستطيع وحيدا تحمل أعباء حرب طويلة الأمد تنهكه، كما حصل له في غزة، وهو ما لا تريد واشنطن التورط فيه في الوقت الحالي.
فانخراط واشنطن في أي حرب في الشرق الأوسط قد يكون فرصة للصين لتوسيع نفوذها في جنوب شرق آسيا، كما ستمثل فرصة لروسيا الطامحة لحلم التمدد الجيوسياسي في أوراسيا.
بقلم: نزار مقني
ثلاثة مستويات من التحولات الجيوسياسية التي قد يفهم من خلالها عدم قدرة إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على كبح جماح الكيان الصهيوني في القيام بالجرائم والتصعيدات العسكرية على أكثر من واجهة.
وبعيدا عما تطرحه الانتخابات الأمريكية من تضييق للخيارات على الإدارة الحالية، والتي ستغادر بعد انتخابات نوفمبر القادم، فإن هذه الانتخابات مثلت فرصة بالنسبة لتل أبيب وحكومتها اليمينية لزيادة منسوب "عسكرة" الخيارات من خلال التصعيد الكبير للصراع في الشرق الأوسط، وخصوصا في قطاع غزة.
في ماي الماضي استعملت إدارة بايدن، عندما كان مرشحا للحزب الديمقراطي للانتخابات الأمريكية، ورقة ضغط عسكرية وهي سحب القنابل الثقيلة من "المساعدات العسكرية" لإسرائيل، وهو ما كان محل تجاذب سياسي وورقة استعملها غريمه دونالد ترامب لجذب أصوات اللوبي الصهيوني إلى صف الحزب الجمهوري، وهو ما كان وراء إعادة توزيع الأوراق وتنازل بايدن عن هذه الورقة بعد زيارة لوزير الحرب الإسرائيلي يؤاف غالانت لواشنطن.
نفس هذا "الجوكر" أخذ بنيامين نتنياهو في استعماله، خاصة في مفاوضات التوصل الى هدنة في غزة، وهو ما جعل الإدارة الأمريكية، تذهب في خيار آخر وهو مجاراة ما يقوم به نتنياهو وتكتفي بعدم تحمل مسؤوليتها على عديد العمليات العسكرية والاستخبارية التي تسببت في قتل مدنيين.
ويبدو أن نتنياهو، الذي واصل ممارسة سياسة العصا والجزرة مع الديمقراطيين الأمريكيين، أتى في وقت، ترى فيه الإدارة الأمريكية أن روسيا واصلت في تقدمها في أوكرانيا، وأن الصين قد طوت مراحل في التحكم في بحر الصين الجنوبي في اتجاه التحكم في المضائق الرئيسية على طريق التجارة الدولية.
ويبدو أن هذين الملفين الجيوسياسيين الأهم بالنسبة لواشنطن، وأُقرا كأبرز التهديدات منذ أن كان باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة، بل إن الإستراتيجية العامة الأمريكية تغيرت على أساسهما، وحاولت أمريكا على ضوئهما الخروج من الشرق الأوسط، كمركز للثقل الجيواستراتيجي بالنسبة إليها -وقامت بتقديم تنازلات كبيرة في هذا الشان وأبرزها الاتفاق مع إيران في إطار حسم الملف النووي سنة 2015- نحو فضاءات جديدة، شملتها تحولات جيوسياسية وأبرزها صعود الصين وروسيا.
ولعل ما رسمته الولايات المتحدة، كخط استراتيجي لها، غير متوافق مع يريده اليمين الصهيوني الديني الحاكم في إسرائيل، فهو اليوم يسعى لتوسيع الحرب مع حزب الله، وهو ما قد يقود لجر واشنطن وإيران لحرب كبرى في الشرق الأوسط.
إلا أن خيارات إيران لا تبدو أنها على نفس طموحات نتنياهو، الذي يعلم جيدا أن أبرز الأولويات للرئيس الإصلاحي الموجود في السلطة مسعود بزشكيان، هي إعادة الاتفاق النووي لسنة 2015، وأنها تضغط بالقوى المتحالفة معها في الشرق الأوسط من أجل تحقيق هذا الهدف.
ومن جهتها فإن روسيا لا تريد دخول إيران في مغامرة الحرب الكبرى في الشرق الأوسط، خصوصا وأنها باتت من جهتها مصدرا لتسليح جيوش الرئيس فلاديمير بوتين التي تحارب في شرق أوكرانيا وعلى جبهة كورسك على الأراضي الروسية.
إن هذه التوازنات تقود الشرق الأوسط إلى منطقة حافة الهاوية، فأي قرار من هذه الدول للانخراط في حرب اللاتماثلية القائمة بين إسرائيل والقوى غير الدولية والميلاشيوية في الشرق الأوسط، قد ينقلها إلى مستوى الحرب النظامية والتي قد تدخلها الولايات المتحدة عنوة، لتحقيق مطلب إسرائيلي ملح وهو القضاء على البرنامج النووي الإيراني، وإعادة المنطقة إلى توازن ما قبل حرب 1973، خصوصا وأن الكيان الإسرائيلي لا يستطيع وحيدا تحمل أعباء حرب طويلة الأمد تنهكه، كما حصل له في غزة، وهو ما لا تريد واشنطن التورط فيه في الوقت الحالي.
فانخراط واشنطن في أي حرب في الشرق الأوسط قد يكون فرصة للصين لتوسيع نفوذها في جنوب شرق آسيا، كما ستمثل فرصة لروسيا الطامحة لحلم التمدد الجيوسياسي في أوراسيا.