حذرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أول أمس عبر صفحتها الرسمية على شبكة "الفيسبوك" التي يتابعها 642 ألف مشترك من الأخبار الزائفة دون أن توضح لرواد موقعها ماهية هذه الأخبار أو مصدرها أو كيفية التفطن إلى زيفها، وجاء هذا التحذير بعد أيام قليلة من انطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية التي أعلنت الهيئة أنها تهم ثلاثة مترشحين، أولهم العياشي زمال الذي يقبع في السجن، والثاني زهير المغزاوي الذي شرع في التجوال من ولاية إلى أخرى للتواصل مع الناخبين، أما المترشح الثالث فهو قيس سعيد الذي اختار مواصلة مباشرة مهامه كرئيس للجمهورية ولا أحد يعلم بعد إن كان سيقوم بحملة انتخابية أم لا؟
ورغم أهمية الاستحقاق الانتخابي المرتقب مازالت الحملة بشكل عام، باهتة وخالية من البهرج حتى بعد نشر البيانات الانتخابية للمترشحين، إذ لم يقع بعد تنظيم تظاهرات عملاقة أو استعراضات كبرى لتفسير ما جاء في تلك البيانات للناخبين، وفي المقابل اكتسحت الدعاية السوداء مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يسلم أي مترشح من التشهير والثلب..
وحاولت الهيئة من خلال قراراتها الترتيبية الجديدة إحكام عملية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في الحملات الانتخابية، وذلك بهدف التصدي للأخبار الزائفة وعمليات التشويه التي عادة ما تنتشر بكثافة أثناء الحملة وخاصة قبل أيام قليلة من يوم الاقتراع، كما حرصت على إحداث خلية لرصد الفضاء المفتوح، ورغم ذلك فإن الدعاية السوداء والأخبار المضللة والتدوينات التي تهدف إلى تشويه المترشحين وأنصارهم ومعارضيهم على حد السواء وهتك أعراضهم، والتدوينات التي تحتوي على منسوب كبير من العنف اللفظي انتشرت بكثافة وغزت هذه المواقع منذ انطلاق الحملة.
رقابة الهيئة
وأتاحت هيئة الانتخابات لنفسها عبر القرار الترتيبي عدد 546 لسنة 2024 المؤرخ في 21 أوت 2024، صلاحية متابعة المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي والتثبت من احترامها لمبادئ الحملة الانتخابية وقواعدها. ومع انطلاق الحملة دعت المترشحين الثلاثة إلى الالتزام بمقتضيات هذا القرار ومدها بقائمة المواقع والوسائط الالكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي التابعة لحملاتهم الانتخابية والمزمع استعمالها في الحملة الانتخابية الرئاسية لسنة 2024 من "فيسبوك" أو "انستغرام" أو "تيك توك" أو "يوتيوب" أو "تلغرام" أو "تويتر" أو"لينكد ان" أو موقع "واب" وغيرها.. وطلبت منهم مدها بما يثبت تحمل المترشح لنفقات دعم الصفحات الالكترونية أو الترويج لها وإعلامها بكل دعاية تمت لفائدة المترشح دون طلب منه ومدها بما يفيد قيام المترشح بإشعار متصرفي شبكة التواصل المعنية لحجب الصفحات والحسابات غير الصادرة عنه وإيقاف نشرها.
توصيات في الرفوف
ولئن حملت هيئة الانتخابات المترشح مسؤولية جزء قليل مما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الحملة فإن منظمات المجتمع المدني المختصة في ملاحظة المسارات الانتخابية كانت قد أوصت الهيئة بأن تحرص بنفسها على التعاقد مع شبكات التواصل الاجتماعي لكي يقع التدخل في الوقت المناسب وحجب الصفحات التي تروج أخبارا زائفة أو مضللة أو فيها دعاية سوداء أو ثلب أو شتم أو هتك للأعراض وغيرها من المخالفات التي جرمها القانون الانتخابي وبقية التشريعات الوطنية، وذلك لأن هذه المنظمات عندما لاحظت الانتخابات الرئاسية لسنة 2019 ثم الانتخابات التشريعية فالانتخابات المحلية تفطنت إلى مخاطر استخدام شبكات التواصل الاجتماعي على الانتخابات وقدرتها على التأثير على إرادة الناخبين خاصة "الفيسبوك".
أما محكمة المحاسبات فإنها وقفت خلال الرقابة اللاحقة على تمويل الحملات الانتخابية للمترشحين للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها لسنة 2019 على عدم اقتصار المترشحين على استخدام الصفحات الرسمية التي أدلوا بها إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وحسب ما ورد في التقرير العام حول نتائج مراقبة تمويل الحملات الانتخابية للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها لسنة 2019 تمت معاينة مجموعة من الصفحات غير الرسمية والتي أصبحت نشطة سياسيا بشكل متزايد مع اقتراب الانتخابات وخلال فترة الحملة، ووفرت هذه الصفحات فرصة للأطراف السياسية ومناصريها للتواصل دون رقيب، كما تفطنت محكمة المحاسبات آنذاك إلى وجود عدد من المشرفين على الصفحات غير الرسمية خارج حدود الوطن ولاحظت خلال الحملة ارتفاع مستوى نشاط الصفحات التي لم يكن لها أي انتماء أو هدف سياسي معلن، وتبينت المحكمة من خلال المعطيات والبيانات التي تحصلت عليها في إطار مهمتها الرقابية أن العديد من المنشورات المتشابهة تم تداولها في توقيت متقارب في العديد من الصفحات مما يدل على إمكانية وجود تنسيق محتمل بين المسؤولين عنها أو أن تكون على ملك نفس الشخص. وفي ظل تنامي دور شبكات التواصل الاجتماعي وأهمية تأثيرها في المسار الانتخابي أوصت محكمة المحاسبات بوضع الضوابط القانونية اللازمة لاستعمال هذه الشبكات من ناحية ومن ناحية أخرى بتأهيل الهياكل التي لديها من الإمكانيات والتجهيزات الفنية اللازمة لمتابعة الصفحات المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعي ورصد الجرائم الانتخابية.
وفي انتظار صدور تقارير محكمة المحاسبات المتعلقة بالانتخابات التشريعية والمحلية وما ستتضمنه من ملاحظات بخصوص استخدام شبكات التواصل الاجتماعي خلال الحملة، يمكن الإشارة إلى أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نفسها كانت قد أوصت في تقريرها النهائي حول الانتخابات التشريعية لسنة 2022 بمزيد تدعيم الجوانب القانونية المتعلقة بالمخالفات المرتكبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والوسائط الافتراضية خاصة من حيث طرق إثبات المخالفات المرصودة ومدى تمتعها بالحجية القانونية اللازمة لتكييفيها كمخالفات انتخابية من عدمه، وليس هذا فقط بل الأهم من ذلك أوصت الهيئة بإيجاد إطار قانوني ملائم لإبرام اتفاقيات وشراكات مع الشركات الأجنبية المشرفة على منصات التواصل الاجتماعي الأكثر انتشارا في تونس والعمل على مزيد تطوير الإطار التشريعي لتأطير النشاط السياسي عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتجريم التدخل في الحملات الانتخابية، ولكن هذه التوصية على أهميتها بقيت حبرا على ورق.
سعيدة بوهلال
تونس: الصباح
حذرت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أول أمس عبر صفحتها الرسمية على شبكة "الفيسبوك" التي يتابعها 642 ألف مشترك من الأخبار الزائفة دون أن توضح لرواد موقعها ماهية هذه الأخبار أو مصدرها أو كيفية التفطن إلى زيفها، وجاء هذا التحذير بعد أيام قليلة من انطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية التي أعلنت الهيئة أنها تهم ثلاثة مترشحين، أولهم العياشي زمال الذي يقبع في السجن، والثاني زهير المغزاوي الذي شرع في التجوال من ولاية إلى أخرى للتواصل مع الناخبين، أما المترشح الثالث فهو قيس سعيد الذي اختار مواصلة مباشرة مهامه كرئيس للجمهورية ولا أحد يعلم بعد إن كان سيقوم بحملة انتخابية أم لا؟
ورغم أهمية الاستحقاق الانتخابي المرتقب مازالت الحملة بشكل عام، باهتة وخالية من البهرج حتى بعد نشر البيانات الانتخابية للمترشحين، إذ لم يقع بعد تنظيم تظاهرات عملاقة أو استعراضات كبرى لتفسير ما جاء في تلك البيانات للناخبين، وفي المقابل اكتسحت الدعاية السوداء مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يسلم أي مترشح من التشهير والثلب..
وحاولت الهيئة من خلال قراراتها الترتيبية الجديدة إحكام عملية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في الحملات الانتخابية، وذلك بهدف التصدي للأخبار الزائفة وعمليات التشويه التي عادة ما تنتشر بكثافة أثناء الحملة وخاصة قبل أيام قليلة من يوم الاقتراع، كما حرصت على إحداث خلية لرصد الفضاء المفتوح، ورغم ذلك فإن الدعاية السوداء والأخبار المضللة والتدوينات التي تهدف إلى تشويه المترشحين وأنصارهم ومعارضيهم على حد السواء وهتك أعراضهم، والتدوينات التي تحتوي على منسوب كبير من العنف اللفظي انتشرت بكثافة وغزت هذه المواقع منذ انطلاق الحملة.
رقابة الهيئة
وأتاحت هيئة الانتخابات لنفسها عبر القرار الترتيبي عدد 546 لسنة 2024 المؤرخ في 21 أوت 2024، صلاحية متابعة المواقع الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي والتثبت من احترامها لمبادئ الحملة الانتخابية وقواعدها. ومع انطلاق الحملة دعت المترشحين الثلاثة إلى الالتزام بمقتضيات هذا القرار ومدها بقائمة المواقع والوسائط الالكترونية وحسابات التواصل الاجتماعي التابعة لحملاتهم الانتخابية والمزمع استعمالها في الحملة الانتخابية الرئاسية لسنة 2024 من "فيسبوك" أو "انستغرام" أو "تيك توك" أو "يوتيوب" أو "تلغرام" أو "تويتر" أو"لينكد ان" أو موقع "واب" وغيرها.. وطلبت منهم مدها بما يثبت تحمل المترشح لنفقات دعم الصفحات الالكترونية أو الترويج لها وإعلامها بكل دعاية تمت لفائدة المترشح دون طلب منه ومدها بما يفيد قيام المترشح بإشعار متصرفي شبكة التواصل المعنية لحجب الصفحات والحسابات غير الصادرة عنه وإيقاف نشرها.
توصيات في الرفوف
ولئن حملت هيئة الانتخابات المترشح مسؤولية جزء قليل مما ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الحملة فإن منظمات المجتمع المدني المختصة في ملاحظة المسارات الانتخابية كانت قد أوصت الهيئة بأن تحرص بنفسها على التعاقد مع شبكات التواصل الاجتماعي لكي يقع التدخل في الوقت المناسب وحجب الصفحات التي تروج أخبارا زائفة أو مضللة أو فيها دعاية سوداء أو ثلب أو شتم أو هتك للأعراض وغيرها من المخالفات التي جرمها القانون الانتخابي وبقية التشريعات الوطنية، وذلك لأن هذه المنظمات عندما لاحظت الانتخابات الرئاسية لسنة 2019 ثم الانتخابات التشريعية فالانتخابات المحلية تفطنت إلى مخاطر استخدام شبكات التواصل الاجتماعي على الانتخابات وقدرتها على التأثير على إرادة الناخبين خاصة "الفيسبوك".
أما محكمة المحاسبات فإنها وقفت خلال الرقابة اللاحقة على تمويل الحملات الانتخابية للمترشحين للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها لسنة 2019 على عدم اقتصار المترشحين على استخدام الصفحات الرسمية التي أدلوا بها إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وحسب ما ورد في التقرير العام حول نتائج مراقبة تمويل الحملات الانتخابية للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها لسنة 2019 تمت معاينة مجموعة من الصفحات غير الرسمية والتي أصبحت نشطة سياسيا بشكل متزايد مع اقتراب الانتخابات وخلال فترة الحملة، ووفرت هذه الصفحات فرصة للأطراف السياسية ومناصريها للتواصل دون رقيب، كما تفطنت محكمة المحاسبات آنذاك إلى وجود عدد من المشرفين على الصفحات غير الرسمية خارج حدود الوطن ولاحظت خلال الحملة ارتفاع مستوى نشاط الصفحات التي لم يكن لها أي انتماء أو هدف سياسي معلن، وتبينت المحكمة من خلال المعطيات والبيانات التي تحصلت عليها في إطار مهمتها الرقابية أن العديد من المنشورات المتشابهة تم تداولها في توقيت متقارب في العديد من الصفحات مما يدل على إمكانية وجود تنسيق محتمل بين المسؤولين عنها أو أن تكون على ملك نفس الشخص. وفي ظل تنامي دور شبكات التواصل الاجتماعي وأهمية تأثيرها في المسار الانتخابي أوصت محكمة المحاسبات بوضع الضوابط القانونية اللازمة لاستعمال هذه الشبكات من ناحية ومن ناحية أخرى بتأهيل الهياكل التي لديها من الإمكانيات والتجهيزات الفنية اللازمة لمتابعة الصفحات المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعي ورصد الجرائم الانتخابية.
وفي انتظار صدور تقارير محكمة المحاسبات المتعلقة بالانتخابات التشريعية والمحلية وما ستتضمنه من ملاحظات بخصوص استخدام شبكات التواصل الاجتماعي خلال الحملة، يمكن الإشارة إلى أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نفسها كانت قد أوصت في تقريرها النهائي حول الانتخابات التشريعية لسنة 2022 بمزيد تدعيم الجوانب القانونية المتعلقة بالمخالفات المرتكبة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والوسائط الافتراضية خاصة من حيث طرق إثبات المخالفات المرصودة ومدى تمتعها بالحجية القانونية اللازمة لتكييفيها كمخالفات انتخابية من عدمه، وليس هذا فقط بل الأهم من ذلك أوصت الهيئة بإيجاد إطار قانوني ملائم لإبرام اتفاقيات وشراكات مع الشركات الأجنبية المشرفة على منصات التواصل الاجتماعي الأكثر انتشارا في تونس والعمل على مزيد تطوير الإطار التشريعي لتأطير النشاط السياسي عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتجريم التدخل في الحملات الانتخابية، ولكن هذه التوصية على أهميتها بقيت حبرا على ورق.