إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أيام مفتوحة حول المثقفة والحقوقية الراحلة.. بفضاءالتياترو بالعاصمة.. "زينب فرحات" وهل مثلها ينسى؟

 

 

 

تونس- الصباح

ينظم فضاء التياترو بالعاصمة هذه الأيام أياما مفتوحة لاحياء ذكرى الراحلة زينب فرحات، تتواصل الى نهاية سبتمبر الجاري، وهي فرصة لأحباء زينب فرحات، ونراهن على أنهم كثر، للغوص في عالم الانسانة والمثقفة الملتزمة والفنانة في كل شيء، التي رحلت فجأة ودون سباق انذار تاركة الساحة الفنية والثقافية والإعلامية في حيرة وفي تساؤل، كيف يرحل من كان مثلها يحمل بين ضلوعه حب تونس وتسكنه الرغبة في إصلاحها بداية بالإصلاح الثقافي؟لكن السؤال الأهم الذي نتخيل ان كل من عرف زينب فرحات وتبدت له روحها الشفافة، يطرحه على نفسه، هو هل مثل زينب فرحات تنسى؟

والحقيقة أنه لا يمكن عند الحديث عن امرأة من طينة زينب فرحات ان نفصل بين الذاتي والموضوعي. لا يمكن ان نتذكرها دون ان نذكر كيف كنا نتحلق حولها، كلما دعتنا الى لقاء اعلامي، في فضاء التياترو وكيف يمر الوقت بسرعة ونحن نخوض في كل المسائل السياسية والاجتماعية وكيف يتوسع النقاش ليشمل اغلب القضايا في العالم وكيف نتحمس، حتى لنكاد نتجاهل اللقاء الذي من اجله دعتنا زينب فرحات التي كانت تشرف على المسائل التنظيمية بفضاء التياترو الذي اسسته مع رفيق دربها وزوجها المسرحي المعروف توفيق الجبالي وعادة ما يكون اللقاء بمناسبة افتتاح الموسم الجديد لفضاء التياترو الذي ينظم إضافة الى العروض المسرحية من انتاج الفضاء أو غيرها، معارض فنية وورشات تفكير وحلقات نقاش.

زاد ثقافي وافر ووعي جاد

كثيرا ما كانت زينب فرحات التي كانت تؤمن بدور الاعلام الثقافي – الحقيقي وليس على الشاكلة التي أصبح عليها اليوم- تدعو الاعلام لمشاركته خبر تنظيم حدث جديد في التياترو. لم تكن تهدف من وراء ذلك فقط الى نشر المعلومة، وإنما كان يطيب لها ان تجالس اهل المهنة التي تنتمي اليها. فقد كانت صحفية لامعة وقلمها جميل وخاضت تجارب في الكتابة الصحفية وهي خريجة معهد الصحافة وعلوم الأخبار. وكانت هذه اللقاءات عادة ما تدور في أجواء مريحة ويحدث ان ينضم الى الحلقة الفنان توفيق الجبالي ويحدث ان يكون مرفوقا بعدد من رفقاء المهنة الذين يترددون على فضاء التياترو ومنهم أسماء معروفة من بينها الاخوان محمد رجاء فرحات واسامة فرحات شقيقا الراحلتين زينب وصفية فرحات وهذه الأخيرة كانت من بين ابرز رموز نشطاء الحركة النسوية في تونس وقد لا نكون في حاجة الى التذكير بأن العائلة تنحدر من نسل الصحبي فرحات المناضل النقابي الذي عاش تجربة السجن المريرة ورحل عن سن مبكرة تاركا اسرته تواصل رحلة الحياة الشاقة بدونه، غير انه كما تبين ذلك لاحقا فقد غرس في أولاده أهم شيء وهو التسلح بالزاد العلمي والثقافي الذي مكنهم من ان يصبحوا رموزا في هذا البلد وهم كذلك ولو انكر الناكرون.

فمحمد رجاء فرحات رجل المسرح المعروف يعتبر علامة في تونس بفضل زاده المعرفي والثقافي وذكائه الوقاد الذي نتصور ان البلاد لم تعرف كيف تستفيد جيدا منه ، وصفية فرحات، التي كما سبق وذكرنا هي من الوجوه النضالية الحقوقية المعروفة التي تركت بصمتها محفورة في الساحة الوطنية وخاصة لدى حاملي القضايا النسوية. أسامة فرحات بدوره لا يحتاج الى تعريف وهو الموسيقي المجتهد والساعي للتجديد وزينب التي رحلت مبكرا ولا يعد من الممكن الحديث عنها دون ان نشعر بوجع الفراق.

كثيرون بلا شك مازالوا يذكرون كم كان خبر رحيلها ذات يوم من شهر ماي (18) 2021 مؤلما ، كانت البلاد تواجه خطرا كبيرا يتمثل في تفشي وباء الكورونا- الكوفيد 19- الذي ازهق ارواحا كثيرة غالية وكثيرون كانوا حينها منشغلون بتطورات الوباء وبارتفاع عدد الإصابات والضحايا وكثيرون كانوا منشغلون برعاية مصاب أو أكثر في العائلة، ومع ذلك لم يمر خبر رحيل زينب فرحات بعد صراع مع المرض – ليس الكوفيد- بدون ان يثير الحزن.

رحيل ولا رحيل....

زينب فرحات وبدون مبالغة تتحول لمن الفها الى فرد عزيز من العائلة. ورحيلها كان موجعا جدا لكن، وهذا شيء غريب، هي تكاد تكون موجودة بين عائلتها وأهلها واحبتها وكأنها لم ترحل او هي ينطبق عليها القول انها رحلت جسدا وبقيت روحها بين الناس. وعندما نقول عائلتها، فإننا نقصد أيضا الاسرة التي تكونت في فضاء التياترو الذي تحول بفضل جهودها الى بيت لكل من يألفه ويتعود على التردد عليه.

 فأنت تشعر بها في كل ركن من فضاء التياترو وتكاد تراها في كل حراك ثقافي أو حقوقي وتشعر انها موجودة وروحها ترفرف في التيارترو وفي كل الأمكنة التي الفت زينب فرحات. ربما يعود الأمر لان سرور وشامة، ابنتاها، قد ورثتا شغف الفن وابتليتا هما أيضا بحب الثقافة وكيف لا يكون الأمر كذلك وهما سليلتا زينب فرحات وتوفيق الجبالي، الفنان المشاغب صاحب الاعمال الكوميدية الخالدة والذي أسس صحبة رفقة دربه زينب فرحات فضاء التياترو الذي تحول الى وجهة الباحثين عن بديل ثقافي، ويمكن ان نرى زينب فرحات من خلال ثلاثتهم – سرور وشامة ووالدهما توفيق الجبالي- لكن زينب تبقى موجودة بذاتها لان الجانب الإنساني فيها كان طاغيا. ومثلها لا ينسون بسرعة. فروحها المتسامحة، وتشيعها للإنسان ونبذها للكراهية ومنطق الانتقام، وكان من الممكن ان يسكنها هاجس الانتقام وهي كما ذكرنا ابنة الصحبي فرحات الذي رماه النظام البورقيبي في السجن بتهمة المشاركة في محاولة الانقلاب ضد الزعيم الحبيب بورقيبة في بداية الستينات من القرن الماضي، لكن اخلاقها الرفيعة ووعيها الحاد جعلها تدرك ان العيش مع فكرة الانتقام، قاتلة.

وزينب كانت تعي معنى ان تعيش وان لا تعيش وكانت تعلم بوعيها وبذكائها وبمنسوب الثقافة الكبير الذي كانت تتمتع به، ان التجاوز أفضل لكنها في المقابل سخرت حياتها من اجل نصرة المظلومين. لقد كانت حقوقية قولا وفعلا. ولعنا نذكر كيف سخرت جهودها بعد احداث جانفي 14 جانفي 2011 بتونس، من اجل نجدة التلاميذ المعوزين خاصة في المناطق الأقل حظا بالبلاد وسخرت مؤسستها "زنوبيا" من اجل ذلك وقامت بمبادرات هامة كنا أشرنا اليها في الابان ومهم أن نذكر بها في هذا الحيز. فقد ركزت زينب فرحات على مشاكل نقل التلاميذ في المناطق النائية وقدمت للبعض منهم عربات للنقل المدرسي بالإمكانيات المتوفرة.

قلب يتسع للكون

كانت احلامها كبيرة ولكنها كانت كثيرا ما تصطدم بالواقع الصعب في بلادنا الذي يهمش الثقافة بشكل عام ويهمش المثقفين المختلفين وأصحاب البدائل الثقافية. وبقدر ما كنت تحمل فكرا نقديا وبقدر ما كانت تمتلك الجرأة في نقد الأوضاع المتردية في البلاد بصراحة مدهشة، خاصة في المجال الثقافي، بقدر ما كانت تحرص على تقديم مقترحات وحلولا وتدعو الى التفكير الجماعي من اجل إيجاد حلول للإشكاليات المطروحة وللمعوقات التي تكبل المثقفين والساحة الثقافية. لم تكن سلبية ابدا وهذا ما منحها جمالا وكاريزما نادرين.

كان الجلوس الى زينب فرحات والحديث معها لحظة ممتعة ومريحة ونكاد نقول انها كانت لحظات شافية، لان الحديث معها وفي الحلقات التي تكونها بدراية وبذكاء، يسمو عاليا، ويحلق في عوالم الابداع والفنون والثقافة وأيضا العوالم السياسية بأسلوب مثير وطريف تجعلنا نتخيل للحظات انه باستطاعتنا – واهمين طبعا- ان نخلص العالم من كل مشاكله، اما اذا انضم توفيق الجبالي الى الحلقة، فلا تسل عن تلك الروح المرحة وعن تلك اللحظات التي كثيرا ما يختلط فيها الجد بالهزل غير انه وجب التنبيه الى ان اكثر الهزل هو جد في جد وفق ما شدد عليه الأولون وثبتت صحته.

لكن وهذا هو السؤال الأصعب، كيف يمكن ان نختزل زينب فرحات او نوفيها حقها في هذا الحيز، وقد كانت امرأة نموذجا عن المرأة التونسية الواعية والمثقفة والمطلعة والمجتهدة والعاملة والمنتمية سياسيا والحاملة لفكر تقدمي والمتحملة لمسؤولياتها في الشارع وفي البيت بكل جدية ودون عقد. أنكفيها حقها بالقول إنها كانت تملك قلبا يتسع للكون؟

حياة السايب

 

 

أيام مفتوحة حول المثقفة والحقوقية الراحلة.. بفضاءالتياترو بالعاصمة..   "زينب فرحات" وهل مثلها ينسى؟

 

 

 

تونس- الصباح

ينظم فضاء التياترو بالعاصمة هذه الأيام أياما مفتوحة لاحياء ذكرى الراحلة زينب فرحات، تتواصل الى نهاية سبتمبر الجاري، وهي فرصة لأحباء زينب فرحات، ونراهن على أنهم كثر، للغوص في عالم الانسانة والمثقفة الملتزمة والفنانة في كل شيء، التي رحلت فجأة ودون سباق انذار تاركة الساحة الفنية والثقافية والإعلامية في حيرة وفي تساؤل، كيف يرحل من كان مثلها يحمل بين ضلوعه حب تونس وتسكنه الرغبة في إصلاحها بداية بالإصلاح الثقافي؟لكن السؤال الأهم الذي نتخيل ان كل من عرف زينب فرحات وتبدت له روحها الشفافة، يطرحه على نفسه، هو هل مثل زينب فرحات تنسى؟

والحقيقة أنه لا يمكن عند الحديث عن امرأة من طينة زينب فرحات ان نفصل بين الذاتي والموضوعي. لا يمكن ان نتذكرها دون ان نذكر كيف كنا نتحلق حولها، كلما دعتنا الى لقاء اعلامي، في فضاء التياترو وكيف يمر الوقت بسرعة ونحن نخوض في كل المسائل السياسية والاجتماعية وكيف يتوسع النقاش ليشمل اغلب القضايا في العالم وكيف نتحمس، حتى لنكاد نتجاهل اللقاء الذي من اجله دعتنا زينب فرحات التي كانت تشرف على المسائل التنظيمية بفضاء التياترو الذي اسسته مع رفيق دربها وزوجها المسرحي المعروف توفيق الجبالي وعادة ما يكون اللقاء بمناسبة افتتاح الموسم الجديد لفضاء التياترو الذي ينظم إضافة الى العروض المسرحية من انتاج الفضاء أو غيرها، معارض فنية وورشات تفكير وحلقات نقاش.

زاد ثقافي وافر ووعي جاد

كثيرا ما كانت زينب فرحات التي كانت تؤمن بدور الاعلام الثقافي – الحقيقي وليس على الشاكلة التي أصبح عليها اليوم- تدعو الاعلام لمشاركته خبر تنظيم حدث جديد في التياترو. لم تكن تهدف من وراء ذلك فقط الى نشر المعلومة، وإنما كان يطيب لها ان تجالس اهل المهنة التي تنتمي اليها. فقد كانت صحفية لامعة وقلمها جميل وخاضت تجارب في الكتابة الصحفية وهي خريجة معهد الصحافة وعلوم الأخبار. وكانت هذه اللقاءات عادة ما تدور في أجواء مريحة ويحدث ان ينضم الى الحلقة الفنان توفيق الجبالي ويحدث ان يكون مرفوقا بعدد من رفقاء المهنة الذين يترددون على فضاء التياترو ومنهم أسماء معروفة من بينها الاخوان محمد رجاء فرحات واسامة فرحات شقيقا الراحلتين زينب وصفية فرحات وهذه الأخيرة كانت من بين ابرز رموز نشطاء الحركة النسوية في تونس وقد لا نكون في حاجة الى التذكير بأن العائلة تنحدر من نسل الصحبي فرحات المناضل النقابي الذي عاش تجربة السجن المريرة ورحل عن سن مبكرة تاركا اسرته تواصل رحلة الحياة الشاقة بدونه، غير انه كما تبين ذلك لاحقا فقد غرس في أولاده أهم شيء وهو التسلح بالزاد العلمي والثقافي الذي مكنهم من ان يصبحوا رموزا في هذا البلد وهم كذلك ولو انكر الناكرون.

فمحمد رجاء فرحات رجل المسرح المعروف يعتبر علامة في تونس بفضل زاده المعرفي والثقافي وذكائه الوقاد الذي نتصور ان البلاد لم تعرف كيف تستفيد جيدا منه ، وصفية فرحات، التي كما سبق وذكرنا هي من الوجوه النضالية الحقوقية المعروفة التي تركت بصمتها محفورة في الساحة الوطنية وخاصة لدى حاملي القضايا النسوية. أسامة فرحات بدوره لا يحتاج الى تعريف وهو الموسيقي المجتهد والساعي للتجديد وزينب التي رحلت مبكرا ولا يعد من الممكن الحديث عنها دون ان نشعر بوجع الفراق.

كثيرون بلا شك مازالوا يذكرون كم كان خبر رحيلها ذات يوم من شهر ماي (18) 2021 مؤلما ، كانت البلاد تواجه خطرا كبيرا يتمثل في تفشي وباء الكورونا- الكوفيد 19- الذي ازهق ارواحا كثيرة غالية وكثيرون كانوا حينها منشغلون بتطورات الوباء وبارتفاع عدد الإصابات والضحايا وكثيرون كانوا منشغلون برعاية مصاب أو أكثر في العائلة، ومع ذلك لم يمر خبر رحيل زينب فرحات بعد صراع مع المرض – ليس الكوفيد- بدون ان يثير الحزن.

رحيل ولا رحيل....

زينب فرحات وبدون مبالغة تتحول لمن الفها الى فرد عزيز من العائلة. ورحيلها كان موجعا جدا لكن، وهذا شيء غريب، هي تكاد تكون موجودة بين عائلتها وأهلها واحبتها وكأنها لم ترحل او هي ينطبق عليها القول انها رحلت جسدا وبقيت روحها بين الناس. وعندما نقول عائلتها، فإننا نقصد أيضا الاسرة التي تكونت في فضاء التياترو الذي تحول بفضل جهودها الى بيت لكل من يألفه ويتعود على التردد عليه.

 فأنت تشعر بها في كل ركن من فضاء التياترو وتكاد تراها في كل حراك ثقافي أو حقوقي وتشعر انها موجودة وروحها ترفرف في التيارترو وفي كل الأمكنة التي الفت زينب فرحات. ربما يعود الأمر لان سرور وشامة، ابنتاها، قد ورثتا شغف الفن وابتليتا هما أيضا بحب الثقافة وكيف لا يكون الأمر كذلك وهما سليلتا زينب فرحات وتوفيق الجبالي، الفنان المشاغب صاحب الاعمال الكوميدية الخالدة والذي أسس صحبة رفقة دربه زينب فرحات فضاء التياترو الذي تحول الى وجهة الباحثين عن بديل ثقافي، ويمكن ان نرى زينب فرحات من خلال ثلاثتهم – سرور وشامة ووالدهما توفيق الجبالي- لكن زينب تبقى موجودة بذاتها لان الجانب الإنساني فيها كان طاغيا. ومثلها لا ينسون بسرعة. فروحها المتسامحة، وتشيعها للإنسان ونبذها للكراهية ومنطق الانتقام، وكان من الممكن ان يسكنها هاجس الانتقام وهي كما ذكرنا ابنة الصحبي فرحات الذي رماه النظام البورقيبي في السجن بتهمة المشاركة في محاولة الانقلاب ضد الزعيم الحبيب بورقيبة في بداية الستينات من القرن الماضي، لكن اخلاقها الرفيعة ووعيها الحاد جعلها تدرك ان العيش مع فكرة الانتقام، قاتلة.

وزينب كانت تعي معنى ان تعيش وان لا تعيش وكانت تعلم بوعيها وبذكائها وبمنسوب الثقافة الكبير الذي كانت تتمتع به، ان التجاوز أفضل لكنها في المقابل سخرت حياتها من اجل نصرة المظلومين. لقد كانت حقوقية قولا وفعلا. ولعنا نذكر كيف سخرت جهودها بعد احداث جانفي 14 جانفي 2011 بتونس، من اجل نجدة التلاميذ المعوزين خاصة في المناطق الأقل حظا بالبلاد وسخرت مؤسستها "زنوبيا" من اجل ذلك وقامت بمبادرات هامة كنا أشرنا اليها في الابان ومهم أن نذكر بها في هذا الحيز. فقد ركزت زينب فرحات على مشاكل نقل التلاميذ في المناطق النائية وقدمت للبعض منهم عربات للنقل المدرسي بالإمكانيات المتوفرة.

قلب يتسع للكون

كانت احلامها كبيرة ولكنها كانت كثيرا ما تصطدم بالواقع الصعب في بلادنا الذي يهمش الثقافة بشكل عام ويهمش المثقفين المختلفين وأصحاب البدائل الثقافية. وبقدر ما كنت تحمل فكرا نقديا وبقدر ما كانت تمتلك الجرأة في نقد الأوضاع المتردية في البلاد بصراحة مدهشة، خاصة في المجال الثقافي، بقدر ما كانت تحرص على تقديم مقترحات وحلولا وتدعو الى التفكير الجماعي من اجل إيجاد حلول للإشكاليات المطروحة وللمعوقات التي تكبل المثقفين والساحة الثقافية. لم تكن سلبية ابدا وهذا ما منحها جمالا وكاريزما نادرين.

كان الجلوس الى زينب فرحات والحديث معها لحظة ممتعة ومريحة ونكاد نقول انها كانت لحظات شافية، لان الحديث معها وفي الحلقات التي تكونها بدراية وبذكاء، يسمو عاليا، ويحلق في عوالم الابداع والفنون والثقافة وأيضا العوالم السياسية بأسلوب مثير وطريف تجعلنا نتخيل للحظات انه باستطاعتنا – واهمين طبعا- ان نخلص العالم من كل مشاكله، اما اذا انضم توفيق الجبالي الى الحلقة، فلا تسل عن تلك الروح المرحة وعن تلك اللحظات التي كثيرا ما يختلط فيها الجد بالهزل غير انه وجب التنبيه الى ان اكثر الهزل هو جد في جد وفق ما شدد عليه الأولون وثبتت صحته.

لكن وهذا هو السؤال الأصعب، كيف يمكن ان نختزل زينب فرحات او نوفيها حقها في هذا الحيز، وقد كانت امرأة نموذجا عن المرأة التونسية الواعية والمثقفة والمطلعة والمجتهدة والعاملة والمنتمية سياسيا والحاملة لفكر تقدمي والمتحملة لمسؤولياتها في الشارع وفي البيت بكل جدية ودون عقد. أنكفيها حقها بالقول إنها كانت تملك قلبا يتسع للكون؟

حياة السايب