إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بالبنط العريض.. نار غزة تشتعل في كورسك والصومال

 

بقلم: نزار مقني

لا يبدو أن التحذيرات من كل صوب وحدب، من تداعيات توسيع الحرب على غزة إلى ميادين أخرى في الشرق الأوسط وغير الشرق الأوسط، لها آذان صاغية في تل أبيب.

وبالرغم من أن هذه التحذيرات تأتي بأصوات خافتة من جانب الإدارة الأمريكية الحالية، ومن بعض عواصم الغرب، وقليل من عواصم الشرق، إلا أن واقع الحال يدل على أن الحرب أصبحت ممتدة بالفعل خارج حدودها الفعلية أي قطاع غزة، وخارج حتى ميادين "الإسناد" في لبنان وسوريا والعراق واليمن، إلى أن أصبحت تمتد جنوبا انطلاقا من مرتفعات الهضبة الأثيوبية وصولا إلى سواحل الصومال على المحيط الهندي والبحر الأحمر، حتى إلى حدود سومي في أوكرانيا وكورسك في روسيا.

لقد أصبحت تخوم الصراع الموجود في الشرق الأوسط ومركزه في قطاع غزة، ممتدة إلى أعماق إفريقيا وإلى شرق أوروبا وشمال القوقاز.

ففي جملة الأحداث التي تهز غزة، والمفاوضات الدائرة بوساطة ثلاثية بين حركة "حماس" والاحتلال الإسرائيلي، برز صراع جديد بين مصر وإسرائيل حول محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، الذي تحتله تل أبيب منذ شهر ماي الماضي في خرق واضح لاتفاقية كامب ديفيد، وهذا ما جعل العلاقات بين القاهرة وتل أبيب تتعكر، خصوصا مع عدم تحقق تفاهمات حول انسحاب قوات الاحتلال من هذا المحور، وتعويضها بقوات فلسطينية حسب ما ينص عليه ملحق الاتفاقية لسنة 2005.

وغير بعيد عن هذا المحور لم تتوان، تل أبيب منذ سنوات عن دعم أثيوبيا في صراعها مع مصر والسودان حول سد النهضة، وما يمثله هذا الملف من خطر كبير على مصر ويهددها بالعطش، خصوصا وأن العلاقات بين أديس أبابا وتل أبيب تعمقت إلى أن ضغطت أثيوبيا لتحصل إسرائيل على صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي.

ولا يخفى أن مياه النيل كانت ولا زالت تمثل رمزية في المخيال الصهيوني الديني، وتحفزه، إن لم نقل أن علاقة الصهيونية بمياه النيل تعود إلى بدايات إنشاء الكيبوتزات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية وأفكار مؤسسي الصهيونية في ربط مياه النيل بالنقب، وهي أفكار وجدت "بصماتها" في مفاوضات السلام بين مصر وإسرائيل بعد حرب أكتوبر 1973.

ويبدو أن ما قامت به القاهرة مؤخرا في علاقة بعدم استقبال سفير إسرائيلي جديد في القاهرة يحمل رسائل حول تعامل تل أبيب مع القاهرة، والتي يبدو أنها أضحت تفكر في التحرك عسكريا للضغط على ملفي محور فيلادلفيا، وملف سد النهضة، خصوصا مع إرسال القاهرة لآلاف الجنود إلى الصومال وفق اتفاقية مشتركة مع مقديشو، مقابل تحرك أثيوبي للاعتراف بـ"أرض الصومال" الانفصالية مقابل ممر بحري لأثيوبيا التي تعتبر دولة حبيسة.

ولعل ما جعل هذا التحركات تمثل امتدادا لحرب غزة وجود آثار الوجود الإسرائيلي في الضغط على القاهرة، من الجنوب عبر أثيوبيا وسد النهضة خصوصا وأن تل أبيب تعتبر من الكيانات التي تعاني العطش وتسعى لتنويع مصادرها من المياه حتى عبر الاستيراد إضافة لتنويع مصادر الطاقة الكهربائية من خلال تصدير الطاقة المتأتية من تشغيل طوربيدات سد النهضة.

وبعيدا عن هذا الملف، الذي يربط غزة بأثيوبيا وسد النهضة، فإن ثقل الصراع الدامي في غزة، بدأ غباره يمتد إلى أوكرانيا.

فبعيدا عن الدعم الإسرائيلي الواضح والمعلن لتل أبيب لكييف في صراعها مع روسيا ودعمها سرا بالأسلحة الإسرائيلية الصنع تحت المظلة الأمريكية وحلف الشمال الأطلسي، فإن أكبر عدو لتل أبيب في الشرق الأوسط وهو إيران أضحى يشكل عمودا في التسليح الروسي سواء عبر المسيرات، قبل أن تطفو قضية أمداد طهران لتل أبيب بالصواريخ البالستية بعيدة المدى، والتي تسببت في إرباك أوروبي وقلق أمريكي، وامتعاض إسرائيلي.

فنفس هذه الترسانة من الأسلحة هي التي تمطر بها القوى المتحالفة مع إيران، الأراضي التي يحتلها الكيان في فلسطين والجولان السوري، وهي نفس الصواريخ والمسيرات التي تستعملها موسكو في استهدافها لمحطات الطاقة الأوكرانية، والتي تشبه في تركيبتها محطات الطاقة الإسرائيلية، وهو ما يسبب القلق في تل أبيب، خصوصا وأن القبة الحديدية الإسرائيلية فشلت في اعتراض هذه المسيرات في هجوم حزب الله الأخير الذي جاء ردا على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر، ولا حتى في اعتراض المسيرة الحوثية العملاقة التي ضربت الحي الديبلوماسي في تل أبيب.

 

بقلم: نزار مقني

لا يبدو أن التحذيرات من كل صوب وحدب، من تداعيات توسيع الحرب على غزة إلى ميادين أخرى في الشرق الأوسط وغير الشرق الأوسط، لها آذان صاغية في تل أبيب.

وبالرغم من أن هذه التحذيرات تأتي بأصوات خافتة من جانب الإدارة الأمريكية الحالية، ومن بعض عواصم الغرب، وقليل من عواصم الشرق، إلا أن واقع الحال يدل على أن الحرب أصبحت ممتدة بالفعل خارج حدودها الفعلية أي قطاع غزة، وخارج حتى ميادين "الإسناد" في لبنان وسوريا والعراق واليمن، إلى أن أصبحت تمتد جنوبا انطلاقا من مرتفعات الهضبة الأثيوبية وصولا إلى سواحل الصومال على المحيط الهندي والبحر الأحمر، حتى إلى حدود سومي في أوكرانيا وكورسك في روسيا.

لقد أصبحت تخوم الصراع الموجود في الشرق الأوسط ومركزه في قطاع غزة، ممتدة إلى أعماق إفريقيا وإلى شرق أوروبا وشمال القوقاز.

ففي جملة الأحداث التي تهز غزة، والمفاوضات الدائرة بوساطة ثلاثية بين حركة "حماس" والاحتلال الإسرائيلي، برز صراع جديد بين مصر وإسرائيل حول محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، الذي تحتله تل أبيب منذ شهر ماي الماضي في خرق واضح لاتفاقية كامب ديفيد، وهذا ما جعل العلاقات بين القاهرة وتل أبيب تتعكر، خصوصا مع عدم تحقق تفاهمات حول انسحاب قوات الاحتلال من هذا المحور، وتعويضها بقوات فلسطينية حسب ما ينص عليه ملحق الاتفاقية لسنة 2005.

وغير بعيد عن هذا المحور لم تتوان، تل أبيب منذ سنوات عن دعم أثيوبيا في صراعها مع مصر والسودان حول سد النهضة، وما يمثله هذا الملف من خطر كبير على مصر ويهددها بالعطش، خصوصا وأن العلاقات بين أديس أبابا وتل أبيب تعمقت إلى أن ضغطت أثيوبيا لتحصل إسرائيل على صفة مراقب في الاتحاد الإفريقي.

ولا يخفى أن مياه النيل كانت ولا زالت تمثل رمزية في المخيال الصهيوني الديني، وتحفزه، إن لم نقل أن علاقة الصهيونية بمياه النيل تعود إلى بدايات إنشاء الكيبوتزات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية وأفكار مؤسسي الصهيونية في ربط مياه النيل بالنقب، وهي أفكار وجدت "بصماتها" في مفاوضات السلام بين مصر وإسرائيل بعد حرب أكتوبر 1973.

ويبدو أن ما قامت به القاهرة مؤخرا في علاقة بعدم استقبال سفير إسرائيلي جديد في القاهرة يحمل رسائل حول تعامل تل أبيب مع القاهرة، والتي يبدو أنها أضحت تفكر في التحرك عسكريا للضغط على ملفي محور فيلادلفيا، وملف سد النهضة، خصوصا مع إرسال القاهرة لآلاف الجنود إلى الصومال وفق اتفاقية مشتركة مع مقديشو، مقابل تحرك أثيوبي للاعتراف بـ"أرض الصومال" الانفصالية مقابل ممر بحري لأثيوبيا التي تعتبر دولة حبيسة.

ولعل ما جعل هذا التحركات تمثل امتدادا لحرب غزة وجود آثار الوجود الإسرائيلي في الضغط على القاهرة، من الجنوب عبر أثيوبيا وسد النهضة خصوصا وأن تل أبيب تعتبر من الكيانات التي تعاني العطش وتسعى لتنويع مصادرها من المياه حتى عبر الاستيراد إضافة لتنويع مصادر الطاقة الكهربائية من خلال تصدير الطاقة المتأتية من تشغيل طوربيدات سد النهضة.

وبعيدا عن هذا الملف، الذي يربط غزة بأثيوبيا وسد النهضة، فإن ثقل الصراع الدامي في غزة، بدأ غباره يمتد إلى أوكرانيا.

فبعيدا عن الدعم الإسرائيلي الواضح والمعلن لتل أبيب لكييف في صراعها مع روسيا ودعمها سرا بالأسلحة الإسرائيلية الصنع تحت المظلة الأمريكية وحلف الشمال الأطلسي، فإن أكبر عدو لتل أبيب في الشرق الأوسط وهو إيران أضحى يشكل عمودا في التسليح الروسي سواء عبر المسيرات، قبل أن تطفو قضية أمداد طهران لتل أبيب بالصواريخ البالستية بعيدة المدى، والتي تسببت في إرباك أوروبي وقلق أمريكي، وامتعاض إسرائيلي.

فنفس هذه الترسانة من الأسلحة هي التي تمطر بها القوى المتحالفة مع إيران، الأراضي التي يحتلها الكيان في فلسطين والجولان السوري، وهي نفس الصواريخ والمسيرات التي تستعملها موسكو في استهدافها لمحطات الطاقة الأوكرانية، والتي تشبه في تركيبتها محطات الطاقة الإسرائيلية، وهو ما يسبب القلق في تل أبيب، خصوصا وأن القبة الحديدية الإسرائيلية فشلت في اعتراض هذه المسيرات في هجوم حزب الله الأخير الذي جاء ردا على اغتيال قائده العسكري فؤاد شكر، ولا حتى في اعتراض المسيرة الحوثية العملاقة التي ضربت الحي الديبلوماسي في تل أبيب.