إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بالبنط العريض.. بين القرن الإفريقي ومحور فيلادلفيا

 

بقلم: نزار مقني

لم تهدأ منطقة القرن الإفريقي عن الغليان، بالرغم من "الهدوء النسبي" المتقطع الذي ساد هذه المنطقة الإستراتيجية شرق القارة السمراء، منذ انطلاق الحرب الأهلية في السودان، و"انخفاض منسوب الاحتقان بين أديس أبابا من جهة والقاهرة والخرطوم من جهة أخرى، على خلفية أزمة ملء سد النهضة الأثيوبي والذي يهدد حصص مصر والسودان من مياه نهر النيل.

أزمة انتقلت من دواخل إقليم تيغراي الأثيوبي في شمال شرق أثيوبيا، إلى سواحل المحيط الهندي والبحر الأحمر.

فمن تيغراي حيث حاربت قوات أبي أحمد وحلفائه من القبائل ضد انفصالي تيغراي، في حرب كادت تقضي على "المعجزة الاقتصادية الأثيوبية" لولا تدخل "الخارج" لإنقاذ نظام أبي أحمد، إلى "تصدير" الأزمة إلى سواحل الدول المجاورة وخصوصا جيبوتي والصومال و"جمهورية أرض الصومال" الانفصالية وغير المعترف بها دوليا.

هذه الأخيرة أضحت منذ سنوات قليلة محط متابعة لعديد القوى الدولية والإقليمية، خاصة وأن موقعها الاستراتيجي المطل على مضيق باب المندب الذي يقسم الطريق التجارية الدولية والمواجه للسواحل اليمنية، أصبح يشكل مطمعا لهذه القوى وخصوصا أثيوبيا التي تعتبر بلدا منحصرا وبريا وليست له سواحل، وهو ما لا يتوافق مع توجهاتها لتصبح قوة اقتصادية وسياسية صاعدة، وعضوا جديدا في تجمع "بريكس".

ولعل هذا ما جعل أبا أحمد يتوجه ببراغماتية نحو "أرض الصومال" ليطلب منها منفذا على ساحل المحيط والبحر، مقابل اعتراف ترنو إليه هذه "الجمهورية التي تأسست على رماد الحرب الأهلية الصومالية، المستمرة منذ تسعينات القرن الماضي.

لم يكن لمثل هذا التوجه ليخفى عن القيادة المصرية، والتي من جهتها تسعى لتزيد من الضغط على أثيوبيا في علاقة بملف سد النهضة الذي يهدد مصر بالعطش، خصوصا وأن مصر كانت تتحرك من خلال الورقة السودانية التي لم تعد صالحة منذ أن اندلعت الحرب الأهلية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، خصوصا مع اشتراك الخرطوم والقاهرة في نفس المطالب بشأن هذا السد العملاق، الذي يحبس مليارات الأمتار المكعبة من مياه النيل الأزرق التي تنبع من بحيرة تانا الواقعة في مرتفعات أثيوبيا.

ويبدو أن مصر، التي لم تعد تطيق سياسة "ربح الزمان والمكان" التي تمارسها أثيوبيا من خلال ديبلوماسية "إضاعة الوقت" بالنسبة لمصر والسودان، وأخذت تلعب في الملعب الأثيوبي جيوسياسيا، ولم تعد تكتفي فقط بالمربع الديبلوماسي والضغط ممن خلال المنظمات الدولية، ففي أقل من شهر من زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى مصر، وتوقيعه لاتفاقيات عسكرية سمحت للقاهرة بموطئ قدم في الصومال حيث انتشر ما بين 5 آلاف إلى 10 آلاف جندي مصري هناك حسب ترجيحات أثيوبية، وهو تحرك أزعج أبا أحمد الذي حرك من جهته منظومات صواريخ هجومية نحو إقليم أوغادين المتنازع عليه بين مقديشو وأديس أبابا.

كذلك يبدو أن سياسة "الهروب إلى الأمام" التي تمارسها أثيوبيا في ملف سد النهضة، قد آتت أكلها إلى حد الآن، وازدادت خصوصا مع وجود بعض التراخي المصري فيما يتعلق بما يحصل قرب حدودها مع قطاع غزة وسيطرة الاحتلال الإسرائيلي على محور فيلادلفيا، دون أي رد ميداني مصري لهذا الخرق في معاهدة السلام بينهما، مما جعل أديس أبابا تمعن في تجاوز التفاهمات حول حدود ملء خزانات السد.

هذا الإمعان كان يجب أن يكون له رد ملموس على الأرض، خصوصا وأن أي مفاوضات بين مصر وأثيوبيا لا يمكن أن تنجح إلا إذا ما حصل تغيير على مستوى الميدان.

بالبنط العريض..   بين القرن الإفريقي ومحور فيلادلفيا

 

بقلم: نزار مقني

لم تهدأ منطقة القرن الإفريقي عن الغليان، بالرغم من "الهدوء النسبي" المتقطع الذي ساد هذه المنطقة الإستراتيجية شرق القارة السمراء، منذ انطلاق الحرب الأهلية في السودان، و"انخفاض منسوب الاحتقان بين أديس أبابا من جهة والقاهرة والخرطوم من جهة أخرى، على خلفية أزمة ملء سد النهضة الأثيوبي والذي يهدد حصص مصر والسودان من مياه نهر النيل.

أزمة انتقلت من دواخل إقليم تيغراي الأثيوبي في شمال شرق أثيوبيا، إلى سواحل المحيط الهندي والبحر الأحمر.

فمن تيغراي حيث حاربت قوات أبي أحمد وحلفائه من القبائل ضد انفصالي تيغراي، في حرب كادت تقضي على "المعجزة الاقتصادية الأثيوبية" لولا تدخل "الخارج" لإنقاذ نظام أبي أحمد، إلى "تصدير" الأزمة إلى سواحل الدول المجاورة وخصوصا جيبوتي والصومال و"جمهورية أرض الصومال" الانفصالية وغير المعترف بها دوليا.

هذه الأخيرة أضحت منذ سنوات قليلة محط متابعة لعديد القوى الدولية والإقليمية، خاصة وأن موقعها الاستراتيجي المطل على مضيق باب المندب الذي يقسم الطريق التجارية الدولية والمواجه للسواحل اليمنية، أصبح يشكل مطمعا لهذه القوى وخصوصا أثيوبيا التي تعتبر بلدا منحصرا وبريا وليست له سواحل، وهو ما لا يتوافق مع توجهاتها لتصبح قوة اقتصادية وسياسية صاعدة، وعضوا جديدا في تجمع "بريكس".

ولعل هذا ما جعل أبا أحمد يتوجه ببراغماتية نحو "أرض الصومال" ليطلب منها منفذا على ساحل المحيط والبحر، مقابل اعتراف ترنو إليه هذه "الجمهورية التي تأسست على رماد الحرب الأهلية الصومالية، المستمرة منذ تسعينات القرن الماضي.

لم يكن لمثل هذا التوجه ليخفى عن القيادة المصرية، والتي من جهتها تسعى لتزيد من الضغط على أثيوبيا في علاقة بملف سد النهضة الذي يهدد مصر بالعطش، خصوصا وأن مصر كانت تتحرك من خلال الورقة السودانية التي لم تعد صالحة منذ أن اندلعت الحرب الأهلية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، خصوصا مع اشتراك الخرطوم والقاهرة في نفس المطالب بشأن هذا السد العملاق، الذي يحبس مليارات الأمتار المكعبة من مياه النيل الأزرق التي تنبع من بحيرة تانا الواقعة في مرتفعات أثيوبيا.

ويبدو أن مصر، التي لم تعد تطيق سياسة "ربح الزمان والمكان" التي تمارسها أثيوبيا من خلال ديبلوماسية "إضاعة الوقت" بالنسبة لمصر والسودان، وأخذت تلعب في الملعب الأثيوبي جيوسياسيا، ولم تعد تكتفي فقط بالمربع الديبلوماسي والضغط ممن خلال المنظمات الدولية، ففي أقل من شهر من زيارة الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى مصر، وتوقيعه لاتفاقيات عسكرية سمحت للقاهرة بموطئ قدم في الصومال حيث انتشر ما بين 5 آلاف إلى 10 آلاف جندي مصري هناك حسب ترجيحات أثيوبية، وهو تحرك أزعج أبا أحمد الذي حرك من جهته منظومات صواريخ هجومية نحو إقليم أوغادين المتنازع عليه بين مقديشو وأديس أبابا.

كذلك يبدو أن سياسة "الهروب إلى الأمام" التي تمارسها أثيوبيا في ملف سد النهضة، قد آتت أكلها إلى حد الآن، وازدادت خصوصا مع وجود بعض التراخي المصري فيما يتعلق بما يحصل قرب حدودها مع قطاع غزة وسيطرة الاحتلال الإسرائيلي على محور فيلادلفيا، دون أي رد ميداني مصري لهذا الخرق في معاهدة السلام بينهما، مما جعل أديس أبابا تمعن في تجاوز التفاهمات حول حدود ملء خزانات السد.

هذا الإمعان كان يجب أن يكون له رد ملموس على الأرض، خصوصا وأن أي مفاوضات بين مصر وأثيوبيا لا يمكن أن تنجح إلا إذا ما حصل تغيير على مستوى الميدان.