وضع اقتصادي واجتماعي متدهور يعيش على وقعه متساكنو المدن التونسية والليبية المحاذية للمعبر الحدودي برأس جدير الذي أغلق لأشهر على إثر مواجهات مسلحة من الجانب الليبي خلال شهر مارس الماضي 2024 .
إلا أنه ورغم فتح المعبر، منذ فترة قريبة لم تعد الحركة التجارية وحركة العربات كما كانت قبل عملية الغلق، مما أثّر على مناطق بأكملها، من الجانبين التونسي والليبي، حيث باتت تواجه ركودا تجاريا ليحال آلاف التجار وعائلاتهم على البطالة القسرية وهو ما دفع بأهالي منطقة زوارة الليبية، الذين يعيشون على التجارة البينية، إلى التحرك وغلق الطريق بالمعبر من خلال وضع ساتر ترابي.. ليتم بعد ذلك فض الاعتصام بالقوة، مع التزام السلطات الليبية المركزية بعودة الحركة التجارية إلى سالف نشاطها.
ويعتبر المعبر بمثابة القلب النابض للاقتصاد في منطقة الجنوب الشرقي التونسي الذي يعاني من نسبة بطالة تصل إلى 20 % في ظل غياب شبه كلي للتنمية، كما يعد محرّك الاستثمار في الولايات المجاورة من خلال إحداث العديد من الشركات التي تصدر نسبة هامة من منتجاتها نحو القطر الليبي بالإضافة إلى تراجع سياحة الجوار خلال هذه الصائفة إذ عادة ما يمضي أغلب الليبيين القادمين إلى بلادنا عطلهم في جزيرة جربة، إلا أن حالة التوتر والكر والفر والغلق المتواصل للمعبر طيلة أشهر قد أدى إلى تراجع كبير في عدد السياح اللبيبين.
ويعد معبر رأس جدير أهم المعابر البرية بالقارة الإفريقية بمعدل عدد مسافرين يقارب 6 مليون مسافر سنويا، وهو أكبر ممرّ تجاري بري بإفريقيا، ولكن وضعيته الحالية جعلته يؤثر في اقتصاد لا المدن الحدودية بل وأيضا الاقتصاد الوطني برمته، حيث حرمت الدولة التونسية من أكثر من 1.5 مليون دينار عائدات الرسوم الجبائية على اعتبار أن المعبر من أهم البوابات البرية.
ورغم هذه الأهمية فإن الخبراء يؤكدون أنه بإمكان المعبر توفير عائدات أكبر إذا ما تم تطويره من حيث البنية التحتية واللوجستية إذ يمكن أن نتجاوز هذه القيمة إذا ما استجاب المعبر للمعايير الدولية وهو ما سيمكن من مضاعفة المبادلات البينية التونسية الليبية بثلاث مرات.
وحسب تقارير رسمية تونسية فإنّ سبع دول إفريقية منها النيجر ومالي وبوركينافاسو والتشاد وإفريقيا الوسطى، وهي دول تعتبر مصدرا رئيسيا للمهاجرين غير الشرعيين نحو تونس كونها تعاني مشكلا اقتصاديا على خلفية حرمانها من الولوج في الدورة الاقتصادية الدولية، ستتمكن بفضل معبر رأس جدير (حسب التقارير) من الانفتاح على البحر الأبيض المتوسط الذي يعتبر طريقا تجارية تمثل 35 بالمائة من حجم التجارة العالمية.
حجم مبادلات ضخم
وبلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين 2.7 مليار دينار خلال العام 2023، فيما بلغ سنة 2022 حوالي 3.027 مقابل 2.020 مليار دينار في سنة 2021.
ويسعى الطرفان التونسي والليبي إلى زيادة حجم التجارة البينية ليبلغ 5 مليارات دينار، وذلك عبر إرساء جميع الآليات الكفيلة بذلك وخاصة تطوير المعبر الحدودي برأس جدير.
وتُعد ليبيا أكبر المصدرين عربيًا وأفريقيًا لتونس والخامس عالميًا، وتُمثل تونس المورد الثامن لليبيا على المستوى العالمي. إذ تصدر حوالي 1000 مؤسسة عدة منتجات نحو القطر الليبي وتشمل المنتجات الغذائية والصناعية مثل الأسمنت والحفاظات والزيوت النباتية والعجين الغذائي وثاني فوسفات الأمونيا، وبعض المنتجات المعدنية والمحولات الكهربائية.
أزمة حقيقية
وحول ما يمثله المعبر الحدودي اقتصاديا للمناطق الحدودية التونسية الليبية اعتبر مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان لـ"الصباح" أنه يمثل "شريانا اقتصاديا مهما، إن لم نقل الأول".
مبينا أن غلقه خلق أزمة اقتصادية خاصة وأن حوالي 70 مدينة تونسية على الحدود الليبية تعيش من التجارة البينية، ليحال الآلاف على البطالة ما خلق وضعية اجتماعية صعبة منذ شهر مارس 2024 الى اليوم بهذه المدن خاصة وأن الأهالي يستعدون للعودة المدرسية.
وأشار عبد الكبير أن غلق المعبر تسبب في توقف التجارة، إذ أن ثلث التونسيين يعيشون على التجارة البينية مع ليبيا وهو ما تسبّب في اندلاع احتجاجات تطالب بإعادة فتح هذا المعبر الذي يعد أهم منفذ بري بين ليبيا وتونس، هذا بالإضافة الى تعطل حركة المسافرين، كل هذا جعله عرضة للتنافس بين مجموعات مسلحة ليبية تسعى دوما للسيطرة عليه.
واعتبر أن الأهالي من الجانب التونسي يعيشون حالة من القلق بسبب الوضع الاجتماعي خاصة وأن البوابة منذ 6 أشهر إلى اليوم تعيش حالة من التذبذب تتراوح بين الغلق أو الفتح الجزئي بالإضافة إلى التضييقات على التجار والمسافرين.
الممر التجاري القاري في مهب الريح
ومنذ أكثر من سنة وتحديدا يوم الخميس 10 أوت 2023 تم الإعلان رسميا عن إحداث الممر التجاري القاري التونسي الليبي نحو بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، وذلك خلال انعقاد الاجتماع الوزاري المشترك التونسي الليبي بمقر الوزارة تحت إشراف وزيرة التجارة وتنمية الصادرات السابقة كلثوم بن رجب ووزير الاقتصاد والتجارة بحكومة الوحدة الوطنية محمد علي الحويج وبحضور وفدين رفيعي المستوى من البلدين، حيث تم التأكيد على أهمية وضرورة تأهيل وتطوير المعبر الحدودي رأس جدير وفقا للمعايير الدولية حتى يصبح بوابة تجارية لإفريقيا ووسيلة لتحقيق الاندماج والتكامل الاقتصادي خاصة مع دول إفريقيا جنوب الصحراء إضافة إلى إرساء شراكة فعالة ثلاثية الأبعاد تونسية ليبية إفريقية.
وكان الجانب الليبي قد عبر عن دعمه لملف تونس لمنظمة السوق المشتركة وجنوب إفريقيا (الكوميسا) حيث يتضمن الحصول على دعم فني ولوجستي للمساهمة في تطوير المعبر والذي يحظى باهتمام خاص وأولوية على مستوى الاتحاد الإفريقي والأمانة العامة للزليكاف والتجمعات الاقتصادية الإقليمية الإفريقية.
من جهة أخرى، تم الإعلان الرسمي عن تكوين فريق التواصل المشترك التونسي الليبي لفض الإشكاليات التي قد تطرأ على مستوى معبر رأس جدير.
مشروع الممر التجاري القاري الليبي-التونسي
إذا ما تم تنفيذه سيكون أكبر معبر بري في القارة والذي سيربط تونس وليبيا بـ5 دول إفريقية غير الساحلية وهي تشاد والنيجر ومالي وبوركينافاسو وأفريقيا الوسطى.
هذا المشروع الاستراتيجي قادر على خلق حركية على مستوى التبادل التجاري في منطقة شمال إفريقيا وربطها ببقية القارة إلا أن تحقيقه يبقي رهين عودة الهدوء إلى المعبر والتوافق بين الأشقاء الليبيين، وأيضا رهين تدخل الحكومة التونسية حيث أكد رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان على أهمية أن يضع وزير الخارجية التونسي المعين حديثا ورئيس الحكومة وكل أعضاء الحكومة هذا الملف من الأولويات والعمل على حله، كما أكد أنه على رئيس الجمهورية أن يسدي تعليماته بوضع هذا الملف من الملفات الحارقة والتي يجب بذل الجهود وإيجاد الحلول لفضه.
حنان قيراط
تونس – الصباح
وضع اقتصادي واجتماعي متدهور يعيش على وقعه متساكنو المدن التونسية والليبية المحاذية للمعبر الحدودي برأس جدير الذي أغلق لأشهر على إثر مواجهات مسلحة من الجانب الليبي خلال شهر مارس الماضي 2024 .
إلا أنه ورغم فتح المعبر، منذ فترة قريبة لم تعد الحركة التجارية وحركة العربات كما كانت قبل عملية الغلق، مما أثّر على مناطق بأكملها، من الجانبين التونسي والليبي، حيث باتت تواجه ركودا تجاريا ليحال آلاف التجار وعائلاتهم على البطالة القسرية وهو ما دفع بأهالي منطقة زوارة الليبية، الذين يعيشون على التجارة البينية، إلى التحرك وغلق الطريق بالمعبر من خلال وضع ساتر ترابي.. ليتم بعد ذلك فض الاعتصام بالقوة، مع التزام السلطات الليبية المركزية بعودة الحركة التجارية إلى سالف نشاطها.
ويعتبر المعبر بمثابة القلب النابض للاقتصاد في منطقة الجنوب الشرقي التونسي الذي يعاني من نسبة بطالة تصل إلى 20 % في ظل غياب شبه كلي للتنمية، كما يعد محرّك الاستثمار في الولايات المجاورة من خلال إحداث العديد من الشركات التي تصدر نسبة هامة من منتجاتها نحو القطر الليبي بالإضافة إلى تراجع سياحة الجوار خلال هذه الصائفة إذ عادة ما يمضي أغلب الليبيين القادمين إلى بلادنا عطلهم في جزيرة جربة، إلا أن حالة التوتر والكر والفر والغلق المتواصل للمعبر طيلة أشهر قد أدى إلى تراجع كبير في عدد السياح اللبيبين.
ويعد معبر رأس جدير أهم المعابر البرية بالقارة الإفريقية بمعدل عدد مسافرين يقارب 6 مليون مسافر سنويا، وهو أكبر ممرّ تجاري بري بإفريقيا، ولكن وضعيته الحالية جعلته يؤثر في اقتصاد لا المدن الحدودية بل وأيضا الاقتصاد الوطني برمته، حيث حرمت الدولة التونسية من أكثر من 1.5 مليون دينار عائدات الرسوم الجبائية على اعتبار أن المعبر من أهم البوابات البرية.
ورغم هذه الأهمية فإن الخبراء يؤكدون أنه بإمكان المعبر توفير عائدات أكبر إذا ما تم تطويره من حيث البنية التحتية واللوجستية إذ يمكن أن نتجاوز هذه القيمة إذا ما استجاب المعبر للمعايير الدولية وهو ما سيمكن من مضاعفة المبادلات البينية التونسية الليبية بثلاث مرات.
وحسب تقارير رسمية تونسية فإنّ سبع دول إفريقية منها النيجر ومالي وبوركينافاسو والتشاد وإفريقيا الوسطى، وهي دول تعتبر مصدرا رئيسيا للمهاجرين غير الشرعيين نحو تونس كونها تعاني مشكلا اقتصاديا على خلفية حرمانها من الولوج في الدورة الاقتصادية الدولية، ستتمكن بفضل معبر رأس جدير (حسب التقارير) من الانفتاح على البحر الأبيض المتوسط الذي يعتبر طريقا تجارية تمثل 35 بالمائة من حجم التجارة العالمية.
حجم مبادلات ضخم
وبلغ حجم المبادلات التجارية بين البلدين 2.7 مليار دينار خلال العام 2023، فيما بلغ سنة 2022 حوالي 3.027 مقابل 2.020 مليار دينار في سنة 2021.
ويسعى الطرفان التونسي والليبي إلى زيادة حجم التجارة البينية ليبلغ 5 مليارات دينار، وذلك عبر إرساء جميع الآليات الكفيلة بذلك وخاصة تطوير المعبر الحدودي برأس جدير.
وتُعد ليبيا أكبر المصدرين عربيًا وأفريقيًا لتونس والخامس عالميًا، وتُمثل تونس المورد الثامن لليبيا على المستوى العالمي. إذ تصدر حوالي 1000 مؤسسة عدة منتجات نحو القطر الليبي وتشمل المنتجات الغذائية والصناعية مثل الأسمنت والحفاظات والزيوت النباتية والعجين الغذائي وثاني فوسفات الأمونيا، وبعض المنتجات المعدنية والمحولات الكهربائية.
أزمة حقيقية
وحول ما يمثله المعبر الحدودي اقتصاديا للمناطق الحدودية التونسية الليبية اعتبر مصطفى عبد الكبير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان لـ"الصباح" أنه يمثل "شريانا اقتصاديا مهما، إن لم نقل الأول".
مبينا أن غلقه خلق أزمة اقتصادية خاصة وأن حوالي 70 مدينة تونسية على الحدود الليبية تعيش من التجارة البينية، ليحال الآلاف على البطالة ما خلق وضعية اجتماعية صعبة منذ شهر مارس 2024 الى اليوم بهذه المدن خاصة وأن الأهالي يستعدون للعودة المدرسية.
وأشار عبد الكبير أن غلق المعبر تسبب في توقف التجارة، إذ أن ثلث التونسيين يعيشون على التجارة البينية مع ليبيا وهو ما تسبّب في اندلاع احتجاجات تطالب بإعادة فتح هذا المعبر الذي يعد أهم منفذ بري بين ليبيا وتونس، هذا بالإضافة الى تعطل حركة المسافرين، كل هذا جعله عرضة للتنافس بين مجموعات مسلحة ليبية تسعى دوما للسيطرة عليه.
واعتبر أن الأهالي من الجانب التونسي يعيشون حالة من القلق بسبب الوضع الاجتماعي خاصة وأن البوابة منذ 6 أشهر إلى اليوم تعيش حالة من التذبذب تتراوح بين الغلق أو الفتح الجزئي بالإضافة إلى التضييقات على التجار والمسافرين.
الممر التجاري القاري في مهب الريح
ومنذ أكثر من سنة وتحديدا يوم الخميس 10 أوت 2023 تم الإعلان رسميا عن إحداث الممر التجاري القاري التونسي الليبي نحو بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، وذلك خلال انعقاد الاجتماع الوزاري المشترك التونسي الليبي بمقر الوزارة تحت إشراف وزيرة التجارة وتنمية الصادرات السابقة كلثوم بن رجب ووزير الاقتصاد والتجارة بحكومة الوحدة الوطنية محمد علي الحويج وبحضور وفدين رفيعي المستوى من البلدين، حيث تم التأكيد على أهمية وضرورة تأهيل وتطوير المعبر الحدودي رأس جدير وفقا للمعايير الدولية حتى يصبح بوابة تجارية لإفريقيا ووسيلة لتحقيق الاندماج والتكامل الاقتصادي خاصة مع دول إفريقيا جنوب الصحراء إضافة إلى إرساء شراكة فعالة ثلاثية الأبعاد تونسية ليبية إفريقية.
وكان الجانب الليبي قد عبر عن دعمه لملف تونس لمنظمة السوق المشتركة وجنوب إفريقيا (الكوميسا) حيث يتضمن الحصول على دعم فني ولوجستي للمساهمة في تطوير المعبر والذي يحظى باهتمام خاص وأولوية على مستوى الاتحاد الإفريقي والأمانة العامة للزليكاف والتجمعات الاقتصادية الإقليمية الإفريقية.
من جهة أخرى، تم الإعلان الرسمي عن تكوين فريق التواصل المشترك التونسي الليبي لفض الإشكاليات التي قد تطرأ على مستوى معبر رأس جدير.
مشروع الممر التجاري القاري الليبي-التونسي
إذا ما تم تنفيذه سيكون أكبر معبر بري في القارة والذي سيربط تونس وليبيا بـ5 دول إفريقية غير الساحلية وهي تشاد والنيجر ومالي وبوركينافاسو وأفريقيا الوسطى.
هذا المشروع الاستراتيجي قادر على خلق حركية على مستوى التبادل التجاري في منطقة شمال إفريقيا وربطها ببقية القارة إلا أن تحقيقه يبقي رهين عودة الهدوء إلى المعبر والتوافق بين الأشقاء الليبيين، وأيضا رهين تدخل الحكومة التونسية حيث أكد رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان على أهمية أن يضع وزير الخارجية التونسي المعين حديثا ورئيس الحكومة وكل أعضاء الحكومة هذا الملف من الأولويات والعمل على حله، كما أكد أنه على رئيس الجمهورية أن يسدي تعليماته بوضع هذا الملف من الملفات الحارقة والتي يجب بذل الجهود وإيجاد الحلول لفضه.