من الواضح أن الدعاية السيئة التي قام بها الفيلم الهندي" حياة الماعز" لدولة عربية قدمها في صورة سيئة جدا ستترك اثارها على كل من شاهد هذا العمل، الذي لقي رواجا كبيرا وهو متاح في مواقع التواصل الاجتماعي ويمكن مشاهدته بالكامل ومجانا أيضا.
هذا الفيلم الذي حقق مداخيل كبيرة منذ خروجه في مارس يتعرض لقضية الكفيل في المملكة العربية السعودية من خلال قصة "الهندي" الشاب نجيب الذي سافر الى المملكة ليعمل في شركة طمعا في تحسين وضعه المادي والتخلص من عمله المضني في الهند. وقد تمكن عن طريق واسطة (معرفة من الهند) من الحصول على تأشيرة للسفر الى المملكة العربية السعودية. لكن التأشيرة كلفته غاليا فقد باع منزله ودبر مبلغا ماليا دفعه الى الرجل الهندي الذي تكفل بتوفير فرصة العمل له بالمملكة.
لكن نجيب ورفيقه في السفر اللذان لا يتقنان الا، المالايالامية، وهي احدى اللغات التي يتحدث بها سكان جنوب الهند، كانت في انتظارهما مفاجأة غير سارة وهي عدم حضور الكفيل، أي الشخص الذي يتدبر امرهما خلال وجودهما للعمل في دولة الاستقبال. وبعد ساعات من الانتظار والحيرة في المطار يتقدم شخص اليهما ويقدم نفسه على انه الكفيل المنتظر. الرجل الذي تتجسم فيه كل خصال الانسان القاسي والفظ ينقلهما على متن شاحنة الى الصحراء وفي الطريق يفرق بينهما.
الاحداث تركز على مصير الشاب نجيب الذي جاء الى احدى دول الخليج المعروفة بغناها والتي تستقطب عددا كبيرا من عمال يأتون من العالم وخاصة من بلدان اسيا وافريقيا والعديد من البلدان العربية بحثا عن فرصة لتحسين الوضع والعودة الى الديار محملين بالمال والهدايا الى العائلة. ونجيب وفق احد مشاهد الفيلم، تعهد له احد معارفه الذي توسط له لدى احدهم ليساعده على السفر، بأنه سيتمكن من استعادة المبلغ الذي خسره من اجل التأشيرة ( دفع مبلغا للوسيط ) في ظرف شهرين فقط بفضل العمل الذي سيعوضه عن خسارة بيته والذي سيخرجه من حالة الشقاء التي كان عليها في ولايته ( كيرالا) التي علمنا من خلال محرك البحث على غوغل، أنها تعد اكثر من مليون مهاجر، اكثر من تسعين بالمائة من بينهم يعملون بدول الخليج.
اذن حمل الرجل معه كما كبيرا من أحلامه وهو يقصد احدى دول الخليج الثرية، لكنه ووفق احداث الفيلم يصطدم بالواقع منذ الوصول الى المطار.
موجة تعاطف عالمية
وقد اثار عرض الفيلم ردود أفعال كثيرة وانتشر انتشارا غير مسبوق منذ ان عرض على منصة نتفليكس، لكن اهم ما لوحظ هو موجة التعاطف مع بطل الفيلم الذي وجد نفسه في الصحراء مختلطا بالماعز وقد تعددت مشاهد الفيلم الذي انتفت فيها المسافة بين نجيب راعي الماعز والحيوانات التي يعيش وسطها في صحراء قاسية وفي ظروف عمل غير إنسانية.
هذا ما أراد الفيلم ان يؤكد عليه وقد زادت معرفة الجماهير بان الاحداث مستلهمة من قصة حقيقية، الفيلم مصداقية في عيوينهم. وهو مقتبس فعلا من رواية بعنوان "حياة الماعز" صادرة في 2008 وحققت مبيعات ضخمة وتدور احداثها حول قصة شخص يحمل نفس الاسم ( نجيب محمد) عاش قصة مأساوية في الصحراء وتمكن من الفرار بعد عامين (حدث كل ذلك في التسعينات من القرن الماضي).
واي كانت المؤاخذات على الفيلم، فإنه نجح في استمالة الجماهير من خلال قصة حزينة ومثيرة ومشوقة تجعل المتفرج يسعى بكل قوة الى معرفة التطورات ويتطلع الى مآل الأحداث وكيف سينجو نجيب الذي ضاع منه كل شيء من اللحظة الأولى التي امره فيها من تقدم اليه- كان حينها مع رفيقه- على أنه وكيله، ونقله على ظهر الشاحنة الى الصحراء اين تركه يواجه قدره القاسي.
ليس من مشاهير ممثلي الهند
الممثل الهندي بريثفيراجسوكومارا وهو ليس من الممثلين المشهورين في الهند نجح في تقمص الدور وقدم الشخصية بكل تحولاتها وانفعالاتها وحالاتها النفسية وتسرب من خلالها الى قلوب الجماهير التي تعاطفت معه بالخصوص كانسان وجد نفسه وهو الطامح الى حياة افضل في قلب مأساة قاسية جدا. وكان العماني طالب البلوشي مقنعا في دور الكفيل، كما منحت الموسيقى التصويرية الاحداث قوة وزادتها تأثيرا وقد نجح المخرج الهندي بليسي ايبي طوماس المعروف في الأوساط السينمائية باسمه بليسي، في تقديم ملحمة فنية مبنية على احداث واقعية صاغ منها باقتدار تراجيديا إنسانية لا يمكن ان لا نتأثر بها لحبكة القصة ولقوة المشاهد ولدقة الكاميرا التي ركزت على ملامح صاحب المأساة بشكل رهيب تجعل المتفرج غير قادر على إدارة وجهه او سحب عينيه من المشهد.
المسؤولية مشتركة والمأساة تبدأ من الهند أصلا
في المقابل واضح أن هناك توجيها للقصة في اتجاه واحد. ورغم وجود تفاصيل عديدة في الفيلم من بينها مثلا المسؤولية المشتركة في المظلمة. فنجيب هو بدوره ساهم في مأساته لأنه كان ساذجا الى درجة أنه حل بمطار دولة اجنبية لأول مرة دون ان يحصل حتى على رقم هاتف الكفيل او الشخص الذي من المفروض يستقبله في المطار.
نجيب هذا تعرض بدوره الى التحيل في بلده الهند. أصلا كيف يقبل العقل بما قام به. ولنقل مجددا ان سذاجة الرجل هي وراء مأساته التي بدأت في بلده واستفحلت في دولة الاستقبال. فهو رمى بنفسه بدون تفكير كبير مدفوعا، ربما بالحلم، في النار. فأي كان عندما ينزل في أي بلد أجنبي دون ضمانات، حتى انه ليس لديه رقم هاتف يتصل به، يمكنه ان يتعرض الى ما تعرض له نجيب بطل الفيلم.
غير انه من الواضح ان القصة المأساوية قد طغت على الأحداث وجعلت التفاصيل الأخرى لا أهمية لها رغم ان بعضها مهم جدا. لأنه لنتفق أولا، ان كل من يحمل نفسه الى دولة اجنبية لا يتقن لغتها وليس له أي ضمانات، أي كان نوعها يعرض نفسه لكل أنواع المخاطر.
لكن كل ذلك لا ينسينا حقيقة وهي ان السينما سلاح قوي جدا يتفوق أحيانا على كل أنواع الأسلحة. وفيلم من نوع " حياة الماعز" الذي يستدر العطف ويجعل الدموع تنفر من العينين بسهولة، نظرا لقسوة المشاهد، يمكن ان يكون له تأثير ابلغ من كل الجهود الديبلوماسية ويمكن ان يؤثر بقوة لانه ينفذ الى الوجدان ويستدر العواطف.
وبرأينا، ان كان النقاد الذين اعتبروا ان المظالم الموجودة في الهند أكبر بكثير مما يصوره الفيلم وان الهند تقمع المسلمين وان الدولة التي جاء منها بطل الفيلم هي بدورها وراء مآس كثيرة، هم على حق في ذلك، فقد تعرض المسلمون في السنوات الأخيرة الى عمليات انتقامية في الهند افظع من الخيال، لكن هذا لا يمنع من الاعتراف بان الفيلم حقق مبتغاه وهو جعل الجماهير في حالة من الدهشة إزاء مأساة البطل. الفيلم يدين بوضوح ما يتعرض له بعض العمال بدول الخليج بسبب مؤسسة الكفيل التي رأينا في الفيلم انها يمكن ان تحيد عن دورها ويمكن ان تتحول الى مؤسسة للعبودية ولو بشكل جديد. ربما هناك مبالغة في الأحداث، لكن الفيلم انطلق من أشياء واقعية وهو ما ساهم في مضاعفة حجم الاقبال.
القوة التي لا تضاهيها قوة
ولنا ان نعترف بأننا مهما تحاملنا على الفيلم وقلنا ان فيه إساءة وتوجيها للكاميرا في اتجاه ادانة دولة عربية في حين ان الظاهرة يمكن ان تكون محدودة وان ما تعرض له نجيب من أذى على يد كفيله او من ادعى ذلك ، يمكن ان يكون مجرد حادثة معزولة، فإن ذلك لا يمنع من القول ان العمل نجح في ان يثير الاهتمام وان يجعل جماهيرا من انحاء العالم تشاهده وتتعاطف مع البطل. وذلك تماما ما ينقصنا في المنطقة العربية، اذ ليست لنا القدرة على عكس الصورة. فالإنسان العربي يحدث ان يكون قاسيا ويمكن ان يكون خارجا عن القانون، وكل شعوب العالم يمكن ان تنتج قساة ومارقين على القانون ، لكن هذا الانسان العربي يعاني أيضا من كل الوان الظلم. الانسان العربي عانى ومازال يعاني من الاحتلال، لننظر الى فلسطين والى غزة التي تواجه حرب إبادة يشنها الكيان الصهيوني، منذ ما يقرب عن العام، ويتواصل فيها تقتيل الأطفال وهدم البيوت واستهداف النساء والمدنيين عموما. فهناك في غزة تحدث مآس يوميا، ويغفل عنها الاعلام الأجنبي وهناك تنتفي حقوق الانسان، حتى ابسط حقوقه. وما يحدث في غزة في لحظة واحدة يختزل ما معنى ان يعيش الانسان تراجيديا حقيقية، فما بالك بمن يعيش دراما وتراجيديا ومأساة في كل لحظة. الانسان العربي حقوقه مسلوبة وموارده تستنزفها القوى الأجنبية المتحالفة مع من باع الوطن والارض. وكل قصة من قصص الانسان العربي يمكن ان تتحول الى فيلم مأساوي يمكن ان يستقطب جماهير العالم، لكننا لا نستثمر في السينما التي يمكن ان تخدم قضايانا حقا.
أموال طائلة تنفق في مهرجانات وتظاهرات مقلدة لا فائدة منها في حين ثبت ان فيلما واحدا حتى بإمكانيات بسيطة يمكن ان يخلق ثورة في العالم ويمكن ان يوجه الأنظار ويمكن ان يدفع العالم الى التحرك. انها قوة السينما عندما توجه الى خدمة قضية معينة. قوتها حينذاك تصبح ناسفة ولا قبل لأموال الدنيا بفسخ أثر يتركه فيلما مؤثرا وناجحا ويغزو القلوب. أثره يكون عادة بالغا وقد يبقى طويلا.
حياة السايب
تونس- الصباح
من الواضح أن الدعاية السيئة التي قام بها الفيلم الهندي" حياة الماعز" لدولة عربية قدمها في صورة سيئة جدا ستترك اثارها على كل من شاهد هذا العمل، الذي لقي رواجا كبيرا وهو متاح في مواقع التواصل الاجتماعي ويمكن مشاهدته بالكامل ومجانا أيضا.
هذا الفيلم الذي حقق مداخيل كبيرة منذ خروجه في مارس يتعرض لقضية الكفيل في المملكة العربية السعودية من خلال قصة "الهندي" الشاب نجيب الذي سافر الى المملكة ليعمل في شركة طمعا في تحسين وضعه المادي والتخلص من عمله المضني في الهند. وقد تمكن عن طريق واسطة (معرفة من الهند) من الحصول على تأشيرة للسفر الى المملكة العربية السعودية. لكن التأشيرة كلفته غاليا فقد باع منزله ودبر مبلغا ماليا دفعه الى الرجل الهندي الذي تكفل بتوفير فرصة العمل له بالمملكة.
لكن نجيب ورفيقه في السفر اللذان لا يتقنان الا، المالايالامية، وهي احدى اللغات التي يتحدث بها سكان جنوب الهند، كانت في انتظارهما مفاجأة غير سارة وهي عدم حضور الكفيل، أي الشخص الذي يتدبر امرهما خلال وجودهما للعمل في دولة الاستقبال. وبعد ساعات من الانتظار والحيرة في المطار يتقدم شخص اليهما ويقدم نفسه على انه الكفيل المنتظر. الرجل الذي تتجسم فيه كل خصال الانسان القاسي والفظ ينقلهما على متن شاحنة الى الصحراء وفي الطريق يفرق بينهما.
الاحداث تركز على مصير الشاب نجيب الذي جاء الى احدى دول الخليج المعروفة بغناها والتي تستقطب عددا كبيرا من عمال يأتون من العالم وخاصة من بلدان اسيا وافريقيا والعديد من البلدان العربية بحثا عن فرصة لتحسين الوضع والعودة الى الديار محملين بالمال والهدايا الى العائلة. ونجيب وفق احد مشاهد الفيلم، تعهد له احد معارفه الذي توسط له لدى احدهم ليساعده على السفر، بأنه سيتمكن من استعادة المبلغ الذي خسره من اجل التأشيرة ( دفع مبلغا للوسيط ) في ظرف شهرين فقط بفضل العمل الذي سيعوضه عن خسارة بيته والذي سيخرجه من حالة الشقاء التي كان عليها في ولايته ( كيرالا) التي علمنا من خلال محرك البحث على غوغل، أنها تعد اكثر من مليون مهاجر، اكثر من تسعين بالمائة من بينهم يعملون بدول الخليج.
اذن حمل الرجل معه كما كبيرا من أحلامه وهو يقصد احدى دول الخليج الثرية، لكنه ووفق احداث الفيلم يصطدم بالواقع منذ الوصول الى المطار.
موجة تعاطف عالمية
وقد اثار عرض الفيلم ردود أفعال كثيرة وانتشر انتشارا غير مسبوق منذ ان عرض على منصة نتفليكس، لكن اهم ما لوحظ هو موجة التعاطف مع بطل الفيلم الذي وجد نفسه في الصحراء مختلطا بالماعز وقد تعددت مشاهد الفيلم الذي انتفت فيها المسافة بين نجيب راعي الماعز والحيوانات التي يعيش وسطها في صحراء قاسية وفي ظروف عمل غير إنسانية.
هذا ما أراد الفيلم ان يؤكد عليه وقد زادت معرفة الجماهير بان الاحداث مستلهمة من قصة حقيقية، الفيلم مصداقية في عيوينهم. وهو مقتبس فعلا من رواية بعنوان "حياة الماعز" صادرة في 2008 وحققت مبيعات ضخمة وتدور احداثها حول قصة شخص يحمل نفس الاسم ( نجيب محمد) عاش قصة مأساوية في الصحراء وتمكن من الفرار بعد عامين (حدث كل ذلك في التسعينات من القرن الماضي).
واي كانت المؤاخذات على الفيلم، فإنه نجح في استمالة الجماهير من خلال قصة حزينة ومثيرة ومشوقة تجعل المتفرج يسعى بكل قوة الى معرفة التطورات ويتطلع الى مآل الأحداث وكيف سينجو نجيب الذي ضاع منه كل شيء من اللحظة الأولى التي امره فيها من تقدم اليه- كان حينها مع رفيقه- على أنه وكيله، ونقله على ظهر الشاحنة الى الصحراء اين تركه يواجه قدره القاسي.
ليس من مشاهير ممثلي الهند
الممثل الهندي بريثفيراجسوكومارا وهو ليس من الممثلين المشهورين في الهند نجح في تقمص الدور وقدم الشخصية بكل تحولاتها وانفعالاتها وحالاتها النفسية وتسرب من خلالها الى قلوب الجماهير التي تعاطفت معه بالخصوص كانسان وجد نفسه وهو الطامح الى حياة افضل في قلب مأساة قاسية جدا. وكان العماني طالب البلوشي مقنعا في دور الكفيل، كما منحت الموسيقى التصويرية الاحداث قوة وزادتها تأثيرا وقد نجح المخرج الهندي بليسي ايبي طوماس المعروف في الأوساط السينمائية باسمه بليسي، في تقديم ملحمة فنية مبنية على احداث واقعية صاغ منها باقتدار تراجيديا إنسانية لا يمكن ان لا نتأثر بها لحبكة القصة ولقوة المشاهد ولدقة الكاميرا التي ركزت على ملامح صاحب المأساة بشكل رهيب تجعل المتفرج غير قادر على إدارة وجهه او سحب عينيه من المشهد.
المسؤولية مشتركة والمأساة تبدأ من الهند أصلا
في المقابل واضح أن هناك توجيها للقصة في اتجاه واحد. ورغم وجود تفاصيل عديدة في الفيلم من بينها مثلا المسؤولية المشتركة في المظلمة. فنجيب هو بدوره ساهم في مأساته لأنه كان ساذجا الى درجة أنه حل بمطار دولة اجنبية لأول مرة دون ان يحصل حتى على رقم هاتف الكفيل او الشخص الذي من المفروض يستقبله في المطار.
نجيب هذا تعرض بدوره الى التحيل في بلده الهند. أصلا كيف يقبل العقل بما قام به. ولنقل مجددا ان سذاجة الرجل هي وراء مأساته التي بدأت في بلده واستفحلت في دولة الاستقبال. فهو رمى بنفسه بدون تفكير كبير مدفوعا، ربما بالحلم، في النار. فأي كان عندما ينزل في أي بلد أجنبي دون ضمانات، حتى انه ليس لديه رقم هاتف يتصل به، يمكنه ان يتعرض الى ما تعرض له نجيب بطل الفيلم.
غير انه من الواضح ان القصة المأساوية قد طغت على الأحداث وجعلت التفاصيل الأخرى لا أهمية لها رغم ان بعضها مهم جدا. لأنه لنتفق أولا، ان كل من يحمل نفسه الى دولة اجنبية لا يتقن لغتها وليس له أي ضمانات، أي كان نوعها يعرض نفسه لكل أنواع المخاطر.
لكن كل ذلك لا ينسينا حقيقة وهي ان السينما سلاح قوي جدا يتفوق أحيانا على كل أنواع الأسلحة. وفيلم من نوع " حياة الماعز" الذي يستدر العطف ويجعل الدموع تنفر من العينين بسهولة، نظرا لقسوة المشاهد، يمكن ان يكون له تأثير ابلغ من كل الجهود الديبلوماسية ويمكن ان يؤثر بقوة لانه ينفذ الى الوجدان ويستدر العواطف.
وبرأينا، ان كان النقاد الذين اعتبروا ان المظالم الموجودة في الهند أكبر بكثير مما يصوره الفيلم وان الهند تقمع المسلمين وان الدولة التي جاء منها بطل الفيلم هي بدورها وراء مآس كثيرة، هم على حق في ذلك، فقد تعرض المسلمون في السنوات الأخيرة الى عمليات انتقامية في الهند افظع من الخيال، لكن هذا لا يمنع من الاعتراف بان الفيلم حقق مبتغاه وهو جعل الجماهير في حالة من الدهشة إزاء مأساة البطل. الفيلم يدين بوضوح ما يتعرض له بعض العمال بدول الخليج بسبب مؤسسة الكفيل التي رأينا في الفيلم انها يمكن ان تحيد عن دورها ويمكن ان تتحول الى مؤسسة للعبودية ولو بشكل جديد. ربما هناك مبالغة في الأحداث، لكن الفيلم انطلق من أشياء واقعية وهو ما ساهم في مضاعفة حجم الاقبال.
القوة التي لا تضاهيها قوة
ولنا ان نعترف بأننا مهما تحاملنا على الفيلم وقلنا ان فيه إساءة وتوجيها للكاميرا في اتجاه ادانة دولة عربية في حين ان الظاهرة يمكن ان تكون محدودة وان ما تعرض له نجيب من أذى على يد كفيله او من ادعى ذلك ، يمكن ان يكون مجرد حادثة معزولة، فإن ذلك لا يمنع من القول ان العمل نجح في ان يثير الاهتمام وان يجعل جماهيرا من انحاء العالم تشاهده وتتعاطف مع البطل. وذلك تماما ما ينقصنا في المنطقة العربية، اذ ليست لنا القدرة على عكس الصورة. فالإنسان العربي يحدث ان يكون قاسيا ويمكن ان يكون خارجا عن القانون، وكل شعوب العالم يمكن ان تنتج قساة ومارقين على القانون ، لكن هذا الانسان العربي يعاني أيضا من كل الوان الظلم. الانسان العربي عانى ومازال يعاني من الاحتلال، لننظر الى فلسطين والى غزة التي تواجه حرب إبادة يشنها الكيان الصهيوني، منذ ما يقرب عن العام، ويتواصل فيها تقتيل الأطفال وهدم البيوت واستهداف النساء والمدنيين عموما. فهناك في غزة تحدث مآس يوميا، ويغفل عنها الاعلام الأجنبي وهناك تنتفي حقوق الانسان، حتى ابسط حقوقه. وما يحدث في غزة في لحظة واحدة يختزل ما معنى ان يعيش الانسان تراجيديا حقيقية، فما بالك بمن يعيش دراما وتراجيديا ومأساة في كل لحظة. الانسان العربي حقوقه مسلوبة وموارده تستنزفها القوى الأجنبية المتحالفة مع من باع الوطن والارض. وكل قصة من قصص الانسان العربي يمكن ان تتحول الى فيلم مأساوي يمكن ان يستقطب جماهير العالم، لكننا لا نستثمر في السينما التي يمكن ان تخدم قضايانا حقا.
أموال طائلة تنفق في مهرجانات وتظاهرات مقلدة لا فائدة منها في حين ثبت ان فيلما واحدا حتى بإمكانيات بسيطة يمكن ان يخلق ثورة في العالم ويمكن ان يوجه الأنظار ويمكن ان يدفع العالم الى التحرك. انها قوة السينما عندما توجه الى خدمة قضية معينة. قوتها حينذاك تصبح ناسفة ولا قبل لأموال الدنيا بفسخ أثر يتركه فيلما مؤثرا وناجحا ويغزو القلوب. أثره يكون عادة بالغا وقد يبقى طويلا.