إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

أول مرة منذ فيفري الماضي .. احتياطي تونس من النقد الأجنبي يقفز إلى 116 يوما

تراجع فترات سداد الديون وارتفاع الصادرات عوامل ساهمت في استقرار الاحتياطي النقدي

تونس- الصباح

سجل احتياطي تونس من النقد الأجنبي ، يوم أمس ارتفاعا ملحوظا ، حيث ارتفع إلى مستوى يغطي 116 يوماً من التوريد، بما يعادل 25.651 مليار دينار تونسي ، ويعتبر هذا الارتفاع في احتياطي النقد الأجنبي إشارة إيجابية للاقتصاد التونسي خصوصاً في ضوء التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، ويأتي بعد فترة من التراجع بدأت في فيفري الماضي، حيث اثر سداد قرض بقيمة 3 مليار دينار ، في تراجع احتياطي تونس من العملة الصعبة ب14 يوم توريد لتتحول من 119 يوم توريد (25،9 مليار دينار)، يوم 16 فيفري 2024، الى 105 يوم توريد (23 مليار دينار) بتاريخ 19 فيفري 2024، وفق المؤشرات المالية والنقدية الصادرة عن البنك المركزي التونسي.

وهناك عدة عوامل ساهمت في ارتفاع احتياطي تونس من النقد الأجنبي إلى هذا المستوى القياسي، منها ارتفاع عائدات السياحة، حيث تعتبر السياحة أحد مصادر النقد الأجنبي الأساسية في تونس. وقد شهد القطاع السياحي انتعاشًا ملحوظًا بعد فترة من التراجع بسبب جائحة كوفيد-19. مع تحسن الأوضاع الصحية ورفع القيود على السفر، تزايد عدد السياح الوافدين إلى تونس، مما أدى إلى زيادة عائدات السياحة وتدفق النقد الأجنبي إلى البلاد، والتي بلغت الى حدود يوم أمس اكثر من 4.5 مليار دينار ، بالإضافة الى تحويلات التونسيين بالخارج والتي ارتفعت بدورها الى اكثر من 5 مليار دينار بتاريخ يوم أمس.

وتشكل تحويلات التونسيين العاملين في الخارج مصدراً مهماً للنقد الأجنبي. فقد زادت هذه التحويلات بشكل كبير نتيجة لتحسن الأوضاع الاقتصادية في الدول التي يعمل بها التونسيون، بالإضافة إلى التسهيلات التي قدمتها الحكومة التونسية لتيسير عمليات التحويل.

ارتفاع قيمة الصادرات وخفض العجز

كما لعبت الصادرات دوراً محورياً في تعزيز احتياطي النقد الأجنبي. حيث شهدت الصادرات التونسية ارتفاعا مهما خلال الفترة الأخيرة ، وخاصة في قطاع الفسفاط والزراعة، وهو ما ساهم في زيادة تدفق العملات الصعبة إلى البلاد. كما تلقت تونس دعماً مالياً من مؤسسات مالية دولية مثل البنك الدولي، والبنك الافريقي للتنمية، وغيرها من المؤسسات الدولية، وهذا الدعم تمثل في قروض ميسرة وبرامج تمويلية تهدف إلى دعم الاستقرار الاقتصادي في البلاد، مما ساهم في زيادة احتياطي النقد الأجنبي.

كما لعبت السياسات الحكومية الرامية إلى تقليص العجز في الميزانية دوراً في تحسين وضع الاحتياطي. فقد قامت الحكومة بتقليص النفقات غير الضرورية، وتحسين إدارة الموارد المالية، مما أدى إلى تقليل الاعتماد على الاقتراض الخارجي وزيادة احتياطي العملة الأجنبية، فضلا عن تراجع فترات سداد القروض الخارجية، والتي سمحت بجمع عائدات مهمة من العملة الصعبة.

ويُعد ارتفاع احتياطي تونس من النقد الأجنبي إلى 116 يوماً من التوريد تطوراً إيجابياً على عدة مستويات، وله انعكاسات متعددة على الاقتصاد التونسي ، منها تعزيز الثقة في الاقتصاد، حيث يُعد ارتفاع الاحتياطي مؤشراً على استقرار الاقتصاد وقدرته على الوفاء بالتزاماته المالية الخارجية. هذا يعزز ثقة المستثمرين الأجانب ويشجع على تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى البلاد.

استقرار سعر الصرف

كما ساعد استقرار سعر صرف الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية في دعم مخزون الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة، وهذا الاستقرار ساهم في الحد من التضخم المستورد وأيضا في حماية القدرة الشرائية للمواطنين.

ويمنح الاحتياطي المرتفع تونس قدرة أكبر على مواجهة الأزمات المالية والصدمات الخارجية، مثل تقلبات أسعار النفط أو التغيرات في الأسواق العالمية. هذا يعني أن البلاد ستكون أقل عرضة للضغوط المالية في حال حدوث أزمات دولية.

إضافة الى ذلك، أدى ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي إلى تحسين التصنيف الائتماني لتونس لدى وكالات التصنيف الدولية. هذا التحسن يمكن أن يساهم في تخفيض تكاليف الاقتراض الخارجي ويسهل الوصول إلى الأسواق المالية الدولية بشروط أفضل.

ورغم هذه التطورات الإيجابية، يواجه الاقتصاد التونسي تحديات عدة قد تؤثر على استدامة هذا الارتفاع في احتياطي النقد الأجنبي. من بين هذه التحديات، تقلبات أسعار السلع الأساسية، حيث يعتمد جزء كبير من الاقتصاد التونسي على تصدير السلع الأساسية مثل الفسفاط والمنتجات الفلاحية الغذائية . تقلبات الأسعار في الأسواق العالمية قد تؤثر سلباً على عائدات التصدير وبالتالي على احتياطي النقد الأجنبي.

ولضمان استدامة هذا التطور، ينبغي على الحكومة التونسية مواصلة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية، مثل تحسين مناخ الأعمال، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز الاستثمار في القطاعات المنتجة.

وإجمالا، يشكل ارتفاع احتياطي تونس من النقد الأجنبي إلى 116 يوماً من التوريد، تطوراً إيجابياً يعكس تحسناً في الأداء الاقتصادي للبلاد. ومع ذلك، فإن استدامة هذا التحسن تتطلب جهوداً مستمرة من الحكومة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وتعزيز القطاعات الإنتاجية، علما وان الحفاظ على هذا المستوى من الاحتياطي سيمنح تونس مرونة أكبر في مواجهة التحديات الاقتصادية المستقبلية وسيساهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.

سفيان المهداوي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أول مرة منذ فيفري الماضي ..   احتياطي تونس من النقد الأجنبي يقفز إلى 116 يوما

تراجع فترات سداد الديون وارتفاع الصادرات عوامل ساهمت في استقرار الاحتياطي النقدي

تونس- الصباح

سجل احتياطي تونس من النقد الأجنبي ، يوم أمس ارتفاعا ملحوظا ، حيث ارتفع إلى مستوى يغطي 116 يوماً من التوريد، بما يعادل 25.651 مليار دينار تونسي ، ويعتبر هذا الارتفاع في احتياطي النقد الأجنبي إشارة إيجابية للاقتصاد التونسي خصوصاً في ضوء التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، ويأتي بعد فترة من التراجع بدأت في فيفري الماضي، حيث اثر سداد قرض بقيمة 3 مليار دينار ، في تراجع احتياطي تونس من العملة الصعبة ب14 يوم توريد لتتحول من 119 يوم توريد (25،9 مليار دينار)، يوم 16 فيفري 2024، الى 105 يوم توريد (23 مليار دينار) بتاريخ 19 فيفري 2024، وفق المؤشرات المالية والنقدية الصادرة عن البنك المركزي التونسي.

وهناك عدة عوامل ساهمت في ارتفاع احتياطي تونس من النقد الأجنبي إلى هذا المستوى القياسي، منها ارتفاع عائدات السياحة، حيث تعتبر السياحة أحد مصادر النقد الأجنبي الأساسية في تونس. وقد شهد القطاع السياحي انتعاشًا ملحوظًا بعد فترة من التراجع بسبب جائحة كوفيد-19. مع تحسن الأوضاع الصحية ورفع القيود على السفر، تزايد عدد السياح الوافدين إلى تونس، مما أدى إلى زيادة عائدات السياحة وتدفق النقد الأجنبي إلى البلاد، والتي بلغت الى حدود يوم أمس اكثر من 4.5 مليار دينار ، بالإضافة الى تحويلات التونسيين بالخارج والتي ارتفعت بدورها الى اكثر من 5 مليار دينار بتاريخ يوم أمس.

وتشكل تحويلات التونسيين العاملين في الخارج مصدراً مهماً للنقد الأجنبي. فقد زادت هذه التحويلات بشكل كبير نتيجة لتحسن الأوضاع الاقتصادية في الدول التي يعمل بها التونسيون، بالإضافة إلى التسهيلات التي قدمتها الحكومة التونسية لتيسير عمليات التحويل.

ارتفاع قيمة الصادرات وخفض العجز

كما لعبت الصادرات دوراً محورياً في تعزيز احتياطي النقد الأجنبي. حيث شهدت الصادرات التونسية ارتفاعا مهما خلال الفترة الأخيرة ، وخاصة في قطاع الفسفاط والزراعة، وهو ما ساهم في زيادة تدفق العملات الصعبة إلى البلاد. كما تلقت تونس دعماً مالياً من مؤسسات مالية دولية مثل البنك الدولي، والبنك الافريقي للتنمية، وغيرها من المؤسسات الدولية، وهذا الدعم تمثل في قروض ميسرة وبرامج تمويلية تهدف إلى دعم الاستقرار الاقتصادي في البلاد، مما ساهم في زيادة احتياطي النقد الأجنبي.

كما لعبت السياسات الحكومية الرامية إلى تقليص العجز في الميزانية دوراً في تحسين وضع الاحتياطي. فقد قامت الحكومة بتقليص النفقات غير الضرورية، وتحسين إدارة الموارد المالية، مما أدى إلى تقليل الاعتماد على الاقتراض الخارجي وزيادة احتياطي العملة الأجنبية، فضلا عن تراجع فترات سداد القروض الخارجية، والتي سمحت بجمع عائدات مهمة من العملة الصعبة.

ويُعد ارتفاع احتياطي تونس من النقد الأجنبي إلى 116 يوماً من التوريد تطوراً إيجابياً على عدة مستويات، وله انعكاسات متعددة على الاقتصاد التونسي ، منها تعزيز الثقة في الاقتصاد، حيث يُعد ارتفاع الاحتياطي مؤشراً على استقرار الاقتصاد وقدرته على الوفاء بالتزاماته المالية الخارجية. هذا يعزز ثقة المستثمرين الأجانب ويشجع على تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى البلاد.

استقرار سعر الصرف

كما ساعد استقرار سعر صرف الدينار التونسي مقابل العملات الأجنبية في دعم مخزون الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة، وهذا الاستقرار ساهم في الحد من التضخم المستورد وأيضا في حماية القدرة الشرائية للمواطنين.

ويمنح الاحتياطي المرتفع تونس قدرة أكبر على مواجهة الأزمات المالية والصدمات الخارجية، مثل تقلبات أسعار النفط أو التغيرات في الأسواق العالمية. هذا يعني أن البلاد ستكون أقل عرضة للضغوط المالية في حال حدوث أزمات دولية.

إضافة الى ذلك، أدى ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي إلى تحسين التصنيف الائتماني لتونس لدى وكالات التصنيف الدولية. هذا التحسن يمكن أن يساهم في تخفيض تكاليف الاقتراض الخارجي ويسهل الوصول إلى الأسواق المالية الدولية بشروط أفضل.

ورغم هذه التطورات الإيجابية، يواجه الاقتصاد التونسي تحديات عدة قد تؤثر على استدامة هذا الارتفاع في احتياطي النقد الأجنبي. من بين هذه التحديات، تقلبات أسعار السلع الأساسية، حيث يعتمد جزء كبير من الاقتصاد التونسي على تصدير السلع الأساسية مثل الفسفاط والمنتجات الفلاحية الغذائية . تقلبات الأسعار في الأسواق العالمية قد تؤثر سلباً على عائدات التصدير وبالتالي على احتياطي النقد الأجنبي.

ولضمان استدامة هذا التطور، ينبغي على الحكومة التونسية مواصلة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية، مثل تحسين مناخ الأعمال، وتطوير البنية التحتية، وتعزيز الاستثمار في القطاعات المنتجة.

وإجمالا، يشكل ارتفاع احتياطي تونس من النقد الأجنبي إلى 116 يوماً من التوريد، تطوراً إيجابياً يعكس تحسناً في الأداء الاقتصادي للبلاد. ومع ذلك، فإن استدامة هذا التحسن تتطلب جهوداً مستمرة من الحكومة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وتعزيز القطاعات الإنتاجية، علما وان الحفاظ على هذا المستوى من الاحتياطي سيمنح تونس مرونة أكبر في مواجهة التحديات الاقتصادية المستقبلية وسيساهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.

سفيان المهداوي