يتسارع العد التنازلي لانطلاق الحملة الانتخابية الخاصة بالرئاسيات والمحددة يوم 14 سبتمبر القادم بالداخل ويوم 12 سبتمبر بالخارج وفي انتظار الحسم النهائي في قاسمة المترشحين والانتهاء من مسار الطعون والتقاضي، تطرح من الآن أسئلة حول توجهات الناخب التونسي ومحددات اختياره لهذا المرشح أو ذاك.
ولعل موضوع الالتزام بمحاربة الفساد أحد الشعارات التي لطالما رفعت على امتداد المحطات الانتخابية السابقة وكانت حاسمة في ترجيح كفة مرشح على آخر أو حزب على بقية الأحزاب المتنافسة لا سيما وأن بعض الأحزاب جعلت من مسألة محاربة الفساد والفاسدين أولوية وشعارا مركزيا، خول لها تحقيق نتائج مهمة في السابق.
لكن المطروح اليوم وبإلحاح هل أن الناخب التونسي مازال يؤمن بشعار مكافحة الفساد كمحدد لبوصلة اختياره بعد أن لمس خلال السنوات الأخيرة أن ترجمة ذلك الشعار على أرض الواقع لم تتم بالشكل المطلوب بل تؤكد المؤشرات تفاقم مظاهر الفساد كما تشير التقارير المحلية والدولية إلى تراجع تونس المستمر على امتداد السنوات الأخيرة في الالتزام بتوفير المؤسسات والتشريعات لمواجهة آفة الفساد التي تنخر جل القطاعات.
الالتزام بمحاربة الفساد
نشير هنا إلى أن رئيس الجمهورية قيس سعيد لطالما رفع شعار مكافحة الفساد واللوبيات على امتداد فترة حكمه وفي آخر نشاط له اثر تحوله مساء الأحد الفارط إلى كل من معتمدية السرس بولاية الكاف ومدينة سليانة للتحدث إلى المواطنين والاستماع إلى مطالبهم ومشاغلهم، أكد رئيس الجمهورية أن "عديد الاختيارات الفاشلة التي تمت منذ أكثر من ثلاثة عقود هي التي أدت إلى هذه الأوضاع وأن الحل يكمن في استرجاع الدولة لدورها الاجتماعي مع مواصلة الحرب ضد الفساد".
ولم يفوت رئيس الجمهورية أول خطاب أو تصريح خلال أول لقاء مع مسؤولين في الحكومة للتأكيد على ملف محاربة الفساد والمفسدين وقال في أحد لقاءاته سابقا مع رئيس الحكومة السابق أحمد الحشاني ووزراء العدل والمالية، إن بعض القوانين التي تم سنها في السابق كانت مصممة لتحقيق مصالح فئات معينة "لوبيات" تقوم بنهب المال العام وتجويع التونسيين.
وشدد على أن الدولة تسابق الزمن للانتصار في حربها على الفساد وما وصفه بـ"لوبيات الفساد"، التي تتوارى وراء بعض الشخصيات.
وقال الرئيس "نتلقى يوميا عشرات التقارير عن ملفات الفساد، لكن هناك مسار طويل يتم سلكه في القضاء للحكم في تلك القضايا رغم توفر الأدلة".
مضيفا "يجب على المحاكم أن تختصر الوقت اللازم للحكم في قضايا الفساد التي يوجد عليها أدلة حتى لا يتم نكران العدالة، لأن تونس بصدد صنع تاريخ جديد".
مؤشرات وتقارير
واليوم وعلى اعتبار أن الرئيس قيس سعيد مرشح للانتخابات القادمة إلى جانب بقية المترشحين قد يكون ملف محاربة الفساد مرة أخرى شعارا يرفع في الحملات الانتخابية لكن هذه المرة قد تصطدم شعارات المترشحين بالحصيلة على أرض الواقع والمؤشرات التي تؤكد أن الفساد يتفاقم في البلاد ولا يتراجع.
"خطوة للأمام وخطوتان للخلف" هكذا عنونت منظمة الشفافية الدولية الجزء المتعلّق بتونس في تقريرها حول مؤشر مدركات الفساد لسنة 2023، ووفق التقرير حلت تونس في المرتبة 87 بحصولها على 40 نقطة على 100 متراجعة بمرتبتين مقارنة بترتيب سنة 2022 الذي وضع تونس في المرتبة 85.
هذا التراجع المستمر في ترتيب تونس أرجعه الخبير في مجال الحوكمة ومكافحة الفساد، شرف الدين اليعقوبي، إبان صدور التقرير المتعلق بمدركات الفساد لعام 2023، إلى جملة من العوامل منها تواصل غلق مقرّ هيئة مكافحة الفساد للسنة الثانية وتعرض المبلغات والمبلغين عن الفساد إلى الهرسلة والتضييقات في ظل غياب الحماية القانونية لهم وفق قوله.
وتجدر الإشارة إلى أن المبلغين عن الفساد وفي آخر تحرك لهم نفذوا في 6 جوان الفارط وقفة احتجاجية أمام وزارة العدل وهي ليست المرة الأولى للمطالبة بتفعيل وتطبيق وتنفيذ قانون عدد 10 المتعلق بحماية المبلغين عن الفساد أمنيا وقضائيا وكذلك "إنصافهم وإرجاعهم الفوري إلى عملهم بعد أن تم التنكيل بهم وهرسلتهم وتسوية وتحيين مساراتهم المهنية وتسوية كذلك وضعياتهم المادية والاجتماعية".
تؤكد أيضا الممارسات اليومية في الإدارات وفي جل القطاعات أن مظاهر الفساد متواصلة وتتفاقم وهذا تقدير الرأي العام الذي تستمع إليه في التصريحات الإعلامية وتؤكده التقارير والدراسات.
تجدر الإشارة إلى أن هيئة مكافحة الفساد قبل إغلاقها كانت قد كشفت أن "أغلب التونسيين يعتبرون أن الفساد مازال منتشرا بشكل مرتفع منذ عام 2011". وبينت ذلك نتائج دراسة تتعلق بمسح ميداني لمفهوم الفساد في تونس لعام 2020، وشمل عينة تتكون من ألف أسرة تونسية.
وأظهرت نتائج الدراسة أيضا أن "أكثر من 80% من المستطلعين يرون أن تأثير الفساد سلبي، فيما اعتبر 87.2% منهم أنه ارتفع.." كما أن "28.5% من المستطلعين تعرّضوا على الأقل لمرة واحدة لحالة فساد خلال 2020، وهذا يمثل تحديا كبيرا في طريق تنمية ثقة المواطنين في المؤسسات العامة خلال عملية التحول الديمقراطي بتونس".
م.ي
تونس-الصباح
يتسارع العد التنازلي لانطلاق الحملة الانتخابية الخاصة بالرئاسيات والمحددة يوم 14 سبتمبر القادم بالداخل ويوم 12 سبتمبر بالخارج وفي انتظار الحسم النهائي في قاسمة المترشحين والانتهاء من مسار الطعون والتقاضي، تطرح من الآن أسئلة حول توجهات الناخب التونسي ومحددات اختياره لهذا المرشح أو ذاك.
ولعل موضوع الالتزام بمحاربة الفساد أحد الشعارات التي لطالما رفعت على امتداد المحطات الانتخابية السابقة وكانت حاسمة في ترجيح كفة مرشح على آخر أو حزب على بقية الأحزاب المتنافسة لا سيما وأن بعض الأحزاب جعلت من مسألة محاربة الفساد والفاسدين أولوية وشعارا مركزيا، خول لها تحقيق نتائج مهمة في السابق.
لكن المطروح اليوم وبإلحاح هل أن الناخب التونسي مازال يؤمن بشعار مكافحة الفساد كمحدد لبوصلة اختياره بعد أن لمس خلال السنوات الأخيرة أن ترجمة ذلك الشعار على أرض الواقع لم تتم بالشكل المطلوب بل تؤكد المؤشرات تفاقم مظاهر الفساد كما تشير التقارير المحلية والدولية إلى تراجع تونس المستمر على امتداد السنوات الأخيرة في الالتزام بتوفير المؤسسات والتشريعات لمواجهة آفة الفساد التي تنخر جل القطاعات.
الالتزام بمحاربة الفساد
نشير هنا إلى أن رئيس الجمهورية قيس سعيد لطالما رفع شعار مكافحة الفساد واللوبيات على امتداد فترة حكمه وفي آخر نشاط له اثر تحوله مساء الأحد الفارط إلى كل من معتمدية السرس بولاية الكاف ومدينة سليانة للتحدث إلى المواطنين والاستماع إلى مطالبهم ومشاغلهم، أكد رئيس الجمهورية أن "عديد الاختيارات الفاشلة التي تمت منذ أكثر من ثلاثة عقود هي التي أدت إلى هذه الأوضاع وأن الحل يكمن في استرجاع الدولة لدورها الاجتماعي مع مواصلة الحرب ضد الفساد".
ولم يفوت رئيس الجمهورية أول خطاب أو تصريح خلال أول لقاء مع مسؤولين في الحكومة للتأكيد على ملف محاربة الفساد والمفسدين وقال في أحد لقاءاته سابقا مع رئيس الحكومة السابق أحمد الحشاني ووزراء العدل والمالية، إن بعض القوانين التي تم سنها في السابق كانت مصممة لتحقيق مصالح فئات معينة "لوبيات" تقوم بنهب المال العام وتجويع التونسيين.
وشدد على أن الدولة تسابق الزمن للانتصار في حربها على الفساد وما وصفه بـ"لوبيات الفساد"، التي تتوارى وراء بعض الشخصيات.
وقال الرئيس "نتلقى يوميا عشرات التقارير عن ملفات الفساد، لكن هناك مسار طويل يتم سلكه في القضاء للحكم في تلك القضايا رغم توفر الأدلة".
مضيفا "يجب على المحاكم أن تختصر الوقت اللازم للحكم في قضايا الفساد التي يوجد عليها أدلة حتى لا يتم نكران العدالة، لأن تونس بصدد صنع تاريخ جديد".
مؤشرات وتقارير
واليوم وعلى اعتبار أن الرئيس قيس سعيد مرشح للانتخابات القادمة إلى جانب بقية المترشحين قد يكون ملف محاربة الفساد مرة أخرى شعارا يرفع في الحملات الانتخابية لكن هذه المرة قد تصطدم شعارات المترشحين بالحصيلة على أرض الواقع والمؤشرات التي تؤكد أن الفساد يتفاقم في البلاد ولا يتراجع.
"خطوة للأمام وخطوتان للخلف" هكذا عنونت منظمة الشفافية الدولية الجزء المتعلّق بتونس في تقريرها حول مؤشر مدركات الفساد لسنة 2023، ووفق التقرير حلت تونس في المرتبة 87 بحصولها على 40 نقطة على 100 متراجعة بمرتبتين مقارنة بترتيب سنة 2022 الذي وضع تونس في المرتبة 85.
هذا التراجع المستمر في ترتيب تونس أرجعه الخبير في مجال الحوكمة ومكافحة الفساد، شرف الدين اليعقوبي، إبان صدور التقرير المتعلق بمدركات الفساد لعام 2023، إلى جملة من العوامل منها تواصل غلق مقرّ هيئة مكافحة الفساد للسنة الثانية وتعرض المبلغات والمبلغين عن الفساد إلى الهرسلة والتضييقات في ظل غياب الحماية القانونية لهم وفق قوله.
وتجدر الإشارة إلى أن المبلغين عن الفساد وفي آخر تحرك لهم نفذوا في 6 جوان الفارط وقفة احتجاجية أمام وزارة العدل وهي ليست المرة الأولى للمطالبة بتفعيل وتطبيق وتنفيذ قانون عدد 10 المتعلق بحماية المبلغين عن الفساد أمنيا وقضائيا وكذلك "إنصافهم وإرجاعهم الفوري إلى عملهم بعد أن تم التنكيل بهم وهرسلتهم وتسوية وتحيين مساراتهم المهنية وتسوية كذلك وضعياتهم المادية والاجتماعية".
تؤكد أيضا الممارسات اليومية في الإدارات وفي جل القطاعات أن مظاهر الفساد متواصلة وتتفاقم وهذا تقدير الرأي العام الذي تستمع إليه في التصريحات الإعلامية وتؤكده التقارير والدراسات.
تجدر الإشارة إلى أن هيئة مكافحة الفساد قبل إغلاقها كانت قد كشفت أن "أغلب التونسيين يعتبرون أن الفساد مازال منتشرا بشكل مرتفع منذ عام 2011". وبينت ذلك نتائج دراسة تتعلق بمسح ميداني لمفهوم الفساد في تونس لعام 2020، وشمل عينة تتكون من ألف أسرة تونسية.
وأظهرت نتائج الدراسة أيضا أن "أكثر من 80% من المستطلعين يرون أن تأثير الفساد سلبي، فيما اعتبر 87.2% منهم أنه ارتفع.." كما أن "28.5% من المستطلعين تعرّضوا على الأقل لمرة واحدة لحالة فساد خلال 2020، وهذا يمثل تحديا كبيرا في طريق تنمية ثقة المواطنين في المؤسسات العامة خلال عملية التحول الديمقراطي بتونس".