إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

خلال النصف الأول من 2024.. الإيرادات الضريبية تتجاوز 20 مليار دينار ومخاوف من تنامي الضغط الجبائي

تونس- الصباح

تظهر وثيقة تنفيذ ميزانية 2024 حتى نهاية شهر جوان الماضي ارتفاعًا في قيمة المداخيل الجبائية بأكثر من 10%، حيث بلغت قيمة المداخيل 20.9 مليار دينار، مما يعادل 47.5% من إجمالي المداخيل المتوقعة لكامل العام، ومن المتوقع أن ترتفع هذه المداخيل بنسبة 11.6% مقارنةً بنتائج سنة 2023، وتوازي حصيلة الجباية خلال الستة أشهر الأولى من سنة 2024 تقريبًا حصيلة الجباية لكامل سنة 2017، التي بلغت 21.1 مليار دينار مما يكشف عن تطور ملحوظ في الجباية، حيث يتوقع أن تتجاوز قيمة الجباية لسنة 2024 ضعف حصيلة سنة 2017.

ويعود هذا التطور إلى الارتفاع في كل من الأداءات المباشرة وغير المباشرة، حيث تم تسجيل نمو بنسبة 15.9% و6.3% على التوالي. وتشير المعطيات إلى أن الضريبة على الدخل قُدرت بـ 6.3 مليار دينار، بينما بلغت الأداءات المباشرة 11.7 مليار دينار. ومع ذلك، لم تسجل المعاليم الديوانية، التي تمثل جزءًا من الأداءات المباشرة، نموًا كبيرًا، حيث اكتفت بزيادة نسبتها 4.4% وسط تباطؤ في نسق التوريد.

وتعدّ ميزانية الدولة للفترة 2024-2026 جزءًا حيويًا من برنامج الإصلاحات الذي يهدف إلى استعادة التوازنات المالية من خلال تعزيز الموارد الذاتية للدولة وتحسين جهود الاستخلاص. يتوقع أن تشهد مداخيل الميزانية تطورًا بمعدل 7.4% خلال هذه الفترة، مع ارتفاع نسبة هذه المداخيل إلى مستوى 28.9% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2026، مقارنة بنسبة 27.3% لعام 2023. هذه الزيادة  في الموارد الذاتية رغم ايجابياتها على الدولة الا ان انعكاساتها ليست بالجيدة سواء على الاجراء والمؤسسات وايضا مناخ الاستثمار.

ارتفاع الضغط الجبائي في تونس

وعلى مدار السنوات الأخيرة، شهدت تونس زيادة ملحوظة في الضغط الجبائي، الذي يعتبر الأداة الرئيسية لزيادة مداخيل الدولة الضريبية. يأتي هذا الارتفاع في سياق سعي الحكومة لتعزيز ميزانيتها، وسط تحديات اقتصادية متزايدة تتطلب توفير موارد مالية إضافية. إلا أن هذه السياسات الضريبية لم تمر دون أن تترك آثارها على الاقتصاد الوطني، خاصة على مستوى الأجراء والشركات.

يؤكد خبراء الاقتصاد والمالية لـ"الصباح"، ان الضغط الجبائي يعبر عن نسبة الضرائب المفروضة على الأفراد والشركات من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي. في تونس، ارتفعت هذه النسبة بشكل ملحوظ خلال العقد الأخير نتيجة سلسلة من الإصلاحات الضريبية التي استهدفت توسيع القاعدة الضريبية وزيادة الإيرادات الحكومية. كانت هذه الإصلاحات جزءًا من جهود الحكومة لتحقيق الاستقرار المالي في ظل تزايد العجز في الميزانية.

وفقًا للإحصاءات الصادرة عن مؤسسات غير رسمية، زادت نسبة الضغط الجبائي في تونس لتصل إلى ما يقارب 27.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، مع توقعات بارتفاعها إلى 28.9% بحلول عام 2026، الا ان وزارة المالية تؤكد ان نسبة الضغط الجبائي هي في حدود 25% في حين يؤكد خبراء المالية على ان النسبة الفعلية هي في حدود 35% وهي الاعلى في افريقيا، وهذه النسبة تعتبر مرتفعة مقارنة بالعديد من الدول النامية، مما جعل من تونس واحدة من الدول ذات الضغط الجبائي الأعلى في المنطقة.

بين النجاح والأثر السلبي

أدت السياسات الضريبية الجديدة إلى زيادة ملحوظة في موارد الدولة الضريبية. فقد ساهمت هذه السياسات في تحسين الإيرادات الحكومية بشكل كبير، مما ساعد على تمويل العديد من المشاريع والخدمات العامة. إلا أن هذه الزيادة لم تكن دون تكلفة، حيث أن الارتفاع الكبير في الضرائب والرسوم كان له تأثير مباشر على القدرة الشرائية للأفراد وعلى أداء الشركات.

يعدّ الأجراء من بين الفئات الأكثر تضررًا من الزيادة في الضغط الجبائي. شهدت هذه الفئة زيادات متتالية في الضرائب المفروضة على الدخل، مما أدى إلى تقليص صافى الدخل المتاح لهم. هذا الأمر أثر بشكل مباشر على مستوى المعيشة، حيث أصبح الأجراء يواجهون صعوبة متزايدة في تلبية احتياجاتهم اليومية، في ظل ارتفاع تكلفة المعيشة.

انعكاسات الضغط الجبائي

يمكن القول إن زيادة الضغط الجبائي قد تكون سلاحًا ذو حدين، فعلى الرغم من أنها تساعد على تعزيز موارد الدولة وتحقيق بعض الاستقرار المالي، إلا أنها قد تؤدي إلى آثار جانبية على الاقتصاد الكلي. من بين هذه الآثار، تراجع الاستهلاك الداخلي، حيث مع ارتفاع الضرائب، يقل الدخل المتاح للأفراد، مما يؤدي إلى تراجع قدرتهم على الإنفاق. هذا الانخفاض في الاستهلاك الداخلي ينعكس سلبًا على أداء القطاعات الاقتصادية المختلفة، خاصة تلك التي تعتمد بشكل كبير على السوق المحلية.

كما تؤثر هذه الزيادة على الشركات، حيث تضعف من قدرتها على الاستثمار والتوسع، فالشركات قد تجد صعوبة في تحمل التكاليف الإضافية الناتجة عن الضرائب المرتفعة، مما قد يؤدي إلى تقليص حجم الأعمال أو حتى انتقال بعض الشركات إلى دول ذات نظم ضريبية أقل ضغطًا، كما ان ارتفاع الضغط الجبائي، يدفع بعض الأفراد والشركات إلى اللجوء إلى التهرب الضريبي كوسيلة لتجنب العبء الضريبي الثقيل. هذا الأمر يؤدي إلى تفاقم مشكلة التهرب الضريبي، مما يقوض الجهود الحكومية لتعزيز الإيرادات الضريبية.

التأثير على القطاع غير الرسمي

من الضروري الاشارة الى ان ارتفاع الضرائب قد يدفع بعض الأنشطة الاقتصادية إلى العمل خارج الإطار الرسمي، حيث يفضل البعض تجنب التسجيل الرسمي للتهرب من الضرائب. هذا الأمر يزيد من حجم الاقتصاد غير الرسمي، مما يقلل من فعالية النظام الضريبي ككل.

وللحد من الآثار السلبية للضغط الجبائي المرتفع، يشدد الخبراء على انه يمكن للحكومة التونسية النظر في تنفيذ بعض الإصلاحات التي قد تساعد على تحقيق التوازن بين زيادة الإيرادات الضريبية ودعم النمو الاقتصادي. من بين هذه الإصلاحات توسيع القاعدة الضريبية، بدلاً من زيادة الضرائب على الفئات الحالية، يمكن للحكومة التركيز على تحسين نظم الاستخلاص وتوسيع القاعدة الضريبية لتشمل المزيد من الأنشطة الاقتصادية التي تعمل خارج النطاق الرسمي. هذا سيؤدي إلى زيادة الإيرادات دون الحاجة إلى زيادة النسب الضريبية.

اضافة الى تحسين إدارة النفقات العامة ، حيث يمكن للحكومة العمل على تحسين إدارة النفقات العامة لتقليل الحاجة إلى زيادة الضرائب، من خلال تحسين كفاءة الإنفاق العام، ويمكن توفير موارد إضافية دون الحاجة إلى زيادة العبء الضريبي على الأفراد والشركات، بالإضافة الى تقديم حوافز ضريبية للاستثمار في القطاعات الاستراتيجية، حيث يمكن أن يساعد ذلك على تعزيز النمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل جديدة. هذا الأمر سيؤدي إلى توسيع القاعدة الضريبية بشكل طبيعي دون الحاجة إلى فرض ضرائب إضافية. ومن خلال مراجعة النظام الضريبي وتطبيق مبدأ العدالة الضريبية، يمكن تحقيق توزيع أكثر إنصافًا للعبء الضريبي. هذا قد يشمل مراجعة الشرائح الضريبية وضمان أن الفئات الأكثر قدرة على الدفع تتحمل نصيبًا أكبر من الضرائب.

برنامج إصلاح السياسة الجبائية

وفي إطار مواصلة برنامج إصلاح السياسة الجبائية للفترة 2024-2026، كشفت وثيقة رسمية لوزارة المالية، عن تقديرات المداخيل الجبائية بهدف إرساء نظام جبائي يكرس مبادئ العدالة والشفافية، ويتلاءم مع توجهات الدولة وأهدافها. يعتمد هذا النظام على مجموعة من الفرضيات الاقتصادية الكلية، مثل النمو الاقتصادي ونسبة التضخم وتطور الاستهلاك الداخلي. كما يأخذ في الاعتبار المتغيرات الخارجية مثل أسعار المواد الأولية والصرف وأسعار النفط والمحروقات، إلى جانب التغيرات في الأسواق العالمية.

ومن المتوقع وفق هذه الوثيقة أن تشهد نسبة الاستخلاص الجبائي تطورًا ملحوظًا لتبلغ حوالي 23% خلال هذه الفترة، مقارنة بنسبة 20.9% لعام 2023. ولتحقيق هذه الأهداف، ستتخذ الدولة سلسلة من التدابير لتحسين قدرتها على تعبئة المداخيل الجبائية وترشيد الامتيازات الجبائية، بالإضافة إلى توسيع القاعدة الضريبية ومكافحة التهرب الضريبي وتعزيز الرقمنة المالية.

بالنظر إلى التطورات الاقتصادية العالمية والمحلية، تتوقع الدولة أن تسجل نفقات التأجير تطورًا بمعدل 4.6% خلال الفترة 2024-2026، مقارنة بمعدل نمو 7.8% في سنة 2023. لتحقيق ذلك، سيتم التحكم في كتلة الأجور من الناتج المحلي الإجمالي لتبلغ 12.6% في سنة 2026، مقابل 13.5% في سنة 2024.

ستواصل الدولة العمل على تطبيق أحكام قانون المالية لسنة 2022، الذي يهدف إلى تحسين نظام التصرف الإداري في الموارد البشرية. سيتم ذلك من خلال تطوير نظم معلوماتية خاصة بالموارد البشرية، مما يتيح التصرف الناجع في توزيع الأعوان العموميين على المستوى المركزي والجهوي. كما سيتم استكمال العمل على ترشيد الإعفاءات الجبائية من خلال تقليص الأنظمة الضريبية التفاضلية وترشيد الامتيازات الجبائية، مع التركيز على القطاعات ذات الأولوية.

اجمالا، يمكن القول إن زيادة الضغط الجبائي في تونس، على الرغم من أنه ساعد في تعزيز موارد الدولة الضريبية، إلا أن تكاليفه لا يمكن تجاهلها على الاقتصاد الوطني ، وبالتالي فإن تحقيق التوازن بين زيادة الإيرادات الضريبية ودعم النمو الاقتصادي يتطلب تبني سياسات ضريبية أكثر عدالة وفعالية. من خلال تنفيذ الإصلاحات المناسبة والتركيز على تحسين إدارة النفقات وتوسيع القاعدة الضريبية، يمكن للحكومة تحقيق أهدافها المالية دون التأثير السلبي على الأجراء والشركات، و يبقى الهدف الرئيسي هو تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة تعود بالنفع على جميع فئات المجتمع.

سفيان المهداوي

خلال النصف الأول من 2024..   الإيرادات الضريبية تتجاوز 20 مليار دينار ومخاوف من تنامي الضغط الجبائي

تونس- الصباح

تظهر وثيقة تنفيذ ميزانية 2024 حتى نهاية شهر جوان الماضي ارتفاعًا في قيمة المداخيل الجبائية بأكثر من 10%، حيث بلغت قيمة المداخيل 20.9 مليار دينار، مما يعادل 47.5% من إجمالي المداخيل المتوقعة لكامل العام، ومن المتوقع أن ترتفع هذه المداخيل بنسبة 11.6% مقارنةً بنتائج سنة 2023، وتوازي حصيلة الجباية خلال الستة أشهر الأولى من سنة 2024 تقريبًا حصيلة الجباية لكامل سنة 2017، التي بلغت 21.1 مليار دينار مما يكشف عن تطور ملحوظ في الجباية، حيث يتوقع أن تتجاوز قيمة الجباية لسنة 2024 ضعف حصيلة سنة 2017.

ويعود هذا التطور إلى الارتفاع في كل من الأداءات المباشرة وغير المباشرة، حيث تم تسجيل نمو بنسبة 15.9% و6.3% على التوالي. وتشير المعطيات إلى أن الضريبة على الدخل قُدرت بـ 6.3 مليار دينار، بينما بلغت الأداءات المباشرة 11.7 مليار دينار. ومع ذلك، لم تسجل المعاليم الديوانية، التي تمثل جزءًا من الأداءات المباشرة، نموًا كبيرًا، حيث اكتفت بزيادة نسبتها 4.4% وسط تباطؤ في نسق التوريد.

وتعدّ ميزانية الدولة للفترة 2024-2026 جزءًا حيويًا من برنامج الإصلاحات الذي يهدف إلى استعادة التوازنات المالية من خلال تعزيز الموارد الذاتية للدولة وتحسين جهود الاستخلاص. يتوقع أن تشهد مداخيل الميزانية تطورًا بمعدل 7.4% خلال هذه الفترة، مع ارتفاع نسبة هذه المداخيل إلى مستوى 28.9% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2026، مقارنة بنسبة 27.3% لعام 2023. هذه الزيادة  في الموارد الذاتية رغم ايجابياتها على الدولة الا ان انعكاساتها ليست بالجيدة سواء على الاجراء والمؤسسات وايضا مناخ الاستثمار.

ارتفاع الضغط الجبائي في تونس

وعلى مدار السنوات الأخيرة، شهدت تونس زيادة ملحوظة في الضغط الجبائي، الذي يعتبر الأداة الرئيسية لزيادة مداخيل الدولة الضريبية. يأتي هذا الارتفاع في سياق سعي الحكومة لتعزيز ميزانيتها، وسط تحديات اقتصادية متزايدة تتطلب توفير موارد مالية إضافية. إلا أن هذه السياسات الضريبية لم تمر دون أن تترك آثارها على الاقتصاد الوطني، خاصة على مستوى الأجراء والشركات.

يؤكد خبراء الاقتصاد والمالية لـ"الصباح"، ان الضغط الجبائي يعبر عن نسبة الضرائب المفروضة على الأفراد والشركات من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي. في تونس، ارتفعت هذه النسبة بشكل ملحوظ خلال العقد الأخير نتيجة سلسلة من الإصلاحات الضريبية التي استهدفت توسيع القاعدة الضريبية وزيادة الإيرادات الحكومية. كانت هذه الإصلاحات جزءًا من جهود الحكومة لتحقيق الاستقرار المالي في ظل تزايد العجز في الميزانية.

وفقًا للإحصاءات الصادرة عن مؤسسات غير رسمية، زادت نسبة الضغط الجبائي في تونس لتصل إلى ما يقارب 27.3% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023، مع توقعات بارتفاعها إلى 28.9% بحلول عام 2026، الا ان وزارة المالية تؤكد ان نسبة الضغط الجبائي هي في حدود 25% في حين يؤكد خبراء المالية على ان النسبة الفعلية هي في حدود 35% وهي الاعلى في افريقيا، وهذه النسبة تعتبر مرتفعة مقارنة بالعديد من الدول النامية، مما جعل من تونس واحدة من الدول ذات الضغط الجبائي الأعلى في المنطقة.

بين النجاح والأثر السلبي

أدت السياسات الضريبية الجديدة إلى زيادة ملحوظة في موارد الدولة الضريبية. فقد ساهمت هذه السياسات في تحسين الإيرادات الحكومية بشكل كبير، مما ساعد على تمويل العديد من المشاريع والخدمات العامة. إلا أن هذه الزيادة لم تكن دون تكلفة، حيث أن الارتفاع الكبير في الضرائب والرسوم كان له تأثير مباشر على القدرة الشرائية للأفراد وعلى أداء الشركات.

يعدّ الأجراء من بين الفئات الأكثر تضررًا من الزيادة في الضغط الجبائي. شهدت هذه الفئة زيادات متتالية في الضرائب المفروضة على الدخل، مما أدى إلى تقليص صافى الدخل المتاح لهم. هذا الأمر أثر بشكل مباشر على مستوى المعيشة، حيث أصبح الأجراء يواجهون صعوبة متزايدة في تلبية احتياجاتهم اليومية، في ظل ارتفاع تكلفة المعيشة.

انعكاسات الضغط الجبائي

يمكن القول إن زيادة الضغط الجبائي قد تكون سلاحًا ذو حدين، فعلى الرغم من أنها تساعد على تعزيز موارد الدولة وتحقيق بعض الاستقرار المالي، إلا أنها قد تؤدي إلى آثار جانبية على الاقتصاد الكلي. من بين هذه الآثار، تراجع الاستهلاك الداخلي، حيث مع ارتفاع الضرائب، يقل الدخل المتاح للأفراد، مما يؤدي إلى تراجع قدرتهم على الإنفاق. هذا الانخفاض في الاستهلاك الداخلي ينعكس سلبًا على أداء القطاعات الاقتصادية المختلفة، خاصة تلك التي تعتمد بشكل كبير على السوق المحلية.

كما تؤثر هذه الزيادة على الشركات، حيث تضعف من قدرتها على الاستثمار والتوسع، فالشركات قد تجد صعوبة في تحمل التكاليف الإضافية الناتجة عن الضرائب المرتفعة، مما قد يؤدي إلى تقليص حجم الأعمال أو حتى انتقال بعض الشركات إلى دول ذات نظم ضريبية أقل ضغطًا، كما ان ارتفاع الضغط الجبائي، يدفع بعض الأفراد والشركات إلى اللجوء إلى التهرب الضريبي كوسيلة لتجنب العبء الضريبي الثقيل. هذا الأمر يؤدي إلى تفاقم مشكلة التهرب الضريبي، مما يقوض الجهود الحكومية لتعزيز الإيرادات الضريبية.

التأثير على القطاع غير الرسمي

من الضروري الاشارة الى ان ارتفاع الضرائب قد يدفع بعض الأنشطة الاقتصادية إلى العمل خارج الإطار الرسمي، حيث يفضل البعض تجنب التسجيل الرسمي للتهرب من الضرائب. هذا الأمر يزيد من حجم الاقتصاد غير الرسمي، مما يقلل من فعالية النظام الضريبي ككل.

وللحد من الآثار السلبية للضغط الجبائي المرتفع، يشدد الخبراء على انه يمكن للحكومة التونسية النظر في تنفيذ بعض الإصلاحات التي قد تساعد على تحقيق التوازن بين زيادة الإيرادات الضريبية ودعم النمو الاقتصادي. من بين هذه الإصلاحات توسيع القاعدة الضريبية، بدلاً من زيادة الضرائب على الفئات الحالية، يمكن للحكومة التركيز على تحسين نظم الاستخلاص وتوسيع القاعدة الضريبية لتشمل المزيد من الأنشطة الاقتصادية التي تعمل خارج النطاق الرسمي. هذا سيؤدي إلى زيادة الإيرادات دون الحاجة إلى زيادة النسب الضريبية.

اضافة الى تحسين إدارة النفقات العامة ، حيث يمكن للحكومة العمل على تحسين إدارة النفقات العامة لتقليل الحاجة إلى زيادة الضرائب، من خلال تحسين كفاءة الإنفاق العام، ويمكن توفير موارد إضافية دون الحاجة إلى زيادة العبء الضريبي على الأفراد والشركات، بالإضافة الى تقديم حوافز ضريبية للاستثمار في القطاعات الاستراتيجية، حيث يمكن أن يساعد ذلك على تعزيز النمو الاقتصادي، وخلق فرص عمل جديدة. هذا الأمر سيؤدي إلى توسيع القاعدة الضريبية بشكل طبيعي دون الحاجة إلى فرض ضرائب إضافية. ومن خلال مراجعة النظام الضريبي وتطبيق مبدأ العدالة الضريبية، يمكن تحقيق توزيع أكثر إنصافًا للعبء الضريبي. هذا قد يشمل مراجعة الشرائح الضريبية وضمان أن الفئات الأكثر قدرة على الدفع تتحمل نصيبًا أكبر من الضرائب.

برنامج إصلاح السياسة الجبائية

وفي إطار مواصلة برنامج إصلاح السياسة الجبائية للفترة 2024-2026، كشفت وثيقة رسمية لوزارة المالية، عن تقديرات المداخيل الجبائية بهدف إرساء نظام جبائي يكرس مبادئ العدالة والشفافية، ويتلاءم مع توجهات الدولة وأهدافها. يعتمد هذا النظام على مجموعة من الفرضيات الاقتصادية الكلية، مثل النمو الاقتصادي ونسبة التضخم وتطور الاستهلاك الداخلي. كما يأخذ في الاعتبار المتغيرات الخارجية مثل أسعار المواد الأولية والصرف وأسعار النفط والمحروقات، إلى جانب التغيرات في الأسواق العالمية.

ومن المتوقع وفق هذه الوثيقة أن تشهد نسبة الاستخلاص الجبائي تطورًا ملحوظًا لتبلغ حوالي 23% خلال هذه الفترة، مقارنة بنسبة 20.9% لعام 2023. ولتحقيق هذه الأهداف، ستتخذ الدولة سلسلة من التدابير لتحسين قدرتها على تعبئة المداخيل الجبائية وترشيد الامتيازات الجبائية، بالإضافة إلى توسيع القاعدة الضريبية ومكافحة التهرب الضريبي وتعزيز الرقمنة المالية.

بالنظر إلى التطورات الاقتصادية العالمية والمحلية، تتوقع الدولة أن تسجل نفقات التأجير تطورًا بمعدل 4.6% خلال الفترة 2024-2026، مقارنة بمعدل نمو 7.8% في سنة 2023. لتحقيق ذلك، سيتم التحكم في كتلة الأجور من الناتج المحلي الإجمالي لتبلغ 12.6% في سنة 2026، مقابل 13.5% في سنة 2024.

ستواصل الدولة العمل على تطبيق أحكام قانون المالية لسنة 2022، الذي يهدف إلى تحسين نظام التصرف الإداري في الموارد البشرية. سيتم ذلك من خلال تطوير نظم معلوماتية خاصة بالموارد البشرية، مما يتيح التصرف الناجع في توزيع الأعوان العموميين على المستوى المركزي والجهوي. كما سيتم استكمال العمل على ترشيد الإعفاءات الجبائية من خلال تقليص الأنظمة الضريبية التفاضلية وترشيد الامتيازات الجبائية، مع التركيز على القطاعات ذات الأولوية.

اجمالا، يمكن القول إن زيادة الضغط الجبائي في تونس، على الرغم من أنه ساعد في تعزيز موارد الدولة الضريبية، إلا أن تكاليفه لا يمكن تجاهلها على الاقتصاد الوطني ، وبالتالي فإن تحقيق التوازن بين زيادة الإيرادات الضريبية ودعم النمو الاقتصادي يتطلب تبني سياسات ضريبية أكثر عدالة وفعالية. من خلال تنفيذ الإصلاحات المناسبة والتركيز على تحسين إدارة النفقات وتوسيع القاعدة الضريبية، يمكن للحكومة تحقيق أهدافها المالية دون التأثير السلبي على الأجراء والشركات، و يبقى الهدف الرئيسي هو تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة تعود بالنفع على جميع فئات المجتمع.

سفيان المهداوي