إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

عادة بدأت تٌسجل حضورها بقوة.. الـ " Bac Français " تقليعة جديدة أم شكل جديد من أشكال الهجرة؟

 

 

 

تونس-الصباح

..الـ Bac Françaisآخر تقليعة لبعض الأولياء والتلاميذ حيث تحوّلت هذه المحطة التقييمية الى ضرورة ملحّة لدى فئة هامة من الأولياء رغم أن تكاليفها تتجاوز بكثير المقدرة الشرائية للطبقة الوسطى ورغم أن الباكالوريا التونسية تتجاوزها بأشواط من حيث القيمة والمضمون ..

من هذا المنطلق يضطر عدد من الأولياء "عن مضض" أو "عن اقتناع" لتأمين مصاريف ومستلزمات الباكالوريا فرنسية ...-التي يتم الظفر بها عادة قبل سنة من موعد الباكالوريا التونسية- .. ثم يٌقرر لاحقا الولي إذا ما كان ابنه سيكتفي بهذه الشهادة التي تخول له التسجيل في شتى جامعات العالم ام سيواصل مساره الدّراسي الطبيعي محاولا "افتكاك" الباكالوريا التونسية..هي "عادة بدأت تسجل حضورها بقوة على مدار السنوات الأخيرة بما يطرح أكثر من سؤال...

في هذا الخصوص جدير بالذكر أن أسعار هذه "الباكالوريا الفرنسية" تختلف من مؤسسة الى أخرى فكما ذكرنا سلفا فان تكاليفها مشطة حيث لا تقل تكلفة الثلاثي عن 600 د الا ان الملفت للانتباه كونها تشهد إقبالا منقطع النظير.. رغم قيمة الباكالوريا التونسية التي أشاد بها كثير من الإطارات التربوية الفرنسية في مناسبات عديدة..

هذا الإقبال يعزوه كثير من المتابعين للشأن العام الى أسباب عديدة أهمها فقدان الثقة في المؤسسات العمومية وثانيا ولوج وبسهولة مختلف جامعات العالم على اعتبار ان الظفر بالباكالوريا الفرنسية هو عبارة عن جواز سفر وبطاقة عبور الى مختلف جامعات العام خاصة الفرنسية منها ..

في قراءته للمسالة يشير رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم سليم قاسم في تصريح لـ"الصباح" انه يوما بعد يوم يتزايد إقبال التّلميذ التّونسيّ بدعم من أسرته وفي كثير من الأحيان بإيعاز منها، على التّسجيل في امتحانات تؤهّله للحصول على شهادة أجنبيّة لختم التّعليم الثّانوي، والأمر هنا لا يتعلّق ببضعة أفراد بل بعشرات الآلاف من التّلاميذ المسجّلين في المدارس التي تطبّق المنهج الفرنسيّ أو غيره من المناهج الأجنبيّة، بالإضافة إلى المترشّحين الفرديّين للبكالوريا الفرنسيّة، وللتّلاميذ المسجّلين في البكالوريا الدّوليّة.

قائلا : "نحن إذن أمام ظاهرة لها بلا شك أسبابها ولها بالخصوص استتباعاتها وآثارها التي لا بدّ من الانتباه إليها".

 وأضاف محدثنا أنّ السّعي إلى الحصول على باكالوريا أجنبيّة لا علاقة له البتّة بقيمة هذه الباكالوريا أو بأفضليّتها على الباكالوريا التّونسيّة، ويكفي هنا التّذكير بأمرين: أوّلهما سهولة اندماج أبنائنا حاملي الباكالوريا التّونسيّة في مسارات التّعليم الجامعيّ في الدّول الغربيّة بفضل متانة تكوينهم وجودة مكتسباتهم، وثانيهما المقارنات التي ما فتئ يقوم بها عديد المدرّسين الأجانب وخاصّة منهم المدرّسين الفرنسيّين خلال فترة إجراء اختبارات الباكالوريا، والتي تُجمع في كلّ مرّة على المستوى الرّفيع للاختبارات التي يجتازها التّلميذ التّونسي مقارنة بنظيره الأوروبي.

شكل جديد من أشكال الهجرة

وأشار محدثنا في معرض حديثه الى الأسباب التي تدفع بالتونسي الى الانخراط في هذه المسارات التعليمية : إنّ السّبب الرّئيسيّ وفي عديد الأحيان الوحيد، الذي يدفع بالأسر التّونسيّة وأبنائها إلى "ملاحقة" الباكالوريا الأجنبيّة هو أنّ هذه الباكالوريا تفتح الباب للتّسجيل بشكل أيسر في مؤسّسات التّعليم العالي في الدّول الغربيّة وخاصّة منها الدّول الأوروبيّة :أي أنّنا أمام شكل جديد من أشكال الهجرة يمكن أن نطلق عليه تسمية "الهجرة المبكّرة للكفاءات" باعتباره يشمل هجرة المتعلّمين ذوي الإمكانات العالية الذين يأملون في الحصول على مسارات جامعيّة تلائم تطلّعاتهم وتمنحهم فرصا أكبر لدخول سوق العمل الدّوليّة بفرص أكبر للنّجاح.

وأضاف محدثنا هنا انه لا بدّ ونحن نتحدّث عن سعي التّلميذ التّونسيّ إلى الحصول على باكالوريا أجنبيّة من أن نقيس حجم التّضحيات التي يُقدم عليها هذا التّلميذ، حيث يَجمع في كثير من الأحيان بين المسارين التّونسيّ والأجنبيّ وينجح في التّوفيق بينها، مع ما يعنيه ذلك من بذل مجهودات مضاعفة ومضنية، وكذلك حجم التضحيات التي تبذلها أسرته التي تتكبّد مصاريف طائلة حتّى توفّر له ما يحتاجه من موارد تعليميّة ومن دروس خصوصيّة.

أمّا على مستوى تنظيم هذه العمليّة وحوكمتها فقد أشار محدثنا ان أضعف الإيمان هو أن تكون لدى سلطة الإشراف قاعدة بيانات خاصّة بأبناء تونس من التّلاميذ الذين يخوضون مغامرة الحصول على الباكالوريا الأجنبيّة سواء كمترشّحين فرديّين أو كدارسين في مؤسّسات تعليميّة أجنبيّة ببلادنا موضحا انه سبق للجمعيّة التّونسيّة لجودة التّعليم منذ سنوات عديدة الدّعوة إلى فتح ملفّ هذه المؤسّسات حتى لا تبقى علبا سوداء لا نعلم شيئا عمّا تقدّمه لأبنائنا، وحتّى نستفيد من ممارساتها النّاجحة في تطوير أداء مدرستنا العموميّة.

ليخلص محدثنا الى القول إنّ إقبال التّلميذ التّونسيّ والأسرة التّونسيّة على الباكالوريا الأجنبيّة ظاهرة لا بدّ أن تُدرس على نحو شامل وعميق حتّى نحوّلها من تهديد على المدى المتوسّط والبعيد إلى فرصة يتمّ استغلالها لمزيد تطوير مكتسبات تلاميذنا، ودعم استفادة منظومتنا التّربويّة من تجارب نظيراتها من المنظومات التّربويّة الدّوليّة عالية الأداء، وخدمة المشروع التّنمويّ والحضاريّ التّونسيّ الذي نأمل أن تتجنّد كلّ الطاقات والإمكانيّات لخدمته وتوفير عوامل نجاحه، وأوّل هذه العوامل وأهمّها بناء الإنسان التّونسيّ الجديد المتشبّع بقيم الانتماء والأصالة والمتطلّع إلى الحضارة الإنسانيّة تطلّع المتحفّز للاستفادة منها والمشاركة فيها.

أزمة ثقة

تفاعلا مع هذا الطرح أورد الخبير التربوي نور الدين الشمنقي في تصريح لـ"الصباح" أن الإقبال على الباكالوريا الفرنسية مرده عوامل عديدة من بينها أزمة الثقة بين الولي والمدرسة التونسية. وهذا نتيجة أسباب كثيرة من بينها انه ومنذ سنوات ما بعد الثورة الى غاية اليوم هنالك تسرع وارتجالية على مستوى اتخاذ القرارات في ظل غياب لرؤية رؤية مستقبلية استشرافية لإصلاح المنظومة التربوية على حد توصيفه مشيرا في السياق ذاته الى ان كل الحكومات المتعاقبة لم تول التربية والتعليم الأهمية التي تستحق هذا بالتوازي مع الصعوبات والمشاكل والتعقيدات التي تعرضت لها المدرسة العمومية.

وأضاف محدثنا ان كل هذه العوامل أفضت الى وجود أزمة ثقة بين الولي والمدرسة كما جعلت أيضا المدرسة تونسية تعيش ازمة وحالة تراجع في المردودية.. موضحا ان هذه العوامل جعلت الولي -الذي يهمه بالأساس نجاح ابنه – يوظف كل السبل لحصول ابنه على الباكالوريا. وأضاف الخبير التربوي أن الظفر بهذه الباكالوريا الفرنسية يعني ولوج جامعات العالم بما في ذلك الفرنسية.. وهي فرصة للاستثمار في مسار دراسي في الخارج في ظل أزمة الثقة في أفق البلاد على مستوى التشغيل.

منال حرزي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عادة بدأت تٌسجل حضورها بقوة..   الـ " Bac Français " تقليعة جديدة أم شكل جديد من أشكال الهجرة؟

 

 

 

تونس-الصباح

..الـ Bac Françaisآخر تقليعة لبعض الأولياء والتلاميذ حيث تحوّلت هذه المحطة التقييمية الى ضرورة ملحّة لدى فئة هامة من الأولياء رغم أن تكاليفها تتجاوز بكثير المقدرة الشرائية للطبقة الوسطى ورغم أن الباكالوريا التونسية تتجاوزها بأشواط من حيث القيمة والمضمون ..

من هذا المنطلق يضطر عدد من الأولياء "عن مضض" أو "عن اقتناع" لتأمين مصاريف ومستلزمات الباكالوريا فرنسية ...-التي يتم الظفر بها عادة قبل سنة من موعد الباكالوريا التونسية- .. ثم يٌقرر لاحقا الولي إذا ما كان ابنه سيكتفي بهذه الشهادة التي تخول له التسجيل في شتى جامعات العالم ام سيواصل مساره الدّراسي الطبيعي محاولا "افتكاك" الباكالوريا التونسية..هي "عادة بدأت تسجل حضورها بقوة على مدار السنوات الأخيرة بما يطرح أكثر من سؤال...

في هذا الخصوص جدير بالذكر أن أسعار هذه "الباكالوريا الفرنسية" تختلف من مؤسسة الى أخرى فكما ذكرنا سلفا فان تكاليفها مشطة حيث لا تقل تكلفة الثلاثي عن 600 د الا ان الملفت للانتباه كونها تشهد إقبالا منقطع النظير.. رغم قيمة الباكالوريا التونسية التي أشاد بها كثير من الإطارات التربوية الفرنسية في مناسبات عديدة..

هذا الإقبال يعزوه كثير من المتابعين للشأن العام الى أسباب عديدة أهمها فقدان الثقة في المؤسسات العمومية وثانيا ولوج وبسهولة مختلف جامعات العالم على اعتبار ان الظفر بالباكالوريا الفرنسية هو عبارة عن جواز سفر وبطاقة عبور الى مختلف جامعات العام خاصة الفرنسية منها ..

في قراءته للمسالة يشير رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم سليم قاسم في تصريح لـ"الصباح" انه يوما بعد يوم يتزايد إقبال التّلميذ التّونسيّ بدعم من أسرته وفي كثير من الأحيان بإيعاز منها، على التّسجيل في امتحانات تؤهّله للحصول على شهادة أجنبيّة لختم التّعليم الثّانوي، والأمر هنا لا يتعلّق ببضعة أفراد بل بعشرات الآلاف من التّلاميذ المسجّلين في المدارس التي تطبّق المنهج الفرنسيّ أو غيره من المناهج الأجنبيّة، بالإضافة إلى المترشّحين الفرديّين للبكالوريا الفرنسيّة، وللتّلاميذ المسجّلين في البكالوريا الدّوليّة.

قائلا : "نحن إذن أمام ظاهرة لها بلا شك أسبابها ولها بالخصوص استتباعاتها وآثارها التي لا بدّ من الانتباه إليها".

 وأضاف محدثنا أنّ السّعي إلى الحصول على باكالوريا أجنبيّة لا علاقة له البتّة بقيمة هذه الباكالوريا أو بأفضليّتها على الباكالوريا التّونسيّة، ويكفي هنا التّذكير بأمرين: أوّلهما سهولة اندماج أبنائنا حاملي الباكالوريا التّونسيّة في مسارات التّعليم الجامعيّ في الدّول الغربيّة بفضل متانة تكوينهم وجودة مكتسباتهم، وثانيهما المقارنات التي ما فتئ يقوم بها عديد المدرّسين الأجانب وخاصّة منهم المدرّسين الفرنسيّين خلال فترة إجراء اختبارات الباكالوريا، والتي تُجمع في كلّ مرّة على المستوى الرّفيع للاختبارات التي يجتازها التّلميذ التّونسي مقارنة بنظيره الأوروبي.

شكل جديد من أشكال الهجرة

وأشار محدثنا في معرض حديثه الى الأسباب التي تدفع بالتونسي الى الانخراط في هذه المسارات التعليمية : إنّ السّبب الرّئيسيّ وفي عديد الأحيان الوحيد، الذي يدفع بالأسر التّونسيّة وأبنائها إلى "ملاحقة" الباكالوريا الأجنبيّة هو أنّ هذه الباكالوريا تفتح الباب للتّسجيل بشكل أيسر في مؤسّسات التّعليم العالي في الدّول الغربيّة وخاصّة منها الدّول الأوروبيّة :أي أنّنا أمام شكل جديد من أشكال الهجرة يمكن أن نطلق عليه تسمية "الهجرة المبكّرة للكفاءات" باعتباره يشمل هجرة المتعلّمين ذوي الإمكانات العالية الذين يأملون في الحصول على مسارات جامعيّة تلائم تطلّعاتهم وتمنحهم فرصا أكبر لدخول سوق العمل الدّوليّة بفرص أكبر للنّجاح.

وأضاف محدثنا هنا انه لا بدّ ونحن نتحدّث عن سعي التّلميذ التّونسيّ إلى الحصول على باكالوريا أجنبيّة من أن نقيس حجم التّضحيات التي يُقدم عليها هذا التّلميذ، حيث يَجمع في كثير من الأحيان بين المسارين التّونسيّ والأجنبيّ وينجح في التّوفيق بينها، مع ما يعنيه ذلك من بذل مجهودات مضاعفة ومضنية، وكذلك حجم التضحيات التي تبذلها أسرته التي تتكبّد مصاريف طائلة حتّى توفّر له ما يحتاجه من موارد تعليميّة ومن دروس خصوصيّة.

أمّا على مستوى تنظيم هذه العمليّة وحوكمتها فقد أشار محدثنا ان أضعف الإيمان هو أن تكون لدى سلطة الإشراف قاعدة بيانات خاصّة بأبناء تونس من التّلاميذ الذين يخوضون مغامرة الحصول على الباكالوريا الأجنبيّة سواء كمترشّحين فرديّين أو كدارسين في مؤسّسات تعليميّة أجنبيّة ببلادنا موضحا انه سبق للجمعيّة التّونسيّة لجودة التّعليم منذ سنوات عديدة الدّعوة إلى فتح ملفّ هذه المؤسّسات حتى لا تبقى علبا سوداء لا نعلم شيئا عمّا تقدّمه لأبنائنا، وحتّى نستفيد من ممارساتها النّاجحة في تطوير أداء مدرستنا العموميّة.

ليخلص محدثنا الى القول إنّ إقبال التّلميذ التّونسيّ والأسرة التّونسيّة على الباكالوريا الأجنبيّة ظاهرة لا بدّ أن تُدرس على نحو شامل وعميق حتّى نحوّلها من تهديد على المدى المتوسّط والبعيد إلى فرصة يتمّ استغلالها لمزيد تطوير مكتسبات تلاميذنا، ودعم استفادة منظومتنا التّربويّة من تجارب نظيراتها من المنظومات التّربويّة الدّوليّة عالية الأداء، وخدمة المشروع التّنمويّ والحضاريّ التّونسيّ الذي نأمل أن تتجنّد كلّ الطاقات والإمكانيّات لخدمته وتوفير عوامل نجاحه، وأوّل هذه العوامل وأهمّها بناء الإنسان التّونسيّ الجديد المتشبّع بقيم الانتماء والأصالة والمتطلّع إلى الحضارة الإنسانيّة تطلّع المتحفّز للاستفادة منها والمشاركة فيها.

أزمة ثقة

تفاعلا مع هذا الطرح أورد الخبير التربوي نور الدين الشمنقي في تصريح لـ"الصباح" أن الإقبال على الباكالوريا الفرنسية مرده عوامل عديدة من بينها أزمة الثقة بين الولي والمدرسة التونسية. وهذا نتيجة أسباب كثيرة من بينها انه ومنذ سنوات ما بعد الثورة الى غاية اليوم هنالك تسرع وارتجالية على مستوى اتخاذ القرارات في ظل غياب لرؤية رؤية مستقبلية استشرافية لإصلاح المنظومة التربوية على حد توصيفه مشيرا في السياق ذاته الى ان كل الحكومات المتعاقبة لم تول التربية والتعليم الأهمية التي تستحق هذا بالتوازي مع الصعوبات والمشاكل والتعقيدات التي تعرضت لها المدرسة العمومية.

وأضاف محدثنا ان كل هذه العوامل أفضت الى وجود أزمة ثقة بين الولي والمدرسة كما جعلت أيضا المدرسة تونسية تعيش ازمة وحالة تراجع في المردودية.. موضحا ان هذه العوامل جعلت الولي -الذي يهمه بالأساس نجاح ابنه – يوظف كل السبل لحصول ابنه على الباكالوريا. وأضاف الخبير التربوي أن الظفر بهذه الباكالوريا الفرنسية يعني ولوج جامعات العالم بما في ذلك الفرنسية.. وهي فرصة للاستثمار في مسار دراسي في الخارج في ظل أزمة الثقة في أفق البلاد على مستوى التشغيل.

منال حرزي