أرواح تزهق بدم بارد ودون رحمة او شفقة من أجل هاتف جوال، أو بعض الدنانير.. وجوه شوهت، وضحايا أصبحوا يعيشون بعاهات مستديمة.
تجدهمَ في كل مكان، المفترقات، الشوارع، الأزقة، الطرقات السيارة وحتى في وسائل النقل القطارات، المترو، الحافلات التي تحولت إلى مسرح للسطو والنهب.
هم مراهقون، فتيان وفتيات وفي بعض الأحيان كهول.
زادهم علبة غاز مشل للحركة، شفرة حلاقة، سكين او موس "بوسعادة" وفي بعض الأحيان سيوف او حجارة.
"براكاجات" تلاحق أبرياء حيثما تقودهم أقدارهم حتى وهم داخل سياراتهم، نهايات مأساوية فقد من خلالها شبان في ريعان شبابهم حياتهم،سواق سيارات تاكسي، طلبة، عملة وغيرهم..الضحايا بالجملة والمجرمون لم تردعهم لا التشريعات ولا الحملات الأمنية.
صباح الشابي
آخر ضحية لهذه الجرائم التي أرقت الموانين رغم المجهودات الكبيرة التي تقوم بها الوحدات الأمنية للتصدي لأولئك المنحرفين المارقين عن القانون الا ان ذلك لم يردع تلك الفئة الخطيرة التي اعتادت سلب الغير لتوفير سيجارة "زطلة" او اقتناء حذاء او نظارات شمسية من الطراز العالي...
شاب في العشرينات من عمره يعمل( livreur)
عامل "توصيل طلبيات الأكل" عثر على جثته مؤخرا ملقاة بالطريق العام بمدينة نابل وتحمل آثار عنف بجسمه.
وتشير المعطيات الأولية ان الهالك كان تعرّض إلى الاعتداء بالعنف الشديد بواسطة آلة حادة ثم تم سلبه.
وبعد معاينة جثة الضحية، تم إيداعها على ذمة الطبيب الشرعي لتشريحها وتحديد أسباب الوفاة.
ومن المنتظر ان تكشف في الأيام القادمة الأبحاث عن المورط او المورطين في هذه الجريمة.
براكجات بالجملة..
خلال شهر جويلية المنقضي أعوان فرقة الشرطة العدلية بسيدي حسين السيجومي تمكنوا من إيقاف شابين ووالدة أحدهما إثر تورطهم في قتل سائق “تاكسي” ومحاولة دفنه داخل ضيعة مهجورة بالمنطقة.
تفاصيل الحادثة تتمثل في توقف سائق الـ(تاكسي) في نهاية العقد السابع من عمره بمنطقة سيدي حسين لشراء بعض المواد من أحد الأكشاك وبمجرد عودته إلى السيارة وتشغيل
المحرك ارتمى شابان داخل السيارة وجلس أحدهما إلى جانبه والثاني على الكرسي الخلفي وحاول الأول خنقه بخيط حذاء رياضي وعمد الثاني إلى إحكام قبضته عليه وإجباره على التوجه الى ضيعة مهجورة بمكان خال ثم شرعا في تعنيفه ومحاولة خنقه ولما استمات في الدفاع عن نفسه ومحاولة التصدي لهما تولى أحدهما طعنه بالصدر فارداه قتيلا.
بعد ذلك اتصل أحدهما بوالدته فلت على جناح السرعة إلى مكان الواقعة واشارت عليهما بحفر حفرة ودفنه باستعمال معول وفأس جلبتهما معها،وتزامن مع ذلك مرور دورية أمنية اشتبه أعوانها في مكان وجود سيارة الأجرة كما أن المشتبه بهم فروا من المكان وتركوا أدوات الحفر.
وبانطلاق الأبحاث تم إيقاف شاب من المظنون فيهما بمنطقة فرنانة بولاية جندوبة والشاب الثاني بولاية سوشة عندما كان يستعد للإبحار خلسة وتم بعد ذلك الاحتفاظ بالشابين ووالدة احدهما.
وخلال شهر افريل 2024 تعرّض سائق سيارة أجرة "تاكسي فردي" إلى "براكاج" بمنطقة "الطفالة"، مما استوجب نقله إلى مستشفى سهلول وهو متزوج وأب لطفلين.
وجدت الحادثة عندما كان في اتجاه منزل خاله الكائن بالقرب من محطة "الطفالة"، حيث هاجمه 6 أشخاص وقاموا بالاعتداء عليه بالضرب على مستوى الرأس، وعند محاولته حماية نفسه وتغطية وجهه تعرضت ثلاث أصابع من يده اليمنى للبتر.
محطة الارتال ببئر الباي كانت شاهدة على حادثة مأساوية خلال 2022 تمثلت في وفاة فتاة قٌبيل موعد الإفطار بقليل، وذلك بعد أن دهسها القطار إثر تعرضها لعملية ''براكاج'' في محطة الأرتال.
وتعرضت الفتاة إلى براكاج من قبل منحرفين سلبوها هاتفها الجوال وخلال محاولتها مطاردتهم واسترجاعه صدمها القطار.
ضحية أخرى من ضحايا "البراكاجات" وهو طفل في الــ 15 ربيعا توفي إثر الاعتداء عليه بالعنف المادي من قبل 8 قصر خلال شهر افريل 2024
وكانت الحادثة قد جدت في اليوم الثاني من عيد الفطر حيث تعرض الضحية الى عملية "براكاج" عمد خلالها عدد من الأطفال الى الاعتداء عليه ورغم محاولة إسعافه الا أنه فارق الحياة متأثرا بمضاعفات الإصابات التي تعرض لها.
ورغم انه لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد "البراكاجات" ولكن الثابت ومن خلال النشاطات الأمنية فضلا عن القضايا المنشورة بالمحاكم فانه لا يختلف اثنان في ان الظاهرة استفحلت في المجتمع ورغم التشريعات والقوانين الا ان ذلك لم يردع مرتكبي هذه الجريمة على العودة إلى الجادة والبحث عن عمل واكل لقمة العيش بالحلال.
حسب المختصين في علم الاجتماع هنالك عدة عوامل تدفع مرتكبي تلك الجرائم وهي عوامل اقتصادية واجتماعية... فضلا عن ظاهرة المخدرات المتفشية في المجتمع وتدفع المدمنين إلى البحث عن المال لتوفير قرص مخدر او قطعة من "الزطلة" فيلتجئون إلى القيام بعمليات سرقة موصوفة او مجردة او نشل وأحيانا سطو.
وفسر المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين سوسيولوجيا تنامي جرائم السطو المسلح في تونس لحالة اللايقين التي يعيشها الكثير من الأفراد والفئات الاجتماعية لا سيما على المستوى الاجتماعي والاقتصادي.
وأضاف في تصريح لـــ"الصباح" وفي قراءته الظاهرة ان تونس منذ بداية التسعينات تعيش حالة من اللايقين حيث تبدو المسارات الفردية متقطعة وغير خطية والأفراد لا يعرفون أين يسيرون وقدرتهم على توقع مستقبلهم ضعيفة، عالم العمل الرسمي تشظى والعمل أصبح هشا والدولة تخلت عن التزاماتها الاجتماعية وتحولت الى مجرد متصرف في البؤس.
كل هذا خلق حالة من اللامعيارية والخوف من المستقبل.
وأضاف اننا نعاني من حالة اللامعنى،اي أننا نعيش حالة فقدان دلالات الأشياء في الحياة اليومية وهو الفراغ الذي يتمكن بالأفعال والتصورات وبالوطن،هو عملية ترهل المنظومة القيمية التي تشد الناس لمشروع دامج ،بل هو اكثر من ذلك فهو يمثل التعايش ببن منظومات قيمية متناقضة قديمة وجديدة لا رابط بينها ما يجعل الناس مرتبكين في غياب بوصلة تقودهم لبناء المعنى.
ما كان يعهد بالأمس للمؤسسات صار اليوم يعهد للفرد نفسه...عليه أن يدبر أمره... أن يبحث عن خلاصه حتى لو كان عبر الذهاب إلى الأقصى اي الى الموت.
لم يعد ينظر الى المشكلات الاجتماعية الدافعة كمشكلات اجتماعية، بل أصبح الشباب يعيشها كإخفاقات شخصية وعليه يكون الحل فرديا والمخاطرة بركوب قوارب الموت والانتحار إحدى هذه الحلول،الم يكن انتحار البوعزيزي حرقا الفاعل المباشر للثورة.
المهم،حالة اللايقن واللامعيارية التي نعيشها والذعر من المستقبل أدت الى ما يسمى سوسيولوجيا بالانوميا أي تشوش في خريطة القيم والمعايير الموجهة لسلوك الناس، ولذلك يمكن القول إن أغلب حالات الانتحار في تونس انومية.
أزمة قيم..
وأغلب الجرائم لا سيما جرائم السرقة والسطو المسلح انومية تعبر عن أزمة قيمية حادة في المجتمع حيث تراجعت قيم العلم والعمل والاجتهاد والمصلحة العامة والتكافل لتعوضها عقلية مجتمع الاستهلاك والربح السريع بكل الوسائل والسبل حتى لو كانت غير قانونية وإجرامية.
وأكد على ضرورة التغيير الايجابي بتحيين الروابط الاجتماعية والتوزيع العادل للخيرات الرمزية والمادية للوطن والعمل على إصلاح المنظومة التربوية لتعود كسالف عهدها مصعدا اجتماعيا وعنوانا للنجاح في معترك الحياة والحد من كل أشكال الهدر خاصة الهدر البشري وتثمين كل سعي للتضامن والتكافل الاجتماعي في ظل مشروع وطني دامج ومنتج.
الانقطاع المبكر عن الداسة وعلاقته بتفشي الظاهرة
من جهته اعتبر المختص والباحث في علم الاجتماع شكري طرش ان الظاهرة موجودة في المجتمع التونسي كغيره من المجتمعات ولكن الملفت للانتباه في السنوات الأخيرة خروج هذه الظواهر من الأحياء والأنهج الضيقة وفك الارتباط بينها وبين المناطق الشعبية لتعمم تقريبا على كل الأماكن كما أنها لم تعد مرتبطة بأشخاص وصفات معينة ولا حتى بعمر أو جنس معين فلقد تم تجاوز تلك الصورة النمطية للشخص الذي يقوم بهذه السلوكيات, حيث أصبحنا نتحدث عن هذه الظاهرة باختلاف أصناف مقترفيها اطفال فتيات.. وهذه الفئة لم تكن معنية في السابق بها.
وقد يعود ذلك إلى جملة من العوامل لعل أهمها التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفها المجتمع التونسي وارتفاع نسبة البطالة وضعف المقدرة الشرائية التي ساهمت في تعمق الجوة بين الطبقات الاجتماعية وخلق نوع من النقمة لدى الطبقات الهشة اقتصاديا وجعلها تتخذ هذه الأساليب كوسائل بديلة لرد الاعتبار من ناحية وتحقيق نوع من الرضى والاكتفاء المادي من ناحية أخرى، هذا الاكتفاء الذي يساعدهم على تحقيق حاجياتهم الخاصة كالحصول على المواد المخدرة مثلا خاصة مع ارتفاع نسبة الإدمان في المجتمع التونسي، فالشخص المدمن عندما يستحيل عليه الحصول على المادة التي يستعملها سيلجأ الى أي طريقة للحصول عليها حتى لو كانت مخالفة للقانون وفيها تعدّ على الآخر.
أما من ناحية ثانية، فقد ساهم تغير النظم الثقافية وتراجع دور المؤسسات التقليدية، كالعائلة والمؤسسة التربوية التي عرفت مكانتها اضمحلالا مما أدى إلى انتشار ظاهرة الانقطاع المبكر عن الدراسة، بشكل أو بأخر في انتشار مثل هذه الظواهر .
كما أن وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التي تلعب دورا كبيرا في التأثير على رأي المتابعين وخاصة فئة الشباب ساهمت في رسم صورة قد تبدو نوعا ما إيجابية لهذه السلوكيات وذلك من خلال الأعمال التلفزية التي ترسم صورة إيجابية لشخصيات تاريخية تتسم بهذه الصفات وربطها بالمواقف البطولية والرجولة وحتى من خلال الأعمال الكوميدية التي تبسط عملية " البراكاج " بطرق هزلية ليتم تداولها في ما بعد عبر مواقع التواصل الاجتماعي وذلك ما يجعل الشباب يتخذها كطريقة لإثبات الذات وافتكاك مكانة اجتماعية في وسطه الاجتماعي والذي غالبا ما يشاركه نفس السلوكيات.
مقاربة شاملة..
ويبقى الحل الأنسب للتصدي لهذه الظاهرة وبعض الظواهر الأخرى والتي تستهدف خاصة فئة الشباب حسب رأيه مقاربة شاملة تتعزز فيها مجهودات مؤسسات الدولة بتدخلات المجتمع المدني لبناء إستراتيجية شاملة تعمل على تأسيس وضع اقتصادي واجتماعي وثقافي أفضل لخلق أجيال واعية بخطورة هذه الظواهر ومؤمنة بضرورة القضاء عليها .
في نفس الموضوع لاحظ بلقاسم الفياش أخصائي اجتماعي مستشار ان ظاهرة البراكاجات تستحق الدرس والاهتمام من طرف المختصين والخبراء من جهة، مضيفا ان هذه الظاهرة استرعت انتباه جانب كبير من أفراد المجتمع ان لم نقل كله سيما وان "البراكاجات" طالت العديد من الأفراد وكانت بعض النهايات مأساوية فكم من شخص قتل خلال براكاج وحتى الذين نجوا باعحوبة تجد البعض منهم يعاني من عاهات مستديمة.
وحسب رأي المتحدث فإن عامل الفقر سبب من الأسباب التي قد تدفع بعض الأشخاص الى ارتكاب هذه الجريمة فهي ظاهرة متعددة الجوانب فصاحب الفعلة قد يكون مجرما بالفطرة كما ذهب لذلك احد العلماء وقد تكون التنشئة الاجتماعية هي السبب ولا ننسى دور وسائل التواصل الاجتماعي وتأثير الرفاق بالنسبة للمراهقين وغير ذلك.
مختصون يشخصون الظاهرة ويقدمون الحلول
تونس - الصباح
أرواح تزهق بدم بارد ودون رحمة او شفقة من أجل هاتف جوال، أو بعض الدنانير.. وجوه شوهت، وضحايا أصبحوا يعيشون بعاهات مستديمة.
تجدهمَ في كل مكان، المفترقات، الشوارع، الأزقة، الطرقات السيارة وحتى في وسائل النقل القطارات، المترو، الحافلات التي تحولت إلى مسرح للسطو والنهب.
هم مراهقون، فتيان وفتيات وفي بعض الأحيان كهول.
زادهم علبة غاز مشل للحركة، شفرة حلاقة، سكين او موس "بوسعادة" وفي بعض الأحيان سيوف او حجارة.
"براكاجات" تلاحق أبرياء حيثما تقودهم أقدارهم حتى وهم داخل سياراتهم، نهايات مأساوية فقد من خلالها شبان في ريعان شبابهم حياتهم،سواق سيارات تاكسي، طلبة، عملة وغيرهم..الضحايا بالجملة والمجرمون لم تردعهم لا التشريعات ولا الحملات الأمنية.
صباح الشابي
آخر ضحية لهذه الجرائم التي أرقت الموانين رغم المجهودات الكبيرة التي تقوم بها الوحدات الأمنية للتصدي لأولئك المنحرفين المارقين عن القانون الا ان ذلك لم يردع تلك الفئة الخطيرة التي اعتادت سلب الغير لتوفير سيجارة "زطلة" او اقتناء حذاء او نظارات شمسية من الطراز العالي...
شاب في العشرينات من عمره يعمل( livreur)
عامل "توصيل طلبيات الأكل" عثر على جثته مؤخرا ملقاة بالطريق العام بمدينة نابل وتحمل آثار عنف بجسمه.
وتشير المعطيات الأولية ان الهالك كان تعرّض إلى الاعتداء بالعنف الشديد بواسطة آلة حادة ثم تم سلبه.
وبعد معاينة جثة الضحية، تم إيداعها على ذمة الطبيب الشرعي لتشريحها وتحديد أسباب الوفاة.
ومن المنتظر ان تكشف في الأيام القادمة الأبحاث عن المورط او المورطين في هذه الجريمة.
براكجات بالجملة..
خلال شهر جويلية المنقضي أعوان فرقة الشرطة العدلية بسيدي حسين السيجومي تمكنوا من إيقاف شابين ووالدة أحدهما إثر تورطهم في قتل سائق “تاكسي” ومحاولة دفنه داخل ضيعة مهجورة بالمنطقة.
تفاصيل الحادثة تتمثل في توقف سائق الـ(تاكسي) في نهاية العقد السابع من عمره بمنطقة سيدي حسين لشراء بعض المواد من أحد الأكشاك وبمجرد عودته إلى السيارة وتشغيل
المحرك ارتمى شابان داخل السيارة وجلس أحدهما إلى جانبه والثاني على الكرسي الخلفي وحاول الأول خنقه بخيط حذاء رياضي وعمد الثاني إلى إحكام قبضته عليه وإجباره على التوجه الى ضيعة مهجورة بمكان خال ثم شرعا في تعنيفه ومحاولة خنقه ولما استمات في الدفاع عن نفسه ومحاولة التصدي لهما تولى أحدهما طعنه بالصدر فارداه قتيلا.
بعد ذلك اتصل أحدهما بوالدته فلت على جناح السرعة إلى مكان الواقعة واشارت عليهما بحفر حفرة ودفنه باستعمال معول وفأس جلبتهما معها،وتزامن مع ذلك مرور دورية أمنية اشتبه أعوانها في مكان وجود سيارة الأجرة كما أن المشتبه بهم فروا من المكان وتركوا أدوات الحفر.
وبانطلاق الأبحاث تم إيقاف شاب من المظنون فيهما بمنطقة فرنانة بولاية جندوبة والشاب الثاني بولاية سوشة عندما كان يستعد للإبحار خلسة وتم بعد ذلك الاحتفاظ بالشابين ووالدة احدهما.
وخلال شهر افريل 2024 تعرّض سائق سيارة أجرة "تاكسي فردي" إلى "براكاج" بمنطقة "الطفالة"، مما استوجب نقله إلى مستشفى سهلول وهو متزوج وأب لطفلين.
وجدت الحادثة عندما كان في اتجاه منزل خاله الكائن بالقرب من محطة "الطفالة"، حيث هاجمه 6 أشخاص وقاموا بالاعتداء عليه بالضرب على مستوى الرأس، وعند محاولته حماية نفسه وتغطية وجهه تعرضت ثلاث أصابع من يده اليمنى للبتر.
محطة الارتال ببئر الباي كانت شاهدة على حادثة مأساوية خلال 2022 تمثلت في وفاة فتاة قٌبيل موعد الإفطار بقليل، وذلك بعد أن دهسها القطار إثر تعرضها لعملية ''براكاج'' في محطة الأرتال.
وتعرضت الفتاة إلى براكاج من قبل منحرفين سلبوها هاتفها الجوال وخلال محاولتها مطاردتهم واسترجاعه صدمها القطار.
ضحية أخرى من ضحايا "البراكاجات" وهو طفل في الــ 15 ربيعا توفي إثر الاعتداء عليه بالعنف المادي من قبل 8 قصر خلال شهر افريل 2024
وكانت الحادثة قد جدت في اليوم الثاني من عيد الفطر حيث تعرض الضحية الى عملية "براكاج" عمد خلالها عدد من الأطفال الى الاعتداء عليه ورغم محاولة إسعافه الا أنه فارق الحياة متأثرا بمضاعفات الإصابات التي تعرض لها.
ورغم انه لا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد "البراكاجات" ولكن الثابت ومن خلال النشاطات الأمنية فضلا عن القضايا المنشورة بالمحاكم فانه لا يختلف اثنان في ان الظاهرة استفحلت في المجتمع ورغم التشريعات والقوانين الا ان ذلك لم يردع مرتكبي هذه الجريمة على العودة إلى الجادة والبحث عن عمل واكل لقمة العيش بالحلال.
حسب المختصين في علم الاجتماع هنالك عدة عوامل تدفع مرتكبي تلك الجرائم وهي عوامل اقتصادية واجتماعية... فضلا عن ظاهرة المخدرات المتفشية في المجتمع وتدفع المدمنين إلى البحث عن المال لتوفير قرص مخدر او قطعة من "الزطلة" فيلتجئون إلى القيام بعمليات سرقة موصوفة او مجردة او نشل وأحيانا سطو.
وفسر المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين سوسيولوجيا تنامي جرائم السطو المسلح في تونس لحالة اللايقين التي يعيشها الكثير من الأفراد والفئات الاجتماعية لا سيما على المستوى الاجتماعي والاقتصادي.
وأضاف في تصريح لـــ"الصباح" وفي قراءته الظاهرة ان تونس منذ بداية التسعينات تعيش حالة من اللايقين حيث تبدو المسارات الفردية متقطعة وغير خطية والأفراد لا يعرفون أين يسيرون وقدرتهم على توقع مستقبلهم ضعيفة، عالم العمل الرسمي تشظى والعمل أصبح هشا والدولة تخلت عن التزاماتها الاجتماعية وتحولت الى مجرد متصرف في البؤس.
كل هذا خلق حالة من اللامعيارية والخوف من المستقبل.
وأضاف اننا نعاني من حالة اللامعنى،اي أننا نعيش حالة فقدان دلالات الأشياء في الحياة اليومية وهو الفراغ الذي يتمكن بالأفعال والتصورات وبالوطن،هو عملية ترهل المنظومة القيمية التي تشد الناس لمشروع دامج ،بل هو اكثر من ذلك فهو يمثل التعايش ببن منظومات قيمية متناقضة قديمة وجديدة لا رابط بينها ما يجعل الناس مرتبكين في غياب بوصلة تقودهم لبناء المعنى.
ما كان يعهد بالأمس للمؤسسات صار اليوم يعهد للفرد نفسه...عليه أن يدبر أمره... أن يبحث عن خلاصه حتى لو كان عبر الذهاب إلى الأقصى اي الى الموت.
لم يعد ينظر الى المشكلات الاجتماعية الدافعة كمشكلات اجتماعية، بل أصبح الشباب يعيشها كإخفاقات شخصية وعليه يكون الحل فرديا والمخاطرة بركوب قوارب الموت والانتحار إحدى هذه الحلول،الم يكن انتحار البوعزيزي حرقا الفاعل المباشر للثورة.
المهم،حالة اللايقن واللامعيارية التي نعيشها والذعر من المستقبل أدت الى ما يسمى سوسيولوجيا بالانوميا أي تشوش في خريطة القيم والمعايير الموجهة لسلوك الناس، ولذلك يمكن القول إن أغلب حالات الانتحار في تونس انومية.
أزمة قيم..
وأغلب الجرائم لا سيما جرائم السرقة والسطو المسلح انومية تعبر عن أزمة قيمية حادة في المجتمع حيث تراجعت قيم العلم والعمل والاجتهاد والمصلحة العامة والتكافل لتعوضها عقلية مجتمع الاستهلاك والربح السريع بكل الوسائل والسبل حتى لو كانت غير قانونية وإجرامية.
وأكد على ضرورة التغيير الايجابي بتحيين الروابط الاجتماعية والتوزيع العادل للخيرات الرمزية والمادية للوطن والعمل على إصلاح المنظومة التربوية لتعود كسالف عهدها مصعدا اجتماعيا وعنوانا للنجاح في معترك الحياة والحد من كل أشكال الهدر خاصة الهدر البشري وتثمين كل سعي للتضامن والتكافل الاجتماعي في ظل مشروع وطني دامج ومنتج.
الانقطاع المبكر عن الداسة وعلاقته بتفشي الظاهرة
من جهته اعتبر المختص والباحث في علم الاجتماع شكري طرش ان الظاهرة موجودة في المجتمع التونسي كغيره من المجتمعات ولكن الملفت للانتباه في السنوات الأخيرة خروج هذه الظواهر من الأحياء والأنهج الضيقة وفك الارتباط بينها وبين المناطق الشعبية لتعمم تقريبا على كل الأماكن كما أنها لم تعد مرتبطة بأشخاص وصفات معينة ولا حتى بعمر أو جنس معين فلقد تم تجاوز تلك الصورة النمطية للشخص الذي يقوم بهذه السلوكيات, حيث أصبحنا نتحدث عن هذه الظاهرة باختلاف أصناف مقترفيها اطفال فتيات.. وهذه الفئة لم تكن معنية في السابق بها.
وقد يعود ذلك إلى جملة من العوامل لعل أهمها التغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي عرفها المجتمع التونسي وارتفاع نسبة البطالة وضعف المقدرة الشرائية التي ساهمت في تعمق الجوة بين الطبقات الاجتماعية وخلق نوع من النقمة لدى الطبقات الهشة اقتصاديا وجعلها تتخذ هذه الأساليب كوسائل بديلة لرد الاعتبار من ناحية وتحقيق نوع من الرضى والاكتفاء المادي من ناحية أخرى، هذا الاكتفاء الذي يساعدهم على تحقيق حاجياتهم الخاصة كالحصول على المواد المخدرة مثلا خاصة مع ارتفاع نسبة الإدمان في المجتمع التونسي، فالشخص المدمن عندما يستحيل عليه الحصول على المادة التي يستعملها سيلجأ الى أي طريقة للحصول عليها حتى لو كانت مخالفة للقانون وفيها تعدّ على الآخر.
أما من ناحية ثانية، فقد ساهم تغير النظم الثقافية وتراجع دور المؤسسات التقليدية، كالعائلة والمؤسسة التربوية التي عرفت مكانتها اضمحلالا مما أدى إلى انتشار ظاهرة الانقطاع المبكر عن الدراسة، بشكل أو بأخر في انتشار مثل هذه الظواهر .
كما أن وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي التي تلعب دورا كبيرا في التأثير على رأي المتابعين وخاصة فئة الشباب ساهمت في رسم صورة قد تبدو نوعا ما إيجابية لهذه السلوكيات وذلك من خلال الأعمال التلفزية التي ترسم صورة إيجابية لشخصيات تاريخية تتسم بهذه الصفات وربطها بالمواقف البطولية والرجولة وحتى من خلال الأعمال الكوميدية التي تبسط عملية " البراكاج " بطرق هزلية ليتم تداولها في ما بعد عبر مواقع التواصل الاجتماعي وذلك ما يجعل الشباب يتخذها كطريقة لإثبات الذات وافتكاك مكانة اجتماعية في وسطه الاجتماعي والذي غالبا ما يشاركه نفس السلوكيات.
مقاربة شاملة..
ويبقى الحل الأنسب للتصدي لهذه الظاهرة وبعض الظواهر الأخرى والتي تستهدف خاصة فئة الشباب حسب رأيه مقاربة شاملة تتعزز فيها مجهودات مؤسسات الدولة بتدخلات المجتمع المدني لبناء إستراتيجية شاملة تعمل على تأسيس وضع اقتصادي واجتماعي وثقافي أفضل لخلق أجيال واعية بخطورة هذه الظواهر ومؤمنة بضرورة القضاء عليها .
في نفس الموضوع لاحظ بلقاسم الفياش أخصائي اجتماعي مستشار ان ظاهرة البراكاجات تستحق الدرس والاهتمام من طرف المختصين والخبراء من جهة، مضيفا ان هذه الظاهرة استرعت انتباه جانب كبير من أفراد المجتمع ان لم نقل كله سيما وان "البراكاجات" طالت العديد من الأفراد وكانت بعض النهايات مأساوية فكم من شخص قتل خلال براكاج وحتى الذين نجوا باعحوبة تجد البعض منهم يعاني من عاهات مستديمة.
وحسب رأي المتحدث فإن عامل الفقر سبب من الأسباب التي قد تدفع بعض الأشخاص الى ارتكاب هذه الجريمة فهي ظاهرة متعددة الجوانب فصاحب الفعلة قد يكون مجرما بالفطرة كما ذهب لذلك احد العلماء وقد تكون التنشئة الاجتماعية هي السبب ولا ننسى دور وسائل التواصل الاجتماعي وتأثير الرفاق بالنسبة للمراهقين وغير ذلك.