بعد اثنتي عشرة سنة من البحث تحصّل الثلاثاء الفارط، مختبر الجزيئات الحيوية والسموم والتطبيقات العلاجية بمعهد باستور، على الموافقة الرّسمية من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بخصوص تثمين الابتكار المتمثل في تصميم جزيئات اصطناعية مستخرجة من سموم الأفاعي تساعد على علاج الأشخاص الذين يتعرضون للجلطات القلبية وإنقاذهم وتقلل من احتمالات تعرضهم إلى الوفاة.
قد لا تلفت مثل هذه الإخبار الانتباه أو تتصدر اهتمامات وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وقد لا تحظى بالمتابعة لكنها تعد دون شك نقطة ضوء وأمل تؤكد في كل مرة قيمة الكفاءات التونسية ومدى قدرتهم على التفوق متى توفرت لهم الإمكانيات والإحاطة والدعم. ولا شك أن مجال البحث العلمي الذي يتصدر أولويات الدول المتقدمة اهتماما وإنفاقا لا يزال للأسف في بلادنا وعلى غرار بقية الدول العربية في أسفل الترتيب وتكفي هنا الإشارة إلى آخر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" الذي كشف أن نسبة إنفاق البلدان العربية على البحث العلمي والتطوير "لا تزال منخفضة" ملاحظا أنها تتراوح غالبا بين 0.2 و0.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للبحث والتطوير وأن النسبة المطلوبة تتراوح بين 2 و4 بالمائة.
مفارقة
في تونس تبدو المفارقة أكبر على اعتبار أن درجة الاهتمام الرسمي بالبحث العلمي لا تتناسب مع القدرات البشرية المتاحة القادرة على صنع الفارق مع بقية دول المنطقة كما لا تتناسب أيضا مع حاجيات البلاد لتوظيف مخرجات البحث العلمي في إيجاد الحلول لجملة الإشكاليات المتراكمة على أكثر من صعيد وفي أكثر من مجال وقطاع على غرار قطاعي الصحة والفلاحة وغيرهما.
تشير هنا معطيات سابقة كشفها مراد بالأسود مدير عام البحث العلمي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الباحثين، وعددهم بلغ 11.800 باحثا خلال سنة 2023.
وقال بالأسود إن " تطور عدد الباحثين مؤشر هام على قدرة الدول على الاستثمار في مجال البحث العلمي وأنه يعكس مدى اهتمامها بتحقيق التقدم والابتكار في مختلف المجالات العلمية والتكنولوجية".
ميزانية محدودة
وتظل الميزانية المرصودة للبحث العلمي محدودة كما لا يعد وضع الباحثين مشجعا على تمسكهم بالبقاء في تونس في ظل المغريات التي يجدونها في الهجرة من حيث مستوى التأطير والإمكانيات المرصودة لبحوثهم وأيضا وضعهم المادي.
يؤكد بهذا الصدد رئيس جمعية جامعيون تونسيون، أيمن بوعلي، أنّ الميزانية المرصودة للبحث العلمي في تونس، لا تتجاوز 1% وهي في حدود 0.8% من ميزانية الدولة تقريبًا، حسب مصادر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
ويضيف بوعلي في تصريح مؤخرا "للتنسيب، فإن دول الاتحاد الأوروبي ترصد تقريبًا ما قيمته 1.9% من ميزانيتها للبحث العلمي، وفي تونس نطمح أن نتجاوز عتبة 1%، باعتبار أنّ النسبة المرصودة للبحث العلمي تعكس مكانة أي دولة في مسار التطور والتقدم".
كما يعتبر رئيس جمعية جامعيون تونسيون أنّ" البحث العلمي في تونس هو أحد القطاعات التي لا تملك حظًا رغم أهميتها، وتونس مصنفة ضمن الأوائل في العالم نسبة إلى عدد السكان، من حيث عدد المنشورات".
وفي تقدير أيمن بوعلي، فإن الباحثين التونسيين "يملكون قدرات كبرى في التطوير وإيجاد الحلول، لكنّ واقع القطاع يبقى رهين وضعية الباحث والجامعي عمومًا، وهجرة الكفاءات مردّها بيئة كاملة، فإذا لم يكن الباحث مستقرًا ماديًا ومعنويًا لا يمكن له أن يتطور.. وأكثر من 90% منهم هاجروا على مضض لأسباب مادية، وينتظرون العودة إلى أوطانهم".
دعم البحث العلمي
في المقابل تؤكد الجهات الرسمية سعيها للنهوض بقطاع البحث العلمي لمعاضدة المجهود الاقتصادي والتنموي ورصد الإمكانيات للباحثين وتشير في هذا السياق مصادر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أنها أطلقت في ماي الفارط الدفعة الأولى لمجمّعات البحث في نسختها الأولى بعنوان سنة 2024. وهي بادرة جاءت تنفيذا للإستراتيجية الوطنية للبحث العلمي الهادفة إلى زيادة تأثير هذا القطاع على الاقتصاد والمجتمع والتنمية المستدامة.
وقال حينها وزير التعليم العالي والبحث العلمي، منصف بوكثير، أنّ الوزارة "قد انطلقت منذ مدّة في إعادة هيكلة قطاع البحث العلمي وقد حان الوقت لتقييم شامل من أجل الارتقاء به خاصة أمام وجود نسيج بحثي هام".
وبين الوزير أن الدولة "تساهم بـ75 بالمائة من تمويل مجموع مشاريع البحوث المنجزة في تونس، مقابل مساهمة في حدود 25 بالمائة للقطاع الخاص، في حين ترتفع حصّة مساهمة القطاع الخاص في العالم الى 70 بالمائة، والوزارة تطمح إلى تغيير هذا الواقع بتحفيز حصّة الاستثمار الخاص في تمويل مشاريع البحث العلمي".
يذكر أيضا أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ترغب في زيادة انخراط المؤسسات الاقتصادية الخاصة والعمومية في مسار دعم مشاريع البحث العلمي من خلال عقد اتفاقيات تجمع بين كل الأطراف بما فيها هياكل البحث والجامعات إلى جانب المؤسسات الاقتصادية.
كما يتم العمل على دعم البحوث في عديد القطاعات للمساهمة في إيجاد الحلول لبعض التحديات على غرار القطاع الفلاحي أين يعد البحث العلمي عاملا أساسيا في تحسين مردودية هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي للبلاد.
ومؤخرا صرح كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة المكلّف بالمياه، أن" وزارة الفلاحة تشرف لوحدها على 11 مؤسسة بحث علمي و52 هيكل بحث و3 مخابر مطابقة للمواصفات العالمية. ومشاريع البحث التي أنجزتها هذه المؤسسات مكّنت من التوصّل الى 5 استنباطات تتعلق بأنواع مستحدثة ومطوّرة جينيا من شجرة الزيتون، بما أفضى الى تحقيق زيادة في الإنتاج بلغت نسبتها 22 بالمائة وكذلك وقع استنباط 53 نوعا جديدا ذا إنتاجية عالية من مادتي القمح الليّن والقمح الصلب.
وقد تكمن باحثو العلوم الزراعية من انتقاء 3 أنواع من القوارص عالية الإنتاجية، وتم وضع بروتوكول لمقاومة الحشرة القرمزية وانجاز مشروع للتربية المكثّفة للإبل، كما سبقها ابتكار طريقة تونسية لتثمين السلطعون الأزرق".
م.ي
تونس-الصباح
بعد اثنتي عشرة سنة من البحث تحصّل الثلاثاء الفارط، مختبر الجزيئات الحيوية والسموم والتطبيقات العلاجية بمعهد باستور، على الموافقة الرّسمية من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بخصوص تثمين الابتكار المتمثل في تصميم جزيئات اصطناعية مستخرجة من سموم الأفاعي تساعد على علاج الأشخاص الذين يتعرضون للجلطات القلبية وإنقاذهم وتقلل من احتمالات تعرضهم إلى الوفاة.
قد لا تلفت مثل هذه الإخبار الانتباه أو تتصدر اهتمامات وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وقد لا تحظى بالمتابعة لكنها تعد دون شك نقطة ضوء وأمل تؤكد في كل مرة قيمة الكفاءات التونسية ومدى قدرتهم على التفوق متى توفرت لهم الإمكانيات والإحاطة والدعم. ولا شك أن مجال البحث العلمي الذي يتصدر أولويات الدول المتقدمة اهتماما وإنفاقا لا يزال للأسف في بلادنا وعلى غرار بقية الدول العربية في أسفل الترتيب وتكفي هنا الإشارة إلى آخر تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" الذي كشف أن نسبة إنفاق البلدان العربية على البحث العلمي والتطوير "لا تزال منخفضة" ملاحظا أنها تتراوح غالبا بين 0.2 و0.5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للبحث والتطوير وأن النسبة المطلوبة تتراوح بين 2 و4 بالمائة.
مفارقة
في تونس تبدو المفارقة أكبر على اعتبار أن درجة الاهتمام الرسمي بالبحث العلمي لا تتناسب مع القدرات البشرية المتاحة القادرة على صنع الفارق مع بقية دول المنطقة كما لا تتناسب أيضا مع حاجيات البلاد لتوظيف مخرجات البحث العلمي في إيجاد الحلول لجملة الإشكاليات المتراكمة على أكثر من صعيد وفي أكثر من مجال وقطاع على غرار قطاعي الصحة والفلاحة وغيرهما.
تشير هنا معطيات سابقة كشفها مراد بالأسود مدير عام البحث العلمي بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الباحثين، وعددهم بلغ 11.800 باحثا خلال سنة 2023.
وقال بالأسود إن " تطور عدد الباحثين مؤشر هام على قدرة الدول على الاستثمار في مجال البحث العلمي وأنه يعكس مدى اهتمامها بتحقيق التقدم والابتكار في مختلف المجالات العلمية والتكنولوجية".
ميزانية محدودة
وتظل الميزانية المرصودة للبحث العلمي محدودة كما لا يعد وضع الباحثين مشجعا على تمسكهم بالبقاء في تونس في ظل المغريات التي يجدونها في الهجرة من حيث مستوى التأطير والإمكانيات المرصودة لبحوثهم وأيضا وضعهم المادي.
يؤكد بهذا الصدد رئيس جمعية جامعيون تونسيون، أيمن بوعلي، أنّ الميزانية المرصودة للبحث العلمي في تونس، لا تتجاوز 1% وهي في حدود 0.8% من ميزانية الدولة تقريبًا، حسب مصادر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
ويضيف بوعلي في تصريح مؤخرا "للتنسيب، فإن دول الاتحاد الأوروبي ترصد تقريبًا ما قيمته 1.9% من ميزانيتها للبحث العلمي، وفي تونس نطمح أن نتجاوز عتبة 1%، باعتبار أنّ النسبة المرصودة للبحث العلمي تعكس مكانة أي دولة في مسار التطور والتقدم".
كما يعتبر رئيس جمعية جامعيون تونسيون أنّ" البحث العلمي في تونس هو أحد القطاعات التي لا تملك حظًا رغم أهميتها، وتونس مصنفة ضمن الأوائل في العالم نسبة إلى عدد السكان، من حيث عدد المنشورات".
وفي تقدير أيمن بوعلي، فإن الباحثين التونسيين "يملكون قدرات كبرى في التطوير وإيجاد الحلول، لكنّ واقع القطاع يبقى رهين وضعية الباحث والجامعي عمومًا، وهجرة الكفاءات مردّها بيئة كاملة، فإذا لم يكن الباحث مستقرًا ماديًا ومعنويًا لا يمكن له أن يتطور.. وأكثر من 90% منهم هاجروا على مضض لأسباب مادية، وينتظرون العودة إلى أوطانهم".
دعم البحث العلمي
في المقابل تؤكد الجهات الرسمية سعيها للنهوض بقطاع البحث العلمي لمعاضدة المجهود الاقتصادي والتنموي ورصد الإمكانيات للباحثين وتشير في هذا السياق مصادر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، أنها أطلقت في ماي الفارط الدفعة الأولى لمجمّعات البحث في نسختها الأولى بعنوان سنة 2024. وهي بادرة جاءت تنفيذا للإستراتيجية الوطنية للبحث العلمي الهادفة إلى زيادة تأثير هذا القطاع على الاقتصاد والمجتمع والتنمية المستدامة.
وقال حينها وزير التعليم العالي والبحث العلمي، منصف بوكثير، أنّ الوزارة "قد انطلقت منذ مدّة في إعادة هيكلة قطاع البحث العلمي وقد حان الوقت لتقييم شامل من أجل الارتقاء به خاصة أمام وجود نسيج بحثي هام".
وبين الوزير أن الدولة "تساهم بـ75 بالمائة من تمويل مجموع مشاريع البحوث المنجزة في تونس، مقابل مساهمة في حدود 25 بالمائة للقطاع الخاص، في حين ترتفع حصّة مساهمة القطاع الخاص في العالم الى 70 بالمائة، والوزارة تطمح إلى تغيير هذا الواقع بتحفيز حصّة الاستثمار الخاص في تمويل مشاريع البحث العلمي".
يذكر أيضا أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ترغب في زيادة انخراط المؤسسات الاقتصادية الخاصة والعمومية في مسار دعم مشاريع البحث العلمي من خلال عقد اتفاقيات تجمع بين كل الأطراف بما فيها هياكل البحث والجامعات إلى جانب المؤسسات الاقتصادية.
كما يتم العمل على دعم البحوث في عديد القطاعات للمساهمة في إيجاد الحلول لبعض التحديات على غرار القطاع الفلاحي أين يعد البحث العلمي عاملا أساسيا في تحسين مردودية هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي للبلاد.
ومؤخرا صرح كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة المكلّف بالمياه، أن" وزارة الفلاحة تشرف لوحدها على 11 مؤسسة بحث علمي و52 هيكل بحث و3 مخابر مطابقة للمواصفات العالمية. ومشاريع البحث التي أنجزتها هذه المؤسسات مكّنت من التوصّل الى 5 استنباطات تتعلق بأنواع مستحدثة ومطوّرة جينيا من شجرة الزيتون، بما أفضى الى تحقيق زيادة في الإنتاج بلغت نسبتها 22 بالمائة وكذلك وقع استنباط 53 نوعا جديدا ذا إنتاجية عالية من مادتي القمح الليّن والقمح الصلب.
وقد تكمن باحثو العلوم الزراعية من انتقاء 3 أنواع من القوارص عالية الإنتاجية، وتم وضع بروتوكول لمقاومة الحشرة القرمزية وانجاز مشروع للتربية المكثّفة للإبل، كما سبقها ابتكار طريقة تونسية لتثمين السلطعون الأزرق".