يعاني قطاعي الإعلام والثقافة من مشكل حقيقي اسمه كثرة الدخلاء وكلاهما تضررا بفعل ذلك، لأن الدخلاء عادة ما يصنعون ضجيجا من حولهم ويسعون إلى تحويل كل جدل يخلقونه عن قصد إلى قضية رأي عام على غرار ما قام به أحدهم مؤخرا من محاولات للشوشرة على علاقة تونس ببلد عربي شقيق. فقد تعمد أحد المحسوبين على الفن في مصر خلق زوبعة حول أسلوب استقباله في المطارات التونسية التي قال أنها غير ملائمة ونشر في مواقع التواصل الاجتماعي ما يفيد بانه سيبقى في بلده إلى حين تحسن ظروف استقبال الفنانين.
وقد تناسى الرجل أن بلادنا كانت ومازالت تفتح ابوابها أمام الفنانين المصريين وتستقبلهم بالورود وتبالغ احيانا في الحفاوة بهم، فلماذا يكون الأمر مختلفا معه؟ ألا يكون لأنه مثلا محسوبا على الفن؟ ومن الواضح أن صاحبنا أراد أن يصنع الضجيج من حوله وهو ما يؤكد نوعية علاقته بالقطاع. فالفنان أرقى من ذلك بكثير، والفنان الحقيقي لا يعول إلا على فنه وإبداعه ويتجنب كل ما من شأنه أن يثير فتنة وما ابعد الفنون التي هي في الأصل وسيلة للتواصل والتقارب عن صنع الفتن.
وهي فرصة لنجدد التأكيد على أن معاناة قطاعي الإعلام والثقافة مستمرة بسبب شيء اسمه الدخلاء، من طينة ذلك المحسوب على الفن في مصر الذي أراد أن يثير زوبعة حول شخصه بعد أن فشل في أن يخلق الحدث بمستوى فنه.
ونذكّر في هذا السياق بأن قطاعي الإعلام والثقافة، ليس فقط في تونس وإنما في كثير من البلدان العربية التي تبقى فيها هذه المهن مفتوحة، يعجان اليوم بالمحسوبين على المجالين.
ففي الاعلام، كثيرون يقدمون أنفسهم على أنهم من أهل مكة، في حين أنهم لا يمتون بصلة للقطاع، بل ساهموا بدور كبير في تراجع الإعلام عن أداء وظيفته وساهموا أيضا في تشويه صورة مهنة الإعلام والصحافة، من خلال الانحراف بها عن دورها الحقيقي. ولا نبالغ عندما نقول أن مهنة الإعلام أصبحت اليوم في نظر عدد غير قليل من المتلقين تعني الابتزاز والتعدي على الحرمات والسب والشتم والإثارة وكل ذلك على حساب أصل المهنة التي تتمثل في الإنارة والتوعية والمعلومة الدقيقة والرأي الموضوعي.
والمؤسف في العملية أن الدخلاء الذين جاءت يبعضهم الصدفة ووجد البعض الآخر فرصة في مجال مفتوح بعد أن فشل في مهنة أخرى، واستغل البعض الآخر ما توفره وسائل التواصل الاجتماعي من إمكانية للتخاطب مع الجمهور، فرضوا قوانينهم فاختلطت الأوراق اليوم ولم نعد تميز بسهولة بين الإعلام وبين الدعاية والتسويق، ولم تعد هناك فواصل محترمة بين الإعلام والإشهار ولم يعد هناك احترام لأي خصوصية، بل صارت أشياء جديدة مثل الاندفاع والجري وراء السبق ولو كان بمعلومة خاطئة، أو بالإشاعات.. هي القيم الجديدة التي يتباهى بها أصحابها، ولم يعد هناك شيء اسمه التثبت من المعلومة ولم يعد هنالك شيء اسمه مصدر المعلومة. صحيح، تشهد المهنة تراجعا لأسباب لا تتعلق فقط بكثرة الدخلاء، وهناك أسباب أخرى مهمة مثل تراجع التكوين وصعوبة العمل في ظل المنافسة غير الواضحة مع مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، لكن يبقى للدخلاء النصيب الأكبر في كثرة المشاكل التي تتخبط فيها المهنة لان من لا يملك أدوات المهنة ولا يعترف بأي ضوابط أو قيم أو مبادئ أو أخلاقيات، ويعتبر نفسه غير ملزم بأي منها ويدعي أيضا في العلم فلسفة، لا يمكنه أن يقدم شيئا يذكر، اللهم مزيدا من اللخبطة، حتى أنه بعثت أكاديميات يتولى فيها التكوين لمن لا معرفة له ولا دراية بأدبيات العمل، وتمنح هذه الأكاديميات شهادات علمية أيضا.
قطاع الثقافة أيضا هو قطاع مداس ومليء بالدخلاء والمحسوبين على الفنانين والمثقفين والأدباء. تجدهم في كل المناسبات تقريبا يتصدرون المكان، وأحيانا يكون حضورهم أقوى في المنابر الاعلامية، وهم أيضا استفادوا من مواقع التواصل الاجتماعي ليتكاثروا. يكفي أن ينشر بعضهم بعض النصوص المشكوك في قيمتها حتى يتحول إلى قاص، وبعضهم ينشر بعض الكلمات فيتحول الى شاعر وهناك من يكتب تدوينات بسيطة يتحول من خلالها الى كاتب ومثقف ويحدث أن يكون صوته مسموعا أكثر ممن افنى عمره في الكتابة.
ومنذ أن اقتحم فن الراب المشهد في تونس وفي غيرها من البلدان العربية، ازدادت الأمور تعقيدا وأصبح متاحا لأي كان أن يعلن نفسه فنانا، بل يمكنه أن يظفر بعروض في المهرجانات لا ينالها من له تجربة طويلة وكفاءة وموهبة. وعن دور "الراب" في تخريب عقول الشباب وتردي الذائقة، لا تسل. طبعا نحن نميز بين الفنان الحقيقي في فن الراب، الذي يجمع بين الصوت الجميل والقدرة على الآداء والحضور الذكي. وندرك أن فن الراب قد ولد من رحم المعاناة ولا يمكن لفنان الراب أن يكون منسجما مع فنه اذا لم يكن ثائرا، ورافضا للظلم بكل اشكاله، لكن ليس معنى ذلك أن يصل الأمر الى التملص من آداب التعامل واحترام الناس. وليس معنى ذلك أن أي كان يمكن ان يمسك ميكروفونا ويتحول الى فنان. وقد صرنا اليوم وباسم فن الراب امام ظواهر بائسة وتقليعات اكثر بؤس، حتى أن بعضهم نسوا وهم يصعدون على الركح، شيئا اسمه آداب اللباس. والمعضلة الحقيقية هي أن لهؤلاء جمهور تماما مثلما نجد لتجار الإعلام جمهور أيضا.
حياة السايب
يعاني قطاعي الإعلام والثقافة من مشكل حقيقي اسمه كثرة الدخلاء وكلاهما تضررا بفعل ذلك، لأن الدخلاء عادة ما يصنعون ضجيجا من حولهم ويسعون إلى تحويل كل جدل يخلقونه عن قصد إلى قضية رأي عام على غرار ما قام به أحدهم مؤخرا من محاولات للشوشرة على علاقة تونس ببلد عربي شقيق. فقد تعمد أحد المحسوبين على الفن في مصر خلق زوبعة حول أسلوب استقباله في المطارات التونسية التي قال أنها غير ملائمة ونشر في مواقع التواصل الاجتماعي ما يفيد بانه سيبقى في بلده إلى حين تحسن ظروف استقبال الفنانين.
وقد تناسى الرجل أن بلادنا كانت ومازالت تفتح ابوابها أمام الفنانين المصريين وتستقبلهم بالورود وتبالغ احيانا في الحفاوة بهم، فلماذا يكون الأمر مختلفا معه؟ ألا يكون لأنه مثلا محسوبا على الفن؟ ومن الواضح أن صاحبنا أراد أن يصنع الضجيج من حوله وهو ما يؤكد نوعية علاقته بالقطاع. فالفنان أرقى من ذلك بكثير، والفنان الحقيقي لا يعول إلا على فنه وإبداعه ويتجنب كل ما من شأنه أن يثير فتنة وما ابعد الفنون التي هي في الأصل وسيلة للتواصل والتقارب عن صنع الفتن.
وهي فرصة لنجدد التأكيد على أن معاناة قطاعي الإعلام والثقافة مستمرة بسبب شيء اسمه الدخلاء، من طينة ذلك المحسوب على الفن في مصر الذي أراد أن يثير زوبعة حول شخصه بعد أن فشل في أن يخلق الحدث بمستوى فنه.
ونذكّر في هذا السياق بأن قطاعي الإعلام والثقافة، ليس فقط في تونس وإنما في كثير من البلدان العربية التي تبقى فيها هذه المهن مفتوحة، يعجان اليوم بالمحسوبين على المجالين.
ففي الاعلام، كثيرون يقدمون أنفسهم على أنهم من أهل مكة، في حين أنهم لا يمتون بصلة للقطاع، بل ساهموا بدور كبير في تراجع الإعلام عن أداء وظيفته وساهموا أيضا في تشويه صورة مهنة الإعلام والصحافة، من خلال الانحراف بها عن دورها الحقيقي. ولا نبالغ عندما نقول أن مهنة الإعلام أصبحت اليوم في نظر عدد غير قليل من المتلقين تعني الابتزاز والتعدي على الحرمات والسب والشتم والإثارة وكل ذلك على حساب أصل المهنة التي تتمثل في الإنارة والتوعية والمعلومة الدقيقة والرأي الموضوعي.
والمؤسف في العملية أن الدخلاء الذين جاءت يبعضهم الصدفة ووجد البعض الآخر فرصة في مجال مفتوح بعد أن فشل في مهنة أخرى، واستغل البعض الآخر ما توفره وسائل التواصل الاجتماعي من إمكانية للتخاطب مع الجمهور، فرضوا قوانينهم فاختلطت الأوراق اليوم ولم نعد تميز بسهولة بين الإعلام وبين الدعاية والتسويق، ولم تعد هناك فواصل محترمة بين الإعلام والإشهار ولم يعد هناك احترام لأي خصوصية، بل صارت أشياء جديدة مثل الاندفاع والجري وراء السبق ولو كان بمعلومة خاطئة، أو بالإشاعات.. هي القيم الجديدة التي يتباهى بها أصحابها، ولم يعد هناك شيء اسمه التثبت من المعلومة ولم يعد هنالك شيء اسمه مصدر المعلومة. صحيح، تشهد المهنة تراجعا لأسباب لا تتعلق فقط بكثرة الدخلاء، وهناك أسباب أخرى مهمة مثل تراجع التكوين وصعوبة العمل في ظل المنافسة غير الواضحة مع مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، لكن يبقى للدخلاء النصيب الأكبر في كثرة المشاكل التي تتخبط فيها المهنة لان من لا يملك أدوات المهنة ولا يعترف بأي ضوابط أو قيم أو مبادئ أو أخلاقيات، ويعتبر نفسه غير ملزم بأي منها ويدعي أيضا في العلم فلسفة، لا يمكنه أن يقدم شيئا يذكر، اللهم مزيدا من اللخبطة، حتى أنه بعثت أكاديميات يتولى فيها التكوين لمن لا معرفة له ولا دراية بأدبيات العمل، وتمنح هذه الأكاديميات شهادات علمية أيضا.
قطاع الثقافة أيضا هو قطاع مداس ومليء بالدخلاء والمحسوبين على الفنانين والمثقفين والأدباء. تجدهم في كل المناسبات تقريبا يتصدرون المكان، وأحيانا يكون حضورهم أقوى في المنابر الاعلامية، وهم أيضا استفادوا من مواقع التواصل الاجتماعي ليتكاثروا. يكفي أن ينشر بعضهم بعض النصوص المشكوك في قيمتها حتى يتحول إلى قاص، وبعضهم ينشر بعض الكلمات فيتحول الى شاعر وهناك من يكتب تدوينات بسيطة يتحول من خلالها الى كاتب ومثقف ويحدث أن يكون صوته مسموعا أكثر ممن افنى عمره في الكتابة.
ومنذ أن اقتحم فن الراب المشهد في تونس وفي غيرها من البلدان العربية، ازدادت الأمور تعقيدا وأصبح متاحا لأي كان أن يعلن نفسه فنانا، بل يمكنه أن يظفر بعروض في المهرجانات لا ينالها من له تجربة طويلة وكفاءة وموهبة. وعن دور "الراب" في تخريب عقول الشباب وتردي الذائقة، لا تسل. طبعا نحن نميز بين الفنان الحقيقي في فن الراب، الذي يجمع بين الصوت الجميل والقدرة على الآداء والحضور الذكي. وندرك أن فن الراب قد ولد من رحم المعاناة ولا يمكن لفنان الراب أن يكون منسجما مع فنه اذا لم يكن ثائرا، ورافضا للظلم بكل اشكاله، لكن ليس معنى ذلك أن يصل الأمر الى التملص من آداب التعامل واحترام الناس. وليس معنى ذلك أن أي كان يمكن ان يمسك ميكروفونا ويتحول الى فنان. وقد صرنا اليوم وباسم فن الراب امام ظواهر بائسة وتقليعات اكثر بؤس، حتى أن بعضهم نسوا وهم يصعدون على الركح، شيئا اسمه آداب اللباس. والمعضلة الحقيقية هي أن لهؤلاء جمهور تماما مثلما نجد لتجار الإعلام جمهور أيضا.