دعت منذ يومين، الهيئة الإدارية القطاعية للتعليم الأساسي سلطة الإشراف ممثلة بالأساس في وزارة التربية إلى مفاوضات جدية مع الجامعة العامة للتعليم الأساسي وذلك بتفعيل محضر جلسة 1 مارس 2021 وتحويله إلى اتفاق نافذ وكذلك دعت الجامعة الى تفعيل محضر جلسة 3 ماي الماضي وإحداث منحة الجهد البيداغوجي والزيادة في مقدار منحة التكاليف البيداغوجية، وذلك في اللائحة المهنية التي أصدرتها الجامعة يوم الثلاثاء وكما كانت الهيئة الإدارية القطاعية للتعليم الأساسي قررت تنفيذ وقفات احتجاجية بالمندوبيات الجهوية للتربية وتنظيم يوم غضب وطني بباب بنات وساحة القصبة والدخول في إضراب بيوم واحد.
كل هذه الحركية النقابية التي يشهدها قطاع التعليم الأساسي قبل أسابيع قليلة من العودة المدرسية تأتي بعد "ركود نقابي" متواصل في جلّ القطاعات حيث وجدت كل الجامعات المنظوية تحت الاتحاد العام التونسي للشغل نفسها عاجزة عن فتح قنوات للتفاوض بشأن المطالب والاتفاقات الاجتماعية التي بقيت حبرا على ورق والى اليوم دون تفعيل، كما غابت اللقاءات الثنائية التي كانت معتادة بين الاتحاد العام التونسي للشغل ورؤساء الحكومات، حيث تقلّصت تلك اللقاءات الثنائية وكادت تنعدم تماما خاصة في فترة ترؤس احمد الحشاني للحكومة، اليوم ومع بداية عهد رئيس الحكومة الجديد كمال المدّوري مازالت كيفية العلاقة ونوعيتها في المستقبل معلّقة على كل الاحتمالات، خاصة وأن العودة المدرسية لن تخلو من التصادم بين الهيكل النقابي ووزير التربية .
بداية الفتور..
منذ الأزمة مع حكومة المشيشي فترت علاقة رئيس الجمهورية قيس سعيد مع الاتحاد العام التونسي للشغل وتواصل هذا الفتور حتى بعد إعلان إجراءات 25 جويلية التي ساندها الاتحاد علنا ولم يكترث لكل دعوات المعارضة التي طالبته بموقف رافض للمسار الجديد، ولكن رغم هذه المساندة ساءت أكثر العلاقة بين الرئاسة والاتحاد وتحوّلت الى تجاهل واضح للمنظمة الشغيلة.
في 16 جوان 2022 نفّذ اتحاد الشغل الإضراب الوحيد في القطاع العام وفي الوظيفة العمومية الذي قرره في المسار الجديد، وذلك على خلفية المنشور الذي أصدرته رئيسة الحكومة نجلاء بودن في 9 ديسمبر 2021 والذي حجّر على الوزارات والإدارات التفاوض مع النقابات قبل الحصول على ترخيص من رئاسة الحكومة وهو ما اعتبره الاتحاد تضييقا على الحق النقابي والمفاوضات الاجتماعية وضربا للحوار الاجتماعي ..
وهذا الخلاف تم تجاوزه في مرة أولى بعد إمضاء الاتفاق في الأجور وتعهّد بودن بسحب المنشور عدد 20 وقد قامت رئيسة الحكومة آنذاك بإصدار منشور جديد أنهى ما يرى فيه اتحاد الشغل ضربا للحوار الاجتماعي وحق المفاوضات الجماعية بين هياكله وممثلي سلط الإشراف. لكن المنشور عدد 21 لم يكن يختلف كثيرا وفق رؤية الاتحاد عن المنشور الذي سبقه خاصّة انه حدّد طريقة تفاوض الوزراء وكتاب الدولة والمديرين العامين للمؤسسات والمنشآت العمومية مع الطرف النقابي، من ضرورة التقيّد بخمس خطوات عند التفاوض أهمها دراسة الطلبات المقدمة من النقابات أو من مركزيّتهم النقابية من قبل وزارة الإشراف وإجبارية حضور ممثل عن وزارة المالية كلما كان للمطالب مفعول مالي..
وبعد هذا المنشور توتّرت العلاقة بين الاتحاد والحكومة الى لحظة الوصول الى الإضراب العام الذي نسف كل استقرار هشّ مع الحكومة وتم إغلاق باب التفاوض بشكل شبه نهائي وتقلّص التواصل الى حدوده الدنيا ..
علاقة منعدمة..
بعد إقالة نجلاء بودن وتعيين احمد الحشاني في منصب رئيس الحكومة، انعدم التواصل بشكل شبه كلّي بين الحكومة والاتحاد ولم تشهد فترة الحشاني أي تقدّم على مستوى المفاوضات الاجتماعية وكان اليوم الاحتجاجي الذي نفّذه الاتحاد في 2 مارس الماضي على خلفية تعطّل الحوار الاجتماعي وتراجع الحكومة في تطبيق اتفاقيات ممضاة وضرب الحق النقابي وقد حاول الاتحاد من خلال هذا الاحتجاج الضغط من اجل عودة التفاوض وتفعيل الاتفاقيات الممضاة في أكثر من قطاع ولكن دون جدوى حيث لم تتفاعل الحكومة مع احتجاج الاتحاد بشكل إيجابي رغم الاتصال الهاتفي الذي تمّ بين رئيس الحكومة أحمد الحشاني والأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، الذي تم قبل تنفيذ ذلك اليوم الاحتجاجي بأسابيع وتمحور حول ضرورة استئناف الحوار الاجتماعي وتنقية مناخات العمل.. وباستثناء تلك المكالمة فإن أغلب العلاقة بين الاتحاد والحكومة طوال فترة الحشاني اتسمت بالتجاهل والفتور التام .
مرحلة جديدة من العلاقة
منذ حوالي شهر اعتبر المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل، في بيان له أن انفراد الحكومة بمراجعة مجلة الشغل فيه "تنكر للعقد الاجتماعي الموقع بين الحكومة واتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية يوم 14 جانفي 2013" كما أشار الاتحاد في بيانه إلى أنّ تنقيح مجلّة الشغل يستدعي تقييما مشتركا بين أطراف الإنتاج لكامل المجلة ولا يجب أن ينحسر في مسألة العقود والتشغيل الهش.
ويأتي هذا البيان يوما بعد مجلس وزاري انعقد في 2 جويلية الماضي بإشراف رئيس الحكومة أحمد الحشاني وحضور وزير الشؤون الاجتماعية، آنذاك، كمال المدوري للنظر في مشروع قانون يتعلق بتنقيح وإتمام بعض أحكام مجلة الشغل.
والآن مع تولي وزير الشؤون الاجتماعية السابق كمال المدوري مقاليد رئاسة القصبة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل أن طريقة التعامل ستتغيّر خاصة في علاقة بملف على غاية من الأهمية ومصيري بالنسبة للتونسيين، ألا وهو تنقيح مجلة الشغل التي هي في النهاية تختزل العقد الاجتماعي بين الشغالين والسلطة، والاتحاد يعتبر أن دوره الاجتماعي يفرض أن تكون له وجهة نظر في قانون سيؤثّر على حياة أجيال من التونسيين في المستقبل .
ولعلّ المواقف الأخيرة لوزارة التربية هو بداية لوضع العلاقة مع الهياكل النقابية في السياق الذي تريده الحكومة مع كمال المدوري، حيث أعلنت أنها ستمنع أي احتجاج داخل مقرات المندوبيات الجهوية للتربية يكون من شأنه تهديد حسن سير المرفق العمومي وتعطيل العودة المدرسية ومجرياته، وفق نص البلاغ الذي أصدرته الوزارة، ورغم أن الوزارة عادت لتؤكّد في ختام البلاغ احترامها للحق النقابي المنصوص عليه في الدستور، إلا أن ذلك لا ينفي أن للحكومات ما بعد 25 جويلية رؤيتها ومواقفها من العمل النقابي والتي تختلف جذريا على رؤية ومواقف الاتحاد العام التونسي للشغل .
منية العرفاوي
تونس – الصباح
دعت منذ يومين، الهيئة الإدارية القطاعية للتعليم الأساسي سلطة الإشراف ممثلة بالأساس في وزارة التربية إلى مفاوضات جدية مع الجامعة العامة للتعليم الأساسي وذلك بتفعيل محضر جلسة 1 مارس 2021 وتحويله إلى اتفاق نافذ وكذلك دعت الجامعة الى تفعيل محضر جلسة 3 ماي الماضي وإحداث منحة الجهد البيداغوجي والزيادة في مقدار منحة التكاليف البيداغوجية، وذلك في اللائحة المهنية التي أصدرتها الجامعة يوم الثلاثاء وكما كانت الهيئة الإدارية القطاعية للتعليم الأساسي قررت تنفيذ وقفات احتجاجية بالمندوبيات الجهوية للتربية وتنظيم يوم غضب وطني بباب بنات وساحة القصبة والدخول في إضراب بيوم واحد.
كل هذه الحركية النقابية التي يشهدها قطاع التعليم الأساسي قبل أسابيع قليلة من العودة المدرسية تأتي بعد "ركود نقابي" متواصل في جلّ القطاعات حيث وجدت كل الجامعات المنظوية تحت الاتحاد العام التونسي للشغل نفسها عاجزة عن فتح قنوات للتفاوض بشأن المطالب والاتفاقات الاجتماعية التي بقيت حبرا على ورق والى اليوم دون تفعيل، كما غابت اللقاءات الثنائية التي كانت معتادة بين الاتحاد العام التونسي للشغل ورؤساء الحكومات، حيث تقلّصت تلك اللقاءات الثنائية وكادت تنعدم تماما خاصة في فترة ترؤس احمد الحشاني للحكومة، اليوم ومع بداية عهد رئيس الحكومة الجديد كمال المدّوري مازالت كيفية العلاقة ونوعيتها في المستقبل معلّقة على كل الاحتمالات، خاصة وأن العودة المدرسية لن تخلو من التصادم بين الهيكل النقابي ووزير التربية .
بداية الفتور..
منذ الأزمة مع حكومة المشيشي فترت علاقة رئيس الجمهورية قيس سعيد مع الاتحاد العام التونسي للشغل وتواصل هذا الفتور حتى بعد إعلان إجراءات 25 جويلية التي ساندها الاتحاد علنا ولم يكترث لكل دعوات المعارضة التي طالبته بموقف رافض للمسار الجديد، ولكن رغم هذه المساندة ساءت أكثر العلاقة بين الرئاسة والاتحاد وتحوّلت الى تجاهل واضح للمنظمة الشغيلة.
في 16 جوان 2022 نفّذ اتحاد الشغل الإضراب الوحيد في القطاع العام وفي الوظيفة العمومية الذي قرره في المسار الجديد، وذلك على خلفية المنشور الذي أصدرته رئيسة الحكومة نجلاء بودن في 9 ديسمبر 2021 والذي حجّر على الوزارات والإدارات التفاوض مع النقابات قبل الحصول على ترخيص من رئاسة الحكومة وهو ما اعتبره الاتحاد تضييقا على الحق النقابي والمفاوضات الاجتماعية وضربا للحوار الاجتماعي ..
وهذا الخلاف تم تجاوزه في مرة أولى بعد إمضاء الاتفاق في الأجور وتعهّد بودن بسحب المنشور عدد 20 وقد قامت رئيسة الحكومة آنذاك بإصدار منشور جديد أنهى ما يرى فيه اتحاد الشغل ضربا للحوار الاجتماعي وحق المفاوضات الجماعية بين هياكله وممثلي سلط الإشراف. لكن المنشور عدد 21 لم يكن يختلف كثيرا وفق رؤية الاتحاد عن المنشور الذي سبقه خاصّة انه حدّد طريقة تفاوض الوزراء وكتاب الدولة والمديرين العامين للمؤسسات والمنشآت العمومية مع الطرف النقابي، من ضرورة التقيّد بخمس خطوات عند التفاوض أهمها دراسة الطلبات المقدمة من النقابات أو من مركزيّتهم النقابية من قبل وزارة الإشراف وإجبارية حضور ممثل عن وزارة المالية كلما كان للمطالب مفعول مالي..
وبعد هذا المنشور توتّرت العلاقة بين الاتحاد والحكومة الى لحظة الوصول الى الإضراب العام الذي نسف كل استقرار هشّ مع الحكومة وتم إغلاق باب التفاوض بشكل شبه نهائي وتقلّص التواصل الى حدوده الدنيا ..
علاقة منعدمة..
بعد إقالة نجلاء بودن وتعيين احمد الحشاني في منصب رئيس الحكومة، انعدم التواصل بشكل شبه كلّي بين الحكومة والاتحاد ولم تشهد فترة الحشاني أي تقدّم على مستوى المفاوضات الاجتماعية وكان اليوم الاحتجاجي الذي نفّذه الاتحاد في 2 مارس الماضي على خلفية تعطّل الحوار الاجتماعي وتراجع الحكومة في تطبيق اتفاقيات ممضاة وضرب الحق النقابي وقد حاول الاتحاد من خلال هذا الاحتجاج الضغط من اجل عودة التفاوض وتفعيل الاتفاقيات الممضاة في أكثر من قطاع ولكن دون جدوى حيث لم تتفاعل الحكومة مع احتجاج الاتحاد بشكل إيجابي رغم الاتصال الهاتفي الذي تمّ بين رئيس الحكومة أحمد الحشاني والأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، الذي تم قبل تنفيذ ذلك اليوم الاحتجاجي بأسابيع وتمحور حول ضرورة استئناف الحوار الاجتماعي وتنقية مناخات العمل.. وباستثناء تلك المكالمة فإن أغلب العلاقة بين الاتحاد والحكومة طوال فترة الحشاني اتسمت بالتجاهل والفتور التام .
مرحلة جديدة من العلاقة
منذ حوالي شهر اعتبر المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل، في بيان له أن انفراد الحكومة بمراجعة مجلة الشغل فيه "تنكر للعقد الاجتماعي الموقع بين الحكومة واتحاد الشغل واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية يوم 14 جانفي 2013" كما أشار الاتحاد في بيانه إلى أنّ تنقيح مجلّة الشغل يستدعي تقييما مشتركا بين أطراف الإنتاج لكامل المجلة ولا يجب أن ينحسر في مسألة العقود والتشغيل الهش.
ويأتي هذا البيان يوما بعد مجلس وزاري انعقد في 2 جويلية الماضي بإشراف رئيس الحكومة أحمد الحشاني وحضور وزير الشؤون الاجتماعية، آنذاك، كمال المدوري للنظر في مشروع قانون يتعلق بتنقيح وإتمام بعض أحكام مجلة الشغل.
والآن مع تولي وزير الشؤون الاجتماعية السابق كمال المدوري مقاليد رئاسة القصبة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هل أن طريقة التعامل ستتغيّر خاصة في علاقة بملف على غاية من الأهمية ومصيري بالنسبة للتونسيين، ألا وهو تنقيح مجلة الشغل التي هي في النهاية تختزل العقد الاجتماعي بين الشغالين والسلطة، والاتحاد يعتبر أن دوره الاجتماعي يفرض أن تكون له وجهة نظر في قانون سيؤثّر على حياة أجيال من التونسيين في المستقبل .
ولعلّ المواقف الأخيرة لوزارة التربية هو بداية لوضع العلاقة مع الهياكل النقابية في السياق الذي تريده الحكومة مع كمال المدوري، حيث أعلنت أنها ستمنع أي احتجاج داخل مقرات المندوبيات الجهوية للتربية يكون من شأنه تهديد حسن سير المرفق العمومي وتعطيل العودة المدرسية ومجرياته، وفق نص البلاغ الذي أصدرته الوزارة، ورغم أن الوزارة عادت لتؤكّد في ختام البلاغ احترامها للحق النقابي المنصوص عليه في الدستور، إلا أن ذلك لا ينفي أن للحكومات ما بعد 25 جويلية رؤيتها ومواقفها من العمل النقابي والتي تختلف جذريا على رؤية ومواقف الاتحاد العام التونسي للشغل .