يقول الاستراتيجي والجنرال البروسي كارل فون كلوزفيتز في كتابه "من الحرب" De la guerre أن "كل حرب ستنتهي في وقت ما. الحرب ليست فعلاً مستمرّاً في الزمان والمكان".
كلام كلوزفيتز يمكن أن يفسر بأن فعل الحرب في حد ذاته لن يكون مجديا إلا إذا كان متواصلا مع السياسة، ومع المحددات الأساسية من أي حرب أو صراع عنيف، ومنها أهدافه المباشرة أو غير المباشرة، وأولها الأهداف السياسية والإستراتيجية وكذلك الجيوسياسية، خصوصا وأن فعل الحرب يسعى لتغيير واقع الجغرافيا وفق مقتضيات السياسة والإستراتيجية العامة للدولة أو الكيان الذي ينوي الانخراط في الحرب.
ويبدو أنه لا يمكن فهم التحرك الأوكراني الأخير في منطقة كورسك الروسية إلا ضمن هذا الإطار، فمثل هذه الخطوة تعتبر مغامرة بالنسبة لأوكرانيا، التي أقامت إدارة عسكرية في الأراضي التي توغلت فيها داخل روسيا والتي امتدت حتى 1000 كلم مربع.
فأوكرانيا قامت بعكس الهجوم على روسيا، التي هاجمت شرق كييف منذ 2014، وبدأت باستكمال سيطرتها على شرق وجنوب البلاد منذ سنة 2022، وهو ما يعتبر تطورا جديدا ومهما في الحرب الروسية على أوكرانيا.
وقد تعمل كييف، من خلال هذا التوغل، على تخفيف الضغط على قواتها من جبهة الحرب في لوهانسك ودونيتسك شرقي أوكرانيا وخاصة في محيط خاركيف المدينة الإستراتيجية الثانية بعد العاصمة كييف.
ويبدو أن هذا هو الهدف العسكري قريب المدى من هذا التوغل، حيث دفعت كييف بكثير من الجنود والكتائب في هذا الهجوم، وهو ما أبقى حالة الجبهات الدفاعية في مختلف الجبهات داخل أوكرانيا في حالة ضعف، كما لم تسحب موسكو كتائبها الهجومية للقتال في كورسك، وفق ما سطرته قيادة الأركان الأوكرانية، وهذا ما بدأت موسكو باستغلاله مع سيطرتها على مدينة جديدة في دونتيسك.
فهذا الهجوم الجريء بدا مفاجئا للجميع وتم إعداده وفق تكتيك "حرب البرق" (بيلتزكري)، وهو نفس الأسلوب الذي فشلت روسيا في تنفيذه في بداية الحرب في فيفري سنة 2022.
ولعل ما فشلت فيه روسيا يبدو أن أوكرانيا نجحت في تنفيذه من خلال هذا "التوغل / المغامرة" في الأراضي الروسية، فنقطة الضعف التي أسقطت الهجوم الخاطف الروسي آنذاك تمثل في تقطع خطوط الإمداد اللوجستية، وهذا ما عملت أوكرانيا على تفاديه في هجومها، مستفيدة في ذلك من المعلومات الاستخبارية -التي تستمدها من المخابرات الغربية- لنقاط الضعف في الدفاعات الحدودية الروسية، وكذلك من الدعم العسكري التكنولوجي الغربي.
ومع تحول هذا الهجوم الأوكراني السريع لسيطرة مباشرة على الأراضي، مع إعلان كييف لإدارة عسكرية للمناطق الروسية التي سيطرت عليها، فإن المرحلة القادمة قد تذهب نحو السيطرة على المرافق الحيوية الروسية الموجودة في اللمنطقة مثل محطات تكرير النفط والغاز، وخاصة مفاعل كورسك النووي، أسوة بما فعلته موسكو في خلال المرحلة الأولى من اجتياحها لشرق أوكرانيا وجنوب شرقها على بحر الآزوف كالسيطرة على مدينة ماريوبول التي تمثل أكبر مركز صناعي لأوكرانيا.
يبدو أن الرئيس الأوكراني فولودومير زيلنسيكي وكأنه "يلعب النرد"، فمن خلال هذا الهجوم" يسعى لفرض أمر واقع عسكري مغاير ميدانيا يتم فيما بعد استثماره سياسيا، وجر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طاولة المفاوضات.
وهنا قد تذهب أوكرانيا لتقديم عرض الى روسيا يتمثل في ضرورة الانسحاب الروسي من أوكرانيا مقابل انسحابها من كورسك.
ذلك قد لا يكون ممكنا في هذه الجولة من الحرب، خصوصا وأن بوتين يستعد لهجوم معاكس في محاولة لعزل خطوط الإمداد على الكتائب الأوكرانية المهاجمة لكورسك من خلال التوغل في منطقة سومي التي انطلقت منها القوات الأوكرانية في مغامرتها داخل الأراضي الروسية.
بقلم: نزار مقني
يقول الاستراتيجي والجنرال البروسي كارل فون كلوزفيتز في كتابه "من الحرب" De la guerre أن "كل حرب ستنتهي في وقت ما. الحرب ليست فعلاً مستمرّاً في الزمان والمكان".
كلام كلوزفيتز يمكن أن يفسر بأن فعل الحرب في حد ذاته لن يكون مجديا إلا إذا كان متواصلا مع السياسة، ومع المحددات الأساسية من أي حرب أو صراع عنيف، ومنها أهدافه المباشرة أو غير المباشرة، وأولها الأهداف السياسية والإستراتيجية وكذلك الجيوسياسية، خصوصا وأن فعل الحرب يسعى لتغيير واقع الجغرافيا وفق مقتضيات السياسة والإستراتيجية العامة للدولة أو الكيان الذي ينوي الانخراط في الحرب.
ويبدو أنه لا يمكن فهم التحرك الأوكراني الأخير في منطقة كورسك الروسية إلا ضمن هذا الإطار، فمثل هذه الخطوة تعتبر مغامرة بالنسبة لأوكرانيا، التي أقامت إدارة عسكرية في الأراضي التي توغلت فيها داخل روسيا والتي امتدت حتى 1000 كلم مربع.
فأوكرانيا قامت بعكس الهجوم على روسيا، التي هاجمت شرق كييف منذ 2014، وبدأت باستكمال سيطرتها على شرق وجنوب البلاد منذ سنة 2022، وهو ما يعتبر تطورا جديدا ومهما في الحرب الروسية على أوكرانيا.
وقد تعمل كييف، من خلال هذا التوغل، على تخفيف الضغط على قواتها من جبهة الحرب في لوهانسك ودونيتسك شرقي أوكرانيا وخاصة في محيط خاركيف المدينة الإستراتيجية الثانية بعد العاصمة كييف.
ويبدو أن هذا هو الهدف العسكري قريب المدى من هذا التوغل، حيث دفعت كييف بكثير من الجنود والكتائب في هذا الهجوم، وهو ما أبقى حالة الجبهات الدفاعية في مختلف الجبهات داخل أوكرانيا في حالة ضعف، كما لم تسحب موسكو كتائبها الهجومية للقتال في كورسك، وفق ما سطرته قيادة الأركان الأوكرانية، وهذا ما بدأت موسكو باستغلاله مع سيطرتها على مدينة جديدة في دونتيسك.
فهذا الهجوم الجريء بدا مفاجئا للجميع وتم إعداده وفق تكتيك "حرب البرق" (بيلتزكري)، وهو نفس الأسلوب الذي فشلت روسيا في تنفيذه في بداية الحرب في فيفري سنة 2022.
ولعل ما فشلت فيه روسيا يبدو أن أوكرانيا نجحت في تنفيذه من خلال هذا "التوغل / المغامرة" في الأراضي الروسية، فنقطة الضعف التي أسقطت الهجوم الخاطف الروسي آنذاك تمثل في تقطع خطوط الإمداد اللوجستية، وهذا ما عملت أوكرانيا على تفاديه في هجومها، مستفيدة في ذلك من المعلومات الاستخبارية -التي تستمدها من المخابرات الغربية- لنقاط الضعف في الدفاعات الحدودية الروسية، وكذلك من الدعم العسكري التكنولوجي الغربي.
ومع تحول هذا الهجوم الأوكراني السريع لسيطرة مباشرة على الأراضي، مع إعلان كييف لإدارة عسكرية للمناطق الروسية التي سيطرت عليها، فإن المرحلة القادمة قد تذهب نحو السيطرة على المرافق الحيوية الروسية الموجودة في اللمنطقة مثل محطات تكرير النفط والغاز، وخاصة مفاعل كورسك النووي، أسوة بما فعلته موسكو في خلال المرحلة الأولى من اجتياحها لشرق أوكرانيا وجنوب شرقها على بحر الآزوف كالسيطرة على مدينة ماريوبول التي تمثل أكبر مركز صناعي لأوكرانيا.
يبدو أن الرئيس الأوكراني فولودومير زيلنسيكي وكأنه "يلعب النرد"، فمن خلال هذا الهجوم" يسعى لفرض أمر واقع عسكري مغاير ميدانيا يتم فيما بعد استثماره سياسيا، وجر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طاولة المفاوضات.
وهنا قد تذهب أوكرانيا لتقديم عرض الى روسيا يتمثل في ضرورة الانسحاب الروسي من أوكرانيا مقابل انسحابها من كورسك.
ذلك قد لا يكون ممكنا في هذه الجولة من الحرب، خصوصا وأن بوتين يستعد لهجوم معاكس في محاولة لعزل خطوط الإمداد على الكتائب الأوكرانية المهاجمة لكورسك من خلال التوغل في منطقة سومي التي انطلقت منها القوات الأوكرانية في مغامرتها داخل الأراضي الروسية.