إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رغم تقلدها عديد المناصب في الدولة.. تراجع مشاركة التونسيات في الشأن العام

 

في غياب مبدأ التناصف. . حضور قليل للمرأة في مواقع القرار ومشاركة ضعيفة في الحياة السياسية

تونس الصباح

تحفل المرأة التونسية بعيدها الوطني اليوم، الذي يتوافق مع 13 أوت من كل سنة، في سياق سياسي تتجه خلاله البلاد مرة اخرى نحو استحقاق انتخابي لاختيار رئيس جديد للجمهورية.

وعلى غرار المواعيد السابقة للرئاسيات ينطلق السباق دون اي ترشح نسائي، ويشهد خلاله الفضاء العام، تراجعا واضحا لنسب مشاركة التونسيات في الشأن العام وفي حضورهن في مواقع القرار.

ورغم أن المدة الرئاسية الجارية، عرفت لأول مرة في تاريخ البلاد تسمية امرأة رئيسة حكومة الا ان جميع المحطات الانتخابية التي تزامنت مع مدة إدارتها للبلاد سجلت تراجعا وضعفا في تمثيلية النساء في المجال السياسي.

وكانت مسالة تدعيم دور النساء في الحياة العامة وفي مواقع القرار على امتداد السنوات الماضية، من القضايا الهامة التي اشتغلت عليها منظمات حقوقية ومدنية عديدة في تونس فضلا عن المجهود الذي تبذله وزارة المرأة والأسرة عبر إطلاقها لبرامج دعم مشاركة المرأة في مواقع القرار والحياة العامة وبرامج أخرى متصلة بتمكين المرأة في جميع المجالات، غير أنه على الدوام تصطدم المرأة وهذه البرامج والتشريعات بالواقع المجتمعي الذي يجعل وصولها الى صنع القرار أمرا هشا وهامشيا.

وتعيد منظمات نسوية انخفاض نسب مشاركة النساء في الشان العام، اساسا الى ضرب مبدأ التناصف في القانون الانتخابي ويعتبرون ان تأثيره بدا واضحا على مشاركتهن في المواعيد الانتخابية التي لحقت صدوره.

النسبة الأضعف في تمثيلية النساء على امتداد ال 14 سنة الماضية

وبالعودة للأرقام سجلت المجالس المحلية المنتخبة مؤخرا في تونس النسبة الأضعف في تمثيلية النساء على امتداد ال 14 سنة الماضية وما تخللها من مواعيد انتخابية ومجالس نيابية وكانت في حدود ال12%. في حين كانت تمثيلية المرأة التونسية في حدود ال 29% في المجلس التأسيسي سنة 2011، وكانت نسبة تواجدها 31% في مجلس نواب الشعب لسنة 2014، وبلغت نسبتها 24% في برلمان 2019، وكانت تمثيليتها في حدود ال 16.2% في مجلس نواب الشعب الحالي، وحظيت المرأة بالتمثيلية الأكبر في الانتخابات البلدية لسنة 2018 اين مثلت نسبة تواجدها 47.7% من العدد الجملي للفائزين في المجالس البلدية.

وفي قراءة لحالة العزوف وعدم اهتمام النساء في تونس بالشأن السياسي او المحطات الانتخابية، تقول نجاة عرعاري الناشطة الحقوقية والباحثة في علم الاجتماع، انه وبشكل عام هناك ثقافة سائدة تعتبر ان الشأن العام والشأن السياسي هو مجال "ذكوري" بامتياز. كما لو ان هذا المجال مخصص للرجال فقط. حتى انه تاريخيا بالنظر الى رؤساء الاحزاب القيادات المنظمات النقابية ورؤساء الجمهوريات ورؤساء البرلمانيات مواقع القيادة والقرار.. جميعها رجالية.

وهذه الثقافة السائدة هي ما جعلت من المراة بشكل عام لا تهتم بهذه المجالات على أساس أنها محتكرة من قبل الرجال. ونفس الأمر نجده في ردود فعل عدد من الرجال في حديثهم عن مجالات تعتبره الثقافة العامة السائدة مجالات نسائية على غرار الموضة والتجميل.. اين يقولون انها امور نسائية.. في الوقت الذي لا يوجد مجالات للنساء واخرى للرجال وهو مجرد تقسيم اجتماعي وثقافة ذكورية.

وتضيف عرعاري أن العامل الثاني لعزوف النساء عن الشأن السياسي، هو الفضاء غير الديمقراطي، وتفسر انه ما بعد الثورة وحالة الانفتاح الإعلامي جعلت من قضايا النساء مادة اعلامية متداولة ومكنت عديد النساء من ان يتحولن الى شخصيات معروفة وقيادات وطنية ومشاركات في الشأن العام وجعلهن يهتممن أكثر بالقضايا الوطنية السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها.. وبقدر ما نسجل تراجع في مجال الحقوق والحريات يتراجع حضور النساء في مواقع القرار والشأن العام. فالفضاء الديمقراطي والحر، هو ما يجعل النساء تكتسب الشجاعة للمشاركة والتعبير على رأيها في الشأن العام والشان السياسي، وبقدر توجه النظام نحو الانغلاق، وارتفاع العنف الرقمي والمعنوي في الفضاء العام الافتراضي والحقيقي، يرتفع ضغط الاسرة والعائلة وتنسحب النساء من الشأن العام الى مربعها التقليدي الذي حدده لها المجتمع والعقلية السائدة الذكورية.

وتنبه نجاة عرعاري في نفس الوقت إلى أن المحاكمات التي يواجهها عدد من الوجوه السياسية والحقوقية والنقابية والصحفية المعروفة والتي تضم عددا من النساء، بدورها تخلق عزوفا عاما عن الشأن العام وهو امر غير مرتبط فقط بالنساء فهو يشمل الجنسين ويجعل نسبة من الرجال والنساء على حد السواء ينسحبون من الفضاء العام.

وتشير الباحثة في علم الاجتماع أن وجود نحو عشر سجينات رأي بين ناشطات سياسيات وحقوقيات وصحفيات ومحاميات، يجعلنا نعيش في مناخ منتج للخوف ويجعل المرأة تنسحب تدريجيا وتقصي نفسها بشكل آلي من الفضاء العام ومن الشأن العام السياسي.

وللاشارة، تتسبب حملات التشويه الممنهجة على مواقع التواصل الاجتماعي وأيضا في الفضاء العام في تفاقم الوضع إذ كثيرا ما تجد النساء الموقوفات في قضايا رأي انفسهن في مواجهة هجمات وحملات تشهير ومحاولات للتشويه تصل حتى الى المساس بالشرف والعائلة مما يزيد في حجم التردد لدى النساء عموما قبل اقتحام الشأن العام.

ريم سوودي

 

 

 

 

 

 

 

رغم تقلدها عديد المناصب في الدولة..   تراجع مشاركة التونسيات في الشأن العام

 

في غياب مبدأ التناصف. . حضور قليل للمرأة في مواقع القرار ومشاركة ضعيفة في الحياة السياسية

تونس الصباح

تحفل المرأة التونسية بعيدها الوطني اليوم، الذي يتوافق مع 13 أوت من كل سنة، في سياق سياسي تتجه خلاله البلاد مرة اخرى نحو استحقاق انتخابي لاختيار رئيس جديد للجمهورية.

وعلى غرار المواعيد السابقة للرئاسيات ينطلق السباق دون اي ترشح نسائي، ويشهد خلاله الفضاء العام، تراجعا واضحا لنسب مشاركة التونسيات في الشأن العام وفي حضورهن في مواقع القرار.

ورغم أن المدة الرئاسية الجارية، عرفت لأول مرة في تاريخ البلاد تسمية امرأة رئيسة حكومة الا ان جميع المحطات الانتخابية التي تزامنت مع مدة إدارتها للبلاد سجلت تراجعا وضعفا في تمثيلية النساء في المجال السياسي.

وكانت مسالة تدعيم دور النساء في الحياة العامة وفي مواقع القرار على امتداد السنوات الماضية، من القضايا الهامة التي اشتغلت عليها منظمات حقوقية ومدنية عديدة في تونس فضلا عن المجهود الذي تبذله وزارة المرأة والأسرة عبر إطلاقها لبرامج دعم مشاركة المرأة في مواقع القرار والحياة العامة وبرامج أخرى متصلة بتمكين المرأة في جميع المجالات، غير أنه على الدوام تصطدم المرأة وهذه البرامج والتشريعات بالواقع المجتمعي الذي يجعل وصولها الى صنع القرار أمرا هشا وهامشيا.

وتعيد منظمات نسوية انخفاض نسب مشاركة النساء في الشان العام، اساسا الى ضرب مبدأ التناصف في القانون الانتخابي ويعتبرون ان تأثيره بدا واضحا على مشاركتهن في المواعيد الانتخابية التي لحقت صدوره.

النسبة الأضعف في تمثيلية النساء على امتداد ال 14 سنة الماضية

وبالعودة للأرقام سجلت المجالس المحلية المنتخبة مؤخرا في تونس النسبة الأضعف في تمثيلية النساء على امتداد ال 14 سنة الماضية وما تخللها من مواعيد انتخابية ومجالس نيابية وكانت في حدود ال12%. في حين كانت تمثيلية المرأة التونسية في حدود ال 29% في المجلس التأسيسي سنة 2011، وكانت نسبة تواجدها 31% في مجلس نواب الشعب لسنة 2014، وبلغت نسبتها 24% في برلمان 2019، وكانت تمثيليتها في حدود ال 16.2% في مجلس نواب الشعب الحالي، وحظيت المرأة بالتمثيلية الأكبر في الانتخابات البلدية لسنة 2018 اين مثلت نسبة تواجدها 47.7% من العدد الجملي للفائزين في المجالس البلدية.

وفي قراءة لحالة العزوف وعدم اهتمام النساء في تونس بالشأن السياسي او المحطات الانتخابية، تقول نجاة عرعاري الناشطة الحقوقية والباحثة في علم الاجتماع، انه وبشكل عام هناك ثقافة سائدة تعتبر ان الشأن العام والشأن السياسي هو مجال "ذكوري" بامتياز. كما لو ان هذا المجال مخصص للرجال فقط. حتى انه تاريخيا بالنظر الى رؤساء الاحزاب القيادات المنظمات النقابية ورؤساء الجمهوريات ورؤساء البرلمانيات مواقع القيادة والقرار.. جميعها رجالية.

وهذه الثقافة السائدة هي ما جعلت من المراة بشكل عام لا تهتم بهذه المجالات على أساس أنها محتكرة من قبل الرجال. ونفس الأمر نجده في ردود فعل عدد من الرجال في حديثهم عن مجالات تعتبره الثقافة العامة السائدة مجالات نسائية على غرار الموضة والتجميل.. اين يقولون انها امور نسائية.. في الوقت الذي لا يوجد مجالات للنساء واخرى للرجال وهو مجرد تقسيم اجتماعي وثقافة ذكورية.

وتضيف عرعاري أن العامل الثاني لعزوف النساء عن الشأن السياسي، هو الفضاء غير الديمقراطي، وتفسر انه ما بعد الثورة وحالة الانفتاح الإعلامي جعلت من قضايا النساء مادة اعلامية متداولة ومكنت عديد النساء من ان يتحولن الى شخصيات معروفة وقيادات وطنية ومشاركات في الشأن العام وجعلهن يهتممن أكثر بالقضايا الوطنية السياسية والاجتماعية والثقافية وغيرها.. وبقدر ما نسجل تراجع في مجال الحقوق والحريات يتراجع حضور النساء في مواقع القرار والشأن العام. فالفضاء الديمقراطي والحر، هو ما يجعل النساء تكتسب الشجاعة للمشاركة والتعبير على رأيها في الشأن العام والشان السياسي، وبقدر توجه النظام نحو الانغلاق، وارتفاع العنف الرقمي والمعنوي في الفضاء العام الافتراضي والحقيقي، يرتفع ضغط الاسرة والعائلة وتنسحب النساء من الشأن العام الى مربعها التقليدي الذي حدده لها المجتمع والعقلية السائدة الذكورية.

وتنبه نجاة عرعاري في نفس الوقت إلى أن المحاكمات التي يواجهها عدد من الوجوه السياسية والحقوقية والنقابية والصحفية المعروفة والتي تضم عددا من النساء، بدورها تخلق عزوفا عاما عن الشأن العام وهو امر غير مرتبط فقط بالنساء فهو يشمل الجنسين ويجعل نسبة من الرجال والنساء على حد السواء ينسحبون من الفضاء العام.

وتشير الباحثة في علم الاجتماع أن وجود نحو عشر سجينات رأي بين ناشطات سياسيات وحقوقيات وصحفيات ومحاميات، يجعلنا نعيش في مناخ منتج للخوف ويجعل المرأة تنسحب تدريجيا وتقصي نفسها بشكل آلي من الفضاء العام ومن الشأن العام السياسي.

وللاشارة، تتسبب حملات التشويه الممنهجة على مواقع التواصل الاجتماعي وأيضا في الفضاء العام في تفاقم الوضع إذ كثيرا ما تجد النساء الموقوفات في قضايا رأي انفسهن في مواجهة هجمات وحملات تشهير ومحاولات للتشويه تصل حتى الى المساس بالشرف والعائلة مما يزيد في حجم التردد لدى النساء عموما قبل اقتحام الشأن العام.

ريم سوودي