إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في عيدها الوطني.. المرأة التونسية في الجهات الداخلية بين الواقع والوعود..

تُحيي تونس، اليوم الثلاثاء 13 أوت 2024، الذكرى 68 للعيد الوطني للمرأة التونسية، مناسبة لتأكيد مسار دعم حقوق المرأة وتعزيز مكتسباتها في كل المجالات، لما تمثّله هذه الذكرى من رمزية منذ صدور مجلّة الأحوال الشخصيّة في 13 أوت 1956.. ويعدّ الاحتفاء بعيد المرأة مناسبة للوقوف على ما أنجز في مجال تكريس حقوق المرأة.. كما يمثّل فرصة لتثمين دور النساء التونسيات الرائدات، باختلاف مواقعهنّ ومساراتهن المهنية... لكن هذا الاحتفاء لا يمكن أن يحجب ما تعانيه عديد من النساء خاصة اللواتي يعشن الخصاصة والفقر والتهميش رغم ترسانة التشريعات.. فمتى يتم إنصافهن واتخاذ ما يجب من الخطوات لتعيش المرأة التونسية مواطنة كاملة الحقوق والحريات؟

نابل .. أسماء الرايس قصة نجاح امرأة مُثابرة.. من "ربة بيت" إلى رائدة أعمال

النساء الملهمات اللواتي نجحن في أعمالهن الشخصية يمثلن نموذجا يحتذى للنساء القويات المُبادرات صاحبات الإرادة القوية والعزيمة الصلبة اللاتي لم ولن توقفهن العقبات ولن تقف أمامهن العراقيل حاجزا لتحقيق أمنياتهن وتجسيد أحلامهن على ارض الواقع.. هن المُثابرات الناجحات الصامدات..

اليوم كانت لـ"الصباح" مُصافحة مع امرأة مكافحة بدأت مسيرتها من نقطة الصفر وبخطوات ثابتة وبإرادة قوية.. هكذا حدثتنا أسماء الرايس من مواليد سنة 1973، وهي امرأة مُتزوجة وأم لأربعة أطفال.. وأصيلة مدينة قربة من ولاية نابل.. هذه المرأة المُثابرة والناجحة تصغي إليها فتلهمك قصة نجاحها من "ربة بيت" الى رائدة أعمال" ناجحة استطاعت أن تتخطى العراقيل وبفضل صبرها ومثابرتها وعزمها على تحقيق حلمها نالت التفوق والنجاح في حياتها العائلية وفي عملها.

تقول أسماء في تصريح لجريدة الصباح إنها زاولت مرحلتي التعليم الابتدائي والثانوي بمعتمدية قربة وتحصلت على شهادة الباكالوريا سنة 1992 لكنها انقطعت بعدها عن الدراسة عندما تزوجت وأنجبت أطفالها وتفرغت لشؤون المنزل لمدة 10سنوات..

وحول انطلاقة مسيرتها المهنية قالت إن البداية الأولى وخطواتها الأولى كانت بركن صغير بمنزلها خصصته للعمل.. وفي هذا الإطار اثنت على مجهودات زوجها الذي امن بقدراتها.. وقد انطلقت مسيرتها في البداية بممارسة هويتها في الرسم على محامل مختلفة من ذلك على الحرير والقماش وتزويق التحف...

وفي هذا السياق، أشارت المُتحدثة إلى أن عشقها للتطريز والتزويق بدأ منذ طفولتها حيث تعلمت التطريز عن والدتها منذ أن كانت في سن الـ10 سنوات وكانت تجمع النقود التي تتحصل عليها من والديها وتخبئها وتشتري بها مادة الحبر لتزيين الجلود.. كما استطاعت كذلك أن تكون مُبدعة في تزويق قوارير الزهر والعطرشية وصنع الهدايا والتحف وهدايا الحلوى "الدراجي".. أسماء الرايس انخرطت كذلك في العمل الجمعياتي كإطار في الهيئة المديرة للاتحاد الوطني للمرأة التونسية وواكبت الأنشطة الجمعياتية بكل من جمعية البيئة بقربة والغرفة الفتية العالمية وكذلك انخرطت كعضو في جمعية حفظ القرآن الكريم واستطاعت أن تحصد أصوات أبناء مدينتها لتكون مستشارة ببلدية قربة في أول انتخابات بلدية، بعد الثورة، سنة 2018.

وبمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة التونسية سألنا أسماء عن النصيحة التي تقدمها للمرأة عموما ولخريجات التعليم العالي، فأكدت أنها تدعوهن الى عدم الاكتفاء بنيل شهادة التخرج فقط وإنما الإصرار على تعلّم حرفة منذ سن الطفولة مع ضرورة مُجابهة العراقيل والتعامل مع الصعوبات والتقدم نحو الأمام والتطوير من ذواتهن قائلة:"ان مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة". وأضافت أسماء بقولها: "سر نجاحي ووصولي لهذه المرحلة كامرأة صاحبة مشروع ورائدة أعمال ناجحة هو كوني صاحبة إرادة قوية والفضل يعود لله سبحانه كذلك أثمن دعم زوجي لي بعد ان أقنعته وامن بقدراتي واثبت له انني سأوفق بين مسؤوليتي العائلية وبين عملي".. وبينت اسماء ان "التعويل على النفس والايمان بالقدرات الذاتية له تاثيرات ايجابية على الفرد والعائلة والمجتمع ككل" قائلة: "انا لم استسلم للعراقيل في خطواتي الأولى وصبرت كثيرا لأنال مرادي.. وان النجاح ليس له طريق واحد فإن تعذر علينا طريق نشق او نسلك طريقا آخر".

كما قالت أسماء إنها لم تتوقف عن التفكير بالدراسة الجامعية التي بقيت عالقة في ذهنها إذ كانت أولى الخطوات التسجيل في معهد التكوين والحرف والتحصل على شهادة الكفاءة المهنية في المنتوجات المزخرفة.. لتكمل لاحقا دراستها عن بعد وتتحصل على ماجستير في التسويق الاحترافي والالكتروني من جامعة "kings bridge" الأمريكية.

وفي سياق متصل، أكدت المُتحدثة على ضرورة العمل على التطوير والتجديد إذ أنه والى جانب تلقيها تكوينا مستمرا كانت دائما تشارك في دورات تكوينية في مختلف المجالات لتطوير مهاراتها في مجال عملها وتعلم مهارات إضافية.

فأسماء الرايس هي صاحبة مشروع اختصاص لوازم الافراح والمناسبات وصناعة اللباس التقليدي.. وحول حرفتها، اوضحت انها تلقى رواجا حيث يقبل التونسيون على اقتنائها.

كما شاركت أسماء في معارض وطنية وتتطلع أيضا للمشاركة في معارض دولية بالخارج.

وحول سؤالنا بخصوص المُنجزات التي تحققت للنساء صاحبات المشاريع، تقول أسماء ان هناك برامج حكومية لدعم وتحفيز النساء صاحبات المشاريع ومساندتهن وتقديم القروض لهن الا ان ما ينقص المرأة رائدة الأعمال اليوم هو دعم ترويج وتسويق منتوجاتها حيث اشادت بما يتوفر للمرأة التونسية من دعم وتكوين من طرف الديوان الوطني للصناعات التقليدية والمنظمات الأجنبية لكن ما هو مطلوب هو المساندة وإيجاد حلول للنساء صاحبات المشاريع وخصوصا المرأة الريفية التي تجد صعوبة في ترويج منتوجها...

ليلى بن سعد

سيدي بوزيد .. بعد 68 سنة من صدور مجلة الأحوال الشخصية المرأة "الفلاّحة" مازالت تنتظر الكثير

تقدّر نسبة النساء العاملات في القطاع الفلاحي في سيدي بوزيد إحدى الولايات الداخلية بأكثر من 90 بالمائة من نسبة العاملين ككل في هذا القطاع، ورغم ذلك يتقاضى الرجل أجرا يفوق اجر المرأة بكثير فمازالت العقلية السائدة تنصف الرجل على حسابها رغم أنها تقدّم جهدا يساوي أضعاف ما يقدمه الرجل في أغلب الأحيان.

كما تعاني المرأة العاملة بالقطاع الفلاحي من الاستغلال الاقتصادي الذي فرض استغلالا اجتماعيا كان له الأثر السلبي على شخصيتها.. إذ أنّ ظروفها القاسية وكذلك الحاجة الماسة لإعالة عائلتها جعلها تُصبح بمثابة "العبد" عند الفلاح او الوسيط الذي يرفض تمتيع النساء بحقوقهن من ذلك التمتع بحقوقهن في الضمان الاجتماعي او في نقل آمن او توفير الاجر المناسب الذي يضمن كرامتهن.. ويتواصل الاستغلال للنساء في الضيعات الفلاحية من خلال حرمان بعضهن من العمل بمجرد رفضهن للأوضاع.. فتقول حبيبة إحدى العاملات بالقطاع الفلاحي بولاية سيدي بوزيد: "كنت اعمل بإحدى الضيعات التي تبعد على مسكني عشرات الكيلومترات وكنت اخرج في ساعة مبكرة كل صباح و ذات يوم واثناء امتطاء شاحنة الموت (كما يسمونها) تشاجرت مع السائق لان عددنا فاق الأربعين امرأة فأجبرني على النزول ورفض نقلي الى العمل" وتواصل حبيبة حديثها حول ظروف العمل القاسية حيث حدثتنا عن بعض الاعتداءات التي يتعرض لها النساء.. كما ذكرت أمثلة لتعرض بعض النساء والفتيات للتحرش من قبل الفلاح والوسيط على حد سواء، مضيفة انه ورغم هذه الظروف الصعبة جدا، حسب وصفها، الا انها كانت تصطحب ابنتها التي تدرس بالمعهد الثانوي خلال العطل المدرسية لمساعدتها على مجابهة مصاريف تعليمها هي وشقيقاتها.

عفاف هي الأخرى عاملة بالقطاع الفلاحي تعاني من آلام حادة على مستوى الظهر جراء تعرضها لحادث مرور اثناء تنقلها للعمل في احدى الضيعات الفلاحية.. تقول بأنها "ورغم الآلام التي ترافقها منذ الحادث الا انها مازالت تتنقل في هذه الشاحنات وتصر على الذهاب الى العمل لأنها في حاجة الى العشرة دنانير التي تتقاضاها لان وضعها الاجتماعي فرض عليها ذلك لتجد ما يسد رمقها هي وعائلتها ."

في المقابل تحاول السلط الجهوية والوطنية التخفيف من وطأة هذه الأوضاع الاجتماعية الصعبة من خلال توفير موارد رزق لفائدة النساء الريفيات والعاملات بالقطاع الفلاحي.. فمؤخرا تحولت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن آمال بالحاج موسى إلى ولاية سيدي بوزيد لتسليم 85 مورد رزق في إطار برنامج التمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء والفتيات بالوسط الريفي الذي شمل ثلاث ولايات وهي سيدي بوزيد والقيروان والقصرين بكلفة جملية تجاوزت ثلاثة مليون دينار. ولم تقتصر التدخلات فقط على هذا البرنامج وإنما تم تمتيع هذه الفئة بالأولوية في بعض البرامج الأخرى التي تنفذها الوزارة إلا أنه ورغم ذلك مازالت المرأة الريفية والمرأة العاملة في القطاع الفلاحي تعاني الكثير من التهميش خاصة بعد فشل العديد من المحاولات في تأمين مثلا الضمان الاجتماعي كمنظمومة "احميني" التي لم تعرف نتائجها الى اليوم .

وتحيي المرأة التونسية هذه السنة الذكرى 68 لتأسيس مجلة الأحوال الشخصية إلا أنّ النساء الريفيات بسيدي بوزيد و بعض الولايات التي تتشابه فيها صورة المرأة مازالت تنتظر إنصافها اعترافا بدورها في الأمن الغذائي وبناء مجتمع راق .

عائشة

رغم الوعود.. المرأة الفلاّحة رهينة نقل "مشؤوم" وسوء تأجير مع موت يترصدها في كل لحظة

"مع الفجر والفجر لا يشعر.. مع الفجر راقبتها تعبر إلى أين قبل انبلاج الصّباح.. إلى أين هذا السّرى المُبكّر.. ؟".. هو ذات المشهد الذي يتكرّر في عدد من المحطّات التي تؤمّها العاملات الفلاحيات بمنطقة الفقاعيّة من معتمديّة أكودة ومنزل المحطّة من سيدي بوعليّ والنّقر من معتمديّة القلعة الصّغرى والبورة وبلعوم من معتمدية القلعة الكبرى.. أين تجتمع العاملات الفلاحيّات بعد أن تكون قد أعدّت كل واحدة منهنّ فطور الصّباح ووجبة الغداء لأفراد العائلة واقتطعت منها ما يسدّ رمق جوعها ويشحن جسمها بنزر من الطاقة المستوجبة لتأمين يوم جديد ومتجدّد في مسار النّضال...

من بعيد تلمح العاملات شاحنة مكشوفة أقبلت على مهل تتهادى بين ثنايا المسلك الفلاحيّ مخافة أن تفقد شيئا من هيكلها المهترئ لتُسارع إليها الفلاّحات المُجاهدات غير عابئات ولا مكترثات فالظّفر بمكان للوقوف فوق ظهرها هو مبلغ همّهنّ ليتدخّل صاحب الشّاحنة متوعّدا بالطّرد وإنزال كلّ من تبدي سرّا أو جهرا امتعاضا أو استنكارا من ظروف النّقل، إذ يحرص صاحب الشّاحنة على الزجّ بما لا يقلّ عن الثلاثين عاملة بالصّندوق الخلفيّ للشّاحنة معتمدا حيلة اقتبسها من مجلّد إبليس ومن خطى منهجه.. فقد أكّدت بعض الفلاّحات أنّ صاحب الشاحنة وبهدف نقل أكبر عدد من العاملات في رحلة واحدة يقوم بسكب الماء على سطح الصّندوق الخلفي للعربة لإرغامهنّ على الوقوف طوال السّفرة على ساق واحدة كما أفادت إحداهنّ أنه وإلى جانب الرحلة اليومية المحفوفة بعديد المخاطر والتداعيات الصحية التي تتربّص بالعاملات جراء نقل مشؤوم لا يحترم أبسط معايير السلامة فإنّ بعض أصحاب الشّاحنات لا يتورّعون عن التحرّش بالشابات.. ممّا يسبّب لهنّ إحراج وسخطا على فقرهنّ الذي يستبيح كرامتهنّ وشرفهنّ.

وعود وجحود

مرّت سنوات حملت في طياتها جملة من التعهّدات التي لم تراوح مستوى الوعود فرغم عديد المراسلات على المستوى الجهويّ والمركزي للمطالبة بالتدخّل واتخاذ إجراءات جريئة تدفع نحو توفير وسائل نقل تضمن أبسط مقوّمات الكرامة والسّلامة الجسدية للعاملات في القطاع الفلاحي اللاتي يزداد عددهنّ من سنة إلى أخرى نتيجة لعزوف الشّباب الذكوري ومقاطعته للنّشاط الفلاحي الذي أصبح قائما أساسا على العنصر النّسائي بنسبة تتجاوز 70% بالولاية فإنّه وإلى اليوم لم يُتّخذ إجراء يخدم صالح الفلاّحات اللاّتي يحملن أكفانهنّ على أكتافهنّ في كل رحلة على متن صناديق شاحنات الموت رغم إسهامهن الكبير في أمننا الغذائيّ لتتواصل فصول مسرحية الاستغلال وسوء التّأجير نتيجة لعمليّة السّمسرة التي يقوم بها أصحاب الشّاحنات الذين يتعاقدون مع كبار الفلاّحين لتوفير يد عاملة نسائيّة بأجرة يوميّة لا تتعدى خمسة عشرة دينارا لا ترى منها العاملة إلاّ عشرة دنانير في أفضل الحالات ليستقرّ باقي المعلوم في بطون المستكرشين من سماسرة العرق في غياب أي شكل من أشكال الحماية والتّأمين أو التغطية الاجتماعية لتبقى الفلاحة "المنكوبة" رغم تعاقب الحكومات ملفا للتوظيف السياسي وللمتاجرة والمزايدات وعنوانا عريضا للجحود والتنكّر واعتبارها "آلة" للإنتاج والإنجاب.

أنور قلالة

سوسة .. عاملات المصانع.. حكايات تختلف في التّفاصيل وتتقاطع في عناوين الألم

تنتصب بعديد معتمديات ولاية سوسة على غرار القلعة الكبرى والقلعة الصغرى والكندار وسيدي عبد الحميد.. مصانع النّسيج والملابس الجاهزة التي تلعب دورا مهمّا في الحركة الاقتصادية بما تستقطبه من أعداد مهمّة من النّاشطات في هذا المجال، فتيات شابّات ببعض الدنانير حالمات أو نساء عبثت آلات الخياطة بمجهودهن الذي لا تستطيع فترة الراحة القصيرة ورغم انقضائها ان تعيد لهن بعضا من النشاط.

عاملات المصانع لا تكاد تخلو حياة معظمهنّ من عديد المحطّات النّضاليّة والمعاناة اليوميّة المثقّلة بأصناف العذاب والتّجارب القاسية التي ولئن اختلفت في تفاصيلها بين كلّ واحدة منهنّ حسب حجم وطبيعة التّضحية المُقدّمة قربانا للظّفر بمقعد وطاولة تأسر حياة الواحدة منهنّ لساعات مُضنية غالبا ما يكون الألم والدّموع العنوان المشترك لمختلف فصول الروايات .

غياب العقود وضعف التغطية

تشتكي العاملات بمصانع الخياطة أين أفنيْن أجمل سنوات حياتهنّ على إيقاع أصوات آلات الخياطة ووخزات إبرها التي لا تقلّ آلامها وخدوشها عمّا قد يصدر عن لسان "الشّافة" التي لا تنفكّ عن المطالبة بتوفير المزيد ورفع الإنتاجيّة إرضاء لـ"صاحب المؤسّسة" وهو ما يدفع بالكثير منهن ممّن لا تحتملن الهرسلة إلى تغيير مكان العمل والالتحاق بعشرات المصانع لتكتشفن أنّ الوضع وإن اختلف بعض الشيء في بعض التّفاصيل فإنّه يشترك في عديد النقاط حيث تغيب العقود وشهادات الخلاص وتُحرم معظم العاملات من التغطية الاجتماعية ممّا يجعل الكثيرات يتحمّلن مصاريف حوادث الشغل على نفقتهنّ الخاصّة في غياب عقود قانونيّة وفق بعض الشهادات.

أجور زهيدة وتضحيّات جسيمة

تزامنا مع ناقوس راحة الغداء التي لا تتعدّى النّصف ساعة، تخرج العاملات مندفعات نحو محلاّت بيع المواد الغذائيّة والأكلات السّريعة لاقتناء ما يسدّ رمق الجوع، اقتربنا منهنّ وطلبنا الحديث عن تفاصيل حياتهنّ المهنيّة فلمسنا شيئا من التحفّظ سواء بدافع الحيطة أو اليقين بعدم الجدوى من الحديث، تشجّعت إحداهنّ وقد بدت في مقلتيها دموع تمنّعت وآثرت المحافظة على الكبرياء والشموخ رغم حجم الألم الذي عبّرت عنه بجملة اختزلت مشوار 20 سنة في مصانع الخياطة في بعض الكلمات في إشارة إلى عديد الممارسات التي فيها استغلال كبير لبعضهن على غرار ساعات العمل التي تبلغ أحيانا الثماني ساعات فضلا عن المعاناة التي خلّفتها لها "رفيقة الدّرب" المكواة التي دأبت على العمل عليها لمدّة تزيد عن العشر سنوات ممّا خلّف لها صعوبة في التنفّس ومضاعفات صحيّة تتجلّى بوضوح على ملامح وجهها وضعف بنيتها الجسديّة، وأضافت بأنه ورغم الأضرار الصحيّة الجسيمة التي لحقتها لم تحظ بالحصول على التّقاعد المبكّر ولم يرتق مرتّبها إلى 600 دينار رغم الأقدميّة.

وبفضل صبرهنّ وجلدهنّ تلعب هذه الشريحة دورا هاما في المحافظة على توازن الأسرة واستقرارها من خلال ما توفّرنه من عائدات ماديّة متفاوتة لأسرهنّ إلاّ أنّها تسهم في شدّ أزر زوجها لمجابهة المتطلّبات والحاجيات الحياتيّة المتزايدة يوما بعد آخر وتنجح هؤلاء المكافحات في تأمين لقمة عيش كريمة تقدّمن في سبيلها تضحيات جمّة وصبرا كبيرا.

أنور قلاّلة

واقع المرأة بجندوبة.. بين القيود الاجتماعية والتوق إلى الحرية

يتزامن يوم 13 أوت من كل سنة بذكرى الاحتفال بعيد المرأة... هذا اليوم الاحتفالي ورغم ما حققته المرأة التونسية من مكاسب واقتحامها شتى المجالات بفضل مجلة الأحوال الشخصية والأصوات المنادية بالمساواة مع الرجل فان واقع المرأة بجندوبة عكس ذلك ومازالت إلى اليوم سجينة جملة من النواميس الاجتماعية.

رحمة الجوادي رئيسة جمعية المرأة الريفية بجندوبة أكدت لـ"الصباح" أن المرأة الريفية في القطاع الفلاحي ورغم دورها الهام في توفير لقمة العيش للتونسيين فإنها تعاني من الاستغلال المادي وطول ساعات العمل إلى جانب الظروف الصعبة التي تشتغل فيها مثل تنقلها بواسطة شاحنات تفقد لأبسط الضروريات إذ يتم الزج بها في الصناديق الخلفية للشاحنات ولنا في جندوبة حوادث تدمي القلوب.

وأكدت الجوادي على أن الجمعية ماضية في الدفاع عن حقوق المرأة العاملة في القطاع الفلاحي وذلك بتشريك مختلف الأطراف المتدخلة والمنادية بحقوق المرأة.

من جهتها أثارت هنية عشي المربية والناشطة في المجتمع المدني ظاهرة المعينة المنزلية وتحول ولاية جندوبة إلى منجم للمعينات المنزلية مثيرة جملة من المسائل الخطيرة بشهادة عاملات مثل سوء المعاملة والاستغلال الجنسي ومعاملة الفتاة كـ"العبيد" من قبل المشغلين إلى جانب تنامي ظاهرة الانقطاع المبكر عن الدراسة للعمل كمعينة منزلية بتشجيع من الأولياء في ظل الأوضاع الاجتماعية الصعبة للعائلات خاصة بالشريط الحدودي.

معاناة بالجملة

ومازالت المرأة الريفية بجندوبة تعاني من عدة صعوبات وهي سجينة لجملة من العادات والتقاليد فهي إلى اليوم تجلب الحطب والماء على ظهرها وهي التي تقضي ساعات طويلة في العمل الفلاحي ولا تغادر منزلها إلا في الحالات القصوى مثل المرض كما أنها مازالت تنجب أكثر من 5 أطفال في ظروف صحية صعبة وتعجز أحيانا على العناية بهم كما أنها مازالت عرضة للضرب والقتل من خلال بعض الجرائم التي تقع خاصة بالمناطق الريفية وتكون ضحيتها المرأة لأتفه الأسباب كما أنه إلى اليوم مازالت بعض المناطق الريفية التي لا يمكن للمرأة الزواج بغير أبناء القبيلة.

ورقة انتخابية

وفي ظل تفشي الأمية والانقطاع المبكر عن الدراسة تظل العديد من المناطق والقرى بولاية جندوبة وجهة مفضلة للمترشحين للانتخابات وتتحول هذه الأماكن إلى مرتع خصب للإعانات وإجبار المرأة على اختيار المترشح بسيطرة من الرجل.

نور في العتمة

كما تعاني عدة مناطق بولاية جندوبة من العطش رغم أن المياه تحاصرها من كل جانب وفي هذا السياق احتج عدد من النسوة بمنطقة الرويعي للمطالبة بحقهن في الماء رغم أن سد وادي البربر يحيط بهم إلا أن الجهات الأمنية تدخلت وتم التحقيق معهم ولكنهم أصروا على الاحتجاج بعد مساندة عدة جهات حقوقية لتحركهم الاحتجاجي.

عيد المرأة ورغم سعي البعض للاحتفال بهذه المناسبة إلا أن هذا الجانب "الفكلوري" لا يمكنه أن يحجب معاناة المرأة الريفية بجندوبة المحاصرة بعدة قيود حالت دون تحقيق حلمها والمتمثل في الحرية في مفهومها الشامل فبأي حال عدت يا عيد والمرأة في جندوبة أغلالها بالقيود؟

عمار مويهبي

منوبة .. بين الحاجة وظروف العمل المهينة.. نساء قست عليهن الظروف واحتضنتهم المزارع !

تعتبر ولاية منوبة وهي إحدى ولايات إقليم تونس الكبرى فلاحية بامتياز بامتداد المساحات المزروعة والمعروضة لتكون من أبرز الممولين للعاصمة وعدد من الولايات الأخرى بالخضر والغلال وذلك رغم ما يتوفر بها من وحدات صناعية أبرزها المناطق الصناعية بقصر السعيد وشواط والفجة.. ولئن يمثل ذلك مؤشرا ايجابيا على توفر فرص الشغل والعمل لأبناء الجهة من ذكور وإناث إلا أن الواقع يظهر غير ذلك خاصة في فترة ما بعد الثورة اثر غلق عدد من المصانع والمعامل وارتفاع تكلفة الإنتاج الفلاحي الأمر الذي أدى إلى ركود اقتصادي كبير ومتطور من حين لاخر لينعكس ذلك على المستوى الاجتماعي للعائلات بمختلف معتمديات الولاية وترتفع نسب البطالة سيما في صفوف الشباب الراقص بطبيعته العمل في المصانع والحقول في حال توفر الفرص وهي نادرة.. أسباب دفعت العنصر الأنثوي من فتيات ونساء ومُسنّات إلى الخروج للعمل وفي أغلب الأحيان تحت طائل تهديد الأزواج وحتى الأبناء في بعض الحالات وهي معروفة داخل الأوساط الشعبية في أكثر من منطقة على غرار برج العامري والبطان وطبربة ليرتمي هؤلاء النسوة في حقول تشريح الطماطم وجمع الغلال صيفا وجمع الزيتون وأعمال الزرع والتحمير شتاء في مزارع قمريان والمهرين وحنة والمنصورة وغيرها.. وسط ظروف عمل "تعيسة" تنطلق مع فجر كل يوم وتنتهي بغروب شمسه بأجر زهيد دون تغطية اجتماعية وفي ظروف نقل تعيسة لا تليق بالبشر.. فتيات في مقتبل العمل قست عليهن ظروف الحياة ودفعت بهن لمصير نساء سبقنهن لا مستقبل فيه ولا بصيص نور أو أمل في الأفق لتنظيم قطاع عملهن فمن حقهن التمتع بما يتمتع به غيرهن في قطاع الصناعة على وجه الخصوص حيث أن العاملات في القطاع الصناعي أفضل حظا منهن لتوفر الحد الأدنى من الحقوق ووضوح وضعياتهم المهنية.. وأمام كل ذلك فإن كثير من طالبات الشغل في الولاية ينتظرن بفارغ الصبر إنهاء توسيع عدد من المناطق الصناعية كالفجة وسيدي علي الحطاب وإحداث منطقة صناعية بطبربة من جهة، كما تعتبر كثيرات ان الحل يمكن توفيره ببعث أكثر عدد من الشركات الأهلية وهي مشاريع مشجعة تحظى باهتمام المسؤولين الجهويين والمحلين باعتبارها ضامنة لحقوق العاملات وحافظة لكرامتهن وسلامتهن المعنوية والجسدية، ما عدا ذلك فإنه من الصعب تغيير وضع المرأة العاملة في المجال الفلاحي على وجه الخصوص خاصة مع غياب شبه تام لتطبيق بعض القوانين وإلزام المشغلين بها..

عادل عونلي

المسؤولة عن مشروع الأورومتوسطية بالقيروان لـ"الصباح": مكافحة التمييز والعنف ضد المرأة سبيل الحد من الفقر والتهميش لبناء مجتمع ديمقراطي

لا يخفى على احد ارتفاع منسوب العنف ضد النساء في تونس وزيادة حالات قتل النساء لتبلغ 13 جريمة الى حدود 9 أوت 2024 بما فيها جريمة ذبح زوج لزوجته والتي جدت في اليوم الأول من عيد الأضحى الفارط في مدينة القيروان!؟!.

هكذا تحدثت الناشطة الحقوقية والمسؤولة عن مشروع الاورومتوسطية للحقوق "مناهضة العنف ضد النساء "بجهة القيروان سوسن الجعدي لـ"الصباح".

وأضافت أن المسح الوطني حول العنف المسلط على النساء الذي أنجزه المعهد الوطني للإحصاء في سنة 2024 كشف عن تعرّض 84.7 بالمائة من النّساء المستجوبات للعنف بمختلف أشكاله مما يشي بوجود عديد الاخلالات والنقائص في إنفاذ قانون 58 الى جانب غياب الردع للخطاب المطبع والمُبرر للعنف ضد النساء في ظل غياب رؤية واضحة تؤمن بالمساواة بين الجنسين وتعمل على القضاء على كل أشكال التمييز ضد النساء .

كما أشارت الجعدي إلى أنه بالرغم من تحذيرات المجتمع المدني من تنامي العنف ضد النساء إلا أن السياسات المتبعة في هذا المجال تكرس الإفلات من العقاب ولا توفر ما يكفي من مراكز الإيواء ففي القيروان مثلًا مركز وحيد بطاقة استيعاب محدودة جدا.

ظروف عمل قاسية للنساء العاملات

ومن جهة أخرى، قالت الجعدي إنه رغم دور النساء الفعّال في الدورة الاقتصادية لا يزلن تمثلن الفئة الأكثر حضورًا في التشغيل الهش وبالقطاعات غير المهيكلة حيث ظروف العمل السيئة والتأجير المُتدني، مُشيرة إلى أن دراسة لجمعية أصوات نساء بينت أن المرأة في تونس تعاني حالة من الهشاشة الاقتصادية، إذ أن 19.3% فقط من النساء يتمتعن بمواردهن الخاصة، في حين يتمتع 55.9% من الرجال بذلك وتمتلك 3% فقط من النساء عقارا، مقابل 12% لدى الرجال.

وخلصت الجعدي الى أن "ارتفاع نسب بطالة النساء وفقرهن خاصة في الجهات الداخلية يبين فشل مشاريع التمكين الاقتصادي لوزارة المرأة وغياب الشفافية في منحها".

شعارات وقوانين لا صدى لها على أرض الواقع

وفي نفس السياق، صرحت المتحدثة أن القانون عدد 37 لسنة 2021 المُتعلق بتنظيم العمل المنزلي لم يتمكن من إنتاج أي أثر في الواقع ومن تغيير العلاقة الشغلية وتوفير الضمانات الحمائيّة لعملة المنازل. وأكدت الجعدي بأن هذا القانون يحتاج الى عديد التنقيحات داعية وزارة المرأة إلى التنسيق مع المجتمع المدني للقيام بحملات لتوعية العاملات بحقوقهن وخاصة الحق النقابي.

وأشارت كذلك إلى أن القانون 51 لسنة 2019 المتعلق بإحداث صنف نقل العاملات والعملة في القطاع الفلاحي، لم يحدث أي تغيير في الواقع لتتواصل مأساة حوادث الطريق.. قائلة إنه "خلال سنة 2024 سُجّلت 5 حوادث أسفرت عن 4 وفيات لعاملات فلاحيات لِتبقى هذه التشريعات منقوصة وغير جديّة وتبقى الشعارات المُمجدة للكادحات جَوفاء لا صدى لها على ارض الواقع".

واختتمت الناشطة الحقوقية سوسن الجعدي حديثها بأن رغم كل هذه التحديات لا خيار للتونسيات إلا مواصلة نضالهن دفاعا عن مكتسباتهن وعملًا على تعزيزها وتصديًا لكل محاولات التراجع عنها يجب ان يكون لنا إيمان عميق بان مكافحة التمييز والعنف هو السبيل الى مكافحة الفقر والتهميش وتحقيق التنمية العادلة وبناء مجتمع ديمقراطي ومُنصف كما حلمت به أجيال من التونسيين والتونسيات .

مروان الدعلول

بنزرت .. المرأة الريفية حلقة أساسية في العملية التنموية

استفاق أهالي وادي الكتم بغزالة يوم 7 جوان 2015 على نبأ وفاة عاملة فلاحية اثر حادث مرور قرب عين غلال بماطر.. وقد تكرر المشهد الحزين يوم 16 أفريل 2021 حين انقلبت شاحنة تقل 30 عاملة فلاحية من معتمدية سجنان باتجاه إحدى الضيعات بمعتمدية بنزرت الجنوبية في حادث خلف 4 إصابات خطيرة.

وحسب المعطيات المتوفرة فان عدد الناشطات في القطاع ببنزرت يبلغ 8550؛ 550 صاحبة مستغلة و8000 عاملة فلاحية تقمن بأعمال الجني، الزرع وتربية الماشية لتغطية النقص الفادح في اليد العاملة من الذكور والمساهمة في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للآلاف من العائلات في المناطق الريفية في الجهة.

لكن المرأة التي تمثل الحلقة الأساسية في العملية التنموية في المناطق الريفية وتدفع ثمنا باهظا، حسب محجوبة المنصوري صاحبة مشروع فلاحي بغزالة، المرأة الريفية التي تفني صحتها البدنية والنفسية بين الواجبات المنزلية والعمل في القطاع الفلاحي في ظروف تكون غالبا دون المقبول حيث يتم نقلها في وسائل غير مريحة وتعمل مهما كانت الظروف المناخية دون وسائل حماية من لباس وأحذية مناسبة لساعات طويلة مقابل أجرة تتقاسمها مع "الكبران" وسائق وسيلة النقل ولكنها تواصل التضحية لتضمن الأمان الاقتصادي للأسرة كما تمكن من المحافظة على ديمومة القطاع الذي يعاني من تهرم الناشطين.

وكانت بنزرت أول ولاية في الجمهورية تفعّل المنشور الوزاري من اجل حماية النساء العاملات في القطاع الفلاحي كما شهدت يوم 10 ماي 2019 انطلاق الحملات التحسيسية للتعريف بمنظومة "احميني" التي أطلقتها الحكومة لتسهيل انخراط العاملات في الوسط الريفي في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والانتفاع بالتغطية الاجتماعية والصحية مقابل معلوم رمزي..

لكن تضيف المنصوري أنه "رغم المحاولات فإن الإقبال على المنظومة كان دون الانتظارات لأن الفئة المستهدفة تعمل بصفة غير منتظمة في القطاع الفلاحي وهي في أغلب الحالات تنتفع بصفة قرين أو فرع بالتغطية الصحية عبر بطاقات العلاج بالتعريفة المنخفضة أو المجانية التي تسندها وزارة الشؤون الاجتماعية".

وعن الحلول المُمكنة وجب التذكير ببيان النقابة الجهوية للفلاحين ببنزرت يوم 17 أفريل 2021 الذي دعت فيه لإيجاد حلول لنقل العملة زجر أصحاب شاحنات الموت الذين يسعون لتحقيق الربح المادي على حساب سلامة الذات البشرية إضافة الى تيسير تأسيس شركات نقل العملة الفلاحيين في ظروف محترمة وتمكينهم عند الحاجة من التغطية الاجتماعية والصحية اللازمة مع تكثيف حملات المراقبة في المستغلات الفلاحية والطرقات للتأكد من مدى احترام المؤجرين لشروط التأجير وتوقيت العمل والسن..

وتجدر الإشارة أن منطقة جومين قد شهدت خلال السنوات الماضية تجربة نموذجية وناجحة لنقل العشرات من العاملات الفلاحيات في ظروف لائقة وآمنة ذهابا وإيابا والعمل باجرة محترمة في إحدى المستغلات الفلاحية في معتمدية العالية وهي تجربة يمكن تعميمها لو توفرت الإرادة من كل الأطراف المتدخلة.

ساسي الطرابلسي

باحثة بكلية العلوم بصفاقس تُتوج بجائزة أفضل بحث علمي نسائي 2024

تُوّجت الباحثة بكلية العلوم بصفاقس سنية الجملي بجائزة أفضل بحث علمي نسائي لعام 2024 الذي نظمته وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن.

وتم تسليم الجائزة للباحثة المتوجة يوم الجمعة 9 أوت 2024 بقصر الحكومة بالقصبة، بإشراف وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن وبحضور رئيس جامعة صفاقس الأستاذ أحمد الحاج قاسم، وعدد من الشخصيات الأكاديمية البارزة.

وقد ثمنت جامعة صفاقس عبر صفحتها الرسمية على الفياسبوك هذا التتويج واعتبرته إنجازا علميا متميزا يعكس إبداع وتميز المرأة التونسية في مجال البحث العلمي.

عتيقة العامري

في عيدها الوطني.. المرأة التونسية في الجهات الداخلية بين الواقع والوعود..

تُحيي تونس، اليوم الثلاثاء 13 أوت 2024، الذكرى 68 للعيد الوطني للمرأة التونسية، مناسبة لتأكيد مسار دعم حقوق المرأة وتعزيز مكتسباتها في كل المجالات، لما تمثّله هذه الذكرى من رمزية منذ صدور مجلّة الأحوال الشخصيّة في 13 أوت 1956.. ويعدّ الاحتفاء بعيد المرأة مناسبة للوقوف على ما أنجز في مجال تكريس حقوق المرأة.. كما يمثّل فرصة لتثمين دور النساء التونسيات الرائدات، باختلاف مواقعهنّ ومساراتهن المهنية... لكن هذا الاحتفاء لا يمكن أن يحجب ما تعانيه عديد من النساء خاصة اللواتي يعشن الخصاصة والفقر والتهميش رغم ترسانة التشريعات.. فمتى يتم إنصافهن واتخاذ ما يجب من الخطوات لتعيش المرأة التونسية مواطنة كاملة الحقوق والحريات؟

نابل .. أسماء الرايس قصة نجاح امرأة مُثابرة.. من "ربة بيت" إلى رائدة أعمال

النساء الملهمات اللواتي نجحن في أعمالهن الشخصية يمثلن نموذجا يحتذى للنساء القويات المُبادرات صاحبات الإرادة القوية والعزيمة الصلبة اللاتي لم ولن توقفهن العقبات ولن تقف أمامهن العراقيل حاجزا لتحقيق أمنياتهن وتجسيد أحلامهن على ارض الواقع.. هن المُثابرات الناجحات الصامدات..

اليوم كانت لـ"الصباح" مُصافحة مع امرأة مكافحة بدأت مسيرتها من نقطة الصفر وبخطوات ثابتة وبإرادة قوية.. هكذا حدثتنا أسماء الرايس من مواليد سنة 1973، وهي امرأة مُتزوجة وأم لأربعة أطفال.. وأصيلة مدينة قربة من ولاية نابل.. هذه المرأة المُثابرة والناجحة تصغي إليها فتلهمك قصة نجاحها من "ربة بيت" الى رائدة أعمال" ناجحة استطاعت أن تتخطى العراقيل وبفضل صبرها ومثابرتها وعزمها على تحقيق حلمها نالت التفوق والنجاح في حياتها العائلية وفي عملها.

تقول أسماء في تصريح لجريدة الصباح إنها زاولت مرحلتي التعليم الابتدائي والثانوي بمعتمدية قربة وتحصلت على شهادة الباكالوريا سنة 1992 لكنها انقطعت بعدها عن الدراسة عندما تزوجت وأنجبت أطفالها وتفرغت لشؤون المنزل لمدة 10سنوات..

وحول انطلاقة مسيرتها المهنية قالت إن البداية الأولى وخطواتها الأولى كانت بركن صغير بمنزلها خصصته للعمل.. وفي هذا الإطار اثنت على مجهودات زوجها الذي امن بقدراتها.. وقد انطلقت مسيرتها في البداية بممارسة هويتها في الرسم على محامل مختلفة من ذلك على الحرير والقماش وتزويق التحف...

وفي هذا السياق، أشارت المُتحدثة إلى أن عشقها للتطريز والتزويق بدأ منذ طفولتها حيث تعلمت التطريز عن والدتها منذ أن كانت في سن الـ10 سنوات وكانت تجمع النقود التي تتحصل عليها من والديها وتخبئها وتشتري بها مادة الحبر لتزيين الجلود.. كما استطاعت كذلك أن تكون مُبدعة في تزويق قوارير الزهر والعطرشية وصنع الهدايا والتحف وهدايا الحلوى "الدراجي".. أسماء الرايس انخرطت كذلك في العمل الجمعياتي كإطار في الهيئة المديرة للاتحاد الوطني للمرأة التونسية وواكبت الأنشطة الجمعياتية بكل من جمعية البيئة بقربة والغرفة الفتية العالمية وكذلك انخرطت كعضو في جمعية حفظ القرآن الكريم واستطاعت أن تحصد أصوات أبناء مدينتها لتكون مستشارة ببلدية قربة في أول انتخابات بلدية، بعد الثورة، سنة 2018.

وبمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني للمرأة التونسية سألنا أسماء عن النصيحة التي تقدمها للمرأة عموما ولخريجات التعليم العالي، فأكدت أنها تدعوهن الى عدم الاكتفاء بنيل شهادة التخرج فقط وإنما الإصرار على تعلّم حرفة منذ سن الطفولة مع ضرورة مُجابهة العراقيل والتعامل مع الصعوبات والتقدم نحو الأمام والتطوير من ذواتهن قائلة:"ان مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة". وأضافت أسماء بقولها: "سر نجاحي ووصولي لهذه المرحلة كامرأة صاحبة مشروع ورائدة أعمال ناجحة هو كوني صاحبة إرادة قوية والفضل يعود لله سبحانه كذلك أثمن دعم زوجي لي بعد ان أقنعته وامن بقدراتي واثبت له انني سأوفق بين مسؤوليتي العائلية وبين عملي".. وبينت اسماء ان "التعويل على النفس والايمان بالقدرات الذاتية له تاثيرات ايجابية على الفرد والعائلة والمجتمع ككل" قائلة: "انا لم استسلم للعراقيل في خطواتي الأولى وصبرت كثيرا لأنال مرادي.. وان النجاح ليس له طريق واحد فإن تعذر علينا طريق نشق او نسلك طريقا آخر".

كما قالت أسماء إنها لم تتوقف عن التفكير بالدراسة الجامعية التي بقيت عالقة في ذهنها إذ كانت أولى الخطوات التسجيل في معهد التكوين والحرف والتحصل على شهادة الكفاءة المهنية في المنتوجات المزخرفة.. لتكمل لاحقا دراستها عن بعد وتتحصل على ماجستير في التسويق الاحترافي والالكتروني من جامعة "kings bridge" الأمريكية.

وفي سياق متصل، أكدت المُتحدثة على ضرورة العمل على التطوير والتجديد إذ أنه والى جانب تلقيها تكوينا مستمرا كانت دائما تشارك في دورات تكوينية في مختلف المجالات لتطوير مهاراتها في مجال عملها وتعلم مهارات إضافية.

فأسماء الرايس هي صاحبة مشروع اختصاص لوازم الافراح والمناسبات وصناعة اللباس التقليدي.. وحول حرفتها، اوضحت انها تلقى رواجا حيث يقبل التونسيون على اقتنائها.

كما شاركت أسماء في معارض وطنية وتتطلع أيضا للمشاركة في معارض دولية بالخارج.

وحول سؤالنا بخصوص المُنجزات التي تحققت للنساء صاحبات المشاريع، تقول أسماء ان هناك برامج حكومية لدعم وتحفيز النساء صاحبات المشاريع ومساندتهن وتقديم القروض لهن الا ان ما ينقص المرأة رائدة الأعمال اليوم هو دعم ترويج وتسويق منتوجاتها حيث اشادت بما يتوفر للمرأة التونسية من دعم وتكوين من طرف الديوان الوطني للصناعات التقليدية والمنظمات الأجنبية لكن ما هو مطلوب هو المساندة وإيجاد حلول للنساء صاحبات المشاريع وخصوصا المرأة الريفية التي تجد صعوبة في ترويج منتوجها...

ليلى بن سعد

سيدي بوزيد .. بعد 68 سنة من صدور مجلة الأحوال الشخصية المرأة "الفلاّحة" مازالت تنتظر الكثير

تقدّر نسبة النساء العاملات في القطاع الفلاحي في سيدي بوزيد إحدى الولايات الداخلية بأكثر من 90 بالمائة من نسبة العاملين ككل في هذا القطاع، ورغم ذلك يتقاضى الرجل أجرا يفوق اجر المرأة بكثير فمازالت العقلية السائدة تنصف الرجل على حسابها رغم أنها تقدّم جهدا يساوي أضعاف ما يقدمه الرجل في أغلب الأحيان.

كما تعاني المرأة العاملة بالقطاع الفلاحي من الاستغلال الاقتصادي الذي فرض استغلالا اجتماعيا كان له الأثر السلبي على شخصيتها.. إذ أنّ ظروفها القاسية وكذلك الحاجة الماسة لإعالة عائلتها جعلها تُصبح بمثابة "العبد" عند الفلاح او الوسيط الذي يرفض تمتيع النساء بحقوقهن من ذلك التمتع بحقوقهن في الضمان الاجتماعي او في نقل آمن او توفير الاجر المناسب الذي يضمن كرامتهن.. ويتواصل الاستغلال للنساء في الضيعات الفلاحية من خلال حرمان بعضهن من العمل بمجرد رفضهن للأوضاع.. فتقول حبيبة إحدى العاملات بالقطاع الفلاحي بولاية سيدي بوزيد: "كنت اعمل بإحدى الضيعات التي تبعد على مسكني عشرات الكيلومترات وكنت اخرج في ساعة مبكرة كل صباح و ذات يوم واثناء امتطاء شاحنة الموت (كما يسمونها) تشاجرت مع السائق لان عددنا فاق الأربعين امرأة فأجبرني على النزول ورفض نقلي الى العمل" وتواصل حبيبة حديثها حول ظروف العمل القاسية حيث حدثتنا عن بعض الاعتداءات التي يتعرض لها النساء.. كما ذكرت أمثلة لتعرض بعض النساء والفتيات للتحرش من قبل الفلاح والوسيط على حد سواء، مضيفة انه ورغم هذه الظروف الصعبة جدا، حسب وصفها، الا انها كانت تصطحب ابنتها التي تدرس بالمعهد الثانوي خلال العطل المدرسية لمساعدتها على مجابهة مصاريف تعليمها هي وشقيقاتها.

عفاف هي الأخرى عاملة بالقطاع الفلاحي تعاني من آلام حادة على مستوى الظهر جراء تعرضها لحادث مرور اثناء تنقلها للعمل في احدى الضيعات الفلاحية.. تقول بأنها "ورغم الآلام التي ترافقها منذ الحادث الا انها مازالت تتنقل في هذه الشاحنات وتصر على الذهاب الى العمل لأنها في حاجة الى العشرة دنانير التي تتقاضاها لان وضعها الاجتماعي فرض عليها ذلك لتجد ما يسد رمقها هي وعائلتها ."

في المقابل تحاول السلط الجهوية والوطنية التخفيف من وطأة هذه الأوضاع الاجتماعية الصعبة من خلال توفير موارد رزق لفائدة النساء الريفيات والعاملات بالقطاع الفلاحي.. فمؤخرا تحولت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن آمال بالحاج موسى إلى ولاية سيدي بوزيد لتسليم 85 مورد رزق في إطار برنامج التمكين الاقتصادي والاجتماعي للنساء والفتيات بالوسط الريفي الذي شمل ثلاث ولايات وهي سيدي بوزيد والقيروان والقصرين بكلفة جملية تجاوزت ثلاثة مليون دينار. ولم تقتصر التدخلات فقط على هذا البرنامج وإنما تم تمتيع هذه الفئة بالأولوية في بعض البرامج الأخرى التي تنفذها الوزارة إلا أنه ورغم ذلك مازالت المرأة الريفية والمرأة العاملة في القطاع الفلاحي تعاني الكثير من التهميش خاصة بعد فشل العديد من المحاولات في تأمين مثلا الضمان الاجتماعي كمنظمومة "احميني" التي لم تعرف نتائجها الى اليوم .

وتحيي المرأة التونسية هذه السنة الذكرى 68 لتأسيس مجلة الأحوال الشخصية إلا أنّ النساء الريفيات بسيدي بوزيد و بعض الولايات التي تتشابه فيها صورة المرأة مازالت تنتظر إنصافها اعترافا بدورها في الأمن الغذائي وبناء مجتمع راق .

عائشة

رغم الوعود.. المرأة الفلاّحة رهينة نقل "مشؤوم" وسوء تأجير مع موت يترصدها في كل لحظة

"مع الفجر والفجر لا يشعر.. مع الفجر راقبتها تعبر إلى أين قبل انبلاج الصّباح.. إلى أين هذا السّرى المُبكّر.. ؟".. هو ذات المشهد الذي يتكرّر في عدد من المحطّات التي تؤمّها العاملات الفلاحيات بمنطقة الفقاعيّة من معتمديّة أكودة ومنزل المحطّة من سيدي بوعليّ والنّقر من معتمديّة القلعة الصّغرى والبورة وبلعوم من معتمدية القلعة الكبرى.. أين تجتمع العاملات الفلاحيّات بعد أن تكون قد أعدّت كل واحدة منهنّ فطور الصّباح ووجبة الغداء لأفراد العائلة واقتطعت منها ما يسدّ رمق جوعها ويشحن جسمها بنزر من الطاقة المستوجبة لتأمين يوم جديد ومتجدّد في مسار النّضال...

من بعيد تلمح العاملات شاحنة مكشوفة أقبلت على مهل تتهادى بين ثنايا المسلك الفلاحيّ مخافة أن تفقد شيئا من هيكلها المهترئ لتُسارع إليها الفلاّحات المُجاهدات غير عابئات ولا مكترثات فالظّفر بمكان للوقوف فوق ظهرها هو مبلغ همّهنّ ليتدخّل صاحب الشّاحنة متوعّدا بالطّرد وإنزال كلّ من تبدي سرّا أو جهرا امتعاضا أو استنكارا من ظروف النّقل، إذ يحرص صاحب الشّاحنة على الزجّ بما لا يقلّ عن الثلاثين عاملة بالصّندوق الخلفيّ للشّاحنة معتمدا حيلة اقتبسها من مجلّد إبليس ومن خطى منهجه.. فقد أكّدت بعض الفلاّحات أنّ صاحب الشاحنة وبهدف نقل أكبر عدد من العاملات في رحلة واحدة يقوم بسكب الماء على سطح الصّندوق الخلفي للعربة لإرغامهنّ على الوقوف طوال السّفرة على ساق واحدة كما أفادت إحداهنّ أنه وإلى جانب الرحلة اليومية المحفوفة بعديد المخاطر والتداعيات الصحية التي تتربّص بالعاملات جراء نقل مشؤوم لا يحترم أبسط معايير السلامة فإنّ بعض أصحاب الشّاحنات لا يتورّعون عن التحرّش بالشابات.. ممّا يسبّب لهنّ إحراج وسخطا على فقرهنّ الذي يستبيح كرامتهنّ وشرفهنّ.

وعود وجحود

مرّت سنوات حملت في طياتها جملة من التعهّدات التي لم تراوح مستوى الوعود فرغم عديد المراسلات على المستوى الجهويّ والمركزي للمطالبة بالتدخّل واتخاذ إجراءات جريئة تدفع نحو توفير وسائل نقل تضمن أبسط مقوّمات الكرامة والسّلامة الجسدية للعاملات في القطاع الفلاحي اللاتي يزداد عددهنّ من سنة إلى أخرى نتيجة لعزوف الشّباب الذكوري ومقاطعته للنّشاط الفلاحي الذي أصبح قائما أساسا على العنصر النّسائي بنسبة تتجاوز 70% بالولاية فإنّه وإلى اليوم لم يُتّخذ إجراء يخدم صالح الفلاّحات اللاّتي يحملن أكفانهنّ على أكتافهنّ في كل رحلة على متن صناديق شاحنات الموت رغم إسهامهن الكبير في أمننا الغذائيّ لتتواصل فصول مسرحية الاستغلال وسوء التّأجير نتيجة لعمليّة السّمسرة التي يقوم بها أصحاب الشّاحنات الذين يتعاقدون مع كبار الفلاّحين لتوفير يد عاملة نسائيّة بأجرة يوميّة لا تتعدى خمسة عشرة دينارا لا ترى منها العاملة إلاّ عشرة دنانير في أفضل الحالات ليستقرّ باقي المعلوم في بطون المستكرشين من سماسرة العرق في غياب أي شكل من أشكال الحماية والتّأمين أو التغطية الاجتماعية لتبقى الفلاحة "المنكوبة" رغم تعاقب الحكومات ملفا للتوظيف السياسي وللمتاجرة والمزايدات وعنوانا عريضا للجحود والتنكّر واعتبارها "آلة" للإنتاج والإنجاب.

أنور قلالة

سوسة .. عاملات المصانع.. حكايات تختلف في التّفاصيل وتتقاطع في عناوين الألم

تنتصب بعديد معتمديات ولاية سوسة على غرار القلعة الكبرى والقلعة الصغرى والكندار وسيدي عبد الحميد.. مصانع النّسيج والملابس الجاهزة التي تلعب دورا مهمّا في الحركة الاقتصادية بما تستقطبه من أعداد مهمّة من النّاشطات في هذا المجال، فتيات شابّات ببعض الدنانير حالمات أو نساء عبثت آلات الخياطة بمجهودهن الذي لا تستطيع فترة الراحة القصيرة ورغم انقضائها ان تعيد لهن بعضا من النشاط.

عاملات المصانع لا تكاد تخلو حياة معظمهنّ من عديد المحطّات النّضاليّة والمعاناة اليوميّة المثقّلة بأصناف العذاب والتّجارب القاسية التي ولئن اختلفت في تفاصيلها بين كلّ واحدة منهنّ حسب حجم وطبيعة التّضحية المُقدّمة قربانا للظّفر بمقعد وطاولة تأسر حياة الواحدة منهنّ لساعات مُضنية غالبا ما يكون الألم والدّموع العنوان المشترك لمختلف فصول الروايات .

غياب العقود وضعف التغطية

تشتكي العاملات بمصانع الخياطة أين أفنيْن أجمل سنوات حياتهنّ على إيقاع أصوات آلات الخياطة ووخزات إبرها التي لا تقلّ آلامها وخدوشها عمّا قد يصدر عن لسان "الشّافة" التي لا تنفكّ عن المطالبة بتوفير المزيد ورفع الإنتاجيّة إرضاء لـ"صاحب المؤسّسة" وهو ما يدفع بالكثير منهن ممّن لا تحتملن الهرسلة إلى تغيير مكان العمل والالتحاق بعشرات المصانع لتكتشفن أنّ الوضع وإن اختلف بعض الشيء في بعض التّفاصيل فإنّه يشترك في عديد النقاط حيث تغيب العقود وشهادات الخلاص وتُحرم معظم العاملات من التغطية الاجتماعية ممّا يجعل الكثيرات يتحمّلن مصاريف حوادث الشغل على نفقتهنّ الخاصّة في غياب عقود قانونيّة وفق بعض الشهادات.

أجور زهيدة وتضحيّات جسيمة

تزامنا مع ناقوس راحة الغداء التي لا تتعدّى النّصف ساعة، تخرج العاملات مندفعات نحو محلاّت بيع المواد الغذائيّة والأكلات السّريعة لاقتناء ما يسدّ رمق الجوع، اقتربنا منهنّ وطلبنا الحديث عن تفاصيل حياتهنّ المهنيّة فلمسنا شيئا من التحفّظ سواء بدافع الحيطة أو اليقين بعدم الجدوى من الحديث، تشجّعت إحداهنّ وقد بدت في مقلتيها دموع تمنّعت وآثرت المحافظة على الكبرياء والشموخ رغم حجم الألم الذي عبّرت عنه بجملة اختزلت مشوار 20 سنة في مصانع الخياطة في بعض الكلمات في إشارة إلى عديد الممارسات التي فيها استغلال كبير لبعضهن على غرار ساعات العمل التي تبلغ أحيانا الثماني ساعات فضلا عن المعاناة التي خلّفتها لها "رفيقة الدّرب" المكواة التي دأبت على العمل عليها لمدّة تزيد عن العشر سنوات ممّا خلّف لها صعوبة في التنفّس ومضاعفات صحيّة تتجلّى بوضوح على ملامح وجهها وضعف بنيتها الجسديّة، وأضافت بأنه ورغم الأضرار الصحيّة الجسيمة التي لحقتها لم تحظ بالحصول على التّقاعد المبكّر ولم يرتق مرتّبها إلى 600 دينار رغم الأقدميّة.

وبفضل صبرهنّ وجلدهنّ تلعب هذه الشريحة دورا هاما في المحافظة على توازن الأسرة واستقرارها من خلال ما توفّرنه من عائدات ماديّة متفاوتة لأسرهنّ إلاّ أنّها تسهم في شدّ أزر زوجها لمجابهة المتطلّبات والحاجيات الحياتيّة المتزايدة يوما بعد آخر وتنجح هؤلاء المكافحات في تأمين لقمة عيش كريمة تقدّمن في سبيلها تضحيات جمّة وصبرا كبيرا.

أنور قلاّلة

واقع المرأة بجندوبة.. بين القيود الاجتماعية والتوق إلى الحرية

يتزامن يوم 13 أوت من كل سنة بذكرى الاحتفال بعيد المرأة... هذا اليوم الاحتفالي ورغم ما حققته المرأة التونسية من مكاسب واقتحامها شتى المجالات بفضل مجلة الأحوال الشخصية والأصوات المنادية بالمساواة مع الرجل فان واقع المرأة بجندوبة عكس ذلك ومازالت إلى اليوم سجينة جملة من النواميس الاجتماعية.

رحمة الجوادي رئيسة جمعية المرأة الريفية بجندوبة أكدت لـ"الصباح" أن المرأة الريفية في القطاع الفلاحي ورغم دورها الهام في توفير لقمة العيش للتونسيين فإنها تعاني من الاستغلال المادي وطول ساعات العمل إلى جانب الظروف الصعبة التي تشتغل فيها مثل تنقلها بواسطة شاحنات تفقد لأبسط الضروريات إذ يتم الزج بها في الصناديق الخلفية للشاحنات ولنا في جندوبة حوادث تدمي القلوب.

وأكدت الجوادي على أن الجمعية ماضية في الدفاع عن حقوق المرأة العاملة في القطاع الفلاحي وذلك بتشريك مختلف الأطراف المتدخلة والمنادية بحقوق المرأة.

من جهتها أثارت هنية عشي المربية والناشطة في المجتمع المدني ظاهرة المعينة المنزلية وتحول ولاية جندوبة إلى منجم للمعينات المنزلية مثيرة جملة من المسائل الخطيرة بشهادة عاملات مثل سوء المعاملة والاستغلال الجنسي ومعاملة الفتاة كـ"العبيد" من قبل المشغلين إلى جانب تنامي ظاهرة الانقطاع المبكر عن الدراسة للعمل كمعينة منزلية بتشجيع من الأولياء في ظل الأوضاع الاجتماعية الصعبة للعائلات خاصة بالشريط الحدودي.

معاناة بالجملة

ومازالت المرأة الريفية بجندوبة تعاني من عدة صعوبات وهي سجينة لجملة من العادات والتقاليد فهي إلى اليوم تجلب الحطب والماء على ظهرها وهي التي تقضي ساعات طويلة في العمل الفلاحي ولا تغادر منزلها إلا في الحالات القصوى مثل المرض كما أنها مازالت تنجب أكثر من 5 أطفال في ظروف صحية صعبة وتعجز أحيانا على العناية بهم كما أنها مازالت عرضة للضرب والقتل من خلال بعض الجرائم التي تقع خاصة بالمناطق الريفية وتكون ضحيتها المرأة لأتفه الأسباب كما أنه إلى اليوم مازالت بعض المناطق الريفية التي لا يمكن للمرأة الزواج بغير أبناء القبيلة.

ورقة انتخابية

وفي ظل تفشي الأمية والانقطاع المبكر عن الدراسة تظل العديد من المناطق والقرى بولاية جندوبة وجهة مفضلة للمترشحين للانتخابات وتتحول هذه الأماكن إلى مرتع خصب للإعانات وإجبار المرأة على اختيار المترشح بسيطرة من الرجل.

نور في العتمة

كما تعاني عدة مناطق بولاية جندوبة من العطش رغم أن المياه تحاصرها من كل جانب وفي هذا السياق احتج عدد من النسوة بمنطقة الرويعي للمطالبة بحقهن في الماء رغم أن سد وادي البربر يحيط بهم إلا أن الجهات الأمنية تدخلت وتم التحقيق معهم ولكنهم أصروا على الاحتجاج بعد مساندة عدة جهات حقوقية لتحركهم الاحتجاجي.

عيد المرأة ورغم سعي البعض للاحتفال بهذه المناسبة إلا أن هذا الجانب "الفكلوري" لا يمكنه أن يحجب معاناة المرأة الريفية بجندوبة المحاصرة بعدة قيود حالت دون تحقيق حلمها والمتمثل في الحرية في مفهومها الشامل فبأي حال عدت يا عيد والمرأة في جندوبة أغلالها بالقيود؟

عمار مويهبي

منوبة .. بين الحاجة وظروف العمل المهينة.. نساء قست عليهن الظروف واحتضنتهم المزارع !

تعتبر ولاية منوبة وهي إحدى ولايات إقليم تونس الكبرى فلاحية بامتياز بامتداد المساحات المزروعة والمعروضة لتكون من أبرز الممولين للعاصمة وعدد من الولايات الأخرى بالخضر والغلال وذلك رغم ما يتوفر بها من وحدات صناعية أبرزها المناطق الصناعية بقصر السعيد وشواط والفجة.. ولئن يمثل ذلك مؤشرا ايجابيا على توفر فرص الشغل والعمل لأبناء الجهة من ذكور وإناث إلا أن الواقع يظهر غير ذلك خاصة في فترة ما بعد الثورة اثر غلق عدد من المصانع والمعامل وارتفاع تكلفة الإنتاج الفلاحي الأمر الذي أدى إلى ركود اقتصادي كبير ومتطور من حين لاخر لينعكس ذلك على المستوى الاجتماعي للعائلات بمختلف معتمديات الولاية وترتفع نسب البطالة سيما في صفوف الشباب الراقص بطبيعته العمل في المصانع والحقول في حال توفر الفرص وهي نادرة.. أسباب دفعت العنصر الأنثوي من فتيات ونساء ومُسنّات إلى الخروج للعمل وفي أغلب الأحيان تحت طائل تهديد الأزواج وحتى الأبناء في بعض الحالات وهي معروفة داخل الأوساط الشعبية في أكثر من منطقة على غرار برج العامري والبطان وطبربة ليرتمي هؤلاء النسوة في حقول تشريح الطماطم وجمع الغلال صيفا وجمع الزيتون وأعمال الزرع والتحمير شتاء في مزارع قمريان والمهرين وحنة والمنصورة وغيرها.. وسط ظروف عمل "تعيسة" تنطلق مع فجر كل يوم وتنتهي بغروب شمسه بأجر زهيد دون تغطية اجتماعية وفي ظروف نقل تعيسة لا تليق بالبشر.. فتيات في مقتبل العمل قست عليهن ظروف الحياة ودفعت بهن لمصير نساء سبقنهن لا مستقبل فيه ولا بصيص نور أو أمل في الأفق لتنظيم قطاع عملهن فمن حقهن التمتع بما يتمتع به غيرهن في قطاع الصناعة على وجه الخصوص حيث أن العاملات في القطاع الصناعي أفضل حظا منهن لتوفر الحد الأدنى من الحقوق ووضوح وضعياتهم المهنية.. وأمام كل ذلك فإن كثير من طالبات الشغل في الولاية ينتظرن بفارغ الصبر إنهاء توسيع عدد من المناطق الصناعية كالفجة وسيدي علي الحطاب وإحداث منطقة صناعية بطبربة من جهة، كما تعتبر كثيرات ان الحل يمكن توفيره ببعث أكثر عدد من الشركات الأهلية وهي مشاريع مشجعة تحظى باهتمام المسؤولين الجهويين والمحلين باعتبارها ضامنة لحقوق العاملات وحافظة لكرامتهن وسلامتهن المعنوية والجسدية، ما عدا ذلك فإنه من الصعب تغيير وضع المرأة العاملة في المجال الفلاحي على وجه الخصوص خاصة مع غياب شبه تام لتطبيق بعض القوانين وإلزام المشغلين بها..

عادل عونلي

المسؤولة عن مشروع الأورومتوسطية بالقيروان لـ"الصباح": مكافحة التمييز والعنف ضد المرأة سبيل الحد من الفقر والتهميش لبناء مجتمع ديمقراطي

لا يخفى على احد ارتفاع منسوب العنف ضد النساء في تونس وزيادة حالات قتل النساء لتبلغ 13 جريمة الى حدود 9 أوت 2024 بما فيها جريمة ذبح زوج لزوجته والتي جدت في اليوم الأول من عيد الأضحى الفارط في مدينة القيروان!؟!.

هكذا تحدثت الناشطة الحقوقية والمسؤولة عن مشروع الاورومتوسطية للحقوق "مناهضة العنف ضد النساء "بجهة القيروان سوسن الجعدي لـ"الصباح".

وأضافت أن المسح الوطني حول العنف المسلط على النساء الذي أنجزه المعهد الوطني للإحصاء في سنة 2024 كشف عن تعرّض 84.7 بالمائة من النّساء المستجوبات للعنف بمختلف أشكاله مما يشي بوجود عديد الاخلالات والنقائص في إنفاذ قانون 58 الى جانب غياب الردع للخطاب المطبع والمُبرر للعنف ضد النساء في ظل غياب رؤية واضحة تؤمن بالمساواة بين الجنسين وتعمل على القضاء على كل أشكال التمييز ضد النساء .

كما أشارت الجعدي إلى أنه بالرغم من تحذيرات المجتمع المدني من تنامي العنف ضد النساء إلا أن السياسات المتبعة في هذا المجال تكرس الإفلات من العقاب ولا توفر ما يكفي من مراكز الإيواء ففي القيروان مثلًا مركز وحيد بطاقة استيعاب محدودة جدا.

ظروف عمل قاسية للنساء العاملات

ومن جهة أخرى، قالت الجعدي إنه رغم دور النساء الفعّال في الدورة الاقتصادية لا يزلن تمثلن الفئة الأكثر حضورًا في التشغيل الهش وبالقطاعات غير المهيكلة حيث ظروف العمل السيئة والتأجير المُتدني، مُشيرة إلى أن دراسة لجمعية أصوات نساء بينت أن المرأة في تونس تعاني حالة من الهشاشة الاقتصادية، إذ أن 19.3% فقط من النساء يتمتعن بمواردهن الخاصة، في حين يتمتع 55.9% من الرجال بذلك وتمتلك 3% فقط من النساء عقارا، مقابل 12% لدى الرجال.

وخلصت الجعدي الى أن "ارتفاع نسب بطالة النساء وفقرهن خاصة في الجهات الداخلية يبين فشل مشاريع التمكين الاقتصادي لوزارة المرأة وغياب الشفافية في منحها".

شعارات وقوانين لا صدى لها على أرض الواقع

وفي نفس السياق، صرحت المتحدثة أن القانون عدد 37 لسنة 2021 المُتعلق بتنظيم العمل المنزلي لم يتمكن من إنتاج أي أثر في الواقع ومن تغيير العلاقة الشغلية وتوفير الضمانات الحمائيّة لعملة المنازل. وأكدت الجعدي بأن هذا القانون يحتاج الى عديد التنقيحات داعية وزارة المرأة إلى التنسيق مع المجتمع المدني للقيام بحملات لتوعية العاملات بحقوقهن وخاصة الحق النقابي.

وأشارت كذلك إلى أن القانون 51 لسنة 2019 المتعلق بإحداث صنف نقل العاملات والعملة في القطاع الفلاحي، لم يحدث أي تغيير في الواقع لتتواصل مأساة حوادث الطريق.. قائلة إنه "خلال سنة 2024 سُجّلت 5 حوادث أسفرت عن 4 وفيات لعاملات فلاحيات لِتبقى هذه التشريعات منقوصة وغير جديّة وتبقى الشعارات المُمجدة للكادحات جَوفاء لا صدى لها على ارض الواقع".

واختتمت الناشطة الحقوقية سوسن الجعدي حديثها بأن رغم كل هذه التحديات لا خيار للتونسيات إلا مواصلة نضالهن دفاعا عن مكتسباتهن وعملًا على تعزيزها وتصديًا لكل محاولات التراجع عنها يجب ان يكون لنا إيمان عميق بان مكافحة التمييز والعنف هو السبيل الى مكافحة الفقر والتهميش وتحقيق التنمية العادلة وبناء مجتمع ديمقراطي ومُنصف كما حلمت به أجيال من التونسيين والتونسيات .

مروان الدعلول

بنزرت .. المرأة الريفية حلقة أساسية في العملية التنموية

استفاق أهالي وادي الكتم بغزالة يوم 7 جوان 2015 على نبأ وفاة عاملة فلاحية اثر حادث مرور قرب عين غلال بماطر.. وقد تكرر المشهد الحزين يوم 16 أفريل 2021 حين انقلبت شاحنة تقل 30 عاملة فلاحية من معتمدية سجنان باتجاه إحدى الضيعات بمعتمدية بنزرت الجنوبية في حادث خلف 4 إصابات خطيرة.

وحسب المعطيات المتوفرة فان عدد الناشطات في القطاع ببنزرت يبلغ 8550؛ 550 صاحبة مستغلة و8000 عاملة فلاحية تقمن بأعمال الجني، الزرع وتربية الماشية لتغطية النقص الفادح في اليد العاملة من الذكور والمساهمة في الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للآلاف من العائلات في المناطق الريفية في الجهة.

لكن المرأة التي تمثل الحلقة الأساسية في العملية التنموية في المناطق الريفية وتدفع ثمنا باهظا، حسب محجوبة المنصوري صاحبة مشروع فلاحي بغزالة، المرأة الريفية التي تفني صحتها البدنية والنفسية بين الواجبات المنزلية والعمل في القطاع الفلاحي في ظروف تكون غالبا دون المقبول حيث يتم نقلها في وسائل غير مريحة وتعمل مهما كانت الظروف المناخية دون وسائل حماية من لباس وأحذية مناسبة لساعات طويلة مقابل أجرة تتقاسمها مع "الكبران" وسائق وسيلة النقل ولكنها تواصل التضحية لتضمن الأمان الاقتصادي للأسرة كما تمكن من المحافظة على ديمومة القطاع الذي يعاني من تهرم الناشطين.

وكانت بنزرت أول ولاية في الجمهورية تفعّل المنشور الوزاري من اجل حماية النساء العاملات في القطاع الفلاحي كما شهدت يوم 10 ماي 2019 انطلاق الحملات التحسيسية للتعريف بمنظومة "احميني" التي أطلقتها الحكومة لتسهيل انخراط العاملات في الوسط الريفي في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والانتفاع بالتغطية الاجتماعية والصحية مقابل معلوم رمزي..

لكن تضيف المنصوري أنه "رغم المحاولات فإن الإقبال على المنظومة كان دون الانتظارات لأن الفئة المستهدفة تعمل بصفة غير منتظمة في القطاع الفلاحي وهي في أغلب الحالات تنتفع بصفة قرين أو فرع بالتغطية الصحية عبر بطاقات العلاج بالتعريفة المنخفضة أو المجانية التي تسندها وزارة الشؤون الاجتماعية".

وعن الحلول المُمكنة وجب التذكير ببيان النقابة الجهوية للفلاحين ببنزرت يوم 17 أفريل 2021 الذي دعت فيه لإيجاد حلول لنقل العملة زجر أصحاب شاحنات الموت الذين يسعون لتحقيق الربح المادي على حساب سلامة الذات البشرية إضافة الى تيسير تأسيس شركات نقل العملة الفلاحيين في ظروف محترمة وتمكينهم عند الحاجة من التغطية الاجتماعية والصحية اللازمة مع تكثيف حملات المراقبة في المستغلات الفلاحية والطرقات للتأكد من مدى احترام المؤجرين لشروط التأجير وتوقيت العمل والسن..

وتجدر الإشارة أن منطقة جومين قد شهدت خلال السنوات الماضية تجربة نموذجية وناجحة لنقل العشرات من العاملات الفلاحيات في ظروف لائقة وآمنة ذهابا وإيابا والعمل باجرة محترمة في إحدى المستغلات الفلاحية في معتمدية العالية وهي تجربة يمكن تعميمها لو توفرت الإرادة من كل الأطراف المتدخلة.

ساسي الطرابلسي

باحثة بكلية العلوم بصفاقس تُتوج بجائزة أفضل بحث علمي نسائي 2024

تُوّجت الباحثة بكلية العلوم بصفاقس سنية الجملي بجائزة أفضل بحث علمي نسائي لعام 2024 الذي نظمته وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن.

وتم تسليم الجائزة للباحثة المتوجة يوم الجمعة 9 أوت 2024 بقصر الحكومة بالقصبة، بإشراف وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن وبحضور رئيس جامعة صفاقس الأستاذ أحمد الحاج قاسم، وعدد من الشخصيات الأكاديمية البارزة.

وقد ثمنت جامعة صفاقس عبر صفحتها الرسمية على الفياسبوك هذا التتويج واعتبرته إنجازا علميا متميزا يعكس إبداع وتميز المرأة التونسية في مجال البحث العلمي.

عتيقة العامري