إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

جرائم في مناطق متفرقة بالبلاد، وأحيانا في مشهدية تثير الذهول.. نساء يقتلن على يد أزواجهن.. العدد يتزايد.. وتساؤلات حول القوانين الردعية

 

الجرائم العائلية شهدت تحولات كمية وكيفية سريعة وحادة

تونس-الصباح

الزواج من المفروض هو السكينة والمودة والرحمة بين الزوجين وهناك احترام في ثقافتنا الاسلامية لمؤسسة الزواج تصل الى مرتبة التقديس لكن ما نلاحظه هو تكاثر الجرائم التي يكون مرتكبوها أزواج والضحايا زوجات ما يجعلنا نتساءل هل تحول الزواج في بعض الأحيان إلى نقمة وشر تدفع ثمنه بعض الزوجات؟

 صباح الشابي

وهل تبيح مشاكل الحياة ( مصاريف ومسؤولية الابناء وارتفاع الاسعار) وأي كان حجمها هذه الجرائم الفظيعة؟ حيث أن عدة نساء تم قتلهن على أيدي أزواجهن بتعلة وجود مشاكل بينهم. فهل هذا هو قدرهن؟ ! ان تنتهي حياتهن على يد أزواجهن، وهن اللواتي حلمن بحياة جميلة وعش زوجي يسوده الاحترام المتبادل والمودة والرحمة وينتفي فيه العنف، ولكن على ما يبدو فقد جرت الرياح بما لا تشتهيه السفن، فأحيانا وبمجرد وقوع خلافات بين زوجين الا وتسقط الأقنعة وتنهار وعود ما قبل الزواج وأثناء الارتباط ويتحول بعض الأزواج إلى وحوش كاسرة عديمي الرحمة مثلما حصل مع زوجة قتلت اول امس الأحد ذبحا علي يد زوجها بمنطقة حي النصر.

وقد اذنت أول امس الأحد النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بأريانة بفتح بحث تحقيقي ضد زوج قتل زوجته ووالدتها ثم لاذ بالفرار.

وتفيد المعطيات المتوفرة ان العلاقة الزوجية بين الهالكة والجاني كانت تسودها خلافات ومشاكل كبيرة لأسباب عديدة خاصة في المدة الأخيرة مما دفع بالزوجة إلى مغادرة عش الزوجية في اتجاه منزل والديها بمنطقة حي النصر والإقامة به فتسلح الزوج بسكين أخفاها تحت طيات ثيابه، واضمر الشر لشريكة حياته، وتوجه مباشرة إلى منزل أصهاره أين تشاجر معها بعد ذلك استل السكين التي كانت بحوزته وسدد لها العديد من الطعنات قبل أن يسدد طعنات أخرى لوالدتها وارداهما قتيلتين على عين المكان ثم لاذ بالفرار.

الضحية الزوجة والجاني الزوج

هذا، وقد تحول كل من ممثل النيابة العمومية وقاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بأريانة الي مكان الواقعة لمعاينة جثتي الضحيتين والإذن بايداعهما على ذمة الطبيب الشرعي.

لكن ليست هذه الجريمة الأولى التي تكون فيها الزوجة ضحية، والجاني الزوج ، ففي فجر 8 اوت الجاري عمد زوج يقطنَ بمنطقة الكرم بالضاحية الشمالية للعاصمة ويعمل بإحدى المصالح الإدارية إلى ذبح زوجته وحاول الانتحار طعنا بنفس السكين اداة الجريمة وتعود أسباب القتل إلى خلافات بين الزوجين وفق المعطيات المتوفرة.

 جريمة قتل أخرى لزوجة على يد زوجها جدت في الليلة الفاصلة بين 16 و17 جوان 2024، بمنطقة علي باي وسط مدينة القيروان راحت ضحيتها أم لطفلين في العقد الثالث من عمرها.

وتفيد المعطيات الأولية بأن خلافا نشب بين الزوجين فعمد الزوج الى تعنيف زوجته التي لاذت بالفرار خارج المنزل، فالتقط الزوج سكينا والتحق بها وأسقطها أرضا ثم شرع في طعنها في عدة أماكن متفرقة من جسدها بطريقة فظيعة انتهت بذبحها قبل أن يتدخل الأجوار الذين تمكنوا من السيطرة عليه مع وصول أعوان الأمن الذين ألقوا عليه القبض وحجز السكين وتم الإحتفاظ به .

كذلك خلال شهر نوفمبر من سنة 2022 أم لأربعة أبناء كانت قد فارقت الحياة بطعنات قاتلة من زوجها بعد خلاف نشب بينهما بمقر سكناهما بجهة وادي الباي بمنطقة السعيدة التابعة لوادي الليل من ولاية منوبة بسبب المال وعلى الرغم من أن شقيق الزوجة تدخل ونجح في فض الخلاف وهدأت الأمور بينهما ولكن الزوج قرر عند الصباح الانتقام فالتقط سكينا وانهال بواسطتها على زوجته بعدة طعنات أمام مرأى ابنتين من أبنائهما الأربعة إلى أن أرداها قتيلة كما حاول قتل ابنته الكبرى وتبلغ من العمر 11 عاما وأصيبت بعدّة جروح على مستوى الرقبة ثم سلم نفسه الى السلطات الأمنية.

في نفس السنة زوج آخر بجهة الكبارية كان خرب جسد زوجته بسبع طعنات بواسطة سكين كبيرة الحجم في محطة المترو بالكبارية. وكشفت الأبحاث المجراة في ملف القضية أن سبب الجريمة يعود إلى خلافات عائلية مستمرة بينهما منذ فترة .وقد اعترف الزوج بما نسب إليه بعد أن سلم نفسه للوحدات الأمنية.

مدينة الكاف أيضا كانت قد عاشت مساء 29 اكتوبر 2022 على وقع جريمة قتل فظيعة راحت ضحيتها مربية عمد زوجها وهو عون ديوانة الى اضرام النار في جسدها في منزلهما فأصيبت بحروق بليغة تسببت في وفاتها على عين المكان.

وقضية رفقة الشارني من منا لا يتذكرها وهي احدة من ضحايا العنف الزوجي الذي انتهى بجريمة قتل وقد كانت أما لطفل، وقد قام زوجها الذي يعمل في سلك الحرس الوطني بإنهاء حياتها بعد أن اطلق عليها خمس رصاصات من سلاحه الوظيفي في جهة الكاف. وفق ما توفر من معطيات حول القضية.

اذن هناك خلل ما وكل هذه الجرائم تحمل معنى بالتأكيد وتجعلنا نتساءل، هل تحول الزواج ذلك الرباط المقدس العظيم من نعمة إلى نقمة في بعض الأحيان، وهل نحن ازاء ظاهرة تؤرق وتهدد المجتمع التونسي وفي المقابل عجزت التشريعات على الردع.

وفيما يتعلق بالتشريعات، نشير الى أن القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة، يعرف العنف ضد المراة بانه " كل اعتداء مادي او معنوي او جنسي او اقتصادي ضد المراة أساسه التمييز بسبب الجنس والذي يتسبب في إيذاء أو ألم أو ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة ويشمل أيضاً التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان من الحقوق والحريات، سواء في الحياة العامة أو الخاصة.

ورغم دخول القانون حيز التنفيذ منذ مدة طويلة الا انه لم يحد من جرائم العنف المسلطة على النساء التي تصل حد القتل.

فقد كشفت دراسة كانت أعدتها وحدة العمل الاجتماعي التابع للاتحاد الوطني للمرأة التونسية ان عدد حوادث قتل النساء المسجل في تونس خلال 2023 بلغ 25 جريمة، مشيرة إلى أن نسبة 54 في المائة من هذه الجرائم نفذت من قبل رجال ضد زوجاتهم.

وأوضحت معطيات الدراسة تحت عنوان "سكوتنا قاتل"، أنه فيما يتعلق بباقي الجرائم فقد بلغت نسبة المنفذة ضد أمهات 21 في المائة، و8 في المائة ضد الأخت أو الابنة، و4 في المائة ضد مهاجرات وفتيات لا تربطهن صلة قرابة بالمجرم، وان 38 في المائة من جرائم القتل، التي راحت ضحيتها نساء نفذت طعنا بالسكين و29 في المائة منها باستعمال آلة حادة و13 في المائة منها خنقا و8 في المائة منها ذبحا و4 في المائة منها دهسا بالسيارة أو إلقاء في البئ أو حرقا.

وحسب المختصين في علم الاجتماع فان العنف 3 درجات: العنف الانفعالي، العنف التعبيري، والعنف الوسيلي وجميعها يمكن أن تؤدي للقتل.

مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح":  لسنا إزاء ظاهرة لكن درجة وحشية الجرائم ملفتة للانتباه.

وقال المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين في هذا الصدد ان العنف الزوجي يستدعي ضرورة ترسيخ مشروع مجتمعي يعالج كل المنظومات المعطوبة في بلادنا وخاصة المنظومة الاقتصادية ومحاربة البطالة واصلاح الاخلالات في مؤسساتنا الصحية والتربوية والادارية والقضائية مع ضرورة أخلقة الحياة الاجتماعية والسياسية واكتساب القدرة الجماعية على إدارة الازمات بشكل فعال ومجدي" وترسيخ ثقافة الحوار الأسري وتعزيز دور الوسيط العائلي.

 ورغم تنامي وتواتر جرائم قتل الازواج لزوجاتهن فانه سوسيولوجيا حسب المختص في علم الاجتماع لا ترتقي تلك الجرائم الى مستوى الظاهرة الاجتماعية بحكم عاملي الكثافة والتواتر لكن ما يلفت الانتباه أن هذه الجرائم تتسم بالوحشية والفظاعة والتغطية الإعلامية الواسعة مما يعطي الانطباع بكونها ظاهرة اجتماعية تتمدد وتتوسع.

وفي الواقع لا بد أن نتجنب التهويل والتهوين في التشخيص والمعالجة إذ لا يمكن القول ان الامن العام بات مهددا والاسرة التونسية باتت مفككة على الرغم من أن وتيرة الجريمة بكل أصنافها في تصاعد ملحوظ منذ 2015.

الجو العام يغذي الإجرام

وقال محدثنا " أكيد أن الجو العام في تونس يغذي الاجرام لا سيما الجرائم العائلية وقد عرفت هذه النوعية من الجرائم تحولات كمية وكيفية هامة سريعة وحادة ،اذ نلاحظ على المستوى الكمي تنامي نوعا من الجرائم لم نكن نراها سابقا وتتمثل في الجرائم التي يرتكبها الأطفال الذين كانوا ضحايا الجريمة ليتحولوا الى فاعلين ومرتكبين لها، ظاهرة أخرى لم تكن متفشية في مجتمعنا وهي ظاهرة تأنيث الجريمة حيث كنا في وقت سابق نجد أن الجرائم التي تصنف كجنايات (حيث تتجاوز فيها العقوبة خمس سنوات سجنا)هي اختصاص ذكوري بحت،أما الآن أصبحت مشاركة المرأة في هذه النوعية من الجرائم في تصاعد وبات حضورها ملفتا للنظر إذ تقود العصابات وتهرب المخدرات وتسرق وتعنف وتقتل، كذلك كبار السن دخلوا عالم الجريمة حيث شملتهم عدة قضايا خاصة القضايا ذات الصبغة الأخلاقية وقضايا المخدرات".

الجريمة العائلية

 وأوضح محدثنا بأنه من الناحية الكيفية أصبحت الجريمة العائلية أكثر دموية وعدوانية وفيها الكثير من العنف والتشفي والنزعة الانتقامية، كما باتت الجريمة دون تاريخ ولا ذاكرة حيث كانت في السابق ترتكب من أجل رد الاعتبار أو الشرف أو غيرها من الدوافع القوية ولكنها اليوم باتت حينية وقد تزهق روح من أجل سبب تافه، وقد أصبحت المسافة بين التفكير في الجريمة وتنفيذها قصيرة جداً.

كما يوجد استسهال في ارتكاب الجرائم مما يدل على استبطان مرتكبيها فكرة ضعف الدولة وغياب الخوف من العقاب وأصبحت الجريمة ترتكب في مشهد استعراضي وفرجوي أمام مرأى الجميع، إذ في ظل هيمنة الثقافة المشهدية الاستهلاكية وحضورها الدائم على مواقع التواصل الاجتماعي، اتخذت طابعا فضائحيا وأصبح الفعل الاجرامي يكتسي طابعا مسرحيا أمام رد فعل سلبي من قبل الجمهور الذي يكتفي بالفرجة واللامبالاة والتعامل غير المسؤول مع كل مظاهر التعدي على القانون وهو ما شجع مرتكبي الجرائم على التمادي والاستعراض.

الدوافع

أما عن دوافع تلك الجرائم فأكد المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين بأن من أهم العوامل المؤدية للجريمة العائلية تراجع دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في المراقبة والضبط والتوجيه والادماج والحماية إذ أصبحت العائلة في عزلة بحكم العولمة إذ يعيش كل واحد في عالمه الافتراضي من خلال الشاشات الإلكترونية وبالتالي تقل مساحات التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة وتتقلص تلك العواطف والروابط الاسرية التي تجمعهم.

كما تسربت ثقافة العنف في صلب العائلة وأصبحت سلوكا تواصليا وهذه الثقافة تبرز من خلال التطبيع مع الكلام الفاحش ولعب الأطفال وأصبح العنف هو المغذي لاثبات الذات وإبرازها ففي بعض الأحيان نجد عائلات تشجع أبناءها على الجريمة كبيع الخمر والمخدرات وممارسة الدعارة والهجرة غير النظامية وبالتالي اصبحت العائلة تفقد تدريجيا دورها في حماية افرادها من العنف والجريمة، بل امست بؤرة لإنتاجها ومن ناحية أخرى المدرسة عوض أن تعلم المهمشين اصبحت تهمش المتعلمين وباتت فضاءً للعنف.

وكذلك الخطاب الاعلامي تراجع عن دوره التربوي وركز على كل ما له إثارة فاصبحت البرامج الاجتماعية تروج للجريمة وتعيد تجسيدها بكل تفاصيلها لجلب أكبر عدد من المشاهدين، ولا ننسى العنف الذي يمارسه السياسيون في البرامج السياسية.

تثمين المجرم

وأضاف محدثنا بان ظاهرة غريبة تفشت كذلك تتمثل في تثمين المجرم الذي أصبح " بطلا" في بعض الأحياء الشعبية ويتم تمجيده من خلال أغاني " الراب" وأصبح كل مارق عن الأخلاق يمثل قدوة، كذلك النزعة الفردانية باعتبار أن المؤسسات تخلت عن دورها في الادماج والحماية حيث أصبح الانسان يجد نفسه غير محمي اجتماعيا وغير قادر على العمل وتكوين أسرة ويعاني من عطالة بيوغرافية ولا يوجد لديه هدف في الحياة ولا شيء يعيش من أجله مما يبعث فيه الاحساس بـ"الحقرة" والرغبة في رد الاعتبار حتى من خلال الانخراط في عالم الجريمة.

فنحن ازاء أزمة مجتمع بسبب غياب مشروع مجتمعي يضم الناس حوله وغياب هذا المشروع يجعل الناس في ضياع، فكل فرد من الأسرة يعيش مع مشاكله الخاصة مما يخلق أجواءً من التوتر وفقدان الثقة في الحاضر والمستقبل وبالتالي فكل فرد يتصرف ويرد الفعل على طريقته الى أن نصل الى حدود الجريمة والقتل.

 

 

 

 

 

جرائم في مناطق متفرقة بالبلاد، وأحيانا في مشهدية تثير الذهول..   نساء يقتلن على يد أزواجهن.. العدد يتزايد..  وتساؤلات حول القوانين الردعية

 

الجرائم العائلية شهدت تحولات كمية وكيفية سريعة وحادة

تونس-الصباح

الزواج من المفروض هو السكينة والمودة والرحمة بين الزوجين وهناك احترام في ثقافتنا الاسلامية لمؤسسة الزواج تصل الى مرتبة التقديس لكن ما نلاحظه هو تكاثر الجرائم التي يكون مرتكبوها أزواج والضحايا زوجات ما يجعلنا نتساءل هل تحول الزواج في بعض الأحيان إلى نقمة وشر تدفع ثمنه بعض الزوجات؟

 صباح الشابي

وهل تبيح مشاكل الحياة ( مصاريف ومسؤولية الابناء وارتفاع الاسعار) وأي كان حجمها هذه الجرائم الفظيعة؟ حيث أن عدة نساء تم قتلهن على أيدي أزواجهن بتعلة وجود مشاكل بينهم. فهل هذا هو قدرهن؟ ! ان تنتهي حياتهن على يد أزواجهن، وهن اللواتي حلمن بحياة جميلة وعش زوجي يسوده الاحترام المتبادل والمودة والرحمة وينتفي فيه العنف، ولكن على ما يبدو فقد جرت الرياح بما لا تشتهيه السفن، فأحيانا وبمجرد وقوع خلافات بين زوجين الا وتسقط الأقنعة وتنهار وعود ما قبل الزواج وأثناء الارتباط ويتحول بعض الأزواج إلى وحوش كاسرة عديمي الرحمة مثلما حصل مع زوجة قتلت اول امس الأحد ذبحا علي يد زوجها بمنطقة حي النصر.

وقد اذنت أول امس الأحد النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية بأريانة بفتح بحث تحقيقي ضد زوج قتل زوجته ووالدتها ثم لاذ بالفرار.

وتفيد المعطيات المتوفرة ان العلاقة الزوجية بين الهالكة والجاني كانت تسودها خلافات ومشاكل كبيرة لأسباب عديدة خاصة في المدة الأخيرة مما دفع بالزوجة إلى مغادرة عش الزوجية في اتجاه منزل والديها بمنطقة حي النصر والإقامة به فتسلح الزوج بسكين أخفاها تحت طيات ثيابه، واضمر الشر لشريكة حياته، وتوجه مباشرة إلى منزل أصهاره أين تشاجر معها بعد ذلك استل السكين التي كانت بحوزته وسدد لها العديد من الطعنات قبل أن يسدد طعنات أخرى لوالدتها وارداهما قتيلتين على عين المكان ثم لاذ بالفرار.

الضحية الزوجة والجاني الزوج

هذا، وقد تحول كل من ممثل النيابة العمومية وقاضي التحقيق بالمحكمة الابتدائية بأريانة الي مكان الواقعة لمعاينة جثتي الضحيتين والإذن بايداعهما على ذمة الطبيب الشرعي.

لكن ليست هذه الجريمة الأولى التي تكون فيها الزوجة ضحية، والجاني الزوج ، ففي فجر 8 اوت الجاري عمد زوج يقطنَ بمنطقة الكرم بالضاحية الشمالية للعاصمة ويعمل بإحدى المصالح الإدارية إلى ذبح زوجته وحاول الانتحار طعنا بنفس السكين اداة الجريمة وتعود أسباب القتل إلى خلافات بين الزوجين وفق المعطيات المتوفرة.

 جريمة قتل أخرى لزوجة على يد زوجها جدت في الليلة الفاصلة بين 16 و17 جوان 2024، بمنطقة علي باي وسط مدينة القيروان راحت ضحيتها أم لطفلين في العقد الثالث من عمرها.

وتفيد المعطيات الأولية بأن خلافا نشب بين الزوجين فعمد الزوج الى تعنيف زوجته التي لاذت بالفرار خارج المنزل، فالتقط الزوج سكينا والتحق بها وأسقطها أرضا ثم شرع في طعنها في عدة أماكن متفرقة من جسدها بطريقة فظيعة انتهت بذبحها قبل أن يتدخل الأجوار الذين تمكنوا من السيطرة عليه مع وصول أعوان الأمن الذين ألقوا عليه القبض وحجز السكين وتم الإحتفاظ به .

كذلك خلال شهر نوفمبر من سنة 2022 أم لأربعة أبناء كانت قد فارقت الحياة بطعنات قاتلة من زوجها بعد خلاف نشب بينهما بمقر سكناهما بجهة وادي الباي بمنطقة السعيدة التابعة لوادي الليل من ولاية منوبة بسبب المال وعلى الرغم من أن شقيق الزوجة تدخل ونجح في فض الخلاف وهدأت الأمور بينهما ولكن الزوج قرر عند الصباح الانتقام فالتقط سكينا وانهال بواسطتها على زوجته بعدة طعنات أمام مرأى ابنتين من أبنائهما الأربعة إلى أن أرداها قتيلة كما حاول قتل ابنته الكبرى وتبلغ من العمر 11 عاما وأصيبت بعدّة جروح على مستوى الرقبة ثم سلم نفسه الى السلطات الأمنية.

في نفس السنة زوج آخر بجهة الكبارية كان خرب جسد زوجته بسبع طعنات بواسطة سكين كبيرة الحجم في محطة المترو بالكبارية. وكشفت الأبحاث المجراة في ملف القضية أن سبب الجريمة يعود إلى خلافات عائلية مستمرة بينهما منذ فترة .وقد اعترف الزوج بما نسب إليه بعد أن سلم نفسه للوحدات الأمنية.

مدينة الكاف أيضا كانت قد عاشت مساء 29 اكتوبر 2022 على وقع جريمة قتل فظيعة راحت ضحيتها مربية عمد زوجها وهو عون ديوانة الى اضرام النار في جسدها في منزلهما فأصيبت بحروق بليغة تسببت في وفاتها على عين المكان.

وقضية رفقة الشارني من منا لا يتذكرها وهي احدة من ضحايا العنف الزوجي الذي انتهى بجريمة قتل وقد كانت أما لطفل، وقد قام زوجها الذي يعمل في سلك الحرس الوطني بإنهاء حياتها بعد أن اطلق عليها خمس رصاصات من سلاحه الوظيفي في جهة الكاف. وفق ما توفر من معطيات حول القضية.

اذن هناك خلل ما وكل هذه الجرائم تحمل معنى بالتأكيد وتجعلنا نتساءل، هل تحول الزواج ذلك الرباط المقدس العظيم من نعمة إلى نقمة في بعض الأحيان، وهل نحن ازاء ظاهرة تؤرق وتهدد المجتمع التونسي وفي المقابل عجزت التشريعات على الردع.

وفيما يتعلق بالتشريعات، نشير الى أن القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلّق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة، يعرف العنف ضد المراة بانه " كل اعتداء مادي او معنوي او جنسي او اقتصادي ضد المراة أساسه التمييز بسبب الجنس والذي يتسبب في إيذاء أو ألم أو ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة ويشمل أيضاً التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان من الحقوق والحريات، سواء في الحياة العامة أو الخاصة.

ورغم دخول القانون حيز التنفيذ منذ مدة طويلة الا انه لم يحد من جرائم العنف المسلطة على النساء التي تصل حد القتل.

فقد كشفت دراسة كانت أعدتها وحدة العمل الاجتماعي التابع للاتحاد الوطني للمرأة التونسية ان عدد حوادث قتل النساء المسجل في تونس خلال 2023 بلغ 25 جريمة، مشيرة إلى أن نسبة 54 في المائة من هذه الجرائم نفذت من قبل رجال ضد زوجاتهم.

وأوضحت معطيات الدراسة تحت عنوان "سكوتنا قاتل"، أنه فيما يتعلق بباقي الجرائم فقد بلغت نسبة المنفذة ضد أمهات 21 في المائة، و8 في المائة ضد الأخت أو الابنة، و4 في المائة ضد مهاجرات وفتيات لا تربطهن صلة قرابة بالمجرم، وان 38 في المائة من جرائم القتل، التي راحت ضحيتها نساء نفذت طعنا بالسكين و29 في المائة منها باستعمال آلة حادة و13 في المائة منها خنقا و8 في المائة منها ذبحا و4 في المائة منها دهسا بالسيارة أو إلقاء في البئ أو حرقا.

وحسب المختصين في علم الاجتماع فان العنف 3 درجات: العنف الانفعالي، العنف التعبيري، والعنف الوسيلي وجميعها يمكن أن تؤدي للقتل.

مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح":  لسنا إزاء ظاهرة لكن درجة وحشية الجرائم ملفتة للانتباه.

وقال المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين في هذا الصدد ان العنف الزوجي يستدعي ضرورة ترسيخ مشروع مجتمعي يعالج كل المنظومات المعطوبة في بلادنا وخاصة المنظومة الاقتصادية ومحاربة البطالة واصلاح الاخلالات في مؤسساتنا الصحية والتربوية والادارية والقضائية مع ضرورة أخلقة الحياة الاجتماعية والسياسية واكتساب القدرة الجماعية على إدارة الازمات بشكل فعال ومجدي" وترسيخ ثقافة الحوار الأسري وتعزيز دور الوسيط العائلي.

 ورغم تنامي وتواتر جرائم قتل الازواج لزوجاتهن فانه سوسيولوجيا حسب المختص في علم الاجتماع لا ترتقي تلك الجرائم الى مستوى الظاهرة الاجتماعية بحكم عاملي الكثافة والتواتر لكن ما يلفت الانتباه أن هذه الجرائم تتسم بالوحشية والفظاعة والتغطية الإعلامية الواسعة مما يعطي الانطباع بكونها ظاهرة اجتماعية تتمدد وتتوسع.

وفي الواقع لا بد أن نتجنب التهويل والتهوين في التشخيص والمعالجة إذ لا يمكن القول ان الامن العام بات مهددا والاسرة التونسية باتت مفككة على الرغم من أن وتيرة الجريمة بكل أصنافها في تصاعد ملحوظ منذ 2015.

الجو العام يغذي الإجرام

وقال محدثنا " أكيد أن الجو العام في تونس يغذي الاجرام لا سيما الجرائم العائلية وقد عرفت هذه النوعية من الجرائم تحولات كمية وكيفية هامة سريعة وحادة ،اذ نلاحظ على المستوى الكمي تنامي نوعا من الجرائم لم نكن نراها سابقا وتتمثل في الجرائم التي يرتكبها الأطفال الذين كانوا ضحايا الجريمة ليتحولوا الى فاعلين ومرتكبين لها، ظاهرة أخرى لم تكن متفشية في مجتمعنا وهي ظاهرة تأنيث الجريمة حيث كنا في وقت سابق نجد أن الجرائم التي تصنف كجنايات (حيث تتجاوز فيها العقوبة خمس سنوات سجنا)هي اختصاص ذكوري بحت،أما الآن أصبحت مشاركة المرأة في هذه النوعية من الجرائم في تصاعد وبات حضورها ملفتا للنظر إذ تقود العصابات وتهرب المخدرات وتسرق وتعنف وتقتل، كذلك كبار السن دخلوا عالم الجريمة حيث شملتهم عدة قضايا خاصة القضايا ذات الصبغة الأخلاقية وقضايا المخدرات".

الجريمة العائلية

 وأوضح محدثنا بأنه من الناحية الكيفية أصبحت الجريمة العائلية أكثر دموية وعدوانية وفيها الكثير من العنف والتشفي والنزعة الانتقامية، كما باتت الجريمة دون تاريخ ولا ذاكرة حيث كانت في السابق ترتكب من أجل رد الاعتبار أو الشرف أو غيرها من الدوافع القوية ولكنها اليوم باتت حينية وقد تزهق روح من أجل سبب تافه، وقد أصبحت المسافة بين التفكير في الجريمة وتنفيذها قصيرة جداً.

كما يوجد استسهال في ارتكاب الجرائم مما يدل على استبطان مرتكبيها فكرة ضعف الدولة وغياب الخوف من العقاب وأصبحت الجريمة ترتكب في مشهد استعراضي وفرجوي أمام مرأى الجميع، إذ في ظل هيمنة الثقافة المشهدية الاستهلاكية وحضورها الدائم على مواقع التواصل الاجتماعي، اتخذت طابعا فضائحيا وأصبح الفعل الاجرامي يكتسي طابعا مسرحيا أمام رد فعل سلبي من قبل الجمهور الذي يكتفي بالفرجة واللامبالاة والتعامل غير المسؤول مع كل مظاهر التعدي على القانون وهو ما شجع مرتكبي الجرائم على التمادي والاستعراض.

الدوافع

أما عن دوافع تلك الجرائم فأكد المختص في علم الاجتماع ممدوح عز الدين بأن من أهم العوامل المؤدية للجريمة العائلية تراجع دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في المراقبة والضبط والتوجيه والادماج والحماية إذ أصبحت العائلة في عزلة بحكم العولمة إذ يعيش كل واحد في عالمه الافتراضي من خلال الشاشات الإلكترونية وبالتالي تقل مساحات التواصل بين أفراد الأسرة الواحدة وتتقلص تلك العواطف والروابط الاسرية التي تجمعهم.

كما تسربت ثقافة العنف في صلب العائلة وأصبحت سلوكا تواصليا وهذه الثقافة تبرز من خلال التطبيع مع الكلام الفاحش ولعب الأطفال وأصبح العنف هو المغذي لاثبات الذات وإبرازها ففي بعض الأحيان نجد عائلات تشجع أبناءها على الجريمة كبيع الخمر والمخدرات وممارسة الدعارة والهجرة غير النظامية وبالتالي اصبحت العائلة تفقد تدريجيا دورها في حماية افرادها من العنف والجريمة، بل امست بؤرة لإنتاجها ومن ناحية أخرى المدرسة عوض أن تعلم المهمشين اصبحت تهمش المتعلمين وباتت فضاءً للعنف.

وكذلك الخطاب الاعلامي تراجع عن دوره التربوي وركز على كل ما له إثارة فاصبحت البرامج الاجتماعية تروج للجريمة وتعيد تجسيدها بكل تفاصيلها لجلب أكبر عدد من المشاهدين، ولا ننسى العنف الذي يمارسه السياسيون في البرامج السياسية.

تثمين المجرم

وأضاف محدثنا بان ظاهرة غريبة تفشت كذلك تتمثل في تثمين المجرم الذي أصبح " بطلا" في بعض الأحياء الشعبية ويتم تمجيده من خلال أغاني " الراب" وأصبح كل مارق عن الأخلاق يمثل قدوة، كذلك النزعة الفردانية باعتبار أن المؤسسات تخلت عن دورها في الادماج والحماية حيث أصبح الانسان يجد نفسه غير محمي اجتماعيا وغير قادر على العمل وتكوين أسرة ويعاني من عطالة بيوغرافية ولا يوجد لديه هدف في الحياة ولا شيء يعيش من أجله مما يبعث فيه الاحساس بـ"الحقرة" والرغبة في رد الاعتبار حتى من خلال الانخراط في عالم الجريمة.

فنحن ازاء أزمة مجتمع بسبب غياب مشروع مجتمعي يضم الناس حوله وغياب هذا المشروع يجعل الناس في ضياع، فكل فرد من الأسرة يعيش مع مشاكله الخاصة مما يخلق أجواءً من التوتر وفقدان الثقة في الحاضر والمستقبل وبالتالي فكل فرد يتصرف ويرد الفعل على طريقته الى أن نصل الى حدود الجريمة والقتل.