القضاء على التشغيل من أبرز الملفات التي ما فتئ رئيس الجمهورية قيس سعيد يطرحها في كل مناسبة منذ توليه مقاليد السلطة، إلا أن إيجاد الحلول المناسبة للحسم نهائيا في هذا الملف يسير بكثير من البطء رغم تغيير الحكومات ورؤسائها وإحداث لجان مختصة للغرض .
ملف إنهاء كل أشكال التّشغيل الهش قدمه رئيس الجمهورية كأولوية من أولويات الحكومة لدى استقباله يوم الجمعة 9 أوت 2024 بقصر قرطاج لرئيس الحكومة المعين حديثا كمال المدوري، إذ شدد على ضرورة الإسراع بعرض مشروع تعديل بعض أحكام مجلة الشغل للقطع نهائيا مع العمل بالمناولة وعقود الشغل المحدودة في الزمن وذلك تكريسا للدور الاجتماعي للدولة، وتجسيدا لحق العمال في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل، لأن الأحكام التي لازالت سارية المفعول ترتقي إلى مرتبة جرائم الاتجار بالبشر.
كما أشار رئيس الجمهورية، في نفس هذا الإطار، إلى وضع حد للمناولة في القطاع العام التي تمّ إرساؤها بمجرد مناشير وئدت بدورها إلى المساس بالحقوق الأساسية للعمال، فهل ينجح رئيس الحكومة الجديد كمال المدوري الذي له خبرة في معالجة الملفات الاجتماعية، وقد كان يشغل خطة وزير الشؤون الاجتماعية قبل أن يعين رئيسا للحكومة، وكان قد شغل منصب المدير العام للصندوق الوطني للتأمين على المرض وأيضا كان على رأس الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية.
وفيما يلي نتعرض لأبرز القطاعات المنخرطة في آليات التشغيل الهش.
آلاف الأساتذة والمعلمين والعملة ينتظرون الإدماج في وزارة التربية
ينتظر الآلاف من الأساتذة والمعلمين النواب والمتعاقدين والعملة الحسم في ملفاتهم وتسوية وضعياتهم نهائيا بعد إعلان وزيرة التربية سلوى العباسي عن قرار بتسوية وضعية مختلف الأسلاك بوزارة التربية.
وأكدت الوزيرة قرب صدور أمر منظم لانتداب المتعاقدين من أساتذة ومعلمين نواب ومرشدين، إذ أكدت أن وضعيتهم سيتم تسويتها في شكل دفعات. وسيتم تحديد عدد المعنيين بكل دفعة طبقا لحجم الاعتمادات المرصودة، بما يقطع مع سنوات التهميش والتشغيل الهش خاصة وأن رئيس الجمهورية أكد على ضرورة مراجعة المعايير التي تعد قاسية، على أن يكون المعيار الأساسي هو الفترة والعمر وأول سنة لسد الشغور أي الأقدمية.
إنهاء كابوس المناولة
ويعد ملف المناولة في القطاعين العام والخاص من أكثر الملفات تشعبا إذ بلغ عدد العاملين بالمناولة في تونس إبان الثورة قرابة 31 ألف عامل تمت تسوية وضعياتهم بموجب الاتفاق المبرم في الغرض بين رئاسة الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل في أفريل 2011، إلا أن رقم العاملين ضمن هذه الآلية الهشة تضاعف ليصبح في حدود 60 ألفا حاليا. وهم عمال يعيشون ضمن وضعيات وحالات اجتماعية تستدعي التدخل لوضع حد للمعاناة التي يعيشونها.
وكخطوة لإنهاء العمل بهذه الآلية قرر رئيس الحكومة السابق أحمد الحشّاني منذ شهر فيفري 2024 تحجير إبرام عقود مناولة جديدة بالقطاع العمومي، وإلغاء كافة التدابير المعمول بها في هذا الإطار وخاصة منها المنشور عدد 35 المؤرخ في 30 جويلية 1999 المتعلق بالمناولة في الإدارات والمنشآت العمومية.
وقد انطلقت عمليات جرد شركات المناولة وذلك على مستوى وزارة الشؤون الاجتماعية وعلى مستوى رئاسة الحكومة وذلك وفقا لتصريح رئيسة الهيئة العامة للشغل والعلاقات المهنية بوزارة الشؤون الاجتماعية حياة بن إسماعيل، حيث أفادت في افريل الفارط بأن متفقدي الشغل ومنذ إعلان رئيس الجمهورية عن ضرورة إلغاء كل أشكال التشغيل الهش والقضاء على المناولة، انطلقوا في حملة لتحديد وضبط شركات المناولة.
وأضافت أنه على ضوء مخرجات هذا الجرد سيتم إعداد الإحصائيات اللازمة المتعلقة بعدد الشغّالين في البلاد وغيرها من الإحصائيات، مشددة على أن تدخلات الهيئة العامة للشغل والعلاقات المهنية تتمحور حول مراقبة ظروف العمل والقضاء على الإخلالات المرتكبة من طرف المؤجر.
وسبق أن استقبل رئيس الجمهورية في13 من جوان المنقضي 2024 رئيس الحكومة السابق أحمد الحشّاني، حيث شدّد رئيس الدولة، خلال اللقاء، على ضرورة التعجيل بإعداد مشروع قانون لإلغاء المناولة والعقود المحدودة في الزمن، مع التنصيص على مقاييس واضحة وموضوعية وعادلة تحفظ حقوق الذين اشتغلوا في ظل نظام المناولة.
ملف الحضائر يراوح مكانه
قطاع آخر لا تقل معاناته عن المناولة هو قطاع عمال الحضائر فبعد أن تم الإعلان عن تسوية ملف 5988 عاملا في الدفعة الأولى فوق 45 سنة، حسب المنصة الرقمية لتسوية ملف عمال الحضائر، مازال هؤلاء ينتظرون بفارغ الصبر الإيفاء بالوعود وتسوية وضعيهم بصفة نهائية.
فيما يطالب عمال الحضائر أقل من 45 سنة بإصدار قرار انتدابهم بناء على اتفاق 20 أكتوبر 2020 وذلك بعد 13 سنة من العمل الفعلي داخل مؤسسات الدولة من خلال تطبيق الاتفاق كما نشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.
الإعتمادات المفوضة بوزارة الداخلية لغز محير
وفي ذات السياق فإن وضعية العملة العرضيين المؤجرين على حساب الإعتمادات المفوضة بوزارة الداخلية تعد لغزا محيرا وملفا يسوده الكثير من الغموض، حيث ينتظر الأعوان تسوية وضعيتهم إلى اليوم إلا أن تأخر وصول المراسلات التي تبسط ملفهم وأيضا إدراجه مع ملفات أخرى على غرار ملف عمال الحضائر جعل الوضعية تصبح أكثر تعقيدا .
وكان العملة العرضيين المؤجرين على حساب الإعتمادات المفوضة بوزارة الداخلية قد راسلوا رئاسة الجمهورية في أكثر من مناسبة فكانت الأولى بتاريخ 14 ديسمبر 2021 حيث التمسوا من رئيس الجمهورية إعطاء الأذن لمصالح رئاسة الحكومة ووزارة الداخلية من أجل تفعيل اتفاق 6 فيفري 2021 بين الحكومة واتحاد الشغل والذي ينص على تسوية الوضعية المهنية لأعوان الاعتمادات المفوضة الذين يبلغ عددهم أكثر من 3000 عون، إلا أن الوضع بقي على ما هو عليه إلى اليوم، وهو ما حث الأعوان على إيداع مراسلة أخرى لدى مكتب الضبط برئاسة الجمهورية بتاريخ 9 جويلية 2024 طالبوا من خلالها بتسوية وضعيتهم المهنية في أقرب الآجال حيث تضمنت المراسلة كل الاتفاقيات الممضاة بين الحكومات المتعاقبة واتحاد الشغل للحسم في هذا الملف كما تضمنت أيضا كل الوعود التي قدمها وزراء الداخلية السابقون لإنهاء التشغيل الهش للعملة العرضيين المؤجرين على حساب الإعتمادات المفوضة بوزارة الداخلية.
وحول الموضوع أكدت أميرة همامي الناطقة باسم العملة العرضيين المؤجرين على حساب الإعتمادات المفوضة بوزارة الداخلية لـ"الصباح" أنهم قد راسلوا أيضا وزير الشؤون الاجتماعية بتاريخ 25 جوان 2024 لطلب تسوية الوضعية.
وبينت أنه وبعد مساءلة وزير الداخلية السابق كمال الفقي بمجلس النواب بتاريخ 6 مارس 2024 تمت مراسلة رئاسة الحكومة من طرف وزير الداخلية آنذاك، بتاريخ 21 مارس 2024 شرح من خلالها وضعية الأعوان والمهام الموكلة إليهم وأهمية هذا الصنف صلب الوزارة، حيث طالب بعقد جلسة مع الوزارات المتداخلة، لكن شيء من هذا لم يحصل.
وأردفت أميرة همامي مبينة أن أعوان الاعتمادات المفوضة لوزارة الداخلية قاموا بعدها بتحركات على مستوى قسم الوظيفة العمومية التي بدورها راسلت وزارة المالية بتاريخ 20 ماي 2024 من أجل إبداء الرأي في خصوص الجانب المالي لتسوية وضعية هذه الفئة لكن إلى اليوم لم يقع الرد من قبل مصالح وزارة المالية.
وأكدت أميرة همامي أنه ومنذ سنة 2019 يعاني العملة العرضيين المؤجرين على حساب الإعتمادات المفوضة بوزارة الداخلية من تجاهل قسم الوظيفة العمومية لملفهم، وعبرت عن أملها في أن يتدخل رئيس الجمهورية للحسم في الملف وإنقاذ هذه الفئة من خط الفقر في ظل تواصل المماطلة الممنهجة والتسويف، وفق قولها.
الأعوان المتعاقدون بوزارة الشباب والرياضة مشكل آخر
وقد أطلق الأعوان المتعاقدون بالأجر الأدنى المضمون صلب وزارة الشباب والرياضة صيحة فزع في أكثر من مناسبة بالنظر إلى الوضعيات الاجتماعية الصعبة التي يعانون منها منذ سنوات مطالبين بتسوية وضعياتهم في أقرب وقت.
وقد طالب المتحدث باسم أعوان وزارة الشباب والرياضة، الذين يبلغ عددهم167 عونا، في تصريح إعلامي بتسوية وضعيتهم ذاكرا أنهم يتقاضون أجرا لا يتجاوز 429 دينارا، واصفا هذا الأجر بغير المضمون.
وأشار إلى أن رئيس الجمهورية دعا إلى القطع مع عقود التشغيل الهشة، لكن ما راعهم إلا وقد وقع تجديد عقودهم (الهشة) في مارس 2024. وأضاف المتحدث أنه كان من المنتظر أن يقع تنظيرهم في سنة 2015 كل حسب شهادته العلمية، لكن إلى اليوم لم يحدث ذلك، مؤكدا أن هناك أعوانا لهم شهائد دكتوراه في وزارة الشباب والرياضة يتقاضون أجرا بقيمة 429 دينارا.
آن الأوان للقطع مع التشغيل الهش
صحيح أن ملف التشغيل الهش شائك ومتشعب لكنه أيضا ملف طال أكثر من اللزوم وقد حان الوقت لإيجاد الحلول العملية وتطبيقها على أرض الواقع وذلك من خلال الحسم في مختلف الوضعيات الهشّة تكريسا لمفهوم العمل اللائق والأجر العادل وتطبيقا لما نص عليه الفصل 46 من الدستور الذي نصّ صراحة على أن "العمل حقّ لكلّ مواطن ومواطنة، وتتّخذ الدّولة التّدابير الضّروريّة لضمانه على أساس الكفاءة والإنصاف" وعلى أنّ "لكلّ مواطن ومواطنة الحقّ في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل".
وتعتبر وضعية المالية العمومية اكبر عقبة أمام الحسم في هذا الملف إذ من المؤكد أن معالجة الوضعيات الهشة تحتاج إلى مراعاة الوضعية المالية العمومية والتوازنات المالية، لكن لا يجب أن يطول الملف أكثر وأن تتواصل الوضعية لمدة أخرى حيث يؤكد رئيس الجمهورية أن "السلم الاجتماعي لا يمكن أن يتحقق إلا بالعدل والإنصاف، لا بآليات وعقود لا عدل ولا إنصاف فيها".
لذا قد آن الأوان للقطع مع هذه المظاهر التي تتسبب في عدم تكافؤ الفرص ما يجعل جزءا كبيرا من التونسيين ينشطون في عدة مجالات يشعرون بالظلم والقهر رغم ما يقدمونه من خدمات جليلة في سبيل النهوض بهذا الوطن.
وللإشارة يقدر الأجر الأدنى الصناعي (Smig) بـ460 دينارا، وهو اجر تعتمده كل المؤسسات في القطاع العام والوظيفة العمومية كراتب للعملة والموظفين ضمن آليات التشغيل الهش وهو أجر لا يحفظ الكرامة في ظل ما تشهده الأسعار من ارتفاع متواصل.
حنان قيراط
تونس – الصباح
القضاء على التشغيل من أبرز الملفات التي ما فتئ رئيس الجمهورية قيس سعيد يطرحها في كل مناسبة منذ توليه مقاليد السلطة، إلا أن إيجاد الحلول المناسبة للحسم نهائيا في هذا الملف يسير بكثير من البطء رغم تغيير الحكومات ورؤسائها وإحداث لجان مختصة للغرض .
ملف إنهاء كل أشكال التّشغيل الهش قدمه رئيس الجمهورية كأولوية من أولويات الحكومة لدى استقباله يوم الجمعة 9 أوت 2024 بقصر قرطاج لرئيس الحكومة المعين حديثا كمال المدوري، إذ شدد على ضرورة الإسراع بعرض مشروع تعديل بعض أحكام مجلة الشغل للقطع نهائيا مع العمل بالمناولة وعقود الشغل المحدودة في الزمن وذلك تكريسا للدور الاجتماعي للدولة، وتجسيدا لحق العمال في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل، لأن الأحكام التي لازالت سارية المفعول ترتقي إلى مرتبة جرائم الاتجار بالبشر.
كما أشار رئيس الجمهورية، في نفس هذا الإطار، إلى وضع حد للمناولة في القطاع العام التي تمّ إرساؤها بمجرد مناشير وئدت بدورها إلى المساس بالحقوق الأساسية للعمال، فهل ينجح رئيس الحكومة الجديد كمال المدوري الذي له خبرة في معالجة الملفات الاجتماعية، وقد كان يشغل خطة وزير الشؤون الاجتماعية قبل أن يعين رئيسا للحكومة، وكان قد شغل منصب المدير العام للصندوق الوطني للتأمين على المرض وأيضا كان على رأس الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية.
وفيما يلي نتعرض لأبرز القطاعات المنخرطة في آليات التشغيل الهش.
آلاف الأساتذة والمعلمين والعملة ينتظرون الإدماج في وزارة التربية
ينتظر الآلاف من الأساتذة والمعلمين النواب والمتعاقدين والعملة الحسم في ملفاتهم وتسوية وضعياتهم نهائيا بعد إعلان وزيرة التربية سلوى العباسي عن قرار بتسوية وضعية مختلف الأسلاك بوزارة التربية.
وأكدت الوزيرة قرب صدور أمر منظم لانتداب المتعاقدين من أساتذة ومعلمين نواب ومرشدين، إذ أكدت أن وضعيتهم سيتم تسويتها في شكل دفعات. وسيتم تحديد عدد المعنيين بكل دفعة طبقا لحجم الاعتمادات المرصودة، بما يقطع مع سنوات التهميش والتشغيل الهش خاصة وأن رئيس الجمهورية أكد على ضرورة مراجعة المعايير التي تعد قاسية، على أن يكون المعيار الأساسي هو الفترة والعمر وأول سنة لسد الشغور أي الأقدمية.
إنهاء كابوس المناولة
ويعد ملف المناولة في القطاعين العام والخاص من أكثر الملفات تشعبا إذ بلغ عدد العاملين بالمناولة في تونس إبان الثورة قرابة 31 ألف عامل تمت تسوية وضعياتهم بموجب الاتفاق المبرم في الغرض بين رئاسة الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل في أفريل 2011، إلا أن رقم العاملين ضمن هذه الآلية الهشة تضاعف ليصبح في حدود 60 ألفا حاليا. وهم عمال يعيشون ضمن وضعيات وحالات اجتماعية تستدعي التدخل لوضع حد للمعاناة التي يعيشونها.
وكخطوة لإنهاء العمل بهذه الآلية قرر رئيس الحكومة السابق أحمد الحشّاني منذ شهر فيفري 2024 تحجير إبرام عقود مناولة جديدة بالقطاع العمومي، وإلغاء كافة التدابير المعمول بها في هذا الإطار وخاصة منها المنشور عدد 35 المؤرخ في 30 جويلية 1999 المتعلق بالمناولة في الإدارات والمنشآت العمومية.
وقد انطلقت عمليات جرد شركات المناولة وذلك على مستوى وزارة الشؤون الاجتماعية وعلى مستوى رئاسة الحكومة وذلك وفقا لتصريح رئيسة الهيئة العامة للشغل والعلاقات المهنية بوزارة الشؤون الاجتماعية حياة بن إسماعيل، حيث أفادت في افريل الفارط بأن متفقدي الشغل ومنذ إعلان رئيس الجمهورية عن ضرورة إلغاء كل أشكال التشغيل الهش والقضاء على المناولة، انطلقوا في حملة لتحديد وضبط شركات المناولة.
وأضافت أنه على ضوء مخرجات هذا الجرد سيتم إعداد الإحصائيات اللازمة المتعلقة بعدد الشغّالين في البلاد وغيرها من الإحصائيات، مشددة على أن تدخلات الهيئة العامة للشغل والعلاقات المهنية تتمحور حول مراقبة ظروف العمل والقضاء على الإخلالات المرتكبة من طرف المؤجر.
وسبق أن استقبل رئيس الجمهورية في13 من جوان المنقضي 2024 رئيس الحكومة السابق أحمد الحشّاني، حيث شدّد رئيس الدولة، خلال اللقاء، على ضرورة التعجيل بإعداد مشروع قانون لإلغاء المناولة والعقود المحدودة في الزمن، مع التنصيص على مقاييس واضحة وموضوعية وعادلة تحفظ حقوق الذين اشتغلوا في ظل نظام المناولة.
ملف الحضائر يراوح مكانه
قطاع آخر لا تقل معاناته عن المناولة هو قطاع عمال الحضائر فبعد أن تم الإعلان عن تسوية ملف 5988 عاملا في الدفعة الأولى فوق 45 سنة، حسب المنصة الرقمية لتسوية ملف عمال الحضائر، مازال هؤلاء ينتظرون بفارغ الصبر الإيفاء بالوعود وتسوية وضعيهم بصفة نهائية.
فيما يطالب عمال الحضائر أقل من 45 سنة بإصدار قرار انتدابهم بناء على اتفاق 20 أكتوبر 2020 وذلك بعد 13 سنة من العمل الفعلي داخل مؤسسات الدولة من خلال تطبيق الاتفاق كما نشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.
الإعتمادات المفوضة بوزارة الداخلية لغز محير
وفي ذات السياق فإن وضعية العملة العرضيين المؤجرين على حساب الإعتمادات المفوضة بوزارة الداخلية تعد لغزا محيرا وملفا يسوده الكثير من الغموض، حيث ينتظر الأعوان تسوية وضعيتهم إلى اليوم إلا أن تأخر وصول المراسلات التي تبسط ملفهم وأيضا إدراجه مع ملفات أخرى على غرار ملف عمال الحضائر جعل الوضعية تصبح أكثر تعقيدا .
وكان العملة العرضيين المؤجرين على حساب الإعتمادات المفوضة بوزارة الداخلية قد راسلوا رئاسة الجمهورية في أكثر من مناسبة فكانت الأولى بتاريخ 14 ديسمبر 2021 حيث التمسوا من رئيس الجمهورية إعطاء الأذن لمصالح رئاسة الحكومة ووزارة الداخلية من أجل تفعيل اتفاق 6 فيفري 2021 بين الحكومة واتحاد الشغل والذي ينص على تسوية الوضعية المهنية لأعوان الاعتمادات المفوضة الذين يبلغ عددهم أكثر من 3000 عون، إلا أن الوضع بقي على ما هو عليه إلى اليوم، وهو ما حث الأعوان على إيداع مراسلة أخرى لدى مكتب الضبط برئاسة الجمهورية بتاريخ 9 جويلية 2024 طالبوا من خلالها بتسوية وضعيتهم المهنية في أقرب الآجال حيث تضمنت المراسلة كل الاتفاقيات الممضاة بين الحكومات المتعاقبة واتحاد الشغل للحسم في هذا الملف كما تضمنت أيضا كل الوعود التي قدمها وزراء الداخلية السابقون لإنهاء التشغيل الهش للعملة العرضيين المؤجرين على حساب الإعتمادات المفوضة بوزارة الداخلية.
وحول الموضوع أكدت أميرة همامي الناطقة باسم العملة العرضيين المؤجرين على حساب الإعتمادات المفوضة بوزارة الداخلية لـ"الصباح" أنهم قد راسلوا أيضا وزير الشؤون الاجتماعية بتاريخ 25 جوان 2024 لطلب تسوية الوضعية.
وبينت أنه وبعد مساءلة وزير الداخلية السابق كمال الفقي بمجلس النواب بتاريخ 6 مارس 2024 تمت مراسلة رئاسة الحكومة من طرف وزير الداخلية آنذاك، بتاريخ 21 مارس 2024 شرح من خلالها وضعية الأعوان والمهام الموكلة إليهم وأهمية هذا الصنف صلب الوزارة، حيث طالب بعقد جلسة مع الوزارات المتداخلة، لكن شيء من هذا لم يحصل.
وأردفت أميرة همامي مبينة أن أعوان الاعتمادات المفوضة لوزارة الداخلية قاموا بعدها بتحركات على مستوى قسم الوظيفة العمومية التي بدورها راسلت وزارة المالية بتاريخ 20 ماي 2024 من أجل إبداء الرأي في خصوص الجانب المالي لتسوية وضعية هذه الفئة لكن إلى اليوم لم يقع الرد من قبل مصالح وزارة المالية.
وأكدت أميرة همامي أنه ومنذ سنة 2019 يعاني العملة العرضيين المؤجرين على حساب الإعتمادات المفوضة بوزارة الداخلية من تجاهل قسم الوظيفة العمومية لملفهم، وعبرت عن أملها في أن يتدخل رئيس الجمهورية للحسم في الملف وإنقاذ هذه الفئة من خط الفقر في ظل تواصل المماطلة الممنهجة والتسويف، وفق قولها.
الأعوان المتعاقدون بوزارة الشباب والرياضة مشكل آخر
وقد أطلق الأعوان المتعاقدون بالأجر الأدنى المضمون صلب وزارة الشباب والرياضة صيحة فزع في أكثر من مناسبة بالنظر إلى الوضعيات الاجتماعية الصعبة التي يعانون منها منذ سنوات مطالبين بتسوية وضعياتهم في أقرب وقت.
وقد طالب المتحدث باسم أعوان وزارة الشباب والرياضة، الذين يبلغ عددهم167 عونا، في تصريح إعلامي بتسوية وضعيتهم ذاكرا أنهم يتقاضون أجرا لا يتجاوز 429 دينارا، واصفا هذا الأجر بغير المضمون.
وأشار إلى أن رئيس الجمهورية دعا إلى القطع مع عقود التشغيل الهشة، لكن ما راعهم إلا وقد وقع تجديد عقودهم (الهشة) في مارس 2024. وأضاف المتحدث أنه كان من المنتظر أن يقع تنظيرهم في سنة 2015 كل حسب شهادته العلمية، لكن إلى اليوم لم يحدث ذلك، مؤكدا أن هناك أعوانا لهم شهائد دكتوراه في وزارة الشباب والرياضة يتقاضون أجرا بقيمة 429 دينارا.
آن الأوان للقطع مع التشغيل الهش
صحيح أن ملف التشغيل الهش شائك ومتشعب لكنه أيضا ملف طال أكثر من اللزوم وقد حان الوقت لإيجاد الحلول العملية وتطبيقها على أرض الواقع وذلك من خلال الحسم في مختلف الوضعيات الهشّة تكريسا لمفهوم العمل اللائق والأجر العادل وتطبيقا لما نص عليه الفصل 46 من الدستور الذي نصّ صراحة على أن "العمل حقّ لكلّ مواطن ومواطنة، وتتّخذ الدّولة التّدابير الضّروريّة لضمانه على أساس الكفاءة والإنصاف" وعلى أنّ "لكلّ مواطن ومواطنة الحقّ في العمل في ظروف لائقة وبأجر عادل".
وتعتبر وضعية المالية العمومية اكبر عقبة أمام الحسم في هذا الملف إذ من المؤكد أن معالجة الوضعيات الهشة تحتاج إلى مراعاة الوضعية المالية العمومية والتوازنات المالية، لكن لا يجب أن يطول الملف أكثر وأن تتواصل الوضعية لمدة أخرى حيث يؤكد رئيس الجمهورية أن "السلم الاجتماعي لا يمكن أن يتحقق إلا بالعدل والإنصاف، لا بآليات وعقود لا عدل ولا إنصاف فيها".
لذا قد آن الأوان للقطع مع هذه المظاهر التي تتسبب في عدم تكافؤ الفرص ما يجعل جزءا كبيرا من التونسيين ينشطون في عدة مجالات يشعرون بالظلم والقهر رغم ما يقدمونه من خدمات جليلة في سبيل النهوض بهذا الوطن.
وللإشارة يقدر الأجر الأدنى الصناعي (Smig) بـ460 دينارا، وهو اجر تعتمده كل المؤسسات في القطاع العام والوظيفة العمومية كراتب للعملة والموظفين ضمن آليات التشغيل الهش وهو أجر لا يحفظ الكرامة في ظل ما تشهده الأسعار من ارتفاع متواصل.