إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

4 مليارات متر مكعب من مياه الأمطار ضائعة وتبخر 14 مليونا أخرى.. خبراء يطالبون بتغيير طرق تجميع وخزن الماء

 

تونس-الصباح

مع اقترابنا من انقضاء النصف الأول من شهر أوت ينتظر الفلاحون بفارغ الصبر ما يصطلح عليه بـ"غسالة النوادر" وهو مصطلح فلاحي قديم معروف في تونس متوارث عن أجدادنا ويطلق على الأمطار الموسمية التي تنزل أول فصل الخريف من كل سنة حيث تأتي انطلاقا من النصف الثاني من شهر أوت ومطلع شهر سبتمبر وتكون غزيرة بشكل عام..، وهي أمطار ترافقها عادة بعض الظواهر كالبرد والرياح وسيلان الأودية.

 أمطار يستبشر الفلاحون بها فينطلقون في الاستعداد للموسم الفلاحي الجديد كما تبشرهم بموسم ممطر.

لكن هذه الأمطار باتت في السنوات الأخيرة تهطل متأخرة وتكون عادة غزيرة بكميات كبيرة وفي وقت وجيز، ما يجعلنا نطرح تساؤلا حول الكميات غير المجمعة منها، ليس خلال "غسالة النوادر" بل وأيضا كميات الأمطار التي تخسرها بلادنا خلال فصل الشتاء والتي تسكب في البحر دون الاستفادة منها خاصة في ظل ما تشهده تونس من تقلبات مناخية وارتفاع درجات الحرارة تحتم علينا اليوم عدم هدر أي قطرة من المياه.

الكميات المهدورة من مياه الأمطار وسبل تجميعها والاستفادة منها أبرز محاور ما تطرقت له "الصباح" خلال حديثها مع حسين الرحيلي الخبير في التنمية والتصرف في الموارد المائية بالمرصد التونسي للمياه والمهندس المختص في مجال المياه محمد صالح قلايد الناشط في العديد من الجمعيات التي تعنى بقطاع المياه.

حيث أفادنا حسين الرحيلي أن تونس ومنذ أكثر من سنة ونصف تحت ظاهرة "النينو" والتي تساهم في ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة وهي ظاهرة سيتقلص مفعولها مع نهاية شهر سبتمبر وبداية شهر أكتوبر مع انطلاق فاعلية ظاهرة "النينا" المناخية التي تنطلق من المناطق الباردة وخاصة المحيط الهادي وتقوم بتلطيف الأجواء والتي قد تؤدي إلى هطول كميات هامة من الأمطار.

عدم تغيير سياسة تعبئة الموارد المائية

وشرح حسين الرحيلي الخبير في التنمية والتصرف في الموارد المائية بالمرصد التونسي للمياه أن تونس تواصل العمل بطرق الستينات والسبعينات في تعبئة وحصاد مياه الأمطار التي يهدر جزء كبير منها إذ لم تغير الجهات القائمة على القطاع سياسة تعبئة الموارد المائية من خلال مواصلة إحداث السدود في الشمال وفي أقصى الشمال في حين أن خارطة الأمطار تغيرت وأكبر دليل على ذلك أهمية التساقطات في ولايتي المنستير وسوسة خلال العام الجاري وخاصة في عدد من ولايات الجنوب على غرار مدنين وتطاوين، وبين أن حصاد مياه الأمطار لاسيما في المدن يتطلب تخطيطا مشتركا بين مختلف الوزارات المعنية وتحديدا بين وزارة الفلاحة ووزارة التجهيز وهو ما يحتم إحداث هيكل مستقل مهمته التخطيط لإمكانيات حصاد مياه الأمطار في المناطق العمرانية عبر تغيير مثال التهيئة العمرانية في المدن وخلق أحواض ضخمة لتجميع مياه الأمطار مثلا في الفضاءات المخصصة كموقف للسيارات تحت العمارات والتجمعات السكنية حيث يتم تجهيز أسطح العمارات بشبكة لتجميع المياه تتسرب تحت العمارة وهذا يوفر كميات هامة تستغل في عدة مجالات، مشيرا أنه إذا ما تم القيام بتجارب نموذجية خلال السنوات القادمة فستمكننا من حصاد كميات هامة من الأمطار.

4 مليارات متر مكعب من مياه الأمطار ضائعة

وبين أنه وباحتساب كميات متوسط التساقطات التي تهطل في تونس في المواسم العادية فيمكن أن نقول أن هذه الكميات تتراوح ما بين 25 و36 مليار متر مكعب سنويا، جزء منها يغذي المائدة المائية وجزء آخر لملء السدود وآخر يذهب نحو البحار ويضيع، وأبرز أن كميات حصاد مياه الأمطار في حدود 18% ما يعني أن 20% أي حوالي 4 مليارات متر مكعب من مياه الأمطار ضائعة والتي يمكن تجميعها أو تجميع على الأقل 10% منها أي 2 مليار متر مكعب إذا ما تحركت الجهات المعنية من خلال الاستثمار في مخازن التجميع وتشجيع المواطنين على إحداث المواجل.

تبخر 14 مليون متر مكعب من المياه على الأقل

وشدد الخبير في التنمية والتصرف في الموارد المائية بالمرصد التونسي للمياه أنه ليس من المجدي مواصلة إحداث السدود لاسيما بالنظر إلى الكميات الكبيرة التي تتبخر بفعل ارتفاع درجات الحرارة وهو ما أكدته وزارة الفلاحة التي كشفت أن كمية المياه التي تتبخر في يوم واحد شديد الحرارة تتراوح بين 600 و700 ألف متر مكعب، كاشفا أن الكميات التي تبخرت خلال هذه الصائفة وعلى الأقل خلال 20 يوما حارا في حدود 14 مليون متر مكعب وهو رقم كبير جدا.

إحداث وزارة للماء

وأبرز حسين الرحيلي أن التصرف في الماء يجب أن لا يبقى من مشمولات وزارة الفلاحة إذ من المهم إفراده بوزارة مثل ما هو معمول به في كل دول العالم فمن أوكد الضروريات اليوم إحداث وزارة للماء والري تدير كل مصادر الماء في البلاد من المياه المعدنية إلى مياه السدود والمياه العمرانية وحتى مياه الصرف الصحي.

وشدد الخبير على وجوب تغيير السياسات المائية من خلال إحداث السدود والمخازن الجوفية وتشجيع المواطنين على إحداث الفسقيات والمواجل، مشيرا إلى أنه قد تم رصد 2 مليون دينار ضمن ميزانية 2023 ومثلها ضمن ميزانية 2024 قصد إسنادها للمواطنين لأحداث المواجل والفسقيّات إلا أنها لم تصرف وذلك بسبب طول الإجراءات الإدارية وتشعبها ومطالبة المواطنين بدراسة من مركز دراسات معترف به، ما خلق حالة من العزوف عن إحداث هذه المنشآت المهمة.

تنويع طرق تجميع مياه الأمطار

من جانبه أفاد المهندس المختص في مجال المياه محمد صالح قلايد أن إيرادات السدود اليوم جد منخفضة حسب ما أكدته وزارة الفلاحة وهي في حدود 25%، مشيرا إلى وجود 4 تحديات كبرى لقطاع المياه إلى أفق سنة 2050 تتمثل أساسا في الخزن الجوفي زمن الفيضانات في ظلّ مناخ في حالاته المتطرفة، معتبرا أن العمل على تعلية عدد كبير من السدود للرفع من طاقة الخزن مثل ما حدث مع سد "بوهرتمة"، حيث تم الترفيع في طاقة استيعابه بحوالي 33 مليون متر مكعب، خطوة مهمة.

وبين انه يجب العمل على إحداث مشاريع ووضع التجهيزات اللازمة ومحطات ضخ من أجل حصاد أكبر كميات ممكنة من الأمطار.

وأبرز المهندس الأول أن من أهم الحلول لحصاد أكبر كميات من مياه الأمطار توجيها نحو مناطق الخزن الجوفي حتى لا تضيع على غرار سد سيدي يعيش بقفصة المخصص لتخزين مياه الأمطار أو ما يسمى بالشحن الاصطناعي لحماية الموارد المائية بالسدود من التبخر وهي تجربة اعتبرها الخبير ناجحة، دون نسيان السدود الصغيرة بمنطقة النفيضة وهذه تعد من المشاريع المستقبلية لمجابهة التغييرات المناخية، وفق قوله.

  واعتبر أن تنويع طرق خزن مياه الأمطار المهدورة وغير المجمعة مهم جدا.

وشدد محمد صالح قلايد المهندس المختص في مجال المياه أن من أهم الخيارات أيضا اعتماد الطّرق التّقليديّة مثل إحداث "الماجل" وهو حلّ لمجابهة ندرة المياه في تونس.

وبين أنه يمكن استخدام ماء الماجل في عديد الاستعمالات المنزليّة، باستثناء الشّرب، مشيرا إلى أن ماجلا بحجم 30م مكعب يوفّر مياها للاستعمال المنزلي لفترة 3 أشهر وهو ما يمثل أكثر من 90%من الحاجيات المائية.

حنان قيراط

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  4 مليارات متر مكعب من مياه الأمطار ضائعة وتبخر 14 مليونا أخرى..   خبراء يطالبون بتغيير طرق تجميع وخزن الماء

 

تونس-الصباح

مع اقترابنا من انقضاء النصف الأول من شهر أوت ينتظر الفلاحون بفارغ الصبر ما يصطلح عليه بـ"غسالة النوادر" وهو مصطلح فلاحي قديم معروف في تونس متوارث عن أجدادنا ويطلق على الأمطار الموسمية التي تنزل أول فصل الخريف من كل سنة حيث تأتي انطلاقا من النصف الثاني من شهر أوت ومطلع شهر سبتمبر وتكون غزيرة بشكل عام..، وهي أمطار ترافقها عادة بعض الظواهر كالبرد والرياح وسيلان الأودية.

 أمطار يستبشر الفلاحون بها فينطلقون في الاستعداد للموسم الفلاحي الجديد كما تبشرهم بموسم ممطر.

لكن هذه الأمطار باتت في السنوات الأخيرة تهطل متأخرة وتكون عادة غزيرة بكميات كبيرة وفي وقت وجيز، ما يجعلنا نطرح تساؤلا حول الكميات غير المجمعة منها، ليس خلال "غسالة النوادر" بل وأيضا كميات الأمطار التي تخسرها بلادنا خلال فصل الشتاء والتي تسكب في البحر دون الاستفادة منها خاصة في ظل ما تشهده تونس من تقلبات مناخية وارتفاع درجات الحرارة تحتم علينا اليوم عدم هدر أي قطرة من المياه.

الكميات المهدورة من مياه الأمطار وسبل تجميعها والاستفادة منها أبرز محاور ما تطرقت له "الصباح" خلال حديثها مع حسين الرحيلي الخبير في التنمية والتصرف في الموارد المائية بالمرصد التونسي للمياه والمهندس المختص في مجال المياه محمد صالح قلايد الناشط في العديد من الجمعيات التي تعنى بقطاع المياه.

حيث أفادنا حسين الرحيلي أن تونس ومنذ أكثر من سنة ونصف تحت ظاهرة "النينو" والتي تساهم في ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة وهي ظاهرة سيتقلص مفعولها مع نهاية شهر سبتمبر وبداية شهر أكتوبر مع انطلاق فاعلية ظاهرة "النينا" المناخية التي تنطلق من المناطق الباردة وخاصة المحيط الهادي وتقوم بتلطيف الأجواء والتي قد تؤدي إلى هطول كميات هامة من الأمطار.

عدم تغيير سياسة تعبئة الموارد المائية

وشرح حسين الرحيلي الخبير في التنمية والتصرف في الموارد المائية بالمرصد التونسي للمياه أن تونس تواصل العمل بطرق الستينات والسبعينات في تعبئة وحصاد مياه الأمطار التي يهدر جزء كبير منها إذ لم تغير الجهات القائمة على القطاع سياسة تعبئة الموارد المائية من خلال مواصلة إحداث السدود في الشمال وفي أقصى الشمال في حين أن خارطة الأمطار تغيرت وأكبر دليل على ذلك أهمية التساقطات في ولايتي المنستير وسوسة خلال العام الجاري وخاصة في عدد من ولايات الجنوب على غرار مدنين وتطاوين، وبين أن حصاد مياه الأمطار لاسيما في المدن يتطلب تخطيطا مشتركا بين مختلف الوزارات المعنية وتحديدا بين وزارة الفلاحة ووزارة التجهيز وهو ما يحتم إحداث هيكل مستقل مهمته التخطيط لإمكانيات حصاد مياه الأمطار في المناطق العمرانية عبر تغيير مثال التهيئة العمرانية في المدن وخلق أحواض ضخمة لتجميع مياه الأمطار مثلا في الفضاءات المخصصة كموقف للسيارات تحت العمارات والتجمعات السكنية حيث يتم تجهيز أسطح العمارات بشبكة لتجميع المياه تتسرب تحت العمارة وهذا يوفر كميات هامة تستغل في عدة مجالات، مشيرا أنه إذا ما تم القيام بتجارب نموذجية خلال السنوات القادمة فستمكننا من حصاد كميات هامة من الأمطار.

4 مليارات متر مكعب من مياه الأمطار ضائعة

وبين أنه وباحتساب كميات متوسط التساقطات التي تهطل في تونس في المواسم العادية فيمكن أن نقول أن هذه الكميات تتراوح ما بين 25 و36 مليار متر مكعب سنويا، جزء منها يغذي المائدة المائية وجزء آخر لملء السدود وآخر يذهب نحو البحار ويضيع، وأبرز أن كميات حصاد مياه الأمطار في حدود 18% ما يعني أن 20% أي حوالي 4 مليارات متر مكعب من مياه الأمطار ضائعة والتي يمكن تجميعها أو تجميع على الأقل 10% منها أي 2 مليار متر مكعب إذا ما تحركت الجهات المعنية من خلال الاستثمار في مخازن التجميع وتشجيع المواطنين على إحداث المواجل.

تبخر 14 مليون متر مكعب من المياه على الأقل

وشدد الخبير في التنمية والتصرف في الموارد المائية بالمرصد التونسي للمياه أنه ليس من المجدي مواصلة إحداث السدود لاسيما بالنظر إلى الكميات الكبيرة التي تتبخر بفعل ارتفاع درجات الحرارة وهو ما أكدته وزارة الفلاحة التي كشفت أن كمية المياه التي تتبخر في يوم واحد شديد الحرارة تتراوح بين 600 و700 ألف متر مكعب، كاشفا أن الكميات التي تبخرت خلال هذه الصائفة وعلى الأقل خلال 20 يوما حارا في حدود 14 مليون متر مكعب وهو رقم كبير جدا.

إحداث وزارة للماء

وأبرز حسين الرحيلي أن التصرف في الماء يجب أن لا يبقى من مشمولات وزارة الفلاحة إذ من المهم إفراده بوزارة مثل ما هو معمول به في كل دول العالم فمن أوكد الضروريات اليوم إحداث وزارة للماء والري تدير كل مصادر الماء في البلاد من المياه المعدنية إلى مياه السدود والمياه العمرانية وحتى مياه الصرف الصحي.

وشدد الخبير على وجوب تغيير السياسات المائية من خلال إحداث السدود والمخازن الجوفية وتشجيع المواطنين على إحداث الفسقيات والمواجل، مشيرا إلى أنه قد تم رصد 2 مليون دينار ضمن ميزانية 2023 ومثلها ضمن ميزانية 2024 قصد إسنادها للمواطنين لأحداث المواجل والفسقيّات إلا أنها لم تصرف وذلك بسبب طول الإجراءات الإدارية وتشعبها ومطالبة المواطنين بدراسة من مركز دراسات معترف به، ما خلق حالة من العزوف عن إحداث هذه المنشآت المهمة.

تنويع طرق تجميع مياه الأمطار

من جانبه أفاد المهندس المختص في مجال المياه محمد صالح قلايد أن إيرادات السدود اليوم جد منخفضة حسب ما أكدته وزارة الفلاحة وهي في حدود 25%، مشيرا إلى وجود 4 تحديات كبرى لقطاع المياه إلى أفق سنة 2050 تتمثل أساسا في الخزن الجوفي زمن الفيضانات في ظلّ مناخ في حالاته المتطرفة، معتبرا أن العمل على تعلية عدد كبير من السدود للرفع من طاقة الخزن مثل ما حدث مع سد "بوهرتمة"، حيث تم الترفيع في طاقة استيعابه بحوالي 33 مليون متر مكعب، خطوة مهمة.

وبين انه يجب العمل على إحداث مشاريع ووضع التجهيزات اللازمة ومحطات ضخ من أجل حصاد أكبر كميات ممكنة من الأمطار.

وأبرز المهندس الأول أن من أهم الحلول لحصاد أكبر كميات من مياه الأمطار توجيها نحو مناطق الخزن الجوفي حتى لا تضيع على غرار سد سيدي يعيش بقفصة المخصص لتخزين مياه الأمطار أو ما يسمى بالشحن الاصطناعي لحماية الموارد المائية بالسدود من التبخر وهي تجربة اعتبرها الخبير ناجحة، دون نسيان السدود الصغيرة بمنطقة النفيضة وهذه تعد من المشاريع المستقبلية لمجابهة التغييرات المناخية، وفق قوله.

  واعتبر أن تنويع طرق خزن مياه الأمطار المهدورة وغير المجمعة مهم جدا.

وشدد محمد صالح قلايد المهندس المختص في مجال المياه أن من أهم الخيارات أيضا اعتماد الطّرق التّقليديّة مثل إحداث "الماجل" وهو حلّ لمجابهة ندرة المياه في تونس.

وبين أنه يمكن استخدام ماء الماجل في عديد الاستعمالات المنزليّة، باستثناء الشّرب، مشيرا إلى أن ماجلا بحجم 30م مكعب يوفّر مياها للاستعمال المنزلي لفترة 3 أشهر وهو ما يمثل أكثر من 90%من الحاجيات المائية.

حنان قيراط