لا تكاد تمرّ سنة دون رئيس حكومة جديد على رأس القصبة..، فلا أحد يثبت في مكانه إلا لبضعة أشهر، قبل إعلان إجراءات 25 جويلية كان الأمر يبرّر بعدم الاستقرار السياسي والتطاحن الحزبي الذي كانت دائما الحكومة ورئيسها أوّل ضحاياه، ولكن حتى مع تغيير النظام السياسي إلى نظام رئاسي مع دستور2022 الذي يمنح رئيس الجمهورية صلاحية تعيين الحكومة ورئيسها، وتحوّل الحكومة إلى جهاز لتنفيذ خيارات وتوجهات رئيس الجمهورية المخوّل له دستوريا رسم السياسات العامة للدولة وتوجهاتها الكبرى، لم يستقّر المنصب.
هذا المنصب الذي مرّ من حقبة الوزير الأول إلى حقبة رئيس الحكومة لم يشهد فقط تغييرا في المهام والصلاحيات، بل تغييرا في العلاقات مع بقية مؤسسات الدولة وهياكلها. ولئن ظلّ منصب الوزير الأول، مستقرا لعقود في المهام والصلاحيات وباختلاف عناوين النظام الرئاسي بين بورقيبة وبن علي، فإن هذا الاستقرار لم يمنح منصب الوزير الأول مساحة أبعد وأوسع من رؤية رئيس الجمهورية وتوجهاته، رغم أن للوزير الأول دور استشاري مهم بالنسبة للرئيس منذ الاستقلال إلى تاريخ الثورة، وقد شغل هذا المنصب شخصيات بارزة مشهود لها بالكفاءة ولعبت أدوارا مهمة في توجيه القرارات الرئاسية وصناعة السياسات العامة للدولة ..
لكن الأمر اختلف كليا بعد الثورة خاصة مع التنظيم المؤقت للسلط بعد انتخابات المجلس التأسيسي حيث تم تهميش دور رئيس الجمهورية تماما ووضع البرلمان يده على الحكومة وبات هو المتحكّم في كل تفاصيلها من تعيين وإقالة ومحاسبة وتقييم، واقتصر دور الرئيس على صلاحيات الدفاع والخارجية دون التأثير لا في سياسات الحكومة ولا التحكم في مصيرها رغم أنها عمليا تتقاسم السلطة التنفيذية مع رئيس الجمهورية ..
وترسّخ هذا التقسيم السياسي على مستوى المهام والصلاحيات في دستور 2014 مما أنتج اختلالا في التوازن بين السلط وسيطرة واضحة لبرلمان كان دائما يفتقد لأغلبية مريحة مما أفضى إلى حالة من التشنّج الحزبي الدائم، أثّر بدوره على الاستقرار الحكومي، الذي ظلّ تحت سيطرة المزاج الحزبي الأغلبي ..
هذه السيطرة البرلمانية على الحكومة مع تهميش دور رئيس الجمهورية، رفضها الرئيس قيس سعيد منذ البداية، وكان دستور الاستفتاء فرصة لاستعادة صلاحيات رئيس الدولة واستعادة الحكومة من البرلمان، لتصبح هذه الحكومة وفق دستور 2022 مكلفة بتنفيذ السياسات العامة التي يضبطها رئيس الدولة بمساعدة أعضاء الحكومة، وعمليا أصبحت وظيفة رئيس الحكومة أقرب إلى وظيفة الوزير الأول وهي الخطة الأكثر منطقية في النظام السياسي الحالي، الذي يمنح كل المهام والصلاحيات التنفيذية لرئيس الجمهورية ولذلك لم نر في الثلاث سنوات الأخيرة تأثيرا أو حضورا قويا لرئيس الحكومة في المشهد العام، حيث اقتصر دوره على متابعة تنفيذ قرارات رئيس الجمهورية، دون أن تكون له مساحة دستورية تمّكنه من اتخاذ قرارات بعيدا عن إرادة رئيس الدولة كما كان الأمر في السابق ..
وهذا الأمر وإن خلق انسجاما في السلطة التنفيذية إلا أنه لم يخلق الانسجام المطلوب رغم استقرار المشهد السياسي.
منية العرفاوي
لا تكاد تمرّ سنة دون رئيس حكومة جديد على رأس القصبة..، فلا أحد يثبت في مكانه إلا لبضعة أشهر، قبل إعلان إجراءات 25 جويلية كان الأمر يبرّر بعدم الاستقرار السياسي والتطاحن الحزبي الذي كانت دائما الحكومة ورئيسها أوّل ضحاياه، ولكن حتى مع تغيير النظام السياسي إلى نظام رئاسي مع دستور2022 الذي يمنح رئيس الجمهورية صلاحية تعيين الحكومة ورئيسها، وتحوّل الحكومة إلى جهاز لتنفيذ خيارات وتوجهات رئيس الجمهورية المخوّل له دستوريا رسم السياسات العامة للدولة وتوجهاتها الكبرى، لم يستقّر المنصب.
هذا المنصب الذي مرّ من حقبة الوزير الأول إلى حقبة رئيس الحكومة لم يشهد فقط تغييرا في المهام والصلاحيات، بل تغييرا في العلاقات مع بقية مؤسسات الدولة وهياكلها. ولئن ظلّ منصب الوزير الأول، مستقرا لعقود في المهام والصلاحيات وباختلاف عناوين النظام الرئاسي بين بورقيبة وبن علي، فإن هذا الاستقرار لم يمنح منصب الوزير الأول مساحة أبعد وأوسع من رؤية رئيس الجمهورية وتوجهاته، رغم أن للوزير الأول دور استشاري مهم بالنسبة للرئيس منذ الاستقلال إلى تاريخ الثورة، وقد شغل هذا المنصب شخصيات بارزة مشهود لها بالكفاءة ولعبت أدوارا مهمة في توجيه القرارات الرئاسية وصناعة السياسات العامة للدولة ..
لكن الأمر اختلف كليا بعد الثورة خاصة مع التنظيم المؤقت للسلط بعد انتخابات المجلس التأسيسي حيث تم تهميش دور رئيس الجمهورية تماما ووضع البرلمان يده على الحكومة وبات هو المتحكّم في كل تفاصيلها من تعيين وإقالة ومحاسبة وتقييم، واقتصر دور الرئيس على صلاحيات الدفاع والخارجية دون التأثير لا في سياسات الحكومة ولا التحكم في مصيرها رغم أنها عمليا تتقاسم السلطة التنفيذية مع رئيس الجمهورية ..
وترسّخ هذا التقسيم السياسي على مستوى المهام والصلاحيات في دستور 2014 مما أنتج اختلالا في التوازن بين السلط وسيطرة واضحة لبرلمان كان دائما يفتقد لأغلبية مريحة مما أفضى إلى حالة من التشنّج الحزبي الدائم، أثّر بدوره على الاستقرار الحكومي، الذي ظلّ تحت سيطرة المزاج الحزبي الأغلبي ..
هذه السيطرة البرلمانية على الحكومة مع تهميش دور رئيس الجمهورية، رفضها الرئيس قيس سعيد منذ البداية، وكان دستور الاستفتاء فرصة لاستعادة صلاحيات رئيس الدولة واستعادة الحكومة من البرلمان، لتصبح هذه الحكومة وفق دستور 2022 مكلفة بتنفيذ السياسات العامة التي يضبطها رئيس الدولة بمساعدة أعضاء الحكومة، وعمليا أصبحت وظيفة رئيس الحكومة أقرب إلى وظيفة الوزير الأول وهي الخطة الأكثر منطقية في النظام السياسي الحالي، الذي يمنح كل المهام والصلاحيات التنفيذية لرئيس الجمهورية ولذلك لم نر في الثلاث سنوات الأخيرة تأثيرا أو حضورا قويا لرئيس الحكومة في المشهد العام، حيث اقتصر دوره على متابعة تنفيذ قرارات رئيس الجمهورية، دون أن تكون له مساحة دستورية تمّكنه من اتخاذ قرارات بعيدا عن إرادة رئيس الدولة كما كان الأمر في السابق ..
وهذا الأمر وإن خلق انسجاما في السلطة التنفيذية إلا أنه لم يخلق الانسجام المطلوب رغم استقرار المشهد السياسي.