إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

قيس سعيد يترشح للمرة الثانية للانتخابات الرئاسية.. الرئيس هذه المرة أمام الناخبين بصفته رجل دولة وبرصيده في السلطة

 

تونس- الصباح

 حوالي خمس سنوات تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية السابقة التي فاز بها الرئيس المتخلي قيس سعيد بنسبة عالية من الأصوات اعتبرت قياسية مقارنة بنتائج الانتخابات التي أجريت بعد أحداث 14 جانفي 2011، تاريخ انخراط تونس في تجربتها الديمقراطية الناشئة. فقد حصل المرشح قيس سعيد على قرابة 73 بالمائة من الأصوات في الدور الثاني للانتخابات (انتظمت بين سبتمبر وأكتوبر 2019) أمام منافسه نبيل القروي، مؤسس حزب "قلب تونس"، وهو ما منح الرئيس المنتخب شرعية قوية وجعله ينطلق في عهدته بالتعويل على ثقة واسعة من الناخبين.

ومع ذلك لم يكن الرئيس المتخلي قيس سعيد الذي أودع يوم أمس الاثنين ملف ترشحه لمدة ثانية -وهي الأولى وفق دستور البلاد الجديد- لدى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وذلك قبل يوم من غلق باب الترشحات للانتخابات الرئاسية التي تنتظم يوم 6 أكتوبر القادم، لم يكن وهو يتقدم للناخبين تونسيين من قبل، سوى أستاذ القانون الدستوري الصارم في هيئته والمعروف لدى طلابه بالجدية الكبيرة والاعتقاد الراسخ في قيمة القانون وفي نجاعته.

خمس سنوات بايجابياتها وسلبياتها

منذ خمس سنوات لم يكن التونسيون يعرفون عن الرئيس المتخلي أشياء كثيرة خلافا لما يتردد حول جديته وصرامته ونظافة اليد وهذه المسألة تعتبر حساسة جدا نظرا لتجربة التونسيين مع الحكم سابقا واكتوائهم بنار الفساد والمحسوبية وتقديم المصالح الخاصة على مصلحة البلاد. كانوا يعرفون شخصية الرجل من خلال أرائه في وسائل الإعلام إذ كثيرا ما يهتدي برأيه الإعلاميون حول قانونية المسار السياسي الجديد الذي كانت قد انخرطت فيه بلادنا بعد سقوط نظام الرئيس بن علي. وكان الإعلام كثيرا ما يلتجئ إلى آراء رجالات القانون ومن بينهم قيس سعيد وقد كانت تونس بصدد إعادة بناء مؤسسات الدولة وقد كان حضور رجالات القانون مكثفا، وقيس سعيد بالذات كان له حضور بارز بالخصوص في نشرات الأخبار على القناة الأولى للتلفزة الوطنية التي يمكن القول أنها ساهمت في تقديمه للجمهور الواسع وقد كان حينها ملفتا للانتباه لنبرته الخاصة ولتمسكه باللغة العربية الفصحى.

ولابد من الاعتراف بأن الرئيس المتخلي قد فاجأ الكثير من الملاحظين عندما تقدم لانتخابات 2019 ليس فقط لأنه أقدم على الخطوة وهو الذي لم يسبق له أن انتمى لحزب سياسي ولم يعول على مساندة أحزاب سياسية أو رجال أعمال وفق ما جرت به العادة في الانتخابات ولم يقم بحملة انتخابية تقليدية، بل اكتفى بظهور بسيط. كان يكتفي مثلا بجلسة حوار مع البعض في مقهى، ولا يكون محاطا مثلما هي عادة السياسيين بفيالق من المرافقين، إنما المفاجأة كانت في حجم المساندة التي حظي بها ترشحه من العديد من الفئات الشعبية وأبرزها فئة الشباب التي تجندت لدعمه خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنيت التي كان لها دور كبير في حشد الناخبين لفائدته.

لما أصبح الحل لتونس هو ذلك الاختيار

وأبرز ملاحظة يمكن الوقوف عندها في هذا السياق، وقد مثلت بالفعل مفاجأة هي أن كثيرين كانوا ينظرون لأستاذ القانون الدستوري قيس سعيد على أنه المنقذ الذي تنتظره البلاد. ولا يقف الأمر عند فئة الشباب، وإنما عند فئات مختلفة من المجتمع. نجد من بينهم الجامعي والأكاديمي ونجد من بينهم الطلبة وخريجي الجامعة وأيضا العاطلين عن العمل ومن كان حظهم في الدراسة وفي الدنيا عموما قليل. كان هناك إجماع – والحقيقة لا ندري كيف حدث ذلك بالضبط وهذا أمر يتطلب دراسة متأنية- على أن الحل بالنسبة لتونس هو الأستاذ قيس سعيد. وهو ما يفسر حجم الفرحة التي تلت الإعلان عن نتائج الانتخابات والمبادرات التي قام بها الشباب بالخصوص في مختلف جهات الجمهورية للتعبير عن استبشارهم بانتخابه على رأس البلاد.

لا شيء كان يخول لنا في البداية أن نتصور أن الأمور ستأخذ ذلك المجرى الذي اتخذته منذ 25 جويلية 2021 والى غاية اليوم.

كانت حركات رئيس الجمهورية مقيدة بحكم الصلاحيات القليلة الممنوحة له. فقد اختار الفاعلون السياسيون بعد أحداث 14 جانفي منظومة حكم قلصت كثيرا من صلاحيات رئيس الجمهورية. والأسباب أو على الأقل، الأسباب المعلنة، معروفة وهي تجنب الوقوع في أخطاء الماضي وتجنيب البلاد خطر العودة إلى النظام الديكتاتوري فقد كانت تونس منذ الاستقلال تعتمد على نظام حكم رئاسي أو بالأحرى رئاسوي كان يتمتع رئيس الدولة بمقتضاه بكل الصلاحيات. ولتلافي ذلك تم اعتماد منظومة حكم تمنح صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة الذي يقترحه الحزب الفائز بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية أو الائتلاف الحزبي الذي تفرزه الانتخابات، في حين يقتصر رئيس الجمهورية على صلاحية تعيين وزيري الدفاع والخارجية وتسطير السياسة الخارجية وتولي الدفاع الوطني بالتشاور مع رئيس الحكومة. لكن دستور 2014 ترك بعض الثغرات التي يمكن فيها لرئيس الجمهورية ورغم صلاحياته المحدودة أن يكون حكم العملية وأن يقرر نهاية المباراة وهو ما حدث فعلا يوم 25 جويلية 2021 بالاستفادة من الفصل 80 من الدستور المذكور الذي يخول لرئيس الجمهورية اتخاذ التدابير الملائمة عندما تكون البلاد في خطر. يومها أعلن الرئيس قيس سعيد عن إقالة الحكومة وعن حل البرلمان وإنهاء العمل بالدستور وعن دخول البلاد في فترة انتقالية تولى فيها حكم البلاد عن طريق المراسيم. حينها يمكن القول أن رئاسة قيس سعيد للبلاد قد انطلقت فعلا.

مرت خمس سنوات وها أن الأستاذ يتقدم مجددا أمام الناخبين، لكنه يتقدم هذه المرة في جبة الرئيس المتخلي الذي يطلب ثقة الناخبين لمدة ثانية؟

هل سيكون الأمر على طريقة انتخابات 2019؟

 ذلك هو السؤال طبعا، لكن المرشح قيس سعيد يتقدم هذه المرة وهو يحمل معه رصيدا سياسيا هو نتيجة خمس سنوات من ممارسة السلطة من بينها أكثر من ثلاث سنوات جمع فيها كل السلط بين يديه ولم تكن هناك معارضة حقيقية.

اليوم يتقدم قيس سعيد إلى الناخبين التونسيين برصيده السياسي وبتجربته في الحكم وهو بذلك قد خرج من جبة أستاذ القانون الذي تجله الناس لعلمه ولمواقفه المنتصرة للحق والعدالة ليلبس جبة رجل الدولة الذي خبر الحكم وخبرته الناس وخبرت أسلوبه في الحكم الذي بقدر ما يسانده البعض بقدر ما ينتقده الأخر حتى أن هناك من يرفضه وطبيعي أن تكون الآراء والمواقف مختلفة حول الساسة والسياسة.

رصيد سياسي ولكنه ليس العامل المحدد الوحيد

 وللتذكير فقد قاد الرئيس قيس سعيدا مسارا سياسيا تضمن عدة محطات من بينها تنظيم انتخابات برلمانية سابقة لأوانها واحدث مجلسا للجهات والأقاليم وهو مجلس منتخب واعد دستورا جديدا للبلاد وعول على حكومة يعتبر فعليا هو رئيسها. وبهذا الرصيد السياسي يقف الرئيس المتخلي يوم 6 أكتوبر المقبل أمام الناخبين مجددا، للحكم له أو عليه، لكن المسار السياسي لن يكون العامل الوحيد المحدد لاختيارات الناخبين. فهناك الجوانب الاجتماعية والاقتصادية ولا ننكر أن التونسيين عانوا كثيرا خاصة على المستوى الاجتماعي. فقد ارتفعت في السنوات الأخيرة الأسعار بشكل رهيب وأصبحت الحياة أكثر صعوبة وواجه التونسيون تحديات كثيرة وصلت إلى حد اختفاء مواد استهلاكية ضرورية من الأسواق. المشاكل الاجتماعية عديدة ودون الدخول في التفاصيل يمكن القول أنها قد انعكست سلبا على مستوى عيش المواطن عموما.

طبعا بالتوازي مع ذلك، حدث انفراج على مستوى العلاقة مع الهياكل النقابية وتحسن الوضع الأمني كثيرا واختفت التجاذبات السياسية والصراعات الحزبية الضيقة التي كانت تحدث على حساب امن المواطن ونوعية الحياة بالبلاد. لكن في المقابل لا ننكر أن صوت المعارضة قد اختفى تقريبا ولا نتصور ديمقراطية دون معارضة جدية وفي هذا يمكن أن نقول الكثير استنادا إلى خصوصية التجربة التونسية.

 إذن بعمله على كل الواجهات وبحصيلة هذا العمل يتقدم الرئيس المتخلي قيس سعيد إلى الناخبين مجددا يوم 6 أكتوبر ولهم بطبيعة الحال الكلمة. صحيح هناك مؤشرات مشجعة بالنسبة له فهو لم يجد مثلا صعوبات كبيرة في جمع التزكيات للترشح للانتخابات الرئاسية الجديدة، بل جمع المتطوعون من اجله حوالي 240 ألف تزكية في ظرف وجيز خلافا لبقية المترشحين الذين لم يحظوا بنفس درجة الحماسة وهو ما يؤكد أن لديه مساندة شعبية يمكن أن تكون مؤشرا حول نتائج الانتخابات لكن النتائج طبعا لن تكون محسومة مسبقا، بل يحسمها الصندوق ككل انتخابات ديمقراطية.

 حياة السايب

 

 

 

 

 

 

 

 

 

قيس سعيد يترشح للمرة الثانية للانتخابات الرئاسية..   الرئيس   هذه المرة أمام الناخبين بصفته رجل دولة وبرصيده في السلطة

 

تونس- الصباح

 حوالي خمس سنوات تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية السابقة التي فاز بها الرئيس المتخلي قيس سعيد بنسبة عالية من الأصوات اعتبرت قياسية مقارنة بنتائج الانتخابات التي أجريت بعد أحداث 14 جانفي 2011، تاريخ انخراط تونس في تجربتها الديمقراطية الناشئة. فقد حصل المرشح قيس سعيد على قرابة 73 بالمائة من الأصوات في الدور الثاني للانتخابات (انتظمت بين سبتمبر وأكتوبر 2019) أمام منافسه نبيل القروي، مؤسس حزب "قلب تونس"، وهو ما منح الرئيس المنتخب شرعية قوية وجعله ينطلق في عهدته بالتعويل على ثقة واسعة من الناخبين.

ومع ذلك لم يكن الرئيس المتخلي قيس سعيد الذي أودع يوم أمس الاثنين ملف ترشحه لمدة ثانية -وهي الأولى وفق دستور البلاد الجديد- لدى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وذلك قبل يوم من غلق باب الترشحات للانتخابات الرئاسية التي تنتظم يوم 6 أكتوبر القادم، لم يكن وهو يتقدم للناخبين تونسيين من قبل، سوى أستاذ القانون الدستوري الصارم في هيئته والمعروف لدى طلابه بالجدية الكبيرة والاعتقاد الراسخ في قيمة القانون وفي نجاعته.

خمس سنوات بايجابياتها وسلبياتها

منذ خمس سنوات لم يكن التونسيون يعرفون عن الرئيس المتخلي أشياء كثيرة خلافا لما يتردد حول جديته وصرامته ونظافة اليد وهذه المسألة تعتبر حساسة جدا نظرا لتجربة التونسيين مع الحكم سابقا واكتوائهم بنار الفساد والمحسوبية وتقديم المصالح الخاصة على مصلحة البلاد. كانوا يعرفون شخصية الرجل من خلال أرائه في وسائل الإعلام إذ كثيرا ما يهتدي برأيه الإعلاميون حول قانونية المسار السياسي الجديد الذي كانت قد انخرطت فيه بلادنا بعد سقوط نظام الرئيس بن علي. وكان الإعلام كثيرا ما يلتجئ إلى آراء رجالات القانون ومن بينهم قيس سعيد وقد كانت تونس بصدد إعادة بناء مؤسسات الدولة وقد كان حضور رجالات القانون مكثفا، وقيس سعيد بالذات كان له حضور بارز بالخصوص في نشرات الأخبار على القناة الأولى للتلفزة الوطنية التي يمكن القول أنها ساهمت في تقديمه للجمهور الواسع وقد كان حينها ملفتا للانتباه لنبرته الخاصة ولتمسكه باللغة العربية الفصحى.

ولابد من الاعتراف بأن الرئيس المتخلي قد فاجأ الكثير من الملاحظين عندما تقدم لانتخابات 2019 ليس فقط لأنه أقدم على الخطوة وهو الذي لم يسبق له أن انتمى لحزب سياسي ولم يعول على مساندة أحزاب سياسية أو رجال أعمال وفق ما جرت به العادة في الانتخابات ولم يقم بحملة انتخابية تقليدية، بل اكتفى بظهور بسيط. كان يكتفي مثلا بجلسة حوار مع البعض في مقهى، ولا يكون محاطا مثلما هي عادة السياسيين بفيالق من المرافقين، إنما المفاجأة كانت في حجم المساندة التي حظي بها ترشحه من العديد من الفئات الشعبية وأبرزها فئة الشباب التي تجندت لدعمه خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنيت التي كان لها دور كبير في حشد الناخبين لفائدته.

لما أصبح الحل لتونس هو ذلك الاختيار

وأبرز ملاحظة يمكن الوقوف عندها في هذا السياق، وقد مثلت بالفعل مفاجأة هي أن كثيرين كانوا ينظرون لأستاذ القانون الدستوري قيس سعيد على أنه المنقذ الذي تنتظره البلاد. ولا يقف الأمر عند فئة الشباب، وإنما عند فئات مختلفة من المجتمع. نجد من بينهم الجامعي والأكاديمي ونجد من بينهم الطلبة وخريجي الجامعة وأيضا العاطلين عن العمل ومن كان حظهم في الدراسة وفي الدنيا عموما قليل. كان هناك إجماع – والحقيقة لا ندري كيف حدث ذلك بالضبط وهذا أمر يتطلب دراسة متأنية- على أن الحل بالنسبة لتونس هو الأستاذ قيس سعيد. وهو ما يفسر حجم الفرحة التي تلت الإعلان عن نتائج الانتخابات والمبادرات التي قام بها الشباب بالخصوص في مختلف جهات الجمهورية للتعبير عن استبشارهم بانتخابه على رأس البلاد.

لا شيء كان يخول لنا في البداية أن نتصور أن الأمور ستأخذ ذلك المجرى الذي اتخذته منذ 25 جويلية 2021 والى غاية اليوم.

كانت حركات رئيس الجمهورية مقيدة بحكم الصلاحيات القليلة الممنوحة له. فقد اختار الفاعلون السياسيون بعد أحداث 14 جانفي منظومة حكم قلصت كثيرا من صلاحيات رئيس الجمهورية. والأسباب أو على الأقل، الأسباب المعلنة، معروفة وهي تجنب الوقوع في أخطاء الماضي وتجنيب البلاد خطر العودة إلى النظام الديكتاتوري فقد كانت تونس منذ الاستقلال تعتمد على نظام حكم رئاسي أو بالأحرى رئاسوي كان يتمتع رئيس الدولة بمقتضاه بكل الصلاحيات. ولتلافي ذلك تم اعتماد منظومة حكم تمنح صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة الذي يقترحه الحزب الفائز بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية أو الائتلاف الحزبي الذي تفرزه الانتخابات، في حين يقتصر رئيس الجمهورية على صلاحية تعيين وزيري الدفاع والخارجية وتسطير السياسة الخارجية وتولي الدفاع الوطني بالتشاور مع رئيس الحكومة. لكن دستور 2014 ترك بعض الثغرات التي يمكن فيها لرئيس الجمهورية ورغم صلاحياته المحدودة أن يكون حكم العملية وأن يقرر نهاية المباراة وهو ما حدث فعلا يوم 25 جويلية 2021 بالاستفادة من الفصل 80 من الدستور المذكور الذي يخول لرئيس الجمهورية اتخاذ التدابير الملائمة عندما تكون البلاد في خطر. يومها أعلن الرئيس قيس سعيد عن إقالة الحكومة وعن حل البرلمان وإنهاء العمل بالدستور وعن دخول البلاد في فترة انتقالية تولى فيها حكم البلاد عن طريق المراسيم. حينها يمكن القول أن رئاسة قيس سعيد للبلاد قد انطلقت فعلا.

مرت خمس سنوات وها أن الأستاذ يتقدم مجددا أمام الناخبين، لكنه يتقدم هذه المرة في جبة الرئيس المتخلي الذي يطلب ثقة الناخبين لمدة ثانية؟

هل سيكون الأمر على طريقة انتخابات 2019؟

 ذلك هو السؤال طبعا، لكن المرشح قيس سعيد يتقدم هذه المرة وهو يحمل معه رصيدا سياسيا هو نتيجة خمس سنوات من ممارسة السلطة من بينها أكثر من ثلاث سنوات جمع فيها كل السلط بين يديه ولم تكن هناك معارضة حقيقية.

اليوم يتقدم قيس سعيد إلى الناخبين التونسيين برصيده السياسي وبتجربته في الحكم وهو بذلك قد خرج من جبة أستاذ القانون الذي تجله الناس لعلمه ولمواقفه المنتصرة للحق والعدالة ليلبس جبة رجل الدولة الذي خبر الحكم وخبرته الناس وخبرت أسلوبه في الحكم الذي بقدر ما يسانده البعض بقدر ما ينتقده الأخر حتى أن هناك من يرفضه وطبيعي أن تكون الآراء والمواقف مختلفة حول الساسة والسياسة.

رصيد سياسي ولكنه ليس العامل المحدد الوحيد

 وللتذكير فقد قاد الرئيس قيس سعيدا مسارا سياسيا تضمن عدة محطات من بينها تنظيم انتخابات برلمانية سابقة لأوانها واحدث مجلسا للجهات والأقاليم وهو مجلس منتخب واعد دستورا جديدا للبلاد وعول على حكومة يعتبر فعليا هو رئيسها. وبهذا الرصيد السياسي يقف الرئيس المتخلي يوم 6 أكتوبر المقبل أمام الناخبين مجددا، للحكم له أو عليه، لكن المسار السياسي لن يكون العامل الوحيد المحدد لاختيارات الناخبين. فهناك الجوانب الاجتماعية والاقتصادية ولا ننكر أن التونسيين عانوا كثيرا خاصة على المستوى الاجتماعي. فقد ارتفعت في السنوات الأخيرة الأسعار بشكل رهيب وأصبحت الحياة أكثر صعوبة وواجه التونسيون تحديات كثيرة وصلت إلى حد اختفاء مواد استهلاكية ضرورية من الأسواق. المشاكل الاجتماعية عديدة ودون الدخول في التفاصيل يمكن القول أنها قد انعكست سلبا على مستوى عيش المواطن عموما.

طبعا بالتوازي مع ذلك، حدث انفراج على مستوى العلاقة مع الهياكل النقابية وتحسن الوضع الأمني كثيرا واختفت التجاذبات السياسية والصراعات الحزبية الضيقة التي كانت تحدث على حساب امن المواطن ونوعية الحياة بالبلاد. لكن في المقابل لا ننكر أن صوت المعارضة قد اختفى تقريبا ولا نتصور ديمقراطية دون معارضة جدية وفي هذا يمكن أن نقول الكثير استنادا إلى خصوصية التجربة التونسية.

 إذن بعمله على كل الواجهات وبحصيلة هذا العمل يتقدم الرئيس المتخلي قيس سعيد إلى الناخبين مجددا يوم 6 أكتوبر ولهم بطبيعة الحال الكلمة. صحيح هناك مؤشرات مشجعة بالنسبة له فهو لم يجد مثلا صعوبات كبيرة في جمع التزكيات للترشح للانتخابات الرئاسية الجديدة، بل جمع المتطوعون من اجله حوالي 240 ألف تزكية في ظرف وجيز خلافا لبقية المترشحين الذين لم يحظوا بنفس درجة الحماسة وهو ما يؤكد أن لديه مساندة شعبية يمكن أن تكون مؤشرا حول نتائج الانتخابات لكن النتائج طبعا لن تكون محسومة مسبقا، بل يحسمها الصندوق ككل انتخابات ديمقراطية.

 حياة السايب