إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بالبنط العريض.. الاختبار الإيراني الصعب

 

بقلم: نزار مقني

كثيرة هي الأسئلة التي تخامر العالم اليوم حول الرد الإيراني "الانتقامي" لمقتل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، وحول سيناريوهاته المحتملة، وهل ستشمل أهدافا مدنية للاحتلال أم ستقتصر فقط على الأهداف العسكرية، وإذا ما سيكون هذا الرد "مدروسا" أو ردا "ثأريا" يقلب منطقة الشرق الأوسط رأسا على عقب ويحولها إلى حريق كبير يمتد من طهران إلى يافا.

كلها أسئلة قد نجد لها فرضيات لإجابات، إذا ما تم فهم الحسابات بالنسبة لإيران وحلفائها في المنطقة، وكذلك ما قامت به إيران سابقا من هجمات "انتقامية" لمقتل قياداتها العسكرية كقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني وعلماء البرنامج النووي الإيراني مثل كبير خبراء هذا البرنامج محسن فخر زادة، وقيادات أخرى في "حزب الله" على سبيل المثال عماد مغنية وغيرهم، وكذلك في الرد الأخير على استهداف مقر القنصلية الإيرانية في دمشق والذي أدى إلى مقتل 16 من السلك الديبلوماسي الإيراني.

لم يكن الرد الإيراني في كل هذه الاغتيالات برد شامل، بل كان ردا محسوب العواقب، لم يشكل خسائر كبيرة سواء تعلق الأمر بإسرائيل أو بالقواعد الأمريكية في العراق وسوريا، بل جاء في إطار بعث رسائل سياسية من طهران للغرب، وخصوصا للقول بأن لإيران امتدادها الجيواستراتجي في الشرق الأوسط ويمكنها أن تشكل عنصرا فارقا في أي معادلة سياسية أو جيوسياسية في المنطقة.

وفي هذه المرحلة من الصراع في الشرق الأوسط، يمكن ملاحظة أن أهداف إيران تكمن في محاولة الضغط على الاحتلال الإسرائيلي للذهاب في مفاوضات صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية وتل أبيب، وهذا ما يقوم به "حزب الله" مباشرة من خلال استهدافه لشمال إسرائيل، وكذلك الأمر بالنسبة للحوثيين انطلاقا من اليمن، وبشكل غير مباشر، من خلال استهدافهم لطريق التجارة الدولية والذي يشكل عصب الاقتصاد الدولي، وبالتالي الضغط على واشنطن التي من جهتها تسعى للضغط على الاحتلال لإجراء الصفقة ووقف إطلاق النار في القطاع.

إن حسابات إيران تشير إلى أن هذه النقطة (أي وقف إطلاق النار في غزة) ستشكل انتصارا لها، قبل أن يكون فوزا لحركة "حماس"، وبالتالي هذا ما تسعى تل أبيب لتلافيه، واتخاذ المناورة السياسية لمواصلة المفاوضات هربا من الضغوط الأمريكية عليها وربحا للوقت، واستكمال عدوانها على القطاع، والذي يبدو إيقافه إيذانا بانحلال عقد الائتلاف الحكومي الإسرائيلي.

ولكن وسط كل هذه الحسابات، فإن الاستهدافات المستمرة لشخصيات قريبة من إيران من قبل تل أبيب، وفي قلب إيران، دون رد "موجع" من قبل طهران، سيساهم في استمرار العمليات السرية الإسرائيلية ضدها، وزيادة وتيرتها، خصوصا وأن الردود الإيرانية ستكون غير موجعة، وهو ما يسقط "هالة" القوة الإقليمية عن طهران.

وبالتالي فإن أي رد غير موجع لإيران، على شاكلة ما حدث سابقا، لن يكون مجديا لطهران التي ستفقد زخمها كرقم صعب في معادلة الصراع في الشرق الوسط، وهذا ما ستكون له تداعياته على النظام الإيراني، الذي يبدو أنه يعيش اليوم أصعب الاختبارات لإثبات مكانة إيران كقوة إقليمية، لها امتداداتها الجيواستراتيجية في المنطقة.

 

بالبنط العريض..   الاختبار الإيراني الصعب

 

بقلم: نزار مقني

كثيرة هي الأسئلة التي تخامر العالم اليوم حول الرد الإيراني "الانتقامي" لمقتل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، وحول سيناريوهاته المحتملة، وهل ستشمل أهدافا مدنية للاحتلال أم ستقتصر فقط على الأهداف العسكرية، وإذا ما سيكون هذا الرد "مدروسا" أو ردا "ثأريا" يقلب منطقة الشرق الأوسط رأسا على عقب ويحولها إلى حريق كبير يمتد من طهران إلى يافا.

كلها أسئلة قد نجد لها فرضيات لإجابات، إذا ما تم فهم الحسابات بالنسبة لإيران وحلفائها في المنطقة، وكذلك ما قامت به إيران سابقا من هجمات "انتقامية" لمقتل قياداتها العسكرية كقائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني وعلماء البرنامج النووي الإيراني مثل كبير خبراء هذا البرنامج محسن فخر زادة، وقيادات أخرى في "حزب الله" على سبيل المثال عماد مغنية وغيرهم، وكذلك في الرد الأخير على استهداف مقر القنصلية الإيرانية في دمشق والذي أدى إلى مقتل 16 من السلك الديبلوماسي الإيراني.

لم يكن الرد الإيراني في كل هذه الاغتيالات برد شامل، بل كان ردا محسوب العواقب، لم يشكل خسائر كبيرة سواء تعلق الأمر بإسرائيل أو بالقواعد الأمريكية في العراق وسوريا، بل جاء في إطار بعث رسائل سياسية من طهران للغرب، وخصوصا للقول بأن لإيران امتدادها الجيواستراتجي في الشرق الأوسط ويمكنها أن تشكل عنصرا فارقا في أي معادلة سياسية أو جيوسياسية في المنطقة.

وفي هذه المرحلة من الصراع في الشرق الأوسط، يمكن ملاحظة أن أهداف إيران تكمن في محاولة الضغط على الاحتلال الإسرائيلي للذهاب في مفاوضات صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية وتل أبيب، وهذا ما يقوم به "حزب الله" مباشرة من خلال استهدافه لشمال إسرائيل، وكذلك الأمر بالنسبة للحوثيين انطلاقا من اليمن، وبشكل غير مباشر، من خلال استهدافهم لطريق التجارة الدولية والذي يشكل عصب الاقتصاد الدولي، وبالتالي الضغط على واشنطن التي من جهتها تسعى للضغط على الاحتلال لإجراء الصفقة ووقف إطلاق النار في القطاع.

إن حسابات إيران تشير إلى أن هذه النقطة (أي وقف إطلاق النار في غزة) ستشكل انتصارا لها، قبل أن يكون فوزا لحركة "حماس"، وبالتالي هذا ما تسعى تل أبيب لتلافيه، واتخاذ المناورة السياسية لمواصلة المفاوضات هربا من الضغوط الأمريكية عليها وربحا للوقت، واستكمال عدوانها على القطاع، والذي يبدو إيقافه إيذانا بانحلال عقد الائتلاف الحكومي الإسرائيلي.

ولكن وسط كل هذه الحسابات، فإن الاستهدافات المستمرة لشخصيات قريبة من إيران من قبل تل أبيب، وفي قلب إيران، دون رد "موجع" من قبل طهران، سيساهم في استمرار العمليات السرية الإسرائيلية ضدها، وزيادة وتيرتها، خصوصا وأن الردود الإيرانية ستكون غير موجعة، وهو ما يسقط "هالة" القوة الإقليمية عن طهران.

وبالتالي فإن أي رد غير موجع لإيران، على شاكلة ما حدث سابقا، لن يكون مجديا لطهران التي ستفقد زخمها كرقم صعب في معادلة الصراع في الشرق الوسط، وهذا ما ستكون له تداعياته على النظام الإيراني، الذي يبدو أنه يعيش اليوم أصعب الاختبارات لإثبات مكانة إيران كقوة إقليمية، لها امتداداتها الجيواستراتيجية في المنطقة.