إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في مؤشرات التعافي الاقتصادي .. هل ما زالت المخاطر قائمة ؟

 

هل بدأنا نتخطى المخاطر الاقتصادية التي تنبأ بها المختصون والمحللون الاقتصاديون ؟

بقلم نوفل سلامة 

هل بدأ اقتصادنا يتعافى ويعرف انتعاشا؟ وهل بدأنا نخرج شيئا فشيئا من منطقة الخطر ونتخطى المخاطر الاقتصادية التي تنبأ بها المختصون والمحللون الاقتصاديون الذين روجوا بكل وثوقية أن البلاد سائرة نحو الإفلاس وأنها لن تتعافى من دون الاقتراض من المؤسسات المالية العالمية ويصعب عليها أن تستمر كثيرا في ظل غياب السند الخارجي واعتبروا أن قرض صندوق النقد الدولي ضروري ولازم حتى تتمكن الدولة من تلبية حاجيات مواطنيها والإيفاء بالتزاماتها تجاه مزويدها المحلين والدوليين وخاصة خلاص المواد الغذائية الموردة من القمح والبنزين والطاقة وغيرها.

هذا التفاؤل الذي صرح به بعض المهتمين بالشأن الاقتصادي والمتابعين للوضع المالي للبلاد والذين اعتبروا أن البلاد تسير نحو التعافي الاقتصادي وتحسن وضعيتها المالية وبدأت تفك أسرها من الاكراهات المالية التي اتعب فقدانها الاقتصاد الوطني والمواطن مرده المؤشرات الثلاث التي نشرها البنك المركزي في نشريته الأخيرة بتاريخ 24 جويلية 2024 والمتعلقة بالوضعية العامة للاقتصاد الوطني.

المؤشر الأول يهم تحويلات عمالنا بالخارج التي عرفت زيادة في حدود3.15%. إلى غاية 20 جويلية 2024 مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية حيث تم تحويل مبلغا قدره 4206.4 مليون دينار مقابل 4078 مليون دينار في سنة 2023.

والمؤشر الثاني يخص ما حققه قطاع السياحة من إيرادات مهمة لخزينة الدولة حيث عرف هو الآخر ارتفاعا في مداخيله بنسبة تزيد على 6.44% وتطور من 3188.2 مليون دينار في السنة الفارطة إلى 3393.5 مليون دينار حتى 20 جويلية 2024.

المؤشر الثالث والأخير هو خدمة الدين الخارجي التراكمي الذي بلغ نسبة 69.63% وانتقل من 5373.8 مليون دينار في سنة 2023 ليصبح في حدود 9062 مليون دينار حتى 20 جويلية 2024.

هذه المؤشرات اعتبرها البعض دليلا على التحسن الذي بدأ يعرفه الاقتصاد التونسي منذ أشهر والذي مكن من تعبئة خزينة الدولة بموارد ذاتية من دون حاجة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي الذي كما نعلم قد وضع شروطه واملاءاته لمنحنا القرض المرتقب الذي كثر حوله الحديث حتى جاء قرار رئاسة الجمهورية بالتخلي عنه وبالذهاب نحو خيار آخر في تعبئة الخزينة العامة وهو التعويل على الذات والاعتماد على تحويلات عمالنا بالخارج التي استفادت من ارتفاع قيمة الأورو مقارنة بالدينار التونسي وعلى ما يوفره قطاع السياحة من عائدات مهمة بعد أن عرف هذا القطاع انتعاشة في السنوات الأخيرة وعاد إلى سالف نسقه المعتاد مما جعله يوفر جانبا كبيرا من السيولة التي تحتاجها الدولة وهي تشق طريق البناء الذاتي والتعويل على المواد الخاصة هذا من دون أن ننسى ما توفره الجباية من موارد ذاتية هامة بلغت في ميزانية السنة الحالية المحددة بـ 79مليار دينارقرابة 57% القسط الكبير والهام منها متأت من مساهمات الأجراء والموظفين ومن الاقتطاعات من المورد لفائدة الخزينة العامة هذا من دون أن ننسى ما وفره التحكم في التوريد والتخلي على جلب مواد أجنبية يمكن الاستغناء عنها لفترة من عملة صعبة حيث أشار تقرير البنك المركزي إلى تحسن القدرة على التوريد من 100 الى 112 يوم وذلك بتاريخ 24 جويلية 2024 مقارنة بنفس اليوم من سنة 2023.

المشكل في هذه الأرقام التي تفيد قراءتها الأولية أنه رغم كل الاكراهات والاحراجات والمصاعب التي نمر بها ويمر بها العالم الذي تؤثر أوضاعه على حالتنا الداخلية من حيث التزود بالمواد الأساسية والحصول عليها ومن حيث الارتفاعات المتواصلة في أسعارها نتيجة التقلبات التي يشهدها العالم هو اليوم أفضل من الثلاث السنوات الفارطة غير أن التدقيق فيها وقراءتها قراءة مترابطة ومركبة مع مؤشرات أخرى ومعطيات وأرقام تخص مجالات أخرى في علاقة بالوضع الاجتماعي والاقتصادي تنتهي إلى أنه أمامنا عمل كبير وجب القيام به وجهد أكبر وجب بذله حتى نقول بأننا في الطريق الصحيح نحو التعافي وبأننا بصدد تحقيق الانتعاشة الاقتصادية المرجوة وهذا طبعا من دون أن نقلل من الجهد الذي بذل لتوفير الموارد المالية بالاعتماد على المصادر الذاتية فقط والاستغناء على الاقتراض من الخارج من ذلك أن ما توفره تحويلات العمال بالخارج وعائدات السياحة وكمية العملة الصعبة التي تحسنت نتيجة التحكم في التوريد وخاصة توريد المواد الكمالية غير الضرورية هي ذاهبة لسداد الدين الخارجي والايفاء بتعهداتنا المالية تجاه مقرضينا لخلاص الديون المتخلدة والتي حان أجل دفعها بما يعني أنه من دون التوقف عن اللجوء إلى الاقتراض من مؤسسات مالية غير صندوق النقد الدولي ومن دون التقليص على الأقل من التداين فإن ما نوفره من عائدات مالية معتبرة توفرها السياحة وتحويلات العمال ومخزون العملة الصعبة المتأتي جزء منه من تقليص التوريد سوف يظل مخصصا لخدمة هذا الدين الذي لن ينتهي سواء اقترضنا من المؤسسات المالية العالمية المانحة كصندوق النقد الدولي أو غيره أو عولنا على قروض من جهات أخرى عربية وإفريقية وحتى أوروبية فإن نسبة الدين سوف تبقى مرتفعة وخدمة الدين تستهلك ما يوفره عمالنابالخارج وقطاع السياحة من عملة صعبة.

والأمر يزداد صعوبة إذا لم يصاحب عملية خلاص ديون البلاد إنشاء استثمارات جديدة وهذا يتطلب ويحتاج إلى وضع خطة عملية وفاعلة لدفع رجال الأعمال المحليين والأجانب لإنشاء مشاريع في قطاعات مختلفة ومجالات من شأنها أن تحرك عجلة الاقتصاد وتوفر مواطن شغل للعاطلين عن العمل الذين بقيت نسبتهم مرتفعة حسب آخر إحصاء للمعهد الوطني للإحصاء.

المشكل الذي يعترضنا ونحن نتحدث عن بداية تعاف للاقتصاد وعن تحسن في الوضعية المالية للبلاد من خلال المؤشرات الثلاثة المهمة التي قدمها البنك المركزي في نشريته الأخيرة يتعلق بمؤشر العجز الطاقي وحاجة الدولة إلى شراء النفط والغاز لتلبية الاحتياجات الداخلية التي عرفت تزايدا ونسقا مرتفعا خاصة بعد التراجع الذي حصل في الإنتاج المحلي وما يعرفه القطاع الطاقي من تدحرج ومن عديد الصعوبات بعد أن عرفت جل الآبار التقليدية والتي كانت تزود البلاد بنسبة هامة من مادة النفط والغاز تراجعا كبيرا أثر سلبا على الميزان الطاقي الذي ارتفع لأكثر من 15% خلال السداسي الأول من السنة الحالية ما جعل أكبر قطاع يستهلك موارد الدولة ويستنزف ميزانيتها ويمثل أكبر عجز في الميزان التجاري هو قطاع الطاقة الذي بلغت نسبته حدود 70% وجعل توريد حاجياتنا من النفط والغاز يصل إلى مستويات عالية غير مسبوقة نتيجة تراجع الإنتاج وتزايد الطلب الداخلي وارتفاع أسعار الطاقة في العالم وتراجع قيمة الدينار وهذا ما أثر سلبا على مدخراتنا من العملة الصعبة التي يذهب جزء كبير منها في توريدها وما جعل أكبر تهديد للبلاد وأكبر إحراج للاقتصاد هو العجز الطاقي وعدم القدرة على تلبية حاجياتنا الطاقية من خلال انتاجنا المحلي وما توفره آبار الإنتاج الحالية والتي تعرف اليوم تراجعا في انتاجها وكذلك عدم البدء أو التأخر في تنفيذ مشارع الطاقة البديلة التي تعثرت لأسباب عديدة بعضها مفهوم وبعضها الآخر غير مفهوم ووراءه نقاط استفهام كثيرة.

ما أردنا قوله هو أنه رغم أهمية المؤشرات التي قدمها البنك المركزي والتي تشير عن بداية تعافي الاقتصاد التونسي وعن قرب الخروج من حالة الأزمة المالية ووضع العوز المالي وانتهاء مرحلة عجز الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها وتجاه مزوديها والمتعاملين معها فإنها تبقى ناقصة وغير كافية طالما لم تقلص هذه المؤشرات من الذهاب نحو التداين والاقتراض حتى وإن كانت الجهة المقرضة غير صندوق النقد الدولي .. وطالما لم يتحسن مناخ الاستثمار المحلي والأجنبي الجالب للثروة والمنشئ لمواطن شغل ضرورية .. وطالما لا ينعكس هذا التحسن المالي على وضع المواطن وخاصة مقدرته الشرائية التي تضررت كثيرا وأصبح المرتب الشهري لا يصمد أمام غلاء الأسعار .. وطالما لم يرجع نسق توزيع المواد الغذائية إلى وضعه الطبيعي الذي تعود عليه المواطن وعادت المنتجات الغذائية إلى التواجد في المحلات التجارية و بكميات عادية وغير مفقودة .. وطالما لم يخف العبء الضريبي على المواطن ولا تقلصت نسبة الضرائب المحمولة على كاهل الموظف والعامل .. وطالما لم يشعر المواطن بأن معيشته وحياته في طريقها إلى التحسن وعادتإلى صورتها الطبيعية المعهودة .. طالما لم تتحسن نسبة الفقر ونسبة البطالة ونسبة التداين وقدرة الدولة على توفير الطاقة وقلصت من العجر الطاقي الذي أرهق الميزانية وسبب للميزان التجاري أكبر خطر يهدده، فإن هذه المؤشرات على أهميتها تجعل من المخاطر قائمة ومن المصاعب متواصلة والأهم من ذلك يوجد أمل كبير في تحسن الأوضاع نحو الأفضل.

 

 

 

 

 

 

 

في مؤشرات التعافي الاقتصادي ..  هل ما زالت المخاطر قائمة ؟

 

هل بدأنا نتخطى المخاطر الاقتصادية التي تنبأ بها المختصون والمحللون الاقتصاديون ؟

بقلم نوفل سلامة 

هل بدأ اقتصادنا يتعافى ويعرف انتعاشا؟ وهل بدأنا نخرج شيئا فشيئا من منطقة الخطر ونتخطى المخاطر الاقتصادية التي تنبأ بها المختصون والمحللون الاقتصاديون الذين روجوا بكل وثوقية أن البلاد سائرة نحو الإفلاس وأنها لن تتعافى من دون الاقتراض من المؤسسات المالية العالمية ويصعب عليها أن تستمر كثيرا في ظل غياب السند الخارجي واعتبروا أن قرض صندوق النقد الدولي ضروري ولازم حتى تتمكن الدولة من تلبية حاجيات مواطنيها والإيفاء بالتزاماتها تجاه مزويدها المحلين والدوليين وخاصة خلاص المواد الغذائية الموردة من القمح والبنزين والطاقة وغيرها.

هذا التفاؤل الذي صرح به بعض المهتمين بالشأن الاقتصادي والمتابعين للوضع المالي للبلاد والذين اعتبروا أن البلاد تسير نحو التعافي الاقتصادي وتحسن وضعيتها المالية وبدأت تفك أسرها من الاكراهات المالية التي اتعب فقدانها الاقتصاد الوطني والمواطن مرده المؤشرات الثلاث التي نشرها البنك المركزي في نشريته الأخيرة بتاريخ 24 جويلية 2024 والمتعلقة بالوضعية العامة للاقتصاد الوطني.

المؤشر الأول يهم تحويلات عمالنا بالخارج التي عرفت زيادة في حدود3.15%. إلى غاية 20 جويلية 2024 مقارنة بنفس الفترة من السنة الماضية حيث تم تحويل مبلغا قدره 4206.4 مليون دينار مقابل 4078 مليون دينار في سنة 2023.

والمؤشر الثاني يخص ما حققه قطاع السياحة من إيرادات مهمة لخزينة الدولة حيث عرف هو الآخر ارتفاعا في مداخيله بنسبة تزيد على 6.44% وتطور من 3188.2 مليون دينار في السنة الفارطة إلى 3393.5 مليون دينار حتى 20 جويلية 2024.

المؤشر الثالث والأخير هو خدمة الدين الخارجي التراكمي الذي بلغ نسبة 69.63% وانتقل من 5373.8 مليون دينار في سنة 2023 ليصبح في حدود 9062 مليون دينار حتى 20 جويلية 2024.

هذه المؤشرات اعتبرها البعض دليلا على التحسن الذي بدأ يعرفه الاقتصاد التونسي منذ أشهر والذي مكن من تعبئة خزينة الدولة بموارد ذاتية من دون حاجة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي الذي كما نعلم قد وضع شروطه واملاءاته لمنحنا القرض المرتقب الذي كثر حوله الحديث حتى جاء قرار رئاسة الجمهورية بالتخلي عنه وبالذهاب نحو خيار آخر في تعبئة الخزينة العامة وهو التعويل على الذات والاعتماد على تحويلات عمالنا بالخارج التي استفادت من ارتفاع قيمة الأورو مقارنة بالدينار التونسي وعلى ما يوفره قطاع السياحة من عائدات مهمة بعد أن عرف هذا القطاع انتعاشة في السنوات الأخيرة وعاد إلى سالف نسقه المعتاد مما جعله يوفر جانبا كبيرا من السيولة التي تحتاجها الدولة وهي تشق طريق البناء الذاتي والتعويل على المواد الخاصة هذا من دون أن ننسى ما توفره الجباية من موارد ذاتية هامة بلغت في ميزانية السنة الحالية المحددة بـ 79مليار دينارقرابة 57% القسط الكبير والهام منها متأت من مساهمات الأجراء والموظفين ومن الاقتطاعات من المورد لفائدة الخزينة العامة هذا من دون أن ننسى ما وفره التحكم في التوريد والتخلي على جلب مواد أجنبية يمكن الاستغناء عنها لفترة من عملة صعبة حيث أشار تقرير البنك المركزي إلى تحسن القدرة على التوريد من 100 الى 112 يوم وذلك بتاريخ 24 جويلية 2024 مقارنة بنفس اليوم من سنة 2023.

المشكل في هذه الأرقام التي تفيد قراءتها الأولية أنه رغم كل الاكراهات والاحراجات والمصاعب التي نمر بها ويمر بها العالم الذي تؤثر أوضاعه على حالتنا الداخلية من حيث التزود بالمواد الأساسية والحصول عليها ومن حيث الارتفاعات المتواصلة في أسعارها نتيجة التقلبات التي يشهدها العالم هو اليوم أفضل من الثلاث السنوات الفارطة غير أن التدقيق فيها وقراءتها قراءة مترابطة ومركبة مع مؤشرات أخرى ومعطيات وأرقام تخص مجالات أخرى في علاقة بالوضع الاجتماعي والاقتصادي تنتهي إلى أنه أمامنا عمل كبير وجب القيام به وجهد أكبر وجب بذله حتى نقول بأننا في الطريق الصحيح نحو التعافي وبأننا بصدد تحقيق الانتعاشة الاقتصادية المرجوة وهذا طبعا من دون أن نقلل من الجهد الذي بذل لتوفير الموارد المالية بالاعتماد على المصادر الذاتية فقط والاستغناء على الاقتراض من الخارج من ذلك أن ما توفره تحويلات العمال بالخارج وعائدات السياحة وكمية العملة الصعبة التي تحسنت نتيجة التحكم في التوريد وخاصة توريد المواد الكمالية غير الضرورية هي ذاهبة لسداد الدين الخارجي والايفاء بتعهداتنا المالية تجاه مقرضينا لخلاص الديون المتخلدة والتي حان أجل دفعها بما يعني أنه من دون التوقف عن اللجوء إلى الاقتراض من مؤسسات مالية غير صندوق النقد الدولي ومن دون التقليص على الأقل من التداين فإن ما نوفره من عائدات مالية معتبرة توفرها السياحة وتحويلات العمال ومخزون العملة الصعبة المتأتي جزء منه من تقليص التوريد سوف يظل مخصصا لخدمة هذا الدين الذي لن ينتهي سواء اقترضنا من المؤسسات المالية العالمية المانحة كصندوق النقد الدولي أو غيره أو عولنا على قروض من جهات أخرى عربية وإفريقية وحتى أوروبية فإن نسبة الدين سوف تبقى مرتفعة وخدمة الدين تستهلك ما يوفره عمالنابالخارج وقطاع السياحة من عملة صعبة.

والأمر يزداد صعوبة إذا لم يصاحب عملية خلاص ديون البلاد إنشاء استثمارات جديدة وهذا يتطلب ويحتاج إلى وضع خطة عملية وفاعلة لدفع رجال الأعمال المحليين والأجانب لإنشاء مشاريع في قطاعات مختلفة ومجالات من شأنها أن تحرك عجلة الاقتصاد وتوفر مواطن شغل للعاطلين عن العمل الذين بقيت نسبتهم مرتفعة حسب آخر إحصاء للمعهد الوطني للإحصاء.

المشكل الذي يعترضنا ونحن نتحدث عن بداية تعاف للاقتصاد وعن تحسن في الوضعية المالية للبلاد من خلال المؤشرات الثلاثة المهمة التي قدمها البنك المركزي في نشريته الأخيرة يتعلق بمؤشر العجز الطاقي وحاجة الدولة إلى شراء النفط والغاز لتلبية الاحتياجات الداخلية التي عرفت تزايدا ونسقا مرتفعا خاصة بعد التراجع الذي حصل في الإنتاج المحلي وما يعرفه القطاع الطاقي من تدحرج ومن عديد الصعوبات بعد أن عرفت جل الآبار التقليدية والتي كانت تزود البلاد بنسبة هامة من مادة النفط والغاز تراجعا كبيرا أثر سلبا على الميزان الطاقي الذي ارتفع لأكثر من 15% خلال السداسي الأول من السنة الحالية ما جعل أكبر قطاع يستهلك موارد الدولة ويستنزف ميزانيتها ويمثل أكبر عجز في الميزان التجاري هو قطاع الطاقة الذي بلغت نسبته حدود 70% وجعل توريد حاجياتنا من النفط والغاز يصل إلى مستويات عالية غير مسبوقة نتيجة تراجع الإنتاج وتزايد الطلب الداخلي وارتفاع أسعار الطاقة في العالم وتراجع قيمة الدينار وهذا ما أثر سلبا على مدخراتنا من العملة الصعبة التي يذهب جزء كبير منها في توريدها وما جعل أكبر تهديد للبلاد وأكبر إحراج للاقتصاد هو العجز الطاقي وعدم القدرة على تلبية حاجياتنا الطاقية من خلال انتاجنا المحلي وما توفره آبار الإنتاج الحالية والتي تعرف اليوم تراجعا في انتاجها وكذلك عدم البدء أو التأخر في تنفيذ مشارع الطاقة البديلة التي تعثرت لأسباب عديدة بعضها مفهوم وبعضها الآخر غير مفهوم ووراءه نقاط استفهام كثيرة.

ما أردنا قوله هو أنه رغم أهمية المؤشرات التي قدمها البنك المركزي والتي تشير عن بداية تعافي الاقتصاد التونسي وعن قرب الخروج من حالة الأزمة المالية ووضع العوز المالي وانتهاء مرحلة عجز الدولة على الوفاء بالتزاماتها تجاه مواطنيها وتجاه مزوديها والمتعاملين معها فإنها تبقى ناقصة وغير كافية طالما لم تقلص هذه المؤشرات من الذهاب نحو التداين والاقتراض حتى وإن كانت الجهة المقرضة غير صندوق النقد الدولي .. وطالما لم يتحسن مناخ الاستثمار المحلي والأجنبي الجالب للثروة والمنشئ لمواطن شغل ضرورية .. وطالما لا ينعكس هذا التحسن المالي على وضع المواطن وخاصة مقدرته الشرائية التي تضررت كثيرا وأصبح المرتب الشهري لا يصمد أمام غلاء الأسعار .. وطالما لم يرجع نسق توزيع المواد الغذائية إلى وضعه الطبيعي الذي تعود عليه المواطن وعادت المنتجات الغذائية إلى التواجد في المحلات التجارية و بكميات عادية وغير مفقودة .. وطالما لم يخف العبء الضريبي على المواطن ولا تقلصت نسبة الضرائب المحمولة على كاهل الموظف والعامل .. وطالما لم يشعر المواطن بأن معيشته وحياته في طريقها إلى التحسن وعادتإلى صورتها الطبيعية المعهودة .. طالما لم تتحسن نسبة الفقر ونسبة البطالة ونسبة التداين وقدرة الدولة على توفير الطاقة وقلصت من العجر الطاقي الذي أرهق الميزانية وسبب للميزان التجاري أكبر خطر يهدده، فإن هذه المؤشرات على أهميتها تجعل من المخاطر قائمة ومن المصاعب متواصلة والأهم من ذلك يوجد أمل كبير في تحسن الأوضاع نحو الأفضل.