تتواصل موجة الحرّ بمعدّلات قياسية وبعضها غير مسبوق مع حالة جفاف عامّة جعلت مسألة اندلاع الحرائق، حالة شبه يومية تمتّد على أغلب المناطق الغابية للبلاد، وآخر هذه الحرائق تلك التي اندلعت ظهر أول أمس الخميس، بمنطقتي الحكارة بمعتمدية سجنان والقواسمية الطواجنية بمعتمدية جومين، حيث تواصلت عمليات الإطفاء لساعات طويلة من طرف وحدات الحماية المدنية بكل من سجنان وماطر التي واجهت صعوبات ميدانية في عملية الإطفاء بسبب التضاريس الجبلية الصعبة، وكانت نتيجة هذه الحرائق مدمّرة كالعادة للبيئة حيث تجاوزات وفق تقديرات أولية 10 هكتارات من غابات الفرنان والكالاتوس والصنوبر !
وباتت الحرائق في السنوات الأخيرة، خطرا يهدّد الأمن البيئي الوطني وآفة تفتك بآلاف الهكتارات من ثروة الغابية التي باتت مستنزفة بشكل كبير، بالإضافة الى عدم وجود سياسة أو خطة وطنية واضحة للتشجير الذي بقي الى الآن في أغلبه تشجيرا عشوائيا لا يعوّض الخسائر الغابية المتواصلة ولا يتم وفق حاجيات الجهات الغابية رغم أهمية الأشجار في إعادة التوازن البيئي وفي مقاومة تلوّث الهواء .
ويطلق المختصون والنشطاء المدافعون عن البيئة، منذ سنوات، التحذيرات من أجل تنقيح مجلة الغابات كإطار تشريعي شامل ومن أجل سياسة تشجير تعوّض الخسائر الكبيرة وتقطع مع التعامل العشوائي مع هذا الأمر بالإضافة الى خطط حماية استباقية تقلّل من الخسائر المتواصلة ..
آلاف الهكتارات دمرتها الحرائق
مؤخرا، قدمت جمعية "كلام" تقريرا لافتا ومثيرا للاهتمام حول حرائق الغابات بتونس وذلك انطلاقا من حريق ملولة سنة 2023 والذي كاد أن يتسبب في كارثة إنسانية بعد اجتياح الحرائق للتجمّعات السكنية، وتسببت في تدمير 400 هكتار من الغابات الحدودية بجهة جندوبة التي تحتل المرتبة الأولي وطنيا في عدد الحرائق وهي المعروفة بغاباتها المتشابكة وأكماتها وصعوبة التدخل عند اندلاع الحرائق بسبب صعوبة التضاريس ..
ووفق تقرير جمعية كلام فقد بلغ إجمالي المناطق الغابية المحترقة بين سنتي 2016 و2023 حوالي 56000 هكتار أي ما يعادل 4.7 من إجمالي المساحات الغابية في تونس وهو رقم مخيف، وقد أشار أيضا تقرير جمعية كلام الى كون 40 بالمائة من المساحات الغابية في تونس تصنّف كغابات ذات نوعية رديئة وهي مأهولة بشيجرات منخفّضة بما لا يؤثّر إيجابا على ارتفاع نسبة الأوكسجين في الهواء.. وحسب ذات التقرير أيضا فقد سجلت سنة 2023 نسبة حرائق مرتفعة حيث تم تسجيل حوالي 436 حريقا غابيا..
ومن الحلول التي يقترحها الخبراء البيئيون بجمعية كلام هي ضرورة تنقيح مجلة الغابات لأنها كإطار تشريعي لم تعد تستوعب المخاطر والتهديدات التي تشهدها الثروة الغابية وكذلك دعت الجمعية الى ضرورة إدراج الثقافة البيئية في المناهج التعليمية حتى تتكون لدى الناشئة ثقافة بيئية تحترم المحيط .
وفي إطار حلقة نقاش كان قد نظّمها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، منذ أسابيع ،حول استعدادات تونس لموجة الحرّ، كان تدخّل مدير إدارة الدراسات والتصرّف في الأزمات بالديوان الوطني للحماية المدنية العميد عبد العزيز الهرماسي، لافتا، حيث أكد أن ارتفاع درجات الحرارة أثّر على فصول السنة وأن الصيف بات يمتد تقريبا على 9 أشهر وأن عملية إطفاء الحرائق التي كانت مرتبطة بأوقات معينة وبمواسم الحصاد أصبحت اليوم على مدار السنة ..
وأشار مدير التصرّف في الأزمات بالديوان الوطني للحماية المدنية أنه من غرة ماي إلى غاية 25 جوان 2024 تدخّلت مصالح الحماية المدنية في 190 حريقا نتج عنها احتراق 478 هكتارا بعد أن كانت التدخلات في حدود الـ43 مناسبة نتج عنها احتراق قرابة الـ66 هكتارا في نفس الفترة من السنة الماضية.
أما بالنسبة للغابات فقد سجلت مصالح الحماية المدنية 4 حرائق في نفس الفترة من سنة 2023 نتج عنها احتراق قرابة الـ3 هكتارات في حين بلغت الحرائق في السنة الحالية 18 حريقا نتج عنها احتراق قرابة الـ18 هكتارا حتى الآن وفيما يخص "الحصائد" والأعشاب الجافة وصلت في نفس الفترة إلى 457 حريقا نتج عنها احتراق قرابة الـ400 هكتار بعد أن كانت في السنة الماضية قرابة الـ46 حريقا فقط..
ومن خلال هذه الإحصائيات الرسمية من طرف الديوان الوطني للحماية المدنية، فقد بدا واضحا نسبة التطوّر المخيف في عدد الحرائق من سنة الى أخرى وهو ما يستدعي حلولا استباقية عاجلة لأن انتظار اندلاع الحريق ثم التدخّل بعد ذلك للإطفاء ليس حلاّ مهما كانت نجاعة عملية الأطفال، وكل ذلك يطرح ضرورة إيجاد خطة وطنية واضحة تشمل كل الأطراف المعنية يكون هدفها وضع استراتيجيات استباقية لحماية الثروة الغابية مع مراعاة خصوصية كل منطقة .
مراجعة مجلة الغابات
وفق المعطيات المتاحة فان المساحة الغابية في تونس تقدّر بـ1.2 مليون هكتار غابات يسكنهم نحو مليون ساكن والكساء الغابي هو في حدود 8.5 بالمائة كمعدل وطني ولكنه يعتبر أقل من المعدل المعمول به في بلدان البحر المتوسط بنسبة 15 بالمائة ورغم ذلك فان هذا الكساء الغابي يواجه مخاطر كبرى وأهمها الحرائق والتوسّع العمراني .
وهذا الوضع بات يفرض اليوم وإجماع كل المختصين والنشطاء المدافعين عن البيئة، ضرورة تنقيح مجلة الغابات التي تعتبر من النصوص التشريعية التي لم تشهد تنقيحات وتعديلات كثيرة، منذ سنّها بمقتضى القانون عدد 20 لسنة 1988 والذي يتعلق بإصدار مجلة الغابات، وشهدت هذه المجلة تنقيحا في 2005 ولكن اليوم يرى المختصون أنه ومع غياب رؤية إستراتيجية واضحة لإدارة الغابات فإن هذه المجلة عاجزة عن استيعاب المخاطر المهددة للمجال الغابي وعلى حماية الثروة الغابية .
منية العرفاوي
تونس – الصباح
تتواصل موجة الحرّ بمعدّلات قياسية وبعضها غير مسبوق مع حالة جفاف عامّة جعلت مسألة اندلاع الحرائق، حالة شبه يومية تمتّد على أغلب المناطق الغابية للبلاد، وآخر هذه الحرائق تلك التي اندلعت ظهر أول أمس الخميس، بمنطقتي الحكارة بمعتمدية سجنان والقواسمية الطواجنية بمعتمدية جومين، حيث تواصلت عمليات الإطفاء لساعات طويلة من طرف وحدات الحماية المدنية بكل من سجنان وماطر التي واجهت صعوبات ميدانية في عملية الإطفاء بسبب التضاريس الجبلية الصعبة، وكانت نتيجة هذه الحرائق مدمّرة كالعادة للبيئة حيث تجاوزات وفق تقديرات أولية 10 هكتارات من غابات الفرنان والكالاتوس والصنوبر !
وباتت الحرائق في السنوات الأخيرة، خطرا يهدّد الأمن البيئي الوطني وآفة تفتك بآلاف الهكتارات من ثروة الغابية التي باتت مستنزفة بشكل كبير، بالإضافة الى عدم وجود سياسة أو خطة وطنية واضحة للتشجير الذي بقي الى الآن في أغلبه تشجيرا عشوائيا لا يعوّض الخسائر الغابية المتواصلة ولا يتم وفق حاجيات الجهات الغابية رغم أهمية الأشجار في إعادة التوازن البيئي وفي مقاومة تلوّث الهواء .
ويطلق المختصون والنشطاء المدافعون عن البيئة، منذ سنوات، التحذيرات من أجل تنقيح مجلة الغابات كإطار تشريعي شامل ومن أجل سياسة تشجير تعوّض الخسائر الكبيرة وتقطع مع التعامل العشوائي مع هذا الأمر بالإضافة الى خطط حماية استباقية تقلّل من الخسائر المتواصلة ..
آلاف الهكتارات دمرتها الحرائق
مؤخرا، قدمت جمعية "كلام" تقريرا لافتا ومثيرا للاهتمام حول حرائق الغابات بتونس وذلك انطلاقا من حريق ملولة سنة 2023 والذي كاد أن يتسبب في كارثة إنسانية بعد اجتياح الحرائق للتجمّعات السكنية، وتسببت في تدمير 400 هكتار من الغابات الحدودية بجهة جندوبة التي تحتل المرتبة الأولي وطنيا في عدد الحرائق وهي المعروفة بغاباتها المتشابكة وأكماتها وصعوبة التدخل عند اندلاع الحرائق بسبب صعوبة التضاريس ..
ووفق تقرير جمعية كلام فقد بلغ إجمالي المناطق الغابية المحترقة بين سنتي 2016 و2023 حوالي 56000 هكتار أي ما يعادل 4.7 من إجمالي المساحات الغابية في تونس وهو رقم مخيف، وقد أشار أيضا تقرير جمعية كلام الى كون 40 بالمائة من المساحات الغابية في تونس تصنّف كغابات ذات نوعية رديئة وهي مأهولة بشيجرات منخفّضة بما لا يؤثّر إيجابا على ارتفاع نسبة الأوكسجين في الهواء.. وحسب ذات التقرير أيضا فقد سجلت سنة 2023 نسبة حرائق مرتفعة حيث تم تسجيل حوالي 436 حريقا غابيا..
ومن الحلول التي يقترحها الخبراء البيئيون بجمعية كلام هي ضرورة تنقيح مجلة الغابات لأنها كإطار تشريعي لم تعد تستوعب المخاطر والتهديدات التي تشهدها الثروة الغابية وكذلك دعت الجمعية الى ضرورة إدراج الثقافة البيئية في المناهج التعليمية حتى تتكون لدى الناشئة ثقافة بيئية تحترم المحيط .
وفي إطار حلقة نقاش كان قد نظّمها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، منذ أسابيع ،حول استعدادات تونس لموجة الحرّ، كان تدخّل مدير إدارة الدراسات والتصرّف في الأزمات بالديوان الوطني للحماية المدنية العميد عبد العزيز الهرماسي، لافتا، حيث أكد أن ارتفاع درجات الحرارة أثّر على فصول السنة وأن الصيف بات يمتد تقريبا على 9 أشهر وأن عملية إطفاء الحرائق التي كانت مرتبطة بأوقات معينة وبمواسم الحصاد أصبحت اليوم على مدار السنة ..
وأشار مدير التصرّف في الأزمات بالديوان الوطني للحماية المدنية أنه من غرة ماي إلى غاية 25 جوان 2024 تدخّلت مصالح الحماية المدنية في 190 حريقا نتج عنها احتراق 478 هكتارا بعد أن كانت التدخلات في حدود الـ43 مناسبة نتج عنها احتراق قرابة الـ66 هكتارا في نفس الفترة من السنة الماضية.
أما بالنسبة للغابات فقد سجلت مصالح الحماية المدنية 4 حرائق في نفس الفترة من سنة 2023 نتج عنها احتراق قرابة الـ3 هكتارات في حين بلغت الحرائق في السنة الحالية 18 حريقا نتج عنها احتراق قرابة الـ18 هكتارا حتى الآن وفيما يخص "الحصائد" والأعشاب الجافة وصلت في نفس الفترة إلى 457 حريقا نتج عنها احتراق قرابة الـ400 هكتار بعد أن كانت في السنة الماضية قرابة الـ46 حريقا فقط..
ومن خلال هذه الإحصائيات الرسمية من طرف الديوان الوطني للحماية المدنية، فقد بدا واضحا نسبة التطوّر المخيف في عدد الحرائق من سنة الى أخرى وهو ما يستدعي حلولا استباقية عاجلة لأن انتظار اندلاع الحريق ثم التدخّل بعد ذلك للإطفاء ليس حلاّ مهما كانت نجاعة عملية الأطفال، وكل ذلك يطرح ضرورة إيجاد خطة وطنية واضحة تشمل كل الأطراف المعنية يكون هدفها وضع استراتيجيات استباقية لحماية الثروة الغابية مع مراعاة خصوصية كل منطقة .
مراجعة مجلة الغابات
وفق المعطيات المتاحة فان المساحة الغابية في تونس تقدّر بـ1.2 مليون هكتار غابات يسكنهم نحو مليون ساكن والكساء الغابي هو في حدود 8.5 بالمائة كمعدل وطني ولكنه يعتبر أقل من المعدل المعمول به في بلدان البحر المتوسط بنسبة 15 بالمائة ورغم ذلك فان هذا الكساء الغابي يواجه مخاطر كبرى وأهمها الحرائق والتوسّع العمراني .
وهذا الوضع بات يفرض اليوم وإجماع كل المختصين والنشطاء المدافعين عن البيئة، ضرورة تنقيح مجلة الغابات التي تعتبر من النصوص التشريعية التي لم تشهد تنقيحات وتعديلات كثيرة، منذ سنّها بمقتضى القانون عدد 20 لسنة 1988 والذي يتعلق بإصدار مجلة الغابات، وشهدت هذه المجلة تنقيحا في 2005 ولكن اليوم يرى المختصون أنه ومع غياب رؤية إستراتيجية واضحة لإدارة الغابات فإن هذه المجلة عاجزة عن استيعاب المخاطر المهددة للمجال الغابي وعلى حماية الثروة الغابية .