إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

افتتاحية "الصباح".. سبعٌ سنوات من الشح المائي .

.

لم تُجانب "الصوناد" الصّواب حين أبرقت إلى حرفائها مؤخرا بإرسالية قصيرة عبر شبكة الجوّال للتحسيس بأهمية الحفاظ على المياه، حين استعارت عبارة "سبع سنين جفاف".. لتوصيف حالة الجفاف الخطيرة التي تمر بها بلادنا منذ سنوات متتالية دون انقطاع..

في الواقع، يظل الخوف من نقص مياه الشرب أو غيابه أو انقطاعه في هذه الأيام، هاجس التونسيين الأول دون منازع مثله مثل نقص التزود بالكهرباء، فكلاهما يدخلان ضمن خانة الخدمات الأساسية الحياتية التي يصعب التنازل عنهما أو العيش دونهما، وهما متصلان ومؤثران في حياة الناس اليومية..

لذلك ترى الجميع يشكو وينزعج، من انقطاع المياه أو الكهرباء، خاصة في فصل الصيف الذي يعرف ذروة الاستهلاك، يقابله نقص اتصالي فادح من القائمين على الهياكل الإدارية المعنية بإدارة خدمتي التزود بالمياه والكهرباء، للتوعية بخطورة الوضع القائم، ولشرح أسباب هذه الانقطاعات، وسياسة "نظام الحصص" بغرض حماية شبكة التوزيع أو للتحكم في الجهد الطاقي والمخزون المائي المتوفر..

لا يهم الأمر إن كنّا بلغنا السبع سنوات في نفس حالة الجفاف أو الشح المائي بسبب نقص الأمطار وجفاف السدود والمتغيرات المناخية، أو بسبب العجز الطاقي، بقدر ما يستدعي إرساء حالة من الوعي الجماعي والإدراك العقلاني بأن الوضع حقا صعبٌ وصعبٌ جدا، وأنه لو استمر الحال على ما هو عليه دون التخطيط لحلول جذرية في قادم السنوات، فإن الأمر سيزداد سوءا وقد يصل إلى حالة القطع المتواصل للكهرباء والماء لفترات طويلة جدا كما هو الشأن في بعض البلدان..

وتحيل استعارة "السبع سنوات" على ما ورد في تفسير يوسف -عليه السلام- للرؤيا التي رآها ملك مصر حين مرّت بسبع سنوات عِجاف، وقوله، على ما ورد في القرآن الكريم في سورة يوسف: (أفْتِنا في سبعِ بقراتٍ سِمان يأكلهنَّ سبع عِجاف وسبعُ سنبلاتٍ خضْرٍ وأخرٌ يابسات)، لتؤكّد الرؤيا أن الوضع سينفرج وسيأتي الغيث ويعمّ الخير (ثم يأتي من بعد ذلك عامٌ فيه يغاث الناس وفيه يَعصرون..).

إلا أن العبرة من القصص القرآني، أن تغيير الحال من سيئ إلى أفضل، لن يتحقق دون عملٍ وإنجازٍ وتخطيطٍ، واستثمارٍ في الحلول المجدية، فليس بالضرورة أن تحل بعد السنوات السبع "العِجاف"، آليا سنوات يعم فيها الخير، فقد يتواصل الحال لسنوات طويلة لو تواصلت نفس الأسباب.

فالمتأمل لجلّ الدراسات العلمية والتقارير الاقتصادية والبيئية الوطنية والعالمية، ولتطور المؤشرات المناخية للسنوات المقبلة، يقف على خلاصة متفق عليها: وهي أن تونس من الدول الأكثر عرضة لـ"الإجهاد المائي" وهي تصنف تحت خط الشحّ المائي (نصيب الفرد فيها من المياه أقل من 500 متر مكعب سنويا)، وهو وضع متواصل ويسير في خط منحن منذ سنة 2015، وناجم عن انحباس الأمطار وجفاف السدود والآبار والمائدة المائية الجوفية والاستغلال المفرط للموارد المائية..

ويتفق الخبراء والعارفون في المجال بأن القطع الدوري للمياه الذي تم إقراره منذ سنة 2023، هو حل ظرفي لا يحل الإشكال، رغم أنه مكن من الاقتصاد في الماء بـ7% من إجمالي الاستهلاك، ونفس الأمر بالنسبة لتحلية مياه البحر (ذات كلفة عالية)، وأن الأسلم هو استثمار الدولة أكثر في تطوير تقنيات الري وتجديد شبكات التوزيع (تقدر نسبة المياه المهدورة في الشبكات بين 20 و30 بالمائة)، وتحسين البنية التحتية، فضلا عن تطوير التشريع المتعلق بالمياه، والاستثمار أكثر في الطاقات المتجددة كحل استراتيجي لتجاوز العجز الطاقي المزمن خاصة في مجال إنتاج الكهرباء..

رفيق بن عبد الله

 

 

 

 

 

.

لم تُجانب "الصوناد" الصّواب حين أبرقت إلى حرفائها مؤخرا بإرسالية قصيرة عبر شبكة الجوّال للتحسيس بأهمية الحفاظ على المياه، حين استعارت عبارة "سبع سنين جفاف".. لتوصيف حالة الجفاف الخطيرة التي تمر بها بلادنا منذ سنوات متتالية دون انقطاع..

في الواقع، يظل الخوف من نقص مياه الشرب أو غيابه أو انقطاعه في هذه الأيام، هاجس التونسيين الأول دون منازع مثله مثل نقص التزود بالكهرباء، فكلاهما يدخلان ضمن خانة الخدمات الأساسية الحياتية التي يصعب التنازل عنهما أو العيش دونهما، وهما متصلان ومؤثران في حياة الناس اليومية..

لذلك ترى الجميع يشكو وينزعج، من انقطاع المياه أو الكهرباء، خاصة في فصل الصيف الذي يعرف ذروة الاستهلاك، يقابله نقص اتصالي فادح من القائمين على الهياكل الإدارية المعنية بإدارة خدمتي التزود بالمياه والكهرباء، للتوعية بخطورة الوضع القائم، ولشرح أسباب هذه الانقطاعات، وسياسة "نظام الحصص" بغرض حماية شبكة التوزيع أو للتحكم في الجهد الطاقي والمخزون المائي المتوفر..

لا يهم الأمر إن كنّا بلغنا السبع سنوات في نفس حالة الجفاف أو الشح المائي بسبب نقص الأمطار وجفاف السدود والمتغيرات المناخية، أو بسبب العجز الطاقي، بقدر ما يستدعي إرساء حالة من الوعي الجماعي والإدراك العقلاني بأن الوضع حقا صعبٌ وصعبٌ جدا، وأنه لو استمر الحال على ما هو عليه دون التخطيط لحلول جذرية في قادم السنوات، فإن الأمر سيزداد سوءا وقد يصل إلى حالة القطع المتواصل للكهرباء والماء لفترات طويلة جدا كما هو الشأن في بعض البلدان..

وتحيل استعارة "السبع سنوات" على ما ورد في تفسير يوسف -عليه السلام- للرؤيا التي رآها ملك مصر حين مرّت بسبع سنوات عِجاف، وقوله، على ما ورد في القرآن الكريم في سورة يوسف: (أفْتِنا في سبعِ بقراتٍ سِمان يأكلهنَّ سبع عِجاف وسبعُ سنبلاتٍ خضْرٍ وأخرٌ يابسات)، لتؤكّد الرؤيا أن الوضع سينفرج وسيأتي الغيث ويعمّ الخير (ثم يأتي من بعد ذلك عامٌ فيه يغاث الناس وفيه يَعصرون..).

إلا أن العبرة من القصص القرآني، أن تغيير الحال من سيئ إلى أفضل، لن يتحقق دون عملٍ وإنجازٍ وتخطيطٍ، واستثمارٍ في الحلول المجدية، فليس بالضرورة أن تحل بعد السنوات السبع "العِجاف"، آليا سنوات يعم فيها الخير، فقد يتواصل الحال لسنوات طويلة لو تواصلت نفس الأسباب.

فالمتأمل لجلّ الدراسات العلمية والتقارير الاقتصادية والبيئية الوطنية والعالمية، ولتطور المؤشرات المناخية للسنوات المقبلة، يقف على خلاصة متفق عليها: وهي أن تونس من الدول الأكثر عرضة لـ"الإجهاد المائي" وهي تصنف تحت خط الشحّ المائي (نصيب الفرد فيها من المياه أقل من 500 متر مكعب سنويا)، وهو وضع متواصل ويسير في خط منحن منذ سنة 2015، وناجم عن انحباس الأمطار وجفاف السدود والآبار والمائدة المائية الجوفية والاستغلال المفرط للموارد المائية..

ويتفق الخبراء والعارفون في المجال بأن القطع الدوري للمياه الذي تم إقراره منذ سنة 2023، هو حل ظرفي لا يحل الإشكال، رغم أنه مكن من الاقتصاد في الماء بـ7% من إجمالي الاستهلاك، ونفس الأمر بالنسبة لتحلية مياه البحر (ذات كلفة عالية)، وأن الأسلم هو استثمار الدولة أكثر في تطوير تقنيات الري وتجديد شبكات التوزيع (تقدر نسبة المياه المهدورة في الشبكات بين 20 و30 بالمائة)، وتحسين البنية التحتية، فضلا عن تطوير التشريع المتعلق بالمياه، والاستثمار أكثر في الطاقات المتجددة كحل استراتيجي لتجاوز العجز الطاقي المزمن خاصة في مجال إنتاج الكهرباء..

رفيق بن عبد الله