إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

بعد مصادقة البرلمان.. قانون عطلة الأمومة والأبوة يساوي بين الأمهات في القطاعين العام والخاص ..

 

تونس- الصباح

صادق مجلس نواب الشعب، مساء أول أمس، خلال جلسته العامة الأخيرة في الدورة العادية الثانية المنعقدة بقصر باردو، بحضور آمال بلحاج موسى وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، على مشروع القانون عدد 56 لسنة 2024 المتعلّق بتنظيم عطل الأمومة والأبوّة في الوظيفة العمومية والقطاع العام والقطاع الخاص معدلا، وكانت نتيجة التصويت عليه كما يلي: 111 "نعم"، 4 "محتفظ"، 1 "لا".

وتحت عنوان الأحكام العامة مرر النواب الفصل الأول في صيغته الأصلية وهو ينص على أن تنطبق أحكام هذا القانون على جميع أعوان الوظيفة العمومية والقطاع العام المنخرطين لدى الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والأجراء وغير الأجراء بالقطاع الخاص المنخرطين والمصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. كما تم تمرير الفصل الثاني في صيغته الأصلية وهو يتعلق بالتعريف بالمصطلحات، وبموجبه فإن المقصود بعطل الأمومة، العطل التي يمكن أن تنتفع بها الأم والمرتبطة بفترة ما قبل الولادة والولادة وما بعد الولادة، أما عطلة ما قبل الولادة فالمقصود بها العطلة التي تتمتع بها المرأة الحامل قبل التاريخ المُحتمل للولادة، في حين تعني عطلة الولادة العطلة التي تتمتع بها الأم مباشرة إثر الولادة.

وطبقا لنفس الفصل يقصد بعطلة الأبوة العطلة التي يتمتع بها الأب بمناسبة ولادة مولود له أو أكثر، ويقصد بعطلة ما بعد الولادة العطلة التي يمكن للأم التمتع بها مباشرة إثر انتهاء فترة عطلة الولادة، ويقصد براحة الرضاعة رخصة تنتفع بها الأم مباشرة بعد انتهاء عطلة الولادة أو عطلة ما بعد الولادة.

عطل الأمومة والأبوة

وتحت عنوان عطل الأمومة والأبوة يوجد الفصل الثالث الذي صادقت عليه الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب في صيغته الأصلية وهو ينص على أن تنتفع الأم بعطلة ما قبل الولادة لمدة خمسة عشرة يوما كحد أقصى خلال الشهر الأخير من مدة الحمل بعد الإدلاء بشهادة طبية تبيّن التاريخ المحتمل للولادة، وذلك مع استحقاق كامل المرتب بالنسبة إلى أعوان الوظيفة العمومية والقطاع العام، ومنحة بعنوان عطلة ما قبل الولادة بالنسبة إلى القطاع الخاص.

وقبل عرض الفصل الرابع على التصويت تقدم عدد من النواب بمقترح لتعديله وحظي هذا المقترح بالقبول وتبعا لذلك تمت المصادقة على الفصل معدلا وهو ينص على أن تنتفع الأم بعطلة مدتها ثلاثة أشهر بعد الإدلاء بشهادة طبية تتضمن تاريخ الوضع، مع استحقاق كامل المرتب بالنسبة إلى أعوان الوظيفة العمومية والقطاع العام، ومنحة بعنوان عطلة الولادة بالنسبة إلى القطاع الخاص. وتُرفع العطلة المذكورة وجوبا إلى أربعة أشهر في صورة ولادة توأم أو أكثر أو إذا كان المولود حاملا لإعاقة أو خديجا أو حاملا لتشوهات خلقية تستدعي الرعاية والتدخلات الطبية، بعد الإدلاء بتقرير طبي يثبت ذلك خلال الأشهر الثلاثة الأولى الموالية للولادة مباشرة. إذا كان المولود ميّتا، تنتفع الأم بعطلة ولادة مدتها شهر مع استحقاق كامل المرتب بالنسبة إلى أعوان الوظيفة العمومية والقطاع العام، ومنحة بعنوان عطلة الولادة بالنسبة إلى القطاع الخاص، بعد الإدلاء بتقرير طبي في الغرض. يمكن الجمع بين عطلة الولادة وعطلة الاستراحة السنوية.

ويذكر أن تعديل هذا الفصل تم في اتجاه حذف فقرة تنص على أنه في صورة وفاة الأم المستحقة لعطلة ولادة أو المنتفعة بها يتمتع الأب الحاضن بعطلة لنفس المدة أو لمدة تساوي ما تبقى من عطلة الولادة، وقد عبر النائب عمار عيدودي عن اعتراضه على حذفها.

وصادق النواب خلال جلستهم العامة على الفصل الخامس من المشروع وهو ينص على أن ينتفع الأب بعطلة أبوّة مدتها سبعة أيام خالصة الأجر بعد الإدلاء بما يفيد الولادة، ترفّع إلى عشرة أيام في صورة ولادة توأم أو أكثر أو طفل حامل لإعاقة أو مولود خديج أو حامل لتشوهات خلقية تستعدي الرعاية والتدخلات الطبية بناء على تقرير طبي. كما ينتفع الأب بعطلة مدتها ثلاثة أيام خالصة الأجر في حالة ولادة الأم لمولود ميّت وذلك بعد الإدلاء بما يفيد ذلك. تُمنح عطلة الأبوّة خلال ثلاثين يوما ابتداء من تاريخ الولادة.

وفي علاقة بهذا الفصل فقد اقترح عدد من النواب ومنهم طارق الربعي تعديله في اتجاه الترفيع في عطلة الأبوة من 7 إلى 10 أيام مع تمكين الأب من إمكانية العمل عن بعد ولكن تم رفض هذا المقترح وتمرير الفصل الخامس في صيغته الأصلية. كما تم تمرير الفصل السادس في صيغته الأصلية وبموجبه يمكن أن تنتفع الأم مباشرة بعد انتهاء عطلة الولادة بطلب منها وبعد موافقة رئيس الإدارة أو المؤجّر بعطلة ما بعد الولادة تتراوح مدتها بين شهر واحد وأربعة أشهر مع استحقاق نصف المرتب بالنسبة إلى أعوان الوظيفة العمومية والقطاع العام، ومنحة بعنوان عطلة ما بعد الولادة بالنسبة إلى القطاع الخاص. يتم تقديم المطلب قبل انتهاء عطلة الولادة بخمسة عشرة يوما على الأقل.

كما تم خلال الجلسة العامة الأخيرة لمجلس نواب الشعب قبل العطلة البرلمانية تمرير الفصل الموالي وهو الفصل السابع في صيغته الأصلية وبمقتضاه يُعد كل من الأم والأب خلال عطل الأمومة والأبوّة في حالة مباشرة ويحتفظ كلاهما بكامل حقوقه في التدرج والترقية والتقاعد وفق التشريع الجاري به العمل.

كما صدقت الجلسة العامة على الفصل الثامن في صيغته الأصلية ومن خلاله تنتفع الأم بطلب منها براحة رضاعة مدتها ساعة واحدة في بداية حصة العمل أو في نهايتها شرط أن لا تقل مدة حصة العمل عن أربع ساعات، وإذا كان العمل موزعا على حصتين، تمنح للمعنية بالأمر راحتان مدة الواحدة منها ساعة واحدة، وذلك في بداية الحصة أو في نهايتها شرط أن تكون المدة الجملية للعمل مساوية لسبع ساعات على الأقل في اليوم. تُمنح راحة الرضاعة لمدة تسعة أشهر ابتداء من تاريخ مباشرة العمل بالنسبة إلى الأم التي لم تتمتع بعطلة ما بعد الولادة. تُمنح الأم التي انتفعت بعطلة ما بعد الولادة راحة رضاعة طيلة الفترة الفاصلة بين استئنافها للعمل وانقضاء سنة كاملة ابتداء من تاريخ الولادة.

كما حظي الفصل التاسع في صيغته الأصلية بموافقة الجلسة العامة وقد نص على أن تُحتسب منح العطل بعنوان ما قبل الولادة والولادة وما بعد الولادة بالنسبة إلى القطاع الخاص وفقا للتشريع الجاري به العمل.

وعند بلوغ الفصل العاشر هناك من النواب ومنهم نجلاء اللحياني من تقدموا بمقترح لتعديله لكن تم التصويت عليه بالرفض وبالتالي تمت المصادقة على الفصل المذكور في صيغته الأصلية وبموجبه يُحجّر تسليط عقوبات أو تسريح أي امرأة طيلة فترة حملها أو أثناء الانتفاع بالعطل المشار إليها صلب هذا القانون لأسباب تتصل بالحمل أو الولادة أو الرضاعة.

ونص المقترح الذي قدمته النائبة نجلاء اللحياني والذي تم إسقاطه بالتصويت على منع طرد أي امرأة أو فصلها أو تسريحها أو إحالتها على التأديب أو تسليط عقوبات عليها أثناء حملها أو أثناء الانتفاع بالعطل المشار إليها ضمن هذا القانون لأسباب تتصل بالحمل أو الولادة أو الرضاعة وفي صورة ارتكابها لخطئ تأديبي تؤجل إحالتها على مجلس التأديب إلى حين انتهاء عطلة الأمومة وفي صورة ارتكابها لخطئ جسيم يتم اتخاذ التدابير الوقتية في شأنها بمقتضى قرار معلل إلى حين إحالتها على مجلس التأديب على غرار ما تم ضبطه في الفقرة السابقة ويحق لها تكليف أحد زملائها للدفاع عنها أو إنابة محام.

ومرّ النواب إثر ذلك إلى الأحكام الختامية وصادقوا على الفصل الأخير وهو الفصل 11 في صيغته الأصلية والذي نص على أن تُلغى جميع الأحكام السابقة المخالفة لهذا القانون.

لحظة تاريخية فارقة

وقبل المصادقة على مشروع القانون المتعلق بتنظيم عطل الأمومة والأبوة في الوظيفة العمومية والقطاع العام والقطاع الخاص قالت آمال بلحاج موسى وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن إنهم بصدد كتابة لحظة تاريخية فارقة من أجل واقع أفضل لنساء تونس وأمهاتها وأسرها وأطفالها، وبينت أنه منذ سنة 2017 هناك من كان لديهم حلم بإقرار قانون يتعلق بعطلة أمومة وأبوة وبادروا بذلك لكن الإرادة السياسيّة خذلتهم ولم تكن هناك مقاربة جريئة وشجاعة تجاه الأسرة أما اليوم فإن هذه الإرادة متوفرة لأن رئيس الجمهورية حسب رأيها يؤمن بالدور الاجتماعي للدولة ويركز على الأسرة. وذكرت أنه بالنظر إلى الدستور يمكن ملاحظة كثافة تواتر مفهوم الأسرة وكذلك علاقة الأسرة بالدولة، ففي الفصل 12 منه تم تحميل الدولة واجب حماية الأسرة لأنها الخلية الأساسية للمجتمع كما أن الفصول 43 و51 و52 و53 ركزت جميعها على الأسرة وفي هذا الإطار يندرج مشروع القانون المتعلق بتنظيم عطلة الأمومة والأبوة.

وفسرت أن الجديد يتمثل في وجود إرادة سياسية متبنية للتشريعات في المجال الاجتماعي وتدفع بها إلى الأمام وفي وجود مقاربة للأسرة مقارنة بما مضى حيث كانت هناك عقبات مردها الأثر المالي للقانون وبفضل توفر الإرادة تم تجاوزها لأنه لا معنى لهذا القانون المهم والحساس دون وجود ضمانات لتطبيقه، ففي تطبيقه مصداقية للدولة ومؤسساتها.

وأشارت بلحاج موسى إلى أنه تم رفض التدرج لأن المسار يتعاطى مع الأسرة بوصفها قضية دولة لذلك لم يميز بين الأمهات العاملات في الوظيفة العمومية والأمهات العاملات في القطاع العام والأمهات العاملات في القطاع الخاص وكان لا بد من أن يكون هناك قانون يعنى بالأسرة مهما كان مجال العمل الذي تنتمي إليه الأم.

مزايا مشروع القانون

تطرقت آمال بلحاج موسى وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن إلى مزايا مشروع القانون المتعلق بعطلة الأمومة والأبوة، وتتمثل المزية الأولى حسب قولها في توحيد عطلة الأمومة والأبوة في الوظيفة العمومية والقطاع العام والقطاع الخاص بعد أن كانت هذه المسألة حجر عثرة أمام المشاريع التي تم التفكير فيها سابقا، أوضحت أن وزارتها عقدت منذ 14 فيفري 2022 جلسة مع وزارة الشؤون الاجتماعية وتم تشكيل لجنة للنظر في سبل تذليل الصعوبات المرتبطة بالأثر المالي لتطبيق أحكام المشروع وكيفية الخروج بقانون موحد لا يفرق بين أم تعمل في الوظيفة العمومية والقطاع العام وأم تعمل في القطاع الخاص، كما تم الجلوس مع الأطراف المهنية التي رحبت بالقانون وصفقت له لكنها عبرت عن عدم استعدادها لتحمل الكلفة المالية لذلك تم الاشتغال على المشروع مع الصناديق الاجتماعية التي تحملت مسؤوليتها وبالتالي فإن إعداد مشروع القانون لم يكن في وقت قياسي كما ذهب إليه البعض بل تم الاشتغال عليه طويلا، وتحملت الدولة مسؤولياتها في علاقة بتوفير هذا الأثر المالي كما تحملت المسؤولية في توحيد النظام القانوني لعطلة الأمومة والأبوة وعدم التفريق بين القطاع العام والقطاع الخاص وهو مكسب للأسرة التونسية.

وأضافت بلحاج موسى أنه من مزايا مشروع القانون إحداث عطلة ما قبل الولادة التي لم تكن موجودة في السابق وكانت الأمهات تحصلن على عطل مرضية. كما تم الترفيع في عطلة الولادة إلى ثلاثة أشهر والترفيع في عطلة الولادة إلى أربعة اشهر إذا كان الطفل حاملا لإعاقة أو في حالة إنجاب توأم، والترفيع في عطلة الأبوة، وإحداث عطلة جديدة لفائدة الأم التي تضع طفلا ميتا.

ومن بين المزايا الأخرى أشارت الوزيرة إلى أنه بمقتضى المشروع تم الترفيع في راحة الرضاعة لأن الدولة لديها الوعي بأن نسبة الرضاعة الطبيعية ضعيفة جدا فهي في حدود 17 فاصل 8 بالمائة في حين أن المعدل العالمي هو في حدود 48 بالمائة.

وذكرت أنها وجدت أمامها إرثا تشريعيا قديما فالنصوص القانونية المنظمة لعطل الأمومة لم يقع تنقيحها بالقطاع العام منذ سنة 1983 وبالقطاع الخاص منذ سنة 1974 أي منذ 50 سنة وأضافت أنه عندما تم وضع هذه التشريعات كان معدل الخصوبة في تونس يتراوح بين خمسة ونصف وستة أطفال أما اليوم فقد تراجعت هذه النسبة إلى 1 فاصل 82، إضافة إلى تراجع الولادات بنسبة 23 بالمائة وتراجع عدد عقود الزواج بنسبة 26 بالمائة فضلا عن انخفاض معدل الرضاعة وتداعيات ذلك على الأطفال ومناعتهم الذاتية.

جدل قانوني

قبل المرور للتصويت على مشروع القانون المتعلق بعطلة الأمومة والأبوة فصلا فصلا أثار رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودبالة مسألة أولوية النظر في مشاريع القوانين والمبادرات التشريعية، وذلك تبعا للجدل الذي حصل خلال الأيام الماضية تحت قبة البرلمان حول القرار الذي اتخذه مكتب المجلس يوم الاثنين 29 جويلية 2024 والقاضي بإدراج تقرير لجنة تنظيم الإدارة وتطويرها والرقمنة والحوكمة ومكافحة الفساد حول مشروع القانون عدد 56 لسنة 2024 المتعلق بعطل الأمومة والأبوة المقدم من قبل رئاسة الجمهورية والذي تم إيداعه بالمجلس يوم 4 جويلية 2024، كنقطة رابعة في جدول أعمال الجلسة العامة ليومي الثلاثاء والأربعاء 30 و 31 جويلية 2024، مقابل إرجاء النظر في تقرير نفس اللجنة حول مقترح القانون عدد 13 لسنة 2024 المقدم من قبل مجموعة من النواب على رأسهم النائب يوسف طرشون بتاريخ 19 فيفري 2024 والمتعلّق بتنظيم عطل الأمومة والأبوة والوالدية في القطاعين العام والخاص.

وبين بودربالة أن مسألة أولوية النظر في مشاريع القوانين المعروضة من قبل رئيس الجمهورية والمبادرات التشريعية المقدّمة من قبل النواب ينظمها دستور 2022 فالفصل 87 من الدستور ينص على : "رئيس الجمهورية يمارس الوظيفة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة". وأضاف أن كل القوانين التي تأتي من الوظيفة التنفيذية ليست صادرة عن الحكومة أو عن الوزارة وإنما عن رئيس الجمهورية

وأضاف أن الفصل 68 من الدستور ينص بخصوص مسألة عرض مشاريع القوانين ومقترحات القوانين على أنه " لرئيس الجمهورية حق عرض مشاريع القوانين وللنواب حق عرض مقترحات القوانين شرط أن تكون مقدمة من عشرة نواب على الأقل، ويختص رئيس الجمهورية بتقديم مشاريع قوانين الموافقة على المعاهدات ومشاريع قوانين المالية، ولمشاريع رئيس الجمهورية أولوية النظر".

وذكر أنه يوجد أساتذة قانون وشرّاح قانون تناولوا هذه المسألة واستدل رئيس المجلس بشرح الأستاذ الراحل عبد الفتاح عندما أشار إلى أن مبادرة رئيس الجمهورية تتمتع بأولوية النظر بالنسبة إلى مبادرة النواب فالمادة 28 من دستور 1959 الذي اعتمد النظام الرئاسي منحت أولوية النظر في المبادرات التشريعية التي يتقدّم بها رئيس الجمهورية وتفسير المقصود بأولوية النظر ذكر أنه يمكن إبداء الملاحظات التالية:

أولا: لقد ميّز الدستور بصفة واضحة بين مسألتين مختلفتين، الأولى مسألة حق المبادرة التي هي مسألة أصلية، والثانية مسالة أولوية النظر وهي مسألة إجرائية، حيث أقر الدستور لرئيس الجمهورية وللنواب على حد السواء حق عرض مشاريع القوانين غير أن ممارسة هذا الحق تقتضي بأن تعطى أولوية النظر لمشاريع رئيس الجمهورية، وهذا يعني أن أولوية النظر لا تخل البتة بمبدأ المساواة بين رئيس الجمهورية والنواب في ما يتعلق بحق المبادرة.

ثانيا: النظر في مشروع قانون يقتضي درسه و تحليله وتدقيقه وإثراءه عند الاقتضاء والمناقشة واتخاذ موقف في شأنه.

ثالثا: متى يبدأ النظر في مشروع القانون ومتى ينتهي: لا تطرح مسألة النظر إلا بعد تلقي رئيس مجلس النواب مشاريع القوانين الواردة من رئيس الجمهورية أو المقترحة من طرفه وبعد تسجيله لها بدفتر الضبط، فالنظر قبل ذلك غير وارد، والنظر يبدأ ضرورة إثر ذلك أي إثر تقديم المشروع وتسجيله بدفتر الضبط، وينتج ذلك طبق المادة التاسعة من النظام الداخلي لمجلس النواب التي تلزم رئيس مجلس النواب بإحالة المشاريع على اللجان ذات النظر بعد أن يكون قد تلقاها وسهر على تسجيلها بدفتر الضبط، والنظر كما حدّد آنفا لا ينحصر على مستوى اللجان بل يتواصل إلى مستوى الجلسات العامة للمجلس ، وهو لا ينتهي إلا بعد اتخاذ المجلس لقراره.

رابعا: تتمتع مشاريع رئيس الجمهورية بأولوية النظر طيلة مدة النظر، أي انطلاقا من الإحالة على اللجنة أو اللجان المختصة ووصولا إلى التصويت في الجلسة العامة.

وبعد الاستدلال بالملاحظات التي ساقها الأستاذ الراحل عبد الفتاح عمر أشار رئيس مجلس نواب الشعب إلى أنه حتى وان كانت المبادرة التشريعية المقدمة من قبل النواب أمام الجلسة العامة وتأتي مبادرة من رئيس الجمهورية فان مبادرة رئيس الجمهورية لها أولوية النظر وذكر أن مكتب المجلس لما اتخذ هذا القرار ، وهو قرار سليم من الناحية القانونية حسب وصفه له ما يؤيده فقها ، وأضاف بودربالة أن الفصل المتعلق بأولوية النظر جاء بصفة مطلقة والنص يفسر حسب إطلاق مضمونة وبين أن المبادرة التي تقدم بها النواب كانت فعلا قيمة لأنه تم بذل جهد كبير من قبل أصحابها لكن لا بد من مراعاة ما ورد في الدستور.

وأكد رئيس مجلس نواب الشعب أن الوظيفة التشريعية ليست في خصومة مع الوظيفة التنفيذية وبين أنه في دستور 2022 هناك وظيفة تنفيذية ووظيفة تشريعية ووظيفة قضائية ولم تعد هناك سلطة تنفيذية وسلطة تشريعية وسلطة قضائية كما أن المقصود بالوظيفة ليس أنها وظيفة عمومية وإنما الدولة لها وظائف ولا يمكن أن تقوم الدولة إلا بتناغم الوظائف الثلاث وخلص إلى أن الجدل القانوني حول مسألة أولوية النظر حسم فيه وشدد على أن مجلس نواب الشعب ليس في صراع مع الوظيفة التنفيذية وليس في صراع مع الحكومة وإنما جاء في إطار فلسفة دستور 2022 فعند الترشح لانتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب كان ذلك وفق أحكام هذا الدستور وفلسفته وإذا لم يكن النائب راض عنه فله الحق في ذلك لكن بما أنه ترشح للانتخابات التشريعية في ظل دستور 2022 فعليه أن يدرك أن هناك رؤية تعبر عن الدولة المتناغمة في وظائفها.

وإثر المصادقة على مشروع القانون أعلن رئيس المجلس في نهاية الجلسة العامة مساء يوم 31 جويلية عن اختتام الدورة العادية الثانية. ويذكر أن العطلة البرلمانية انطلقت أمس غرة أوت وتتواصل إلى أكتوبر ولكن يمكن للمجلس النيابي أن ينعقد في دورة استثنائية بطلب من رئيس الجمهورية أو من ثلث أعضائه للنظر في جدول أعمال محدد أما اللجان القارة فتواصل العمل دون انقطاع حتى أثناء عطلة المجلس. وقد برمجت لجنة الحقوق والحريات أمس جلسة للنظر في مقترح القانون المتعلق بتنظيم الجمعيات، مثلما يمكن لرئيس الجمهورية أن يتخذ خلال عطلة المجلس بعد إعلام اللجنة القارة المختصة مراسيم يقع عرضها على مصادقة مجلس نواب الشعب وذلك في الدورة العادية التي تلي العطلة.

سعيدة بوهلال

 

 

 

 

 

 

 

بعد مصادقة البرلمان..   قانون عطلة الأمومة والأبوة يساوي بين الأمهات في القطاعين العام والخاص ..

 

تونس- الصباح

صادق مجلس نواب الشعب، مساء أول أمس، خلال جلسته العامة الأخيرة في الدورة العادية الثانية المنعقدة بقصر باردو، بحضور آمال بلحاج موسى وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، على مشروع القانون عدد 56 لسنة 2024 المتعلّق بتنظيم عطل الأمومة والأبوّة في الوظيفة العمومية والقطاع العام والقطاع الخاص معدلا، وكانت نتيجة التصويت عليه كما يلي: 111 "نعم"، 4 "محتفظ"، 1 "لا".

وتحت عنوان الأحكام العامة مرر النواب الفصل الأول في صيغته الأصلية وهو ينص على أن تنطبق أحكام هذا القانون على جميع أعوان الوظيفة العمومية والقطاع العام المنخرطين لدى الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية والأجراء وغير الأجراء بالقطاع الخاص المنخرطين والمصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. كما تم تمرير الفصل الثاني في صيغته الأصلية وهو يتعلق بالتعريف بالمصطلحات، وبموجبه فإن المقصود بعطل الأمومة، العطل التي يمكن أن تنتفع بها الأم والمرتبطة بفترة ما قبل الولادة والولادة وما بعد الولادة، أما عطلة ما قبل الولادة فالمقصود بها العطلة التي تتمتع بها المرأة الحامل قبل التاريخ المُحتمل للولادة، في حين تعني عطلة الولادة العطلة التي تتمتع بها الأم مباشرة إثر الولادة.

وطبقا لنفس الفصل يقصد بعطلة الأبوة العطلة التي يتمتع بها الأب بمناسبة ولادة مولود له أو أكثر، ويقصد بعطلة ما بعد الولادة العطلة التي يمكن للأم التمتع بها مباشرة إثر انتهاء فترة عطلة الولادة، ويقصد براحة الرضاعة رخصة تنتفع بها الأم مباشرة بعد انتهاء عطلة الولادة أو عطلة ما بعد الولادة.

عطل الأمومة والأبوة

وتحت عنوان عطل الأمومة والأبوة يوجد الفصل الثالث الذي صادقت عليه الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب في صيغته الأصلية وهو ينص على أن تنتفع الأم بعطلة ما قبل الولادة لمدة خمسة عشرة يوما كحد أقصى خلال الشهر الأخير من مدة الحمل بعد الإدلاء بشهادة طبية تبيّن التاريخ المحتمل للولادة، وذلك مع استحقاق كامل المرتب بالنسبة إلى أعوان الوظيفة العمومية والقطاع العام، ومنحة بعنوان عطلة ما قبل الولادة بالنسبة إلى القطاع الخاص.

وقبل عرض الفصل الرابع على التصويت تقدم عدد من النواب بمقترح لتعديله وحظي هذا المقترح بالقبول وتبعا لذلك تمت المصادقة على الفصل معدلا وهو ينص على أن تنتفع الأم بعطلة مدتها ثلاثة أشهر بعد الإدلاء بشهادة طبية تتضمن تاريخ الوضع، مع استحقاق كامل المرتب بالنسبة إلى أعوان الوظيفة العمومية والقطاع العام، ومنحة بعنوان عطلة الولادة بالنسبة إلى القطاع الخاص. وتُرفع العطلة المذكورة وجوبا إلى أربعة أشهر في صورة ولادة توأم أو أكثر أو إذا كان المولود حاملا لإعاقة أو خديجا أو حاملا لتشوهات خلقية تستدعي الرعاية والتدخلات الطبية، بعد الإدلاء بتقرير طبي يثبت ذلك خلال الأشهر الثلاثة الأولى الموالية للولادة مباشرة. إذا كان المولود ميّتا، تنتفع الأم بعطلة ولادة مدتها شهر مع استحقاق كامل المرتب بالنسبة إلى أعوان الوظيفة العمومية والقطاع العام، ومنحة بعنوان عطلة الولادة بالنسبة إلى القطاع الخاص، بعد الإدلاء بتقرير طبي في الغرض. يمكن الجمع بين عطلة الولادة وعطلة الاستراحة السنوية.

ويذكر أن تعديل هذا الفصل تم في اتجاه حذف فقرة تنص على أنه في صورة وفاة الأم المستحقة لعطلة ولادة أو المنتفعة بها يتمتع الأب الحاضن بعطلة لنفس المدة أو لمدة تساوي ما تبقى من عطلة الولادة، وقد عبر النائب عمار عيدودي عن اعتراضه على حذفها.

وصادق النواب خلال جلستهم العامة على الفصل الخامس من المشروع وهو ينص على أن ينتفع الأب بعطلة أبوّة مدتها سبعة أيام خالصة الأجر بعد الإدلاء بما يفيد الولادة، ترفّع إلى عشرة أيام في صورة ولادة توأم أو أكثر أو طفل حامل لإعاقة أو مولود خديج أو حامل لتشوهات خلقية تستعدي الرعاية والتدخلات الطبية بناء على تقرير طبي. كما ينتفع الأب بعطلة مدتها ثلاثة أيام خالصة الأجر في حالة ولادة الأم لمولود ميّت وذلك بعد الإدلاء بما يفيد ذلك. تُمنح عطلة الأبوّة خلال ثلاثين يوما ابتداء من تاريخ الولادة.

وفي علاقة بهذا الفصل فقد اقترح عدد من النواب ومنهم طارق الربعي تعديله في اتجاه الترفيع في عطلة الأبوة من 7 إلى 10 أيام مع تمكين الأب من إمكانية العمل عن بعد ولكن تم رفض هذا المقترح وتمرير الفصل الخامس في صيغته الأصلية. كما تم تمرير الفصل السادس في صيغته الأصلية وبموجبه يمكن أن تنتفع الأم مباشرة بعد انتهاء عطلة الولادة بطلب منها وبعد موافقة رئيس الإدارة أو المؤجّر بعطلة ما بعد الولادة تتراوح مدتها بين شهر واحد وأربعة أشهر مع استحقاق نصف المرتب بالنسبة إلى أعوان الوظيفة العمومية والقطاع العام، ومنحة بعنوان عطلة ما بعد الولادة بالنسبة إلى القطاع الخاص. يتم تقديم المطلب قبل انتهاء عطلة الولادة بخمسة عشرة يوما على الأقل.

كما تم خلال الجلسة العامة الأخيرة لمجلس نواب الشعب قبل العطلة البرلمانية تمرير الفصل الموالي وهو الفصل السابع في صيغته الأصلية وبمقتضاه يُعد كل من الأم والأب خلال عطل الأمومة والأبوّة في حالة مباشرة ويحتفظ كلاهما بكامل حقوقه في التدرج والترقية والتقاعد وفق التشريع الجاري به العمل.

كما صدقت الجلسة العامة على الفصل الثامن في صيغته الأصلية ومن خلاله تنتفع الأم بطلب منها براحة رضاعة مدتها ساعة واحدة في بداية حصة العمل أو في نهايتها شرط أن لا تقل مدة حصة العمل عن أربع ساعات، وإذا كان العمل موزعا على حصتين، تمنح للمعنية بالأمر راحتان مدة الواحدة منها ساعة واحدة، وذلك في بداية الحصة أو في نهايتها شرط أن تكون المدة الجملية للعمل مساوية لسبع ساعات على الأقل في اليوم. تُمنح راحة الرضاعة لمدة تسعة أشهر ابتداء من تاريخ مباشرة العمل بالنسبة إلى الأم التي لم تتمتع بعطلة ما بعد الولادة. تُمنح الأم التي انتفعت بعطلة ما بعد الولادة راحة رضاعة طيلة الفترة الفاصلة بين استئنافها للعمل وانقضاء سنة كاملة ابتداء من تاريخ الولادة.

كما حظي الفصل التاسع في صيغته الأصلية بموافقة الجلسة العامة وقد نص على أن تُحتسب منح العطل بعنوان ما قبل الولادة والولادة وما بعد الولادة بالنسبة إلى القطاع الخاص وفقا للتشريع الجاري به العمل.

وعند بلوغ الفصل العاشر هناك من النواب ومنهم نجلاء اللحياني من تقدموا بمقترح لتعديله لكن تم التصويت عليه بالرفض وبالتالي تمت المصادقة على الفصل المذكور في صيغته الأصلية وبموجبه يُحجّر تسليط عقوبات أو تسريح أي امرأة طيلة فترة حملها أو أثناء الانتفاع بالعطل المشار إليها صلب هذا القانون لأسباب تتصل بالحمل أو الولادة أو الرضاعة.

ونص المقترح الذي قدمته النائبة نجلاء اللحياني والذي تم إسقاطه بالتصويت على منع طرد أي امرأة أو فصلها أو تسريحها أو إحالتها على التأديب أو تسليط عقوبات عليها أثناء حملها أو أثناء الانتفاع بالعطل المشار إليها ضمن هذا القانون لأسباب تتصل بالحمل أو الولادة أو الرضاعة وفي صورة ارتكابها لخطئ تأديبي تؤجل إحالتها على مجلس التأديب إلى حين انتهاء عطلة الأمومة وفي صورة ارتكابها لخطئ جسيم يتم اتخاذ التدابير الوقتية في شأنها بمقتضى قرار معلل إلى حين إحالتها على مجلس التأديب على غرار ما تم ضبطه في الفقرة السابقة ويحق لها تكليف أحد زملائها للدفاع عنها أو إنابة محام.

ومرّ النواب إثر ذلك إلى الأحكام الختامية وصادقوا على الفصل الأخير وهو الفصل 11 في صيغته الأصلية والذي نص على أن تُلغى جميع الأحكام السابقة المخالفة لهذا القانون.

لحظة تاريخية فارقة

وقبل المصادقة على مشروع القانون المتعلق بتنظيم عطل الأمومة والأبوة في الوظيفة العمومية والقطاع العام والقطاع الخاص قالت آمال بلحاج موسى وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن إنهم بصدد كتابة لحظة تاريخية فارقة من أجل واقع أفضل لنساء تونس وأمهاتها وأسرها وأطفالها، وبينت أنه منذ سنة 2017 هناك من كان لديهم حلم بإقرار قانون يتعلق بعطلة أمومة وأبوة وبادروا بذلك لكن الإرادة السياسيّة خذلتهم ولم تكن هناك مقاربة جريئة وشجاعة تجاه الأسرة أما اليوم فإن هذه الإرادة متوفرة لأن رئيس الجمهورية حسب رأيها يؤمن بالدور الاجتماعي للدولة ويركز على الأسرة. وذكرت أنه بالنظر إلى الدستور يمكن ملاحظة كثافة تواتر مفهوم الأسرة وكذلك علاقة الأسرة بالدولة، ففي الفصل 12 منه تم تحميل الدولة واجب حماية الأسرة لأنها الخلية الأساسية للمجتمع كما أن الفصول 43 و51 و52 و53 ركزت جميعها على الأسرة وفي هذا الإطار يندرج مشروع القانون المتعلق بتنظيم عطلة الأمومة والأبوة.

وفسرت أن الجديد يتمثل في وجود إرادة سياسية متبنية للتشريعات في المجال الاجتماعي وتدفع بها إلى الأمام وفي وجود مقاربة للأسرة مقارنة بما مضى حيث كانت هناك عقبات مردها الأثر المالي للقانون وبفضل توفر الإرادة تم تجاوزها لأنه لا معنى لهذا القانون المهم والحساس دون وجود ضمانات لتطبيقه، ففي تطبيقه مصداقية للدولة ومؤسساتها.

وأشارت بلحاج موسى إلى أنه تم رفض التدرج لأن المسار يتعاطى مع الأسرة بوصفها قضية دولة لذلك لم يميز بين الأمهات العاملات في الوظيفة العمومية والأمهات العاملات في القطاع العام والأمهات العاملات في القطاع الخاص وكان لا بد من أن يكون هناك قانون يعنى بالأسرة مهما كان مجال العمل الذي تنتمي إليه الأم.

مزايا مشروع القانون

تطرقت آمال بلحاج موسى وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن إلى مزايا مشروع القانون المتعلق بعطلة الأمومة والأبوة، وتتمثل المزية الأولى حسب قولها في توحيد عطلة الأمومة والأبوة في الوظيفة العمومية والقطاع العام والقطاع الخاص بعد أن كانت هذه المسألة حجر عثرة أمام المشاريع التي تم التفكير فيها سابقا، أوضحت أن وزارتها عقدت منذ 14 فيفري 2022 جلسة مع وزارة الشؤون الاجتماعية وتم تشكيل لجنة للنظر في سبل تذليل الصعوبات المرتبطة بالأثر المالي لتطبيق أحكام المشروع وكيفية الخروج بقانون موحد لا يفرق بين أم تعمل في الوظيفة العمومية والقطاع العام وأم تعمل في القطاع الخاص، كما تم الجلوس مع الأطراف المهنية التي رحبت بالقانون وصفقت له لكنها عبرت عن عدم استعدادها لتحمل الكلفة المالية لذلك تم الاشتغال على المشروع مع الصناديق الاجتماعية التي تحملت مسؤوليتها وبالتالي فإن إعداد مشروع القانون لم يكن في وقت قياسي كما ذهب إليه البعض بل تم الاشتغال عليه طويلا، وتحملت الدولة مسؤولياتها في علاقة بتوفير هذا الأثر المالي كما تحملت المسؤولية في توحيد النظام القانوني لعطلة الأمومة والأبوة وعدم التفريق بين القطاع العام والقطاع الخاص وهو مكسب للأسرة التونسية.

وأضافت بلحاج موسى أنه من مزايا مشروع القانون إحداث عطلة ما قبل الولادة التي لم تكن موجودة في السابق وكانت الأمهات تحصلن على عطل مرضية. كما تم الترفيع في عطلة الولادة إلى ثلاثة أشهر والترفيع في عطلة الولادة إلى أربعة اشهر إذا كان الطفل حاملا لإعاقة أو في حالة إنجاب توأم، والترفيع في عطلة الأبوة، وإحداث عطلة جديدة لفائدة الأم التي تضع طفلا ميتا.

ومن بين المزايا الأخرى أشارت الوزيرة إلى أنه بمقتضى المشروع تم الترفيع في راحة الرضاعة لأن الدولة لديها الوعي بأن نسبة الرضاعة الطبيعية ضعيفة جدا فهي في حدود 17 فاصل 8 بالمائة في حين أن المعدل العالمي هو في حدود 48 بالمائة.

وذكرت أنها وجدت أمامها إرثا تشريعيا قديما فالنصوص القانونية المنظمة لعطل الأمومة لم يقع تنقيحها بالقطاع العام منذ سنة 1983 وبالقطاع الخاص منذ سنة 1974 أي منذ 50 سنة وأضافت أنه عندما تم وضع هذه التشريعات كان معدل الخصوبة في تونس يتراوح بين خمسة ونصف وستة أطفال أما اليوم فقد تراجعت هذه النسبة إلى 1 فاصل 82، إضافة إلى تراجع الولادات بنسبة 23 بالمائة وتراجع عدد عقود الزواج بنسبة 26 بالمائة فضلا عن انخفاض معدل الرضاعة وتداعيات ذلك على الأطفال ومناعتهم الذاتية.

جدل قانوني

قبل المرور للتصويت على مشروع القانون المتعلق بعطلة الأمومة والأبوة فصلا فصلا أثار رئيس مجلس نواب الشعب إبراهيم بودبالة مسألة أولوية النظر في مشاريع القوانين والمبادرات التشريعية، وذلك تبعا للجدل الذي حصل خلال الأيام الماضية تحت قبة البرلمان حول القرار الذي اتخذه مكتب المجلس يوم الاثنين 29 جويلية 2024 والقاضي بإدراج تقرير لجنة تنظيم الإدارة وتطويرها والرقمنة والحوكمة ومكافحة الفساد حول مشروع القانون عدد 56 لسنة 2024 المتعلق بعطل الأمومة والأبوة المقدم من قبل رئاسة الجمهورية والذي تم إيداعه بالمجلس يوم 4 جويلية 2024، كنقطة رابعة في جدول أعمال الجلسة العامة ليومي الثلاثاء والأربعاء 30 و 31 جويلية 2024، مقابل إرجاء النظر في تقرير نفس اللجنة حول مقترح القانون عدد 13 لسنة 2024 المقدم من قبل مجموعة من النواب على رأسهم النائب يوسف طرشون بتاريخ 19 فيفري 2024 والمتعلّق بتنظيم عطل الأمومة والأبوة والوالدية في القطاعين العام والخاص.

وبين بودربالة أن مسألة أولوية النظر في مشاريع القوانين المعروضة من قبل رئيس الجمهورية والمبادرات التشريعية المقدّمة من قبل النواب ينظمها دستور 2022 فالفصل 87 من الدستور ينص على : "رئيس الجمهورية يمارس الوظيفة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس حكومة". وأضاف أن كل القوانين التي تأتي من الوظيفة التنفيذية ليست صادرة عن الحكومة أو عن الوزارة وإنما عن رئيس الجمهورية

وأضاف أن الفصل 68 من الدستور ينص بخصوص مسألة عرض مشاريع القوانين ومقترحات القوانين على أنه " لرئيس الجمهورية حق عرض مشاريع القوانين وللنواب حق عرض مقترحات القوانين شرط أن تكون مقدمة من عشرة نواب على الأقل، ويختص رئيس الجمهورية بتقديم مشاريع قوانين الموافقة على المعاهدات ومشاريع قوانين المالية، ولمشاريع رئيس الجمهورية أولوية النظر".

وذكر أنه يوجد أساتذة قانون وشرّاح قانون تناولوا هذه المسألة واستدل رئيس المجلس بشرح الأستاذ الراحل عبد الفتاح عندما أشار إلى أن مبادرة رئيس الجمهورية تتمتع بأولوية النظر بالنسبة إلى مبادرة النواب فالمادة 28 من دستور 1959 الذي اعتمد النظام الرئاسي منحت أولوية النظر في المبادرات التشريعية التي يتقدّم بها رئيس الجمهورية وتفسير المقصود بأولوية النظر ذكر أنه يمكن إبداء الملاحظات التالية:

أولا: لقد ميّز الدستور بصفة واضحة بين مسألتين مختلفتين، الأولى مسألة حق المبادرة التي هي مسألة أصلية، والثانية مسالة أولوية النظر وهي مسألة إجرائية، حيث أقر الدستور لرئيس الجمهورية وللنواب على حد السواء حق عرض مشاريع القوانين غير أن ممارسة هذا الحق تقتضي بأن تعطى أولوية النظر لمشاريع رئيس الجمهورية، وهذا يعني أن أولوية النظر لا تخل البتة بمبدأ المساواة بين رئيس الجمهورية والنواب في ما يتعلق بحق المبادرة.

ثانيا: النظر في مشروع قانون يقتضي درسه و تحليله وتدقيقه وإثراءه عند الاقتضاء والمناقشة واتخاذ موقف في شأنه.

ثالثا: متى يبدأ النظر في مشروع القانون ومتى ينتهي: لا تطرح مسألة النظر إلا بعد تلقي رئيس مجلس النواب مشاريع القوانين الواردة من رئيس الجمهورية أو المقترحة من طرفه وبعد تسجيله لها بدفتر الضبط، فالنظر قبل ذلك غير وارد، والنظر يبدأ ضرورة إثر ذلك أي إثر تقديم المشروع وتسجيله بدفتر الضبط، وينتج ذلك طبق المادة التاسعة من النظام الداخلي لمجلس النواب التي تلزم رئيس مجلس النواب بإحالة المشاريع على اللجان ذات النظر بعد أن يكون قد تلقاها وسهر على تسجيلها بدفتر الضبط، والنظر كما حدّد آنفا لا ينحصر على مستوى اللجان بل يتواصل إلى مستوى الجلسات العامة للمجلس ، وهو لا ينتهي إلا بعد اتخاذ المجلس لقراره.

رابعا: تتمتع مشاريع رئيس الجمهورية بأولوية النظر طيلة مدة النظر، أي انطلاقا من الإحالة على اللجنة أو اللجان المختصة ووصولا إلى التصويت في الجلسة العامة.

وبعد الاستدلال بالملاحظات التي ساقها الأستاذ الراحل عبد الفتاح عمر أشار رئيس مجلس نواب الشعب إلى أنه حتى وان كانت المبادرة التشريعية المقدمة من قبل النواب أمام الجلسة العامة وتأتي مبادرة من رئيس الجمهورية فان مبادرة رئيس الجمهورية لها أولوية النظر وذكر أن مكتب المجلس لما اتخذ هذا القرار ، وهو قرار سليم من الناحية القانونية حسب وصفه له ما يؤيده فقها ، وأضاف بودربالة أن الفصل المتعلق بأولوية النظر جاء بصفة مطلقة والنص يفسر حسب إطلاق مضمونة وبين أن المبادرة التي تقدم بها النواب كانت فعلا قيمة لأنه تم بذل جهد كبير من قبل أصحابها لكن لا بد من مراعاة ما ورد في الدستور.

وأكد رئيس مجلس نواب الشعب أن الوظيفة التشريعية ليست في خصومة مع الوظيفة التنفيذية وبين أنه في دستور 2022 هناك وظيفة تنفيذية ووظيفة تشريعية ووظيفة قضائية ولم تعد هناك سلطة تنفيذية وسلطة تشريعية وسلطة قضائية كما أن المقصود بالوظيفة ليس أنها وظيفة عمومية وإنما الدولة لها وظائف ولا يمكن أن تقوم الدولة إلا بتناغم الوظائف الثلاث وخلص إلى أن الجدل القانوني حول مسألة أولوية النظر حسم فيه وشدد على أن مجلس نواب الشعب ليس في صراع مع الوظيفة التنفيذية وليس في صراع مع الحكومة وإنما جاء في إطار فلسفة دستور 2022 فعند الترشح لانتخابات أعضاء مجلس نواب الشعب كان ذلك وفق أحكام هذا الدستور وفلسفته وإذا لم يكن النائب راض عنه فله الحق في ذلك لكن بما أنه ترشح للانتخابات التشريعية في ظل دستور 2022 فعليه أن يدرك أن هناك رؤية تعبر عن الدولة المتناغمة في وظائفها.

وإثر المصادقة على مشروع القانون أعلن رئيس المجلس في نهاية الجلسة العامة مساء يوم 31 جويلية عن اختتام الدورة العادية الثانية. ويذكر أن العطلة البرلمانية انطلقت أمس غرة أوت وتتواصل إلى أكتوبر ولكن يمكن للمجلس النيابي أن ينعقد في دورة استثنائية بطلب من رئيس الجمهورية أو من ثلث أعضائه للنظر في جدول أعمال محدد أما اللجان القارة فتواصل العمل دون انقطاع حتى أثناء عطلة المجلس. وقد برمجت لجنة الحقوق والحريات أمس جلسة للنظر في مقترح القانون المتعلق بتنظيم الجمعيات، مثلما يمكن لرئيس الجمهورية أن يتخذ خلال عطلة المجلس بعد إعلام اللجنة القارة المختصة مراسيم يقع عرضها على مصادقة مجلس نواب الشعب وذلك في الدورة العادية التي تلي العطلة.

سعيدة بوهلال