إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

المقال الأول.. والأخير..

 

 

بقلم: آسيا العتروس

يخطئ من يعتقد أن المقال الأول لأي صحفي وهو يخطو خطواته الأولى، في رحاب صاحبة الجلالة، هو المقال الأول الذي سيحمل توقيعه ويمنحه إحساسا بالفخر والفرح وكأنه تلميذ يرتقي من فصل إلى آخر ولديه قناعة بأن المقال الأول سيقدمه للقراء ويسجل بداية مسيرته المهنية.. ولذلك فإنه يستنزف جهوده لكسب ما يعتقد أنه الرهان الأعقد والأصعب والأهم في مسيرته، باعتباره بطاقة العبور إلى هذا العالم الساحر، الذي أطلق عليه مجازا "السلطة الرابعة"، هذا العالم الذي يظل بحرا، كلما اعتقدنا أننا اكتشفنا أسراره وأدركنا ما تحمله أمواجه إلا وضحكنا لاحقا من غبائنا ومحدودية إمكانياتنا وقدراتنا على اكتساب فنون السباحة بين كل أمواجه.. وسنعود في كل مرة لنكتشف أننا لم نتعلم إلا القليل القليل لكسب مهارات الكتابة وما تستوجبه من مراوغة وتلاعب بالكلمات لتجنب الرقابة وكل الضغوط الإدارية أو ضغوط المسؤولين أو أصحاب السلطة .

الحقيقة أن لكل سلطة في الأنظمة الديموقراطية وغيرها طريقتها وأسلوبها وأحكامها في الضغط على الحريات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإعلام المشاغب الخارج عن مظلة السلطة..

نقول هذا الكلام، ونحن نستعد لطي مرحلة طويلة من الانتماء لهذا القطاع، وقد خبرنا الكثير من تلك المعاملات، ولعل الجيل الذي سبقني ممن أحيلوا على شرف المهنة، مع احترازي على هذه الكلمة، فقد عملنا دوما، وفق ما يقتضيه شرف الانتماء للإعلام، ولا شك أن حاجتنا للتعلم ورغبتنا في معانقة أغوار هذا العالم ستظل تسكننا بقوة وترفض قطع الحبل الذي يربطنا بهذا القطاع ..

نعود ونقول طبعا إذا كان للمقال الأول، أم البدايات، نكهة خاصة رغم كل ما يمكن أن يتخلله من أخطاء أو ثغرات أو جهل بتفاصيل ومتطلبات المهنة.. فإن المقال الأخير، يبقى حتما سيد الخواتيم وأم النهايات والأفضل.. فالكتابة بمثابة الروح في الجسد ومتى توقف أو انقطع المرء عنها فقد انقطع عن الحياة.. وهذا ما يدفعنا للقول إن المقال الأخير يبقى دوما الأهم ومعه يكون الاختبار الذي يختزل مسار سنوات طويلة من العمل ولا يقبل بالتالي الوقوع في الخطأ مهما كان نوعه.. وسيتعين على المرء معه أن ينظر الى عقود طويلة من العمل الصحفي بكل نكساته وعثراته أو انجازاته، إن وجدت، وسيتعين معه أيضا على استباق أسئلة القراء والرد عليها بطريقة السهل الممتنع، وهم الذين ستفتقدهم وتفتقد مكالماتهم واتصالاتهم، سواء كانت للنقد أو التشجيع.. كما سيتعين أيضا لمن امتهن الكتابة الى حدود الإدمان أن يعود نفسه على واقع مختلف ومرحلة جديدة بعيدة عن التعامل اليومي مع أوراق "الماكيت" الصفراء أو "البيفتاك"، الكلمة التي يعرفها أهل القطاع والتي مر بها كل صحفي قبل أن يأخذ الحاسوب مكان الأوراق ونستبدل القلم بلوحة الكتابة.. ولـ"البيفتاك" طعم خاص، عندما يخطه قلم بقدراتك وطاقاتك في هذا المجال منذ اليوم الأول وإصلاح ما يستوجب الإصلاح من مصطلحات أو كلمات لن تسقط من الذاكرة.. وحتى لا أنسى أحدا من أساتذة كبار تعلمنا عليهم في "دار الصباح" ومؤسسها الراحل الحبيب شيخ روحه وكل الجيل الذي شاركه هذه المعركة قبل حتى استقلال البلاد لتكون "الصباح" منارة إعلامية في خدمة القضايا الوطنية والعربية وكل القضايا الإنسانة العادلة ..

ومهما تحدثنا عن هذه الدار لن نوفيها حق قدرها، عن الدار الكبيرة سأتوقف عند ذكر أول شخص صادفته في أروقتها واعتبر أني مدينة له كثيرا في عملي الصحفي ومسيرتي التي تنتهي اليوم بانتهاء العقد القانوني الذي يربطني بها وهو الأستاذ والقلم الكبير سي عبد اللطيف الفراتي، أطال الله عمره، وهو الذي كان والحق يقال ممن لا يغلقون مكتبهم أمام صحفي مبتدئ أو غيره.. سيتعين اليوم الاعتراف أن عالم الصحافة والصحافة الورقية تحديدا حتى وإن تراجعت مكانتها في زحمة الإعلام الالكتروني وزحف الذكاء الاصطناعي، أشبه بالإدمان، وهو إدمان محمود غير كل إدمان، وهو حالة عشق لا تنطفئ وكل كلمة تدون وكل فكرة تكتب هي بحجم حلم وهي الأجنحة التي تمنح صاحبها فرصة أن يحلق في أرجاء العالم ويحطم القيود والأسوار، كلما ضاقت به الحياة، وهي أيضا المتنفس له من كل وجع أو إحساس بالضيم والألم والقهر.. وهي سلاح العقل، أنبل الأسلحة التي سنحتاجها في المعارك اليومية، من أجل عالم أفضل ووطن أرحب يسوده سلطان القانون. سلاح لا غنى عنه تاج ومكسب صراعات ومعارك كثيرة متوترة وهو سلاح لا يخضع للحسابات أو الابتزازات، في التعاطي مع القضايا والأحداث.. نعم أحيانا قد يكون وقع الكلمة بلسما للنفوس وأحيانا قد يكون وقع الكلمة أشد من وقع السيف.. نحن والإعلام والكتابة الصحفية سر مكنون وحكاية عشق وافتتان طويلة، منها ما كتب ومنها ما لم يكتب بعد ..

هذه كانت بعض من خواطر على وقع صفحة تطوى

في عالم قد يدفع عشاقه إلى حد الهوس ..

 

 

 

 

بقلم: آسيا العتروس

يخطئ من يعتقد أن المقال الأول لأي صحفي وهو يخطو خطواته الأولى، في رحاب صاحبة الجلالة، هو المقال الأول الذي سيحمل توقيعه ويمنحه إحساسا بالفخر والفرح وكأنه تلميذ يرتقي من فصل إلى آخر ولديه قناعة بأن المقال الأول سيقدمه للقراء ويسجل بداية مسيرته المهنية.. ولذلك فإنه يستنزف جهوده لكسب ما يعتقد أنه الرهان الأعقد والأصعب والأهم في مسيرته، باعتباره بطاقة العبور إلى هذا العالم الساحر، الذي أطلق عليه مجازا "السلطة الرابعة"، هذا العالم الذي يظل بحرا، كلما اعتقدنا أننا اكتشفنا أسراره وأدركنا ما تحمله أمواجه إلا وضحكنا لاحقا من غبائنا ومحدودية إمكانياتنا وقدراتنا على اكتساب فنون السباحة بين كل أمواجه.. وسنعود في كل مرة لنكتشف أننا لم نتعلم إلا القليل القليل لكسب مهارات الكتابة وما تستوجبه من مراوغة وتلاعب بالكلمات لتجنب الرقابة وكل الضغوط الإدارية أو ضغوط المسؤولين أو أصحاب السلطة .

الحقيقة أن لكل سلطة في الأنظمة الديموقراطية وغيرها طريقتها وأسلوبها وأحكامها في الضغط على الحريات، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإعلام المشاغب الخارج عن مظلة السلطة..

نقول هذا الكلام، ونحن نستعد لطي مرحلة طويلة من الانتماء لهذا القطاع، وقد خبرنا الكثير من تلك المعاملات، ولعل الجيل الذي سبقني ممن أحيلوا على شرف المهنة، مع احترازي على هذه الكلمة، فقد عملنا دوما، وفق ما يقتضيه شرف الانتماء للإعلام، ولا شك أن حاجتنا للتعلم ورغبتنا في معانقة أغوار هذا العالم ستظل تسكننا بقوة وترفض قطع الحبل الذي يربطنا بهذا القطاع ..

نعود ونقول طبعا إذا كان للمقال الأول، أم البدايات، نكهة خاصة رغم كل ما يمكن أن يتخلله من أخطاء أو ثغرات أو جهل بتفاصيل ومتطلبات المهنة.. فإن المقال الأخير، يبقى حتما سيد الخواتيم وأم النهايات والأفضل.. فالكتابة بمثابة الروح في الجسد ومتى توقف أو انقطع المرء عنها فقد انقطع عن الحياة.. وهذا ما يدفعنا للقول إن المقال الأخير يبقى دوما الأهم ومعه يكون الاختبار الذي يختزل مسار سنوات طويلة من العمل ولا يقبل بالتالي الوقوع في الخطأ مهما كان نوعه.. وسيتعين على المرء معه أن ينظر الى عقود طويلة من العمل الصحفي بكل نكساته وعثراته أو انجازاته، إن وجدت، وسيتعين معه أيضا على استباق أسئلة القراء والرد عليها بطريقة السهل الممتنع، وهم الذين ستفتقدهم وتفتقد مكالماتهم واتصالاتهم، سواء كانت للنقد أو التشجيع.. كما سيتعين أيضا لمن امتهن الكتابة الى حدود الإدمان أن يعود نفسه على واقع مختلف ومرحلة جديدة بعيدة عن التعامل اليومي مع أوراق "الماكيت" الصفراء أو "البيفتاك"، الكلمة التي يعرفها أهل القطاع والتي مر بها كل صحفي قبل أن يأخذ الحاسوب مكان الأوراق ونستبدل القلم بلوحة الكتابة.. ولـ"البيفتاك" طعم خاص، عندما يخطه قلم بقدراتك وطاقاتك في هذا المجال منذ اليوم الأول وإصلاح ما يستوجب الإصلاح من مصطلحات أو كلمات لن تسقط من الذاكرة.. وحتى لا أنسى أحدا من أساتذة كبار تعلمنا عليهم في "دار الصباح" ومؤسسها الراحل الحبيب شيخ روحه وكل الجيل الذي شاركه هذه المعركة قبل حتى استقلال البلاد لتكون "الصباح" منارة إعلامية في خدمة القضايا الوطنية والعربية وكل القضايا الإنسانة العادلة ..

ومهما تحدثنا عن هذه الدار لن نوفيها حق قدرها، عن الدار الكبيرة سأتوقف عند ذكر أول شخص صادفته في أروقتها واعتبر أني مدينة له كثيرا في عملي الصحفي ومسيرتي التي تنتهي اليوم بانتهاء العقد القانوني الذي يربطني بها وهو الأستاذ والقلم الكبير سي عبد اللطيف الفراتي، أطال الله عمره، وهو الذي كان والحق يقال ممن لا يغلقون مكتبهم أمام صحفي مبتدئ أو غيره.. سيتعين اليوم الاعتراف أن عالم الصحافة والصحافة الورقية تحديدا حتى وإن تراجعت مكانتها في زحمة الإعلام الالكتروني وزحف الذكاء الاصطناعي، أشبه بالإدمان، وهو إدمان محمود غير كل إدمان، وهو حالة عشق لا تنطفئ وكل كلمة تدون وكل فكرة تكتب هي بحجم حلم وهي الأجنحة التي تمنح صاحبها فرصة أن يحلق في أرجاء العالم ويحطم القيود والأسوار، كلما ضاقت به الحياة، وهي أيضا المتنفس له من كل وجع أو إحساس بالضيم والألم والقهر.. وهي سلاح العقل، أنبل الأسلحة التي سنحتاجها في المعارك اليومية، من أجل عالم أفضل ووطن أرحب يسوده سلطان القانون. سلاح لا غنى عنه تاج ومكسب صراعات ومعارك كثيرة متوترة وهو سلاح لا يخضع للحسابات أو الابتزازات، في التعاطي مع القضايا والأحداث.. نعم أحيانا قد يكون وقع الكلمة بلسما للنفوس وأحيانا قد يكون وقع الكلمة أشد من وقع السيف.. نحن والإعلام والكتابة الصحفية سر مكنون وحكاية عشق وافتتان طويلة، منها ما كتب ومنها ما لم يكتب بعد ..

هذه كانت بعض من خواطر على وقع صفحة تطوى

في عالم قد يدفع عشاقه إلى حد الهوس ..