عاشت تونس في السنوات الأخيرة أزمة وتهديدات لأمنها الغذائي، حيث فقدت العديد من الاحتياجات من الأسواق حتى أن الدولة أصبحت تستورد أكثر من 70 بالمائة من حاجياتنا من القمح. وحتى الاستيراد لم يكن بالأمر الهين في ظل جائحة كورونا والتغيرات المناخية الطارئة، فضلا عن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية.. وهو ما جعل الحكومة تتخذ إجراءات استثنائية ساهمت في تقليص أزمة الحبوب لكن الواجب والمنطقي هو إيجاد برامج وخطط دائمة للقطع مع مثل هذه الأزمة وإعادة البلاد الى موقعها الطبيعي في الإنتاج والتصدير.
فاليوم، لا تتجاوز المساحات المزروعة من القمح مليون هكتار، ومعدل الكميات المجمعة لـ10 سنوات الأخيرة لم يتجاوز 10 مليون قنطار، أي ما يعادل 10 قنطار للهكتار الواحد وهو رقم ضعيف جدا مقارنة بالمعدلات العالمية. في المقابل نجد الكميات المستهلكة سنويا في حدود 30 مليون قنطار وهو ما يعني عجزا غذائيا في القمح في حدود الثلثين أي 20 مليون قنطار يتم توريدها سنويا من قبل ديوان الحبوب بقيمة مالية تناهز 3000 مليون دينار.
هذا الخلل يقتضي اتخاذ إجراءات عاجلة أهمها المرور نحو ثورة تقنية جديدة في زراعة القمح مثلما حدث خلال سبعينيات القرن الماضي بعد تهجين (وليس تعديلا وراثيا) الأصناف التونسية مع الأصناف المكسيكية وهو ما أعطانا نوعية جديدة مميزة وخصبة ساهمت بشكل كبير في تطوير الإنتاج الوطني بعد أن تم تعميم زراعتها في كل المناطق والتخلي عن الأصناف القديمة تدريجيا.. هذه الثورة التقنية، تقتضي اليوم المرور نحو أصناف أخرى من البذور أثبتت البحوث والتجارب على مدى سنوات نجاعتها الكبيرة على غرار صنفي القمح الصلب "ساراقولا" و"إريد" ذات المنشأ الايطالي والتي حققت حسب الدراسات معدلات إنتاج عالية خلال الموسمين الماضيين جعل الطلب عليها كبيرا جدا من قبل الفلاحين دون أن يتمكنوا من الحصول عليها بسبب إفرادها دون بقية البذور والشتلات والخضر والبقول والأدوية والمعدات الفلاحية الموردة بمعاليم ديوانية تصل الى 73٪!!
لقد كانت نتائج هاذين الصنفين جد ممتازة محققة معدل إنتاج بـ78 قنطارا للهكتار الواحد وفاقت حتى معدل الإنتاج بإيطاليا وهو ما من شأنه أن يساعد في الحدّ من نفقات الدولة بشكل كبير وذلك عبر تحقيق الاكتفاء الذاتي والتقليص من كميات القمح الموردة وتوفير جانب هام من العملة الصعبة المهدورة.. ولماذا لا نعتمد مع القمح ما اعتمدناه سابقا مع الزيتون الذي أصبحت تونس من بين أولى الدول المصدرة لزيته بعد تعزيز الصنف المحلي (أكثر من 22 صنفا محليا من مشاتل الزيتون) بأصناف أجنبية موردة، وخاصة منها صنف "الاربكينا" الاسباني، والتي تم تمتيعها بالامتيازات الجبائية بما فيها الإعفاء من المعاليم الديوانية وكانت النتيجة جد مذهلة عززت الإنتاج وزادت من التصدير مما دعم خزينة البلاد وساعد الاقتصاد التونسي بشكل كبير؟
مع العلم أن ثلث المساحات المزروعة سنويا من صنفي "سرقولا" و"ايريد" قادرة وحدها على توفير أكثر من الكمية المجمّعة من الحبوب في عام واحد نظرا لمردودة هذين الصنفين ومعدل إنتاجهما العالي مقارنة بالأصناف المزروعة حاليا.
أمام كل هذه المعطيات الإيجابية والتي من شأنها أن تحقق أمننا الغذائي وتضع حدا للإشكاليات التي عايشناها في السنوات الأخيرة جراء ضعف الصابة من الحبوب واللجوء إلى الاستيراد ومشاكل تصنيع المنتوجات بما في ذلك المواد الأساسية وأهمها الخبز، من الضروري تفعيل هذا المشروع في أقرب الأوقات ونحن على أبواب موسم البذر، لما فيه من مصلحة للفلاح والمواطن التونسي ولما فيه من خير لميزانية الدولة التونسية.
سفيان رجب
عاشت تونس في السنوات الأخيرة أزمة وتهديدات لأمنها الغذائي، حيث فقدت العديد من الاحتياجات من الأسواق حتى أن الدولة أصبحت تستورد أكثر من 70 بالمائة من حاجياتنا من القمح. وحتى الاستيراد لم يكن بالأمر الهين في ظل جائحة كورونا والتغيرات المناخية الطارئة، فضلا عن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية.. وهو ما جعل الحكومة تتخذ إجراءات استثنائية ساهمت في تقليص أزمة الحبوب لكن الواجب والمنطقي هو إيجاد برامج وخطط دائمة للقطع مع مثل هذه الأزمة وإعادة البلاد الى موقعها الطبيعي في الإنتاج والتصدير.
فاليوم، لا تتجاوز المساحات المزروعة من القمح مليون هكتار، ومعدل الكميات المجمعة لـ10 سنوات الأخيرة لم يتجاوز 10 مليون قنطار، أي ما يعادل 10 قنطار للهكتار الواحد وهو رقم ضعيف جدا مقارنة بالمعدلات العالمية. في المقابل نجد الكميات المستهلكة سنويا في حدود 30 مليون قنطار وهو ما يعني عجزا غذائيا في القمح في حدود الثلثين أي 20 مليون قنطار يتم توريدها سنويا من قبل ديوان الحبوب بقيمة مالية تناهز 3000 مليون دينار.
هذا الخلل يقتضي اتخاذ إجراءات عاجلة أهمها المرور نحو ثورة تقنية جديدة في زراعة القمح مثلما حدث خلال سبعينيات القرن الماضي بعد تهجين (وليس تعديلا وراثيا) الأصناف التونسية مع الأصناف المكسيكية وهو ما أعطانا نوعية جديدة مميزة وخصبة ساهمت بشكل كبير في تطوير الإنتاج الوطني بعد أن تم تعميم زراعتها في كل المناطق والتخلي عن الأصناف القديمة تدريجيا.. هذه الثورة التقنية، تقتضي اليوم المرور نحو أصناف أخرى من البذور أثبتت البحوث والتجارب على مدى سنوات نجاعتها الكبيرة على غرار صنفي القمح الصلب "ساراقولا" و"إريد" ذات المنشأ الايطالي والتي حققت حسب الدراسات معدلات إنتاج عالية خلال الموسمين الماضيين جعل الطلب عليها كبيرا جدا من قبل الفلاحين دون أن يتمكنوا من الحصول عليها بسبب إفرادها دون بقية البذور والشتلات والخضر والبقول والأدوية والمعدات الفلاحية الموردة بمعاليم ديوانية تصل الى 73٪!!
لقد كانت نتائج هاذين الصنفين جد ممتازة محققة معدل إنتاج بـ78 قنطارا للهكتار الواحد وفاقت حتى معدل الإنتاج بإيطاليا وهو ما من شأنه أن يساعد في الحدّ من نفقات الدولة بشكل كبير وذلك عبر تحقيق الاكتفاء الذاتي والتقليص من كميات القمح الموردة وتوفير جانب هام من العملة الصعبة المهدورة.. ولماذا لا نعتمد مع القمح ما اعتمدناه سابقا مع الزيتون الذي أصبحت تونس من بين أولى الدول المصدرة لزيته بعد تعزيز الصنف المحلي (أكثر من 22 صنفا محليا من مشاتل الزيتون) بأصناف أجنبية موردة، وخاصة منها صنف "الاربكينا" الاسباني، والتي تم تمتيعها بالامتيازات الجبائية بما فيها الإعفاء من المعاليم الديوانية وكانت النتيجة جد مذهلة عززت الإنتاج وزادت من التصدير مما دعم خزينة البلاد وساعد الاقتصاد التونسي بشكل كبير؟
مع العلم أن ثلث المساحات المزروعة سنويا من صنفي "سرقولا" و"ايريد" قادرة وحدها على توفير أكثر من الكمية المجمّعة من الحبوب في عام واحد نظرا لمردودة هذين الصنفين ومعدل إنتاجهما العالي مقارنة بالأصناف المزروعة حاليا.
أمام كل هذه المعطيات الإيجابية والتي من شأنها أن تحقق أمننا الغذائي وتضع حدا للإشكاليات التي عايشناها في السنوات الأخيرة جراء ضعف الصابة من الحبوب واللجوء إلى الاستيراد ومشاكل تصنيع المنتوجات بما في ذلك المواد الأساسية وأهمها الخبز، من الضروري تفعيل هذا المشروع في أقرب الأوقات ونحن على أبواب موسم البذر، لما فيه من مصلحة للفلاح والمواطن التونسي ولما فيه من خير لميزانية الدولة التونسية.