إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

تلاميذ "يهجرون" شعبة الرياضيات إلى الاقتصاد والتصرف .. الدوافع والتداعيات !

تونس-الصباح

تحوّلت منذ سنوات مادة الرياضيات الى "كابوس" مزعج لفئة هامة من التلاميذ.. معضلة زاد في حدتها ربط العديد ذكاء التلميذ وتميّزه بمدى قدرته على حل تمرين رياضيات، في الوقت الذي يكاد يكون فيه الإجماع حاصلا على أن هذه المادة تحتاج الى عديد المراجعات كما تحتاج أيضا الى إصلاحات جوهرية تطالها لاسيما في المرحلتين الابتدائية والإعدادية..

من هذا المنطلق عكست النتائج الأخيرة لامتحان الباكالوريا من حيث تطور عدد المترشحين والناجحين في كل شعبة ارتفاعا مهولا في شعبة الاقتصاد والتصرف التي تشهد منذ سنوات إقبالا منقطع النظير فاق كل التوقعات مقابل تراجع شٌعبة الرياضيات التي على أهميتها إلا أنها أضحت للأسف شعبة "منفّرة" للتلميذ ..

أطلق أول أمس وزير التعليم العالي والبحث العلمي منصف بوكثير صيحة فزع وذلك على هامش الندوة الصحفية التي عقدتها الوزارة لعرض آخر مستجدات عملية التوجيه الجامعي جراء ما وصفه بالنسق التصاعدي "المخيف والمخيف جدا" لعدد المترشحين في شعبة الاقتصاد والتصرف وهو ما تعكسه فعلا لغة الأرقام حيث في ظرف خمس سنوات تطور عدد المترشحين الناجحين في شعبة الاقتصاد والتصرف من 12 ألفا و859 ناجحا سنة 2020 الى 24 ألفا و212 ناجحا سنة 2024.

في المقابل فإن نسبة الناجحين في شعبة الرياضيات تقدر بأقل من 9 بالمائة ليشدد وزير التعليم العالي في هذا الخصوص على أن هذا الوضع يجب أن يتغير؟

وقبل الخوض في الآليات التي ستفضي الى تغيير هذا الوضع جدير بالذكر أن كثيرا من المتابعين للشأن التربوي يعتبرون أن الإقبال الكبير للتلاميذ على شعبة الاقتصاد والتصرف مرده أن فرص وحظوظ النجاح في هذه الشعبة كبيرة جدا مقارنة ببقية الشعب العلمية لاسيما شعبة الرياضيات على اعتبار أن ضوارب المواد الرئيسية متقاربة، الأمر الذي يمنح حظوظا للمترشحين في هذه الشعبة لإمكانية التدارك (في حال لم يوفق التلميذ في مادة ما) فضلا عن أن فئة هامة من التلاميذ لطالما رددت أن شعبة الاقتصاد والتصرف هي شعبة سهلة من حيث طبيعة المواد التي تدرّس فيها والتي ترتكز في جانب أساسي منها على الحفظ. في المقابل يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لشعبة الرياضيات فهذه الشعبة على أهميتها إلا أنها تشهد من سنة الى أخرى تراجعا كبيرا من حيث عدد المترشحين ومن حيث نسب النجاح والأمر يعود وفقا للبعض الى صعوبة مادة الرياضيات في حد ذاتها علما أن الأمر لا ينسحب على شعبة الرياضيات فقط وإنما يطال أيضا شعبة العلوم التجريبية التي أكدت مؤخرا وزيرة التربية سلوى العباسي في معرض تصريحاتها الإعلامية أنها تحتاج الى مراجعات.

مسار "منفّر"

في هذا الخصوص يتفق كثير من المتابعين للشأن التربوي الى أن النتائج سالفة الذكر هي نتيجة حتمية لمسار تكويني ودراسي يصفه البعض بأنه "خاطئ ومنفر" للتلميذ على اعتبار أن مادة الرياضيات تحتاج وأكثر من أي وقت مضى الى مراجعات وإصلاحات جذرية لا سيما في مستوى المرحلة الإعدادية وخاصة الابتدائية علما أن وزيرة التربية سلوى العباسي قد أشارت مؤخرا الى أن هنالك عزوفا على شعبة الرياضيات وذلك بسبب برامج الابتدائي مثل المشكل الحسابي والنقص في سرعة ونجاعة انجاز العملية مع ضعف الذكاء المنطقي.. مؤكدة انه سيتم إدخال إصلاحات قي برامج المرحلة الابتدائية حتى يعود الشغف للتلاميذ لدراسة الرياضيات.

طريقة طرح الأسئلة في الرياضيات لا تتناسب مع سن التلميذ

حول أبرز الأسباب التي أفضت الى "هجر" التلاميذ لشعبة الرياضيات أورد الأستاذ الأول المميز درجة استثنائية في مادة الرياضيات وصاحب عديد المؤلفات والكتب في الرياضيات هلال برانصية في تصريح لـ"الصباح" أن الأمر لا يتعلّق بالضّوارب المعتمدة في كل شعبة لكنه يتعلق أساسا بأن التلاميذ وفي مستوى دراسي معين يدرسون مادة الرياضيات بطريقة صعبة للغاية تتجاوز سنهم وقدراتهم المعرفية والذهنية مشيرا الى أن المناهج التعليمية المعتمدة في مادة الرياضيات تعتبر صعبة للغاية على حد تشخيصه مستنكرا في السياق ذاته وجود بعض المحاور لاسيما في المرحلة الثانوية.

وفسر أستاذ الرياضيات أن طريقة طرح الأسئلة في مادة الرياضيات لا تتناسب مطلقا وسن التلميذ حيث غالبا ما تطرح بطريقة معقدة ومستعصية عن الحل، لتكون نتيجة ذلك وفقا لمحدثنا أن 100 ألف تلميذ ينقطعون عن التعليم سنويا، مشيرا في الإطار نفسه الى أن الدول المتقدمة وفي تدريسها لمادة الرياضيات تعتمد طريقة تفكير سليمة ومنطقية لا تتعب من خلالها التلميذ .

ولتجاوز ذلك يرى أستاذ الرياضيات أن الأمر رهين إلغاء عدة محاور من مادة الرياضيات في مستويات دراسية معينة ليخلص محدثنا الى القول: "لا ينحصر الإشكال في أبنائنا من التلاميذ فهم قادرون على حل تمارين الرياضيات غير أن الإشكال على مستوى المناهج المعتمدة والتي تبقى صعبة جدا فضلا عن أن طريقة طرح الأسئلة تعتبر أيضا صعبة وتتجاوز بكثير قدرات التلميذ المعرفية في سن معينة"..

في هذا الخضم لا يسعنا إلا التأكيد على أن شعبة الرياضيات تعتبر حجر الأساس وبالتالي فإنه يتعين على صناع القرار إدخال إصلاحات جوهرية حتى يتسنى التصدي لـ"موسم الهجرة من هذه شعبة الرياضيات" الذي انطلق منذ سنوات بشكل لافت..

منال حرزي

 

 

 

تلاميذ "يهجرون" شعبة الرياضيات إلى الاقتصاد والتصرف .. الدوافع والتداعيات !

تونس-الصباح

تحوّلت منذ سنوات مادة الرياضيات الى "كابوس" مزعج لفئة هامة من التلاميذ.. معضلة زاد في حدتها ربط العديد ذكاء التلميذ وتميّزه بمدى قدرته على حل تمرين رياضيات، في الوقت الذي يكاد يكون فيه الإجماع حاصلا على أن هذه المادة تحتاج الى عديد المراجعات كما تحتاج أيضا الى إصلاحات جوهرية تطالها لاسيما في المرحلتين الابتدائية والإعدادية..

من هذا المنطلق عكست النتائج الأخيرة لامتحان الباكالوريا من حيث تطور عدد المترشحين والناجحين في كل شعبة ارتفاعا مهولا في شعبة الاقتصاد والتصرف التي تشهد منذ سنوات إقبالا منقطع النظير فاق كل التوقعات مقابل تراجع شٌعبة الرياضيات التي على أهميتها إلا أنها أضحت للأسف شعبة "منفّرة" للتلميذ ..

أطلق أول أمس وزير التعليم العالي والبحث العلمي منصف بوكثير صيحة فزع وذلك على هامش الندوة الصحفية التي عقدتها الوزارة لعرض آخر مستجدات عملية التوجيه الجامعي جراء ما وصفه بالنسق التصاعدي "المخيف والمخيف جدا" لعدد المترشحين في شعبة الاقتصاد والتصرف وهو ما تعكسه فعلا لغة الأرقام حيث في ظرف خمس سنوات تطور عدد المترشحين الناجحين في شعبة الاقتصاد والتصرف من 12 ألفا و859 ناجحا سنة 2020 الى 24 ألفا و212 ناجحا سنة 2024.

في المقابل فإن نسبة الناجحين في شعبة الرياضيات تقدر بأقل من 9 بالمائة ليشدد وزير التعليم العالي في هذا الخصوص على أن هذا الوضع يجب أن يتغير؟

وقبل الخوض في الآليات التي ستفضي الى تغيير هذا الوضع جدير بالذكر أن كثيرا من المتابعين للشأن التربوي يعتبرون أن الإقبال الكبير للتلاميذ على شعبة الاقتصاد والتصرف مرده أن فرص وحظوظ النجاح في هذه الشعبة كبيرة جدا مقارنة ببقية الشعب العلمية لاسيما شعبة الرياضيات على اعتبار أن ضوارب المواد الرئيسية متقاربة، الأمر الذي يمنح حظوظا للمترشحين في هذه الشعبة لإمكانية التدارك (في حال لم يوفق التلميذ في مادة ما) فضلا عن أن فئة هامة من التلاميذ لطالما رددت أن شعبة الاقتصاد والتصرف هي شعبة سهلة من حيث طبيعة المواد التي تدرّس فيها والتي ترتكز في جانب أساسي منها على الحفظ. في المقابل يختلف الأمر كثيرا بالنسبة لشعبة الرياضيات فهذه الشعبة على أهميتها إلا أنها تشهد من سنة الى أخرى تراجعا كبيرا من حيث عدد المترشحين ومن حيث نسب النجاح والأمر يعود وفقا للبعض الى صعوبة مادة الرياضيات في حد ذاتها علما أن الأمر لا ينسحب على شعبة الرياضيات فقط وإنما يطال أيضا شعبة العلوم التجريبية التي أكدت مؤخرا وزيرة التربية سلوى العباسي في معرض تصريحاتها الإعلامية أنها تحتاج الى مراجعات.

مسار "منفّر"

في هذا الخصوص يتفق كثير من المتابعين للشأن التربوي الى أن النتائج سالفة الذكر هي نتيجة حتمية لمسار تكويني ودراسي يصفه البعض بأنه "خاطئ ومنفر" للتلميذ على اعتبار أن مادة الرياضيات تحتاج وأكثر من أي وقت مضى الى مراجعات وإصلاحات جذرية لا سيما في مستوى المرحلة الإعدادية وخاصة الابتدائية علما أن وزيرة التربية سلوى العباسي قد أشارت مؤخرا الى أن هنالك عزوفا على شعبة الرياضيات وذلك بسبب برامج الابتدائي مثل المشكل الحسابي والنقص في سرعة ونجاعة انجاز العملية مع ضعف الذكاء المنطقي.. مؤكدة انه سيتم إدخال إصلاحات قي برامج المرحلة الابتدائية حتى يعود الشغف للتلاميذ لدراسة الرياضيات.

طريقة طرح الأسئلة في الرياضيات لا تتناسب مع سن التلميذ

حول أبرز الأسباب التي أفضت الى "هجر" التلاميذ لشعبة الرياضيات أورد الأستاذ الأول المميز درجة استثنائية في مادة الرياضيات وصاحب عديد المؤلفات والكتب في الرياضيات هلال برانصية في تصريح لـ"الصباح" أن الأمر لا يتعلّق بالضّوارب المعتمدة في كل شعبة لكنه يتعلق أساسا بأن التلاميذ وفي مستوى دراسي معين يدرسون مادة الرياضيات بطريقة صعبة للغاية تتجاوز سنهم وقدراتهم المعرفية والذهنية مشيرا الى أن المناهج التعليمية المعتمدة في مادة الرياضيات تعتبر صعبة للغاية على حد تشخيصه مستنكرا في السياق ذاته وجود بعض المحاور لاسيما في المرحلة الثانوية.

وفسر أستاذ الرياضيات أن طريقة طرح الأسئلة في مادة الرياضيات لا تتناسب مطلقا وسن التلميذ حيث غالبا ما تطرح بطريقة معقدة ومستعصية عن الحل، لتكون نتيجة ذلك وفقا لمحدثنا أن 100 ألف تلميذ ينقطعون عن التعليم سنويا، مشيرا في الإطار نفسه الى أن الدول المتقدمة وفي تدريسها لمادة الرياضيات تعتمد طريقة تفكير سليمة ومنطقية لا تتعب من خلالها التلميذ .

ولتجاوز ذلك يرى أستاذ الرياضيات أن الأمر رهين إلغاء عدة محاور من مادة الرياضيات في مستويات دراسية معينة ليخلص محدثنا الى القول: "لا ينحصر الإشكال في أبنائنا من التلاميذ فهم قادرون على حل تمارين الرياضيات غير أن الإشكال على مستوى المناهج المعتمدة والتي تبقى صعبة جدا فضلا عن أن طريقة طرح الأسئلة تعتبر أيضا صعبة وتتجاوز بكثير قدرات التلميذ المعرفية في سن معينة"..

في هذا الخضم لا يسعنا إلا التأكيد على أن شعبة الرياضيات تعتبر حجر الأساس وبالتالي فإنه يتعين على صناع القرار إدخال إصلاحات جوهرية حتى يتسنى التصدي لـ"موسم الهجرة من هذه شعبة الرياضيات" الذي انطلق منذ سنوات بشكل لافت..

منال حرزي