إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مزجت بين الأصالة والمعاصرة.. ما سر غياب الفرقة الوطنية للفنون الشعبية عن مهرجاناتنا؟

 

تونس-الصباح

كيف لبريق الفرقة الوطنية للفنون الشعبية أن يخفت؟ وكيف لأركاح المهرجانات المحلية والدولية أن تفتقد إحدى أهم الفرق التي تمكنت طيلة عقود من تكوين أجيال من الراقصين المختصين كما المحافظة على جانب من الموروث الثقافي التونسي بتنوعه وثرائه؟! .. والحال أنها أنجزت العديد من الصولات والجولات في عديد دول العالم، وكانت منارة أشعت فنا وفلكلورا ورقصا ونالت العديد من الجوائز والتكريمات خارج الوطن..

ألم يكن من الأجدر برمجة عرض خاص للفرقة الوطنية للفنون الشعبية ضمن فعاليات الدورة 58 لمهرجان قرطاج الدولي -وهو يحتفل بستينيته - علما وأن الفرقة السالف ذكرها قد احتفلت كذلك بمرور ستة عقود على تأسيسها العام الماضي (1فيفري 2023) بمسرح الاوبرا بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي؟..

فمن غير المعقول واللامنطق أن يتواصل "تجاهل" الفرقة الوطنية للفنون الشعبية على مستوى البرمجة المحلية والدولية في أعتى المهرجانات، وهي التي تحمل في طياتها تراثا لا ماديا ثمينا يمثل هوية بلد منذ الستينات..

لماذا تسعى جل البلدان العربية دائما على تأصيل هويتها من خلال التظاهرات الثقافية -فضلا عن البلدان الاوروبية فحدث ولا حرج - في حين أننا "نستهين" ولا نولي الاهتمام الكافي لطاقاتنا الابداعية وقدراتنا الفنية من حيث ترسيخ جذورنا الثقافية؟!

لعل ذلك يرجع بالأساس إلى عدم تفعيل القانون المنظم لاستمرارها وعدم توفير الاعتمادات المالية اللازمة، ولكن الى متى ستظل هذه الفرقة العريقة تشكو من غياب الدعم -رغم أنها بصدد تطوير رؤيتها الفنية على مستوى التفاعل الركحي مع الأغاني واللوحات الراقصة المستوحاة من الحياة البدوية في الصحاري والجبال التونسية، أو على مستوى إبراز التراث الغنائي في السواحل والمناطق الداخلية وغيرها..

صحيح أن الفرقة الوطنية للفنون الشعبية شهدت ركودا وأفل نجمها أواخر التسعينات، لكن التحاقها بمسرح الأوبرا عام 2018 لتمثل التراث التونسي، قد أثبت جدارتها واستحقاقها بأن "ترمم" وتستعيد أنفاسها بروح مغايرة وفلسفة عمل جديدة -علما وأن نشاطها لم ينقطع حتى بعد التسعينات-..

عام 2018، والذي اعتبره مدير الفرقة والموسيقي عماد عمارة "في أحد تصريحاته، تاريخ تأسيس ثانيا بعد 62، كان فعلا بمثابة الانطلاقة المعاصرة، بدليل أنه بعد ثلاث سنوات، وتحديدا العام الماضي، أُنتج عرض "دبك الجبل" تزامنا مع اليوم العالمي للرقص، وهو عبارة عن عمل غني مجدد لكل ما هو سائد من الفلكلور والتراث، وبحث معمق أشرف عليه الباحث والموثق إبراهيم بهلول خاصة على مستوى الكتابة الإيقاعية ليكون الرقص في العرض بمثابة العزف.. عرض متفرد أضيف الى أكثر من مائة لوحة في تاريخ الفرقة الوطنية للفنون الشعبية.. وعزز العلاقة مع وجدان الجمهور من خلال لوحات فنية حاملة لهويتنا..

ولعلنا بإمكاننا أن نجزم بأنّ هيئة مهرجان قرطاج الدولي هذه الصائفة، كما المهرجانات الدولية الاخرى في تونس، وبإيعاز من وزارة الثقافة، كانت قادرة على المساهمة في برمجة عرض ضخم يحاكي الاصالة والتقاليد بتصور ورؤية فنية متجددين يغوصان في عبق الحكايا الشعبية وموروث البادية وجزئيات الحياة اليومية البسيطة...خاصة وأن الفرقة الوطنية للفنون الشعبية تعد من ابرز الواجهات الثقافية التي تتمتع بعلاقة معمقة بالفن الشعبي في تونس وتزخر بالعديد من الطاقات الإبداعية التي من شأنها أن تجعل أسماء رسمت بدايات الطريق، على غرار حمادي اللغبابي وخيرة المناعي ورضا العمروسي وحمادي الغربي وزينة وعزيزة واسماعيل الحطاب والهادي حبوبة وغيرهم، دائما في ذاكرة التونسيين باعتبارهم جزءا من التاريخ والهوية..

ثم إنّ الفرقة الوطنية للفنون الشعبية، تزامنا مع تقلص البرمجة في مهرجان قرطاج في دورته 58 والحرص على الارتقاء بالذوق العام.. وفق ما أكده مدير المهرجان كمال الفرجاني مؤخرا في الندوة الصحفية المخصصة للبرمجة الكاملة للمهرجان بالمنازل الرومانية المحاذية للمسرح، بعيدا عن "الشعبي المبتذل"، كان من المنصف أن تكون الفرقة الوطنية للفنون الشعبية من بين المشاركين ناهيك أن القائمين عليها قادرون على إمتاع الجماهير الواسعة ولو أن البعض منهم ما زال يعتقد أن الفن الشعبي لا يمكنه الخروج من دائرة ٱلات الايقاع وٱلة المزود...

وليد عبداللاوي

 

 

 

 

مزجت بين الأصالة والمعاصرة..   ما سر غياب الفرقة الوطنية للفنون الشعبية عن مهرجاناتنا؟

 

تونس-الصباح

كيف لبريق الفرقة الوطنية للفنون الشعبية أن يخفت؟ وكيف لأركاح المهرجانات المحلية والدولية أن تفتقد إحدى أهم الفرق التي تمكنت طيلة عقود من تكوين أجيال من الراقصين المختصين كما المحافظة على جانب من الموروث الثقافي التونسي بتنوعه وثرائه؟! .. والحال أنها أنجزت العديد من الصولات والجولات في عديد دول العالم، وكانت منارة أشعت فنا وفلكلورا ورقصا ونالت العديد من الجوائز والتكريمات خارج الوطن..

ألم يكن من الأجدر برمجة عرض خاص للفرقة الوطنية للفنون الشعبية ضمن فعاليات الدورة 58 لمهرجان قرطاج الدولي -وهو يحتفل بستينيته - علما وأن الفرقة السالف ذكرها قد احتفلت كذلك بمرور ستة عقود على تأسيسها العام الماضي (1فيفري 2023) بمسرح الاوبرا بمدينة الثقافة الشاذلي القليبي؟..

فمن غير المعقول واللامنطق أن يتواصل "تجاهل" الفرقة الوطنية للفنون الشعبية على مستوى البرمجة المحلية والدولية في أعتى المهرجانات، وهي التي تحمل في طياتها تراثا لا ماديا ثمينا يمثل هوية بلد منذ الستينات..

لماذا تسعى جل البلدان العربية دائما على تأصيل هويتها من خلال التظاهرات الثقافية -فضلا عن البلدان الاوروبية فحدث ولا حرج - في حين أننا "نستهين" ولا نولي الاهتمام الكافي لطاقاتنا الابداعية وقدراتنا الفنية من حيث ترسيخ جذورنا الثقافية؟!

لعل ذلك يرجع بالأساس إلى عدم تفعيل القانون المنظم لاستمرارها وعدم توفير الاعتمادات المالية اللازمة، ولكن الى متى ستظل هذه الفرقة العريقة تشكو من غياب الدعم -رغم أنها بصدد تطوير رؤيتها الفنية على مستوى التفاعل الركحي مع الأغاني واللوحات الراقصة المستوحاة من الحياة البدوية في الصحاري والجبال التونسية، أو على مستوى إبراز التراث الغنائي في السواحل والمناطق الداخلية وغيرها..

صحيح أن الفرقة الوطنية للفنون الشعبية شهدت ركودا وأفل نجمها أواخر التسعينات، لكن التحاقها بمسرح الأوبرا عام 2018 لتمثل التراث التونسي، قد أثبت جدارتها واستحقاقها بأن "ترمم" وتستعيد أنفاسها بروح مغايرة وفلسفة عمل جديدة -علما وأن نشاطها لم ينقطع حتى بعد التسعينات-..

عام 2018، والذي اعتبره مدير الفرقة والموسيقي عماد عمارة "في أحد تصريحاته، تاريخ تأسيس ثانيا بعد 62، كان فعلا بمثابة الانطلاقة المعاصرة، بدليل أنه بعد ثلاث سنوات، وتحديدا العام الماضي، أُنتج عرض "دبك الجبل" تزامنا مع اليوم العالمي للرقص، وهو عبارة عن عمل غني مجدد لكل ما هو سائد من الفلكلور والتراث، وبحث معمق أشرف عليه الباحث والموثق إبراهيم بهلول خاصة على مستوى الكتابة الإيقاعية ليكون الرقص في العرض بمثابة العزف.. عرض متفرد أضيف الى أكثر من مائة لوحة في تاريخ الفرقة الوطنية للفنون الشعبية.. وعزز العلاقة مع وجدان الجمهور من خلال لوحات فنية حاملة لهويتنا..

ولعلنا بإمكاننا أن نجزم بأنّ هيئة مهرجان قرطاج الدولي هذه الصائفة، كما المهرجانات الدولية الاخرى في تونس، وبإيعاز من وزارة الثقافة، كانت قادرة على المساهمة في برمجة عرض ضخم يحاكي الاصالة والتقاليد بتصور ورؤية فنية متجددين يغوصان في عبق الحكايا الشعبية وموروث البادية وجزئيات الحياة اليومية البسيطة...خاصة وأن الفرقة الوطنية للفنون الشعبية تعد من ابرز الواجهات الثقافية التي تتمتع بعلاقة معمقة بالفن الشعبي في تونس وتزخر بالعديد من الطاقات الإبداعية التي من شأنها أن تجعل أسماء رسمت بدايات الطريق، على غرار حمادي اللغبابي وخيرة المناعي ورضا العمروسي وحمادي الغربي وزينة وعزيزة واسماعيل الحطاب والهادي حبوبة وغيرهم، دائما في ذاكرة التونسيين باعتبارهم جزءا من التاريخ والهوية..

ثم إنّ الفرقة الوطنية للفنون الشعبية، تزامنا مع تقلص البرمجة في مهرجان قرطاج في دورته 58 والحرص على الارتقاء بالذوق العام.. وفق ما أكده مدير المهرجان كمال الفرجاني مؤخرا في الندوة الصحفية المخصصة للبرمجة الكاملة للمهرجان بالمنازل الرومانية المحاذية للمسرح، بعيدا عن "الشعبي المبتذل"، كان من المنصف أن تكون الفرقة الوطنية للفنون الشعبية من بين المشاركين ناهيك أن القائمين عليها قادرون على إمتاع الجماهير الواسعة ولو أن البعض منهم ما زال يعتقد أن الفن الشعبي لا يمكنه الخروج من دائرة ٱلات الايقاع وٱلة المزود...

وليد عبداللاوي