أسدل الستار في وقت متأخر مساء أمس الخميس على قمة الحلف الأطلسي المنعقدة على مدى ثلاثة أيام بالعاصمة السياسية واشنطن على وقع احتفالات الذكرى الـ75 لتأسيس الناتو، ولكن أيضا على وقع تداخل الأحداث والجدل المثير حول الانتخابات الرئاسية الأمريكية وما أثارته صحة الرئيس الأمريكي جو بايدن من دعوات من معسكر الديموقراطيين للانسحاب من السباق، إلى جانب تعدد الصراعات الإقليمية والتنافس الجيوستراتيجي الدولي والمخاوف من الطموحات الصينية وتواتر اتهامات الحلف لكل من الصين وكوريا الشمالية وإيران بدعم ومساعدة روسيا عسكريا في هذه الحرب. في هذه الأجواء التي هيمنت على القمة وما رافقها من لقاءات القمة ولقاءات ثنائية في الكواليس أو في أروقة البيت الأبيض صدر البيان الختامي لقمة واشنطن، بيان مطول راوح بين الوعود والإغراءات لدول الحلف والشركاء الجدد وبين التحذير والتهديد المباشر للصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا التي وصفها الأمين العام للحلف الأطلسي بأنها أكبر خطر يهدد دول الحلف .
وفيما يصر قادة الحلف على وصف القمة بالتاريخية في استمرار وبقاء وصمود التحالف وإنجازاته الأمنية والعسكرية والسياسية لدول الحلف التي انطلقت قبل خمسة وسبعين عاما، باثنتي عشرة دولة لتضم اليوم 32 دولة بعد انضمام كل من فنلندا والسويد، ترد الصين في المقابل بأنها فاشلة بعد الاتهامات المتواترة التي لاحقتها من الأمين العام للناتو ستولتنبرغ والرئيس جو بايدن بدعم روسيا وتسليحها في حربها على أوكرانيا ..
وفي بيان شديد اللهجة إزاء الصين أعرب أعضاء الناتو عن مخاوفهم بشأن الطموحات الصينية الواسعة ولكن أيضا بشأن ترسانة بكين النووية وقدراتها في الفضاء، كما حذر البيان من دورها في دعم روسيا في الحرب الأوكرانية.
رسالة قوية للصين
وفي لقائه أمس بالصحفيين قال الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ الذي يترأس آخر قمة له على رأس الحلف "أعتقد أن الرسالة التي بعث بها الناتو من هذه القمة قوية جدًا وواضحة جدًا، ونحن نحدد بوضوح مسؤولية الصين عندما يتعلق الأمر بدعم روسيا في الحرب". كما دعا قادة الناتو الصين الى "وقف جميع أشكال الدعم المادي والسياسي للمجهود الحربي الروسي"، ملوّحين بالدور الداعم وواسع النطاق "للقاعدة الصناعية الدفاعية الروسية". وجاء في البيان أنّ "هذا يشمل نقل المواد ذات الاستخدام المزدوج، مثل مكونات الأسلحة والمعدات والمواد الخام التي تُستخدم كمدخلات لقطاع الدفاع الروسي".
غابت أفغانستان وحضرت أوكرانيا ..
وقد بات واضحا أنه انتهى زمن ظل فيه اهتمام قادة الحلف الأطلسي، في مختلف لقاءاتهم قبل الحرب الروسية الأوكرانية، يتمحور حول كسب الرهان في أفغانستان والقضاء على طالبان وكان الحلف يفتح الأبواب ويفرش السجاد الأحمر لاستقبال الرئيس الأفغاني قرضاي. وقد غاب المشهد الأفغاني نهائيا عن البيان الختامي الذي تضمن 38 نقطة من الدفاع المشترك والردع الى الأمن السيبرني الى مواصلة الدعم المالي والسياسي والعسكري لأوكرانيا وتعيين ممثل رفيع المستوى لكييف في الناتو لتعزيز العلاقات ومنه الى زيارة الأنفاق الدفاعية وتعزيز القاعدة الصناعية الدفاعية وتوسيع شراكة الحلف مع دول المحيطين الهادي والأطلسي لقمة واشنطن ..
"عيون الحلف" تدمع لأجل أطفال أوكرانيا.. لكن لا عين رأت ولا أذن سمعت عن أطفال غزة..
قمة واشنطن سجلت كما خلال القمتين السابقتين تعاطفا بلا حدود مع أوكرانيا ودعما واسعا للشعب الأوكراني في مواجهة القصف الروسي وقد أدان المتدخلون في القمة استهداف القوات الروسية مستشفى للأطفال في كييف ونددوا بالانتهاكات الروسية المفضوحة للقانون الإنساني الدولي، وفي المقابل غابت غزة عن اهتمام قادة الناتو ولا يبدو أن ما يتعرض له أطفال ونساء وأهل غزة من مجازر ومن استنزاف يومي منذ عشرة أشهر على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي وما تحظى به من دعم عسكري من الغرب لم يبلغ أسماع قادة الحلف. وحتى عندما يطرح السؤال عن المشهد الدموي في غزة وضرورة التحرك لإيقاف المجازر يكون الرد جاهزا وانه لا دور للحلف في الشرق الأوسط وأنه يدعم بقوة إيصال المساعدات الإنسانية لأصحابها ويدعم حماية المدنيين.. وعموما يمكن القول إن وجود أكثر من 2500 صحفي من مختلف أنحاء العالم في هذه القمة يمكن أن يصنع الفارق ويحدد أهمية المعركة الإعلامية عندما يكون صوت الإعلام قويا وحاضرا في تسليط الأضواء على ما يجري في أوكرانيا على عكس ما يتعرض له أهالي غزة.. وكم كنا نتمنى خلال هذه القمة لو أن ربع هذا العدد من الصحفيين ينقل ويتابع الأحداث في غزة بنفس الحماس والحضور لأمكن ربما كبح جماح العدوان الإسرائيلي.. قوس كان لا بد أن نفتحه وملاحظة نسوقها في متابعة أشغال هذه القمة التي تتجه لتحديد مصير أمم وشعوب وتحديد حاضر ومستقبل التحالفات والشراكات الإقليمية والدولية في ظل التنافس الحاصل بين القوى الكبرى والتنافس الأمريكي الروسي والصيني وغيره على الشرق الأوسط وإفريقيا على ضمان مصالحها وأمنها واحتياجاتها أيضا من المعابر البحرية التجارية الدولية والثروات الطبيعية في ظل التحولات المناخية والتحديات الكبيرة ..
إفريقيا وجنوب المتوسط تحت مجهر الناتو
وبالعودة الى قمة الناتو فقد أفرد بيان واشنطن لمنطقة الشرق الأوسط البند (32) حول أهمية تعزيز الشراكة مع دول منطقة الشرق الأوسط الكبير. وشدد البيان على أهمية الأمن والاستقرار في عدة مناطق، بما في ذلك إفريقيا والشرق الأوسط. وذكر أن النزاعات في هذه المناطق، بالإضافة إلى هشاشتها وعدم استقرارها، تؤثر بشكل مباشر على أمن أعضاء الناتو وشركائهم، مما يسهم في ظواهر مثل النزوح القسري والاتجار بالبشر والهجرة غير النظامية. وأشار الى أهمية افتتاح مكتب ارتباط للناتو في العاصمة الأردنية عمان للمرة الأولى وكذلك توسيع الدعم للمؤسسات الأمنية العراقية من خلال بعثة الناتو في العراق، كخطوات رئيسية. كما سيتم تعيين ممثل خاص للجوار الجنوبي لتنسيق هذه الجهود. كما أكد البيان التزام الحلف بالتعاون مع شركاء في الشرق الأوسط وإفريقيا لمواجهة التحديات المشتركة ومواجهة التهديدات الإرهابية. ولا يخفي مسؤولو الحلف انشغالهم وهواجسهم من التمدد الصيني والروسي في المنطقة. وكانت رئيسة الوزراء الايطالية ميلوني دعت أمس الحلف الى الاهتمام بحوض المتوسط وقالت خلال حضورها القمة "حوض المتوسط استراتيجي انتبهوا الى أهمية الجانب الجنوبي من الحلف".
وكما كان متوقعا لم يخرج البيان الختامي لقمة واشنطن والذي شمل 38 نقطة عن المسودة التي تم تسريبها عشية انعقاد القمة. وقد أعرب الحلف مجددا عن سخاء لا محدود إزاء أوكرانيا التي تصدرت جدول أشغال القمة والتي يحل فيها الرئيس زيلنسكي ضيفا للمرة الثالثة على التوالي منذ قمة مدريد ثم ليتوانيا العام الماضي. وقد تعهد الحلف الأطلسي بعدم التراجع عن ضم أوكرانيا الى صفوفه، وفي انتظار تحقيق ذلك سيتعين على الرئيس الأوكراني أن يقنع بما يحظى به من دعم عسكري غير مسبوق في هذه الحرب المستمرة منذ أكثر من سنتين .
لماذا أثار بيان القمة غضب الصين؟
وقد أثار أمس البيان الختامي للقمة غضب الصين التي ردت بقوة على ما تضمنه بيان واشنطن من اتهامات لبكين بالتحريض وبمواصلة دعم روسيا ومدها بالسلاح لضمان استمرار الحرب. وطالبت بكين أمس حلف شمال الأطلسي بالتوقّف عن "التحريض على المواجهة"، على خلفية ما ورد في تصريحات قيادات الحلف وأمينه العام ستولتنبورغ حيال العلاقات الصينية - الروسية الوثيقة واتّهامهم الصينيين بتقديم مساعدة حيوية لروسيا في غزوها لأوكرانيا. وقالت البعثة الصينية لدى الاتّحاد الأوروبي، في بيان"يجب على حلف شمال الأطلسي أن يتوقف عن تضخيم ما يسمّى تهديداً صينياً، وأن يتوقّف عن التحريض على المواجهة والتنافس، وأن يسهم بشكل أكبر في السلام والاستقرار في العالم". واعتبرت الصين أن البيان الصادر عن قادة الحلف "مشبع بعقلية جديرة بالحرب الباردة وبخطاب عدائي ومليء بافتراءات". ونفت الصين في البيان أن تكون قدمت أسلحة فتاكة لأي من طرفي النزاع وأكدت أنها تمارس رقابة صارمة على صادرات المنتجات ذات الاستخدام المزدوج، بما في ذلك الطائرات المدنية المسيّرة". وقالت الصين الأزمة الأوكرانية مستمرة منذ فترة طويلة. وتساءلت عمن يصبّ الزيت على النار؟ ومن يؤجّج النيران؟ من يحاول الاستفادة منها؟
الإنفاق العسكري لتطويق روسيا
دول حلف شمال الأطلسي أكدت في البيان الختامي، التزامها بإنفاق دفاعي عند مستوى لا يقل عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي. وقال البيان: "نؤكد من جديد التزامنا المستمر بالتنفيذ الكامل لالتزام الاستثمار الدفاعي المتفق عليه في فيلنيوس بحد أدنى 2% من الناتج المحلي الإجمالي وندرك أنه يجب بذل المزيد من الجهود بسرعة للوفاء بالتزاماتنا كحلفاء في الناتو".
كما أكد حلف الناتو دعمه الكامل لـ"مسار لا رجعة فيه" لاندماج أوكرانيا في المجتمع الأوروأطلسي وعضوية الحلف. وقال البيان: "نرحب بالتقدم الملموس الذي أحرزته أوكرانيا منذ قمة العام الماضي للناتو في فيلنيوس بشأن إصلاحاتها الديمقراطية والاقتصادية والأمنية المطلوبة. وأضاف البيان أنه لن يكون بمقدوره توجيه دعوة إلى أوكرانيا للانضمام إلى الحلف إلا عندما يوافق جميع الأعضاء، وتستوفي كييف جميع الشروط المطلوبة.
كما أفاد البيان بأن القمة قررت إنشاء بعثة للمساعدة الأمنية والتدريب لأوكرانيا تابعة لحلف شمال الأطلسي لتنسيق الإمدادات العسكرية والتدريب لأوكرانيا من دول الناتو وشركائها، وتتمثل مهمتها في وضع المساعدة الأمنية لأوكرانيا على أساس آمن". وأوضح أن "قمة الناتو قررت إنشاء مركز مشترك للتحليل والتدريب والتعليم مع أوكرانيا لدراسة وتطبيق تجربة الصراع في أوكرانيا".
مساعدات لكييف بقيمة 40 مليار يورو على الأقل
وتعهّد قادة الحلف منح أوكرانيا مساعدات عسكرية بقيمة 40 مليار يورو على الأقل "خلال العام المقبل" لمساعدتها في القتال ضد روسيا، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية. كما دعا البيان جميع الدول إلى عدم تقديم أي مساعدة لروسيا، وأدان كل من يسهل ويطيل العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا وأمس دعا الأمين العام للحلف الأطلسي الدول الأعضاء الى اتخاذ إجراءات فريدة لفرض عقوبات على إيران والصين لدعمها لروسيا التي وصفها الأمين العام للحلف بأنها أكبر تهديد لأمن دول الحلف واستقرارها.. وفي الوقت نفسه، نص البيان على أن حلف "الناتو" لا يسعى إلى المواجهة ولا يشكل تهديدا لروسيا.
تعزيز الوجود بالشرق الأوسط
كما أعلن أعضاء الناتو أن الحلف يهدف إلى تعزيز وجوده في الشرق الأوسط وإفريقيا من أجل "دعم السلام" في المنطقة. وأشار البيان الختامي إلى أن الجوار الجنوبي لحلف شمال الأطلسي يوفر فرصا للتعاون في القضايا ذات الاهتمام المشترك". وتابع: "من خلال شراكتنا، نسعى جاهدين للمساهمة في تحقيق قدر أكبر من الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتعزيز السلام والازدهار في المنطقة".
وأشار البيان إلى أن أعضاء الحلف اعتمدوا خطة عمل لتعزيز التوجه نحو الجنوب، وسيفتح الناتو مكتبًا في العاصمة الأردنية عمان، وسيواصل العمل مع السلطات العراقية.
الكرملين على الخط
وكما الصين أيضا الحاضر الغائب في قمة واشنطن، فقد أعلنت موسكو أنها ستتخذ تدابير لاحتواء التهديد الخطر الذي يمثله حلف شمال الأطلسي. وقال الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف أن الناتو الذي يختتم قمته في واشنطن، أصبح الآن "منخرطا بشكل كامل في الصراع في أوكرانيا". وأضاف"هذا تهديد خطير جداً للأمن القومي سيجبرنا على اتخاذ إجراءات مدروسة ومنسقة وفعالة لاحتواء الناتو. وقال: "نحن نلاحظ أن خصومنا في أوروبا وفي الولايات المتحدة ليسوا مناصرين للحوار. وبالنظر إلى الوثائق المعتمدة في قمة (الناتو)، فهم ليسوا مناصرين للسلام"، مشيراً إلى أن هذا التحالف أداة للمواجهة وليس للسلام والأمن. وشدد بيسكوف على أن توسع الناتو إلى أوكرانيا يشكل تهديداً غير مقبول وأن الناتو يتبنى وثيقة تفيد بأن أوكرانيا ستنضم بالتأكيد إلى الحلف.
الأردن يعلن إنشاء أول مكتب اتصال لحلف "الناتو" ويبين السبب
وفيما غابت الأنباء عن مشاركة الدول العربية في هذه القمة حيث لم يسجل حضور أو مشاركة أي من الدول السبع التي تمت دعوتها من جانب واشنطن التي تحتضن القمة، فقد أعلن في قمة واشنطن عن إنشاء أول مكتب اتصال في عمان، لتعزيز علاقات التعاون المشترك مع الحلف.
يذكر أن الرغبة في إنشاء هذا المكتب سجلت في قمة الناتو في ليتوانيا في العام الماضي 2023 ويعتبر الحلف أن المكتب سيكون مهما في تعزيز الشراكة في مكافحة التهديدات العابرة للحدود كالإرهاب والتطرف العنيف..
ويبقى وجود الحلف الأطلسي مفتوحا على كل السيناريوهات وهو الذي يراهن على توسيع الشراكات على كل الجبهات من آسيا الى أوروبا الشرقية وإفريقيا باعتماد لعبة العصا والجزرة والإغراءات والمساعدات وفتح الأفاق للتدريبات والمناورات ...
من مبعوثتنا إلى واشنطن: آسيا العتروس
أسدل الستار في وقت متأخر مساء أمس الخميس على قمة الحلف الأطلسي المنعقدة على مدى ثلاثة أيام بالعاصمة السياسية واشنطن على وقع احتفالات الذكرى الـ75 لتأسيس الناتو، ولكن أيضا على وقع تداخل الأحداث والجدل المثير حول الانتخابات الرئاسية الأمريكية وما أثارته صحة الرئيس الأمريكي جو بايدن من دعوات من معسكر الديموقراطيين للانسحاب من السباق، إلى جانب تعدد الصراعات الإقليمية والتنافس الجيوستراتيجي الدولي والمخاوف من الطموحات الصينية وتواتر اتهامات الحلف لكل من الصين وكوريا الشمالية وإيران بدعم ومساعدة روسيا عسكريا في هذه الحرب. في هذه الأجواء التي هيمنت على القمة وما رافقها من لقاءات القمة ولقاءات ثنائية في الكواليس أو في أروقة البيت الأبيض صدر البيان الختامي لقمة واشنطن، بيان مطول راوح بين الوعود والإغراءات لدول الحلف والشركاء الجدد وبين التحذير والتهديد المباشر للصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا التي وصفها الأمين العام للحلف الأطلسي بأنها أكبر خطر يهدد دول الحلف .
وفيما يصر قادة الحلف على وصف القمة بالتاريخية في استمرار وبقاء وصمود التحالف وإنجازاته الأمنية والعسكرية والسياسية لدول الحلف التي انطلقت قبل خمسة وسبعين عاما، باثنتي عشرة دولة لتضم اليوم 32 دولة بعد انضمام كل من فنلندا والسويد، ترد الصين في المقابل بأنها فاشلة بعد الاتهامات المتواترة التي لاحقتها من الأمين العام للناتو ستولتنبرغ والرئيس جو بايدن بدعم روسيا وتسليحها في حربها على أوكرانيا ..
وفي بيان شديد اللهجة إزاء الصين أعرب أعضاء الناتو عن مخاوفهم بشأن الطموحات الصينية الواسعة ولكن أيضا بشأن ترسانة بكين النووية وقدراتها في الفضاء، كما حذر البيان من دورها في دعم روسيا في الحرب الأوكرانية.
رسالة قوية للصين
وفي لقائه أمس بالصحفيين قال الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ الذي يترأس آخر قمة له على رأس الحلف "أعتقد أن الرسالة التي بعث بها الناتو من هذه القمة قوية جدًا وواضحة جدًا، ونحن نحدد بوضوح مسؤولية الصين عندما يتعلق الأمر بدعم روسيا في الحرب". كما دعا قادة الناتو الصين الى "وقف جميع أشكال الدعم المادي والسياسي للمجهود الحربي الروسي"، ملوّحين بالدور الداعم وواسع النطاق "للقاعدة الصناعية الدفاعية الروسية". وجاء في البيان أنّ "هذا يشمل نقل المواد ذات الاستخدام المزدوج، مثل مكونات الأسلحة والمعدات والمواد الخام التي تُستخدم كمدخلات لقطاع الدفاع الروسي".
غابت أفغانستان وحضرت أوكرانيا ..
وقد بات واضحا أنه انتهى زمن ظل فيه اهتمام قادة الحلف الأطلسي، في مختلف لقاءاتهم قبل الحرب الروسية الأوكرانية، يتمحور حول كسب الرهان في أفغانستان والقضاء على طالبان وكان الحلف يفتح الأبواب ويفرش السجاد الأحمر لاستقبال الرئيس الأفغاني قرضاي. وقد غاب المشهد الأفغاني نهائيا عن البيان الختامي الذي تضمن 38 نقطة من الدفاع المشترك والردع الى الأمن السيبرني الى مواصلة الدعم المالي والسياسي والعسكري لأوكرانيا وتعيين ممثل رفيع المستوى لكييف في الناتو لتعزيز العلاقات ومنه الى زيارة الأنفاق الدفاعية وتعزيز القاعدة الصناعية الدفاعية وتوسيع شراكة الحلف مع دول المحيطين الهادي والأطلسي لقمة واشنطن ..
"عيون الحلف" تدمع لأجل أطفال أوكرانيا.. لكن لا عين رأت ولا أذن سمعت عن أطفال غزة..
قمة واشنطن سجلت كما خلال القمتين السابقتين تعاطفا بلا حدود مع أوكرانيا ودعما واسعا للشعب الأوكراني في مواجهة القصف الروسي وقد أدان المتدخلون في القمة استهداف القوات الروسية مستشفى للأطفال في كييف ونددوا بالانتهاكات الروسية المفضوحة للقانون الإنساني الدولي، وفي المقابل غابت غزة عن اهتمام قادة الناتو ولا يبدو أن ما يتعرض له أطفال ونساء وأهل غزة من مجازر ومن استنزاف يومي منذ عشرة أشهر على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي وما تحظى به من دعم عسكري من الغرب لم يبلغ أسماع قادة الحلف. وحتى عندما يطرح السؤال عن المشهد الدموي في غزة وضرورة التحرك لإيقاف المجازر يكون الرد جاهزا وانه لا دور للحلف في الشرق الأوسط وأنه يدعم بقوة إيصال المساعدات الإنسانية لأصحابها ويدعم حماية المدنيين.. وعموما يمكن القول إن وجود أكثر من 2500 صحفي من مختلف أنحاء العالم في هذه القمة يمكن أن يصنع الفارق ويحدد أهمية المعركة الإعلامية عندما يكون صوت الإعلام قويا وحاضرا في تسليط الأضواء على ما يجري في أوكرانيا على عكس ما يتعرض له أهالي غزة.. وكم كنا نتمنى خلال هذه القمة لو أن ربع هذا العدد من الصحفيين ينقل ويتابع الأحداث في غزة بنفس الحماس والحضور لأمكن ربما كبح جماح العدوان الإسرائيلي.. قوس كان لا بد أن نفتحه وملاحظة نسوقها في متابعة أشغال هذه القمة التي تتجه لتحديد مصير أمم وشعوب وتحديد حاضر ومستقبل التحالفات والشراكات الإقليمية والدولية في ظل التنافس الحاصل بين القوى الكبرى والتنافس الأمريكي الروسي والصيني وغيره على الشرق الأوسط وإفريقيا على ضمان مصالحها وأمنها واحتياجاتها أيضا من المعابر البحرية التجارية الدولية والثروات الطبيعية في ظل التحولات المناخية والتحديات الكبيرة ..
إفريقيا وجنوب المتوسط تحت مجهر الناتو
وبالعودة الى قمة الناتو فقد أفرد بيان واشنطن لمنطقة الشرق الأوسط البند (32) حول أهمية تعزيز الشراكة مع دول منطقة الشرق الأوسط الكبير. وشدد البيان على أهمية الأمن والاستقرار في عدة مناطق، بما في ذلك إفريقيا والشرق الأوسط. وذكر أن النزاعات في هذه المناطق، بالإضافة إلى هشاشتها وعدم استقرارها، تؤثر بشكل مباشر على أمن أعضاء الناتو وشركائهم، مما يسهم في ظواهر مثل النزوح القسري والاتجار بالبشر والهجرة غير النظامية. وأشار الى أهمية افتتاح مكتب ارتباط للناتو في العاصمة الأردنية عمان للمرة الأولى وكذلك توسيع الدعم للمؤسسات الأمنية العراقية من خلال بعثة الناتو في العراق، كخطوات رئيسية. كما سيتم تعيين ممثل خاص للجوار الجنوبي لتنسيق هذه الجهود. كما أكد البيان التزام الحلف بالتعاون مع شركاء في الشرق الأوسط وإفريقيا لمواجهة التحديات المشتركة ومواجهة التهديدات الإرهابية. ولا يخفي مسؤولو الحلف انشغالهم وهواجسهم من التمدد الصيني والروسي في المنطقة. وكانت رئيسة الوزراء الايطالية ميلوني دعت أمس الحلف الى الاهتمام بحوض المتوسط وقالت خلال حضورها القمة "حوض المتوسط استراتيجي انتبهوا الى أهمية الجانب الجنوبي من الحلف".
وكما كان متوقعا لم يخرج البيان الختامي لقمة واشنطن والذي شمل 38 نقطة عن المسودة التي تم تسريبها عشية انعقاد القمة. وقد أعرب الحلف مجددا عن سخاء لا محدود إزاء أوكرانيا التي تصدرت جدول أشغال القمة والتي يحل فيها الرئيس زيلنسكي ضيفا للمرة الثالثة على التوالي منذ قمة مدريد ثم ليتوانيا العام الماضي. وقد تعهد الحلف الأطلسي بعدم التراجع عن ضم أوكرانيا الى صفوفه، وفي انتظار تحقيق ذلك سيتعين على الرئيس الأوكراني أن يقنع بما يحظى به من دعم عسكري غير مسبوق في هذه الحرب المستمرة منذ أكثر من سنتين .
لماذا أثار بيان القمة غضب الصين؟
وقد أثار أمس البيان الختامي للقمة غضب الصين التي ردت بقوة على ما تضمنه بيان واشنطن من اتهامات لبكين بالتحريض وبمواصلة دعم روسيا ومدها بالسلاح لضمان استمرار الحرب. وطالبت بكين أمس حلف شمال الأطلسي بالتوقّف عن "التحريض على المواجهة"، على خلفية ما ورد في تصريحات قيادات الحلف وأمينه العام ستولتنبورغ حيال العلاقات الصينية - الروسية الوثيقة واتّهامهم الصينيين بتقديم مساعدة حيوية لروسيا في غزوها لأوكرانيا. وقالت البعثة الصينية لدى الاتّحاد الأوروبي، في بيان"يجب على حلف شمال الأطلسي أن يتوقف عن تضخيم ما يسمّى تهديداً صينياً، وأن يتوقّف عن التحريض على المواجهة والتنافس، وأن يسهم بشكل أكبر في السلام والاستقرار في العالم". واعتبرت الصين أن البيان الصادر عن قادة الحلف "مشبع بعقلية جديرة بالحرب الباردة وبخطاب عدائي ومليء بافتراءات". ونفت الصين في البيان أن تكون قدمت أسلحة فتاكة لأي من طرفي النزاع وأكدت أنها تمارس رقابة صارمة على صادرات المنتجات ذات الاستخدام المزدوج، بما في ذلك الطائرات المدنية المسيّرة". وقالت الصين الأزمة الأوكرانية مستمرة منذ فترة طويلة. وتساءلت عمن يصبّ الزيت على النار؟ ومن يؤجّج النيران؟ من يحاول الاستفادة منها؟
الإنفاق العسكري لتطويق روسيا
دول حلف شمال الأطلسي أكدت في البيان الختامي، التزامها بإنفاق دفاعي عند مستوى لا يقل عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي. وقال البيان: "نؤكد من جديد التزامنا المستمر بالتنفيذ الكامل لالتزام الاستثمار الدفاعي المتفق عليه في فيلنيوس بحد أدنى 2% من الناتج المحلي الإجمالي وندرك أنه يجب بذل المزيد من الجهود بسرعة للوفاء بالتزاماتنا كحلفاء في الناتو".
كما أكد حلف الناتو دعمه الكامل لـ"مسار لا رجعة فيه" لاندماج أوكرانيا في المجتمع الأوروأطلسي وعضوية الحلف. وقال البيان: "نرحب بالتقدم الملموس الذي أحرزته أوكرانيا منذ قمة العام الماضي للناتو في فيلنيوس بشأن إصلاحاتها الديمقراطية والاقتصادية والأمنية المطلوبة. وأضاف البيان أنه لن يكون بمقدوره توجيه دعوة إلى أوكرانيا للانضمام إلى الحلف إلا عندما يوافق جميع الأعضاء، وتستوفي كييف جميع الشروط المطلوبة.
كما أفاد البيان بأن القمة قررت إنشاء بعثة للمساعدة الأمنية والتدريب لأوكرانيا تابعة لحلف شمال الأطلسي لتنسيق الإمدادات العسكرية والتدريب لأوكرانيا من دول الناتو وشركائها، وتتمثل مهمتها في وضع المساعدة الأمنية لأوكرانيا على أساس آمن". وأوضح أن "قمة الناتو قررت إنشاء مركز مشترك للتحليل والتدريب والتعليم مع أوكرانيا لدراسة وتطبيق تجربة الصراع في أوكرانيا".
مساعدات لكييف بقيمة 40 مليار يورو على الأقل
وتعهّد قادة الحلف منح أوكرانيا مساعدات عسكرية بقيمة 40 مليار يورو على الأقل "خلال العام المقبل" لمساعدتها في القتال ضد روسيا، وفقا لوكالة الصحافة الفرنسية. كما دعا البيان جميع الدول إلى عدم تقديم أي مساعدة لروسيا، وأدان كل من يسهل ويطيل العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا وأمس دعا الأمين العام للحلف الأطلسي الدول الأعضاء الى اتخاذ إجراءات فريدة لفرض عقوبات على إيران والصين لدعمها لروسيا التي وصفها الأمين العام للحلف بأنها أكبر تهديد لأمن دول الحلف واستقرارها.. وفي الوقت نفسه، نص البيان على أن حلف "الناتو" لا يسعى إلى المواجهة ولا يشكل تهديدا لروسيا.
تعزيز الوجود بالشرق الأوسط
كما أعلن أعضاء الناتو أن الحلف يهدف إلى تعزيز وجوده في الشرق الأوسط وإفريقيا من أجل "دعم السلام" في المنطقة. وأشار البيان الختامي إلى أن الجوار الجنوبي لحلف شمال الأطلسي يوفر فرصا للتعاون في القضايا ذات الاهتمام المشترك". وتابع: "من خلال شراكتنا، نسعى جاهدين للمساهمة في تحقيق قدر أكبر من الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتعزيز السلام والازدهار في المنطقة".
وأشار البيان إلى أن أعضاء الحلف اعتمدوا خطة عمل لتعزيز التوجه نحو الجنوب، وسيفتح الناتو مكتبًا في العاصمة الأردنية عمان، وسيواصل العمل مع السلطات العراقية.
الكرملين على الخط
وكما الصين أيضا الحاضر الغائب في قمة واشنطن، فقد أعلنت موسكو أنها ستتخذ تدابير لاحتواء التهديد الخطر الذي يمثله حلف شمال الأطلسي. وقال الناطق باسم الكرملين، دميتري بيسكوف أن الناتو الذي يختتم قمته في واشنطن، أصبح الآن "منخرطا بشكل كامل في الصراع في أوكرانيا". وأضاف"هذا تهديد خطير جداً للأمن القومي سيجبرنا على اتخاذ إجراءات مدروسة ومنسقة وفعالة لاحتواء الناتو. وقال: "نحن نلاحظ أن خصومنا في أوروبا وفي الولايات المتحدة ليسوا مناصرين للحوار. وبالنظر إلى الوثائق المعتمدة في قمة (الناتو)، فهم ليسوا مناصرين للسلام"، مشيراً إلى أن هذا التحالف أداة للمواجهة وليس للسلام والأمن. وشدد بيسكوف على أن توسع الناتو إلى أوكرانيا يشكل تهديداً غير مقبول وأن الناتو يتبنى وثيقة تفيد بأن أوكرانيا ستنضم بالتأكيد إلى الحلف.
الأردن يعلن إنشاء أول مكتب اتصال لحلف "الناتو" ويبين السبب
وفيما غابت الأنباء عن مشاركة الدول العربية في هذه القمة حيث لم يسجل حضور أو مشاركة أي من الدول السبع التي تمت دعوتها من جانب واشنطن التي تحتضن القمة، فقد أعلن في قمة واشنطن عن إنشاء أول مكتب اتصال في عمان، لتعزيز علاقات التعاون المشترك مع الحلف.
يذكر أن الرغبة في إنشاء هذا المكتب سجلت في قمة الناتو في ليتوانيا في العام الماضي 2023 ويعتبر الحلف أن المكتب سيكون مهما في تعزيز الشراكة في مكافحة التهديدات العابرة للحدود كالإرهاب والتطرف العنيف..
ويبقى وجود الحلف الأطلسي مفتوحا على كل السيناريوهات وهو الذي يراهن على توسيع الشراكات على كل الجبهات من آسيا الى أوروبا الشرقية وإفريقيا باعتماد لعبة العصا والجزرة والإغراءات والمساعدات وفتح الأفاق للتدريبات والمناورات ...