قد تكون قمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن، قمة التحديات الكبرى بالنسبة لهذا الحلف العسكري الأقدم في العالم، والذي تأسس سنة 1949، بمهمة واحدة محددة تضبطها عقيدة مؤسسيه وهي "احتواء الخطر السوفياتي"، والعمل على عدم امتداده في العالم.
وبالرغم من أن "الخطر السوفياتي" انحسر، مع سقوط اتحاد الجمهوريات الشيوعية السوفياتية سنة 1990، إلا أن الحلف لم يغير عقيدته والتي ظلت ترى أن الخطر الجيوسياسي الأكبر يكمن في وريثة الاتحاد وهي روسيا.
ظلت هذه العقيدة تتحكم في سياسات الحلف، وتؤسس استراتيجياته منذ تسعينات القرن الماضي، حيث واصل زحفه شرقا في الفضاء الأوروبي يضم الدول التي كانت منضوية تحت غريمه السابق "حلف وارسو"، ويقضم فضاءات كانت تعتبر ضمن "المجال الحيوي" التاريخي الروسي، مستفيدا من تراجع مكانة الدب الروسي الدولية.
وبالرغم من أن متزعمة حلف الناتو –الولايات المتحدة الأمريكية- قامت منذ فجر سقوط الاتحاد السوفياتي بإمضاء اتفاقيات وتقديم وعود لروسيا بعدم التوغل شرقا –وخصوصا في أوكرانيا- إلا أن واشنطن، لم تف بتعهداتها وواصلت، ومن ورائها الاتحاد الأوروبي، محاولة التمدد شرقا، إما بالضم السياسي، أو من خلال التغلغل التكتيكي تحت عدة عناوين مثل "محاربة الإرهاب" ومساندة "حق الشعوب في تقرير مصيرها"، في التفتيش على تفتيت الاتحاد الروسي، وزيادة حصاره في الربع البارد من كوكب الأرض.
وعلى الأقل هذا ما يمكن فهمه من متابعة حربين خاضتهما موسكو في الشيشان، وحرب أخرى في جورجيا، في القوقاز، ومحاولة "تلوين" استراتيجيات الضم من خلال "مساندة" الثورات البرتقالية والبنفسجية في كل من أوكرانيا وقيرغزستان.
حتى أن هذا الحلف لم يتوان عن نشر منظومات صواريخ "دفاعية" على حدود دول أوروبا الشرقية القريبة من روسيا، بحجة التصدي لصواريخ إيران البالستية، وهو ما ردت عليه موسكو في عدة مناسبات إما بنشر صواريخ هجومية في جيب الروسي في أوروبا كيلينغراد، أو بالتدخل العسكري المباشر، وهو ما حصل في أوكرانيا على مرحلتين (ضم شبه جزيرة القرم وإقليم الدونباس سنة 2014- والحرب الروسية التي انطلقت سنة 2022 حتى اليوم.
في كل هذه الحروب والتدخلات، لم يفلح حلف شمال الأطلسي في فرض أجندته السياسية والعسكرية، وحتى في حروب أخرى فشل كذلك في تحقيق أهدافه، سواء في العراق أو أفغانستان.
واليوم يقف هذا الحلف حائرا أمام رهان الأزمة الأوكرانية، مع تقدم روسي واضح وفشل عسكري استراتيجي لدول الحلف في تحقيق مكاسب واضحة في الحرب، وحتى العقوبات التي فرضها على روسيا اقتصاديا فشلت في تركيع الدب الروسي على ركبتيه، بل يبدو أن إستراتيجية "القيصر" الروسي فلادمير بوتين استطاعت تطويعها لصالح اقتصادها، وإعادة تأسيس شبكة حلفاء جديدة، سواء مع الصين أو معظم دول منظمة شنغهاي، أو تلك التي تعتبر "أيديولوجيا" عدوة للغرب مثل إيران وكوريا الشمالية، والتمدد من خلال ذراعها العسكري الموازي –فاغنر- في التمدد في إفريقيا (مالي وبوركينا فاسو والنيجر والتشاد وإفريقيا الوسطى).
كما يقف هذا الحلف أمام "خطر" جيوسياسي ثان يراه يلوح من الشرق، ويتمثل في نهوض التنين الصيني، والذي ترجو واشنطن ومن ورائه دول حلف الناتو ودول حلف "أوكوس" في المحيط الهندي والهادئ لتكرار نفس إستراتيجية لـ"احتواء" خطره، وعدم تمدده شرقا، وتحكمه في طرق التجارة الدولية، خصوصا مع انطلاق بكين في تنفيذ إستراتيجية الطريق وحزام الحرير.
نزار مقني
قد تكون قمة حلف شمال الأطلسي في واشنطن، قمة التحديات الكبرى بالنسبة لهذا الحلف العسكري الأقدم في العالم، والذي تأسس سنة 1949، بمهمة واحدة محددة تضبطها عقيدة مؤسسيه وهي "احتواء الخطر السوفياتي"، والعمل على عدم امتداده في العالم.
وبالرغم من أن "الخطر السوفياتي" انحسر، مع سقوط اتحاد الجمهوريات الشيوعية السوفياتية سنة 1990، إلا أن الحلف لم يغير عقيدته والتي ظلت ترى أن الخطر الجيوسياسي الأكبر يكمن في وريثة الاتحاد وهي روسيا.
ظلت هذه العقيدة تتحكم في سياسات الحلف، وتؤسس استراتيجياته منذ تسعينات القرن الماضي، حيث واصل زحفه شرقا في الفضاء الأوروبي يضم الدول التي كانت منضوية تحت غريمه السابق "حلف وارسو"، ويقضم فضاءات كانت تعتبر ضمن "المجال الحيوي" التاريخي الروسي، مستفيدا من تراجع مكانة الدب الروسي الدولية.
وبالرغم من أن متزعمة حلف الناتو –الولايات المتحدة الأمريكية- قامت منذ فجر سقوط الاتحاد السوفياتي بإمضاء اتفاقيات وتقديم وعود لروسيا بعدم التوغل شرقا –وخصوصا في أوكرانيا- إلا أن واشنطن، لم تف بتعهداتها وواصلت، ومن ورائها الاتحاد الأوروبي، محاولة التمدد شرقا، إما بالضم السياسي، أو من خلال التغلغل التكتيكي تحت عدة عناوين مثل "محاربة الإرهاب" ومساندة "حق الشعوب في تقرير مصيرها"، في التفتيش على تفتيت الاتحاد الروسي، وزيادة حصاره في الربع البارد من كوكب الأرض.
وعلى الأقل هذا ما يمكن فهمه من متابعة حربين خاضتهما موسكو في الشيشان، وحرب أخرى في جورجيا، في القوقاز، ومحاولة "تلوين" استراتيجيات الضم من خلال "مساندة" الثورات البرتقالية والبنفسجية في كل من أوكرانيا وقيرغزستان.
حتى أن هذا الحلف لم يتوان عن نشر منظومات صواريخ "دفاعية" على حدود دول أوروبا الشرقية القريبة من روسيا، بحجة التصدي لصواريخ إيران البالستية، وهو ما ردت عليه موسكو في عدة مناسبات إما بنشر صواريخ هجومية في جيب الروسي في أوروبا كيلينغراد، أو بالتدخل العسكري المباشر، وهو ما حصل في أوكرانيا على مرحلتين (ضم شبه جزيرة القرم وإقليم الدونباس سنة 2014- والحرب الروسية التي انطلقت سنة 2022 حتى اليوم.
في كل هذه الحروب والتدخلات، لم يفلح حلف شمال الأطلسي في فرض أجندته السياسية والعسكرية، وحتى في حروب أخرى فشل كذلك في تحقيق أهدافه، سواء في العراق أو أفغانستان.
واليوم يقف هذا الحلف حائرا أمام رهان الأزمة الأوكرانية، مع تقدم روسي واضح وفشل عسكري استراتيجي لدول الحلف في تحقيق مكاسب واضحة في الحرب، وحتى العقوبات التي فرضها على روسيا اقتصاديا فشلت في تركيع الدب الروسي على ركبتيه، بل يبدو أن إستراتيجية "القيصر" الروسي فلادمير بوتين استطاعت تطويعها لصالح اقتصادها، وإعادة تأسيس شبكة حلفاء جديدة، سواء مع الصين أو معظم دول منظمة شنغهاي، أو تلك التي تعتبر "أيديولوجيا" عدوة للغرب مثل إيران وكوريا الشمالية، والتمدد من خلال ذراعها العسكري الموازي –فاغنر- في التمدد في إفريقيا (مالي وبوركينا فاسو والنيجر والتشاد وإفريقيا الوسطى).
كما يقف هذا الحلف أمام "خطر" جيوسياسي ثان يراه يلوح من الشرق، ويتمثل في نهوض التنين الصيني، والذي ترجو واشنطن ومن ورائه دول حلف الناتو ودول حلف "أوكوس" في المحيط الهندي والهادئ لتكرار نفس إستراتيجية لـ"احتواء" خطره، وعدم تمدده شرقا، وتحكمه في طرق التجارة الدولية، خصوصا مع انطلاق بكين في تنفيذ إستراتيجية الطريق وحزام الحرير.