في وقت باتت جل الأطراف الفاعلة في ملف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة "مقتنعة" بضرورة التوصل إلى اتفاق حول هدنة جديدة في القطاع، تمكن من عقد صفقة لإطلاق سراح الأسرى بين الطرفين الأساسيين في هذه الحرب –المقاومة الفلسطينية والاحتلال- وإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة للقطاع الذي باتت المجاعة تهدده وخاصة في مناطقه الشمالية، لم تهدأ آلة الحرب العدوانية في ارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين فيما صعّدت المقاومة الفلسطينية من وتيرة عملياتها التي باتت تحصد أرواح ضباط وجنود الاحتلال بكثافة أكثر من مرحلة ما قبل الحرب في رفح جنوب القطاع.
ويبدو أن هذه الخسائر المتتالية لجيش الاحتلال، مع فشله استخباريا في غزة، في تحقيق أهدافه الإستراتيجية والسياسية من الحرب، هي التي وسعت من هوة "اللاتفاهم" بين المستويات السياسية والعسكرية والأمنية في سلطة الاحتلال، مما حتم على الائتلاف اليميني الحاكم زيادة الانقسام على نفسه، وتصاعد العزلة الدولية من حوله، خصوصا مع الزلازل الانتخابية التي هزت فرنسا (صعود الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية التي تطالب بالاعتراف بدولة فلسطين) وحزب العمال في بريطانيا (والتي طالب وزير خارجيتها في أول تصريحاته بضرورة وقف إطلاق النار وبسيادة محكمة الجنايات الدولية -التي أصدرت برقيات إيقاف ضد كل من نتنياهو وغالانت- على قطاع غزة).
وهذه الوضعية غير مريحة بالنسبة لنتنياهو، خصوصا وأن تشبثه بالكرسي رئاسة الحكومة يأتي من خوفه المبطن بأن ما ينتظره هو السجن إذا ما سقطت الحكومة وهو ما يهدده به أحد مكونات ائتلافه الحاكم وأساسا الأحزاب الصهيونية الدينية والقومية.
لكن يبدو أن نتنياهو يريد التوصل الى اتفاق، ويريد إبعاد "سيف" اليمين الصهيوني عن رقبته، من خلال التركيز على ترتيب اتفاق مع المقاومة الفلسطينية يمكن من عدم الانسحاب الكامل من قطاع غزة، مقابل تهدئة مؤقتة تسمح بإعادة أغلب الأسرى، مقابل أن يمرر "قانون الحاخامات" والتوافق على قوانين أخرى يطرحها اليمين الصهيوني الديني -مثل "قانون تجنيد الحريديم"- وخطط متعلقة بالاستيطان في الضفة، وتمثيله في حكومة الحرب المصغرة وهو ما طالب به وزير الأمن والمحسوب على هذا التيار إيتمار بن غفير.
ويبدو أن نتنياهو، يسعى لإعادة ترتيب أوراقه لفك العزلة الدولية التي تزداد حوله يوما بعد يوم، وربح الوقت والقواعد الانتخابية اليمينية وخصوصا تلك الموجودة في مستوطنات الضفة، استعدادا لأي سيناريو لانتخابات مبكرة، خصوصا وأن حزبه الليكود قد يمنى بهزيمة كبيرة إذا ما أجريت انتخابات برلمانية في هذه الفترة، في وقت فإنه يمكن أن ينقذ حزبه انتخابيا إذا ما أبرم صفقة تبادل أسرى مع المقاومة الفلسطينية، ومن ثم ينقض الاتفاق ويعاود الحرب مجددا إرضاء لأقصى اليمين الديني والصهيوني، خاصة وأن الهدنة ستمكن جيش الاحتلال من الراحة وإعادة ترتيب ألويته واستدعاء ما تبقى من جنود الاحتياط، وهو ما ستستغله المقاومة من جهتها لزيادة تجنيد المقاومين، ويسمح لحزب الله في الشمال بزيادة تخزين الذخائر الآتية من إيران، استعدادا لجولة أخرى من الحرب.
إن نتنياهو اليوم بات كلاعب للنرد يرميه تارة لإرضاء يمين حكومته، وتارة أخرى لفك العزلة الدولية، وأخرى لإعادة تدوير الزوايا في المشهد السياسي الإسرائيلي المتأزم والذي يعاني أكبر انقسام له منذ أن أسس الكيان سنة 1948.
نزار مقني
في وقت باتت جل الأطراف الفاعلة في ملف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة "مقتنعة" بضرورة التوصل إلى اتفاق حول هدنة جديدة في القطاع، تمكن من عقد صفقة لإطلاق سراح الأسرى بين الطرفين الأساسيين في هذه الحرب –المقاومة الفلسطينية والاحتلال- وإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة للقطاع الذي باتت المجاعة تهدده وخاصة في مناطقه الشمالية، لم تهدأ آلة الحرب العدوانية في ارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين فيما صعّدت المقاومة الفلسطينية من وتيرة عملياتها التي باتت تحصد أرواح ضباط وجنود الاحتلال بكثافة أكثر من مرحلة ما قبل الحرب في رفح جنوب القطاع.
ويبدو أن هذه الخسائر المتتالية لجيش الاحتلال، مع فشله استخباريا في غزة، في تحقيق أهدافه الإستراتيجية والسياسية من الحرب، هي التي وسعت من هوة "اللاتفاهم" بين المستويات السياسية والعسكرية والأمنية في سلطة الاحتلال، مما حتم على الائتلاف اليميني الحاكم زيادة الانقسام على نفسه، وتصاعد العزلة الدولية من حوله، خصوصا مع الزلازل الانتخابية التي هزت فرنسا (صعود الجبهة الشعبية الجديدة اليسارية التي تطالب بالاعتراف بدولة فلسطين) وحزب العمال في بريطانيا (والتي طالب وزير خارجيتها في أول تصريحاته بضرورة وقف إطلاق النار وبسيادة محكمة الجنايات الدولية -التي أصدرت برقيات إيقاف ضد كل من نتنياهو وغالانت- على قطاع غزة).
وهذه الوضعية غير مريحة بالنسبة لنتنياهو، خصوصا وأن تشبثه بالكرسي رئاسة الحكومة يأتي من خوفه المبطن بأن ما ينتظره هو السجن إذا ما سقطت الحكومة وهو ما يهدده به أحد مكونات ائتلافه الحاكم وأساسا الأحزاب الصهيونية الدينية والقومية.
لكن يبدو أن نتنياهو يريد التوصل الى اتفاق، ويريد إبعاد "سيف" اليمين الصهيوني عن رقبته، من خلال التركيز على ترتيب اتفاق مع المقاومة الفلسطينية يمكن من عدم الانسحاب الكامل من قطاع غزة، مقابل تهدئة مؤقتة تسمح بإعادة أغلب الأسرى، مقابل أن يمرر "قانون الحاخامات" والتوافق على قوانين أخرى يطرحها اليمين الصهيوني الديني -مثل "قانون تجنيد الحريديم"- وخطط متعلقة بالاستيطان في الضفة، وتمثيله في حكومة الحرب المصغرة وهو ما طالب به وزير الأمن والمحسوب على هذا التيار إيتمار بن غفير.
ويبدو أن نتنياهو، يسعى لإعادة ترتيب أوراقه لفك العزلة الدولية التي تزداد حوله يوما بعد يوم، وربح الوقت والقواعد الانتخابية اليمينية وخصوصا تلك الموجودة في مستوطنات الضفة، استعدادا لأي سيناريو لانتخابات مبكرة، خصوصا وأن حزبه الليكود قد يمنى بهزيمة كبيرة إذا ما أجريت انتخابات برلمانية في هذه الفترة، في وقت فإنه يمكن أن ينقذ حزبه انتخابيا إذا ما أبرم صفقة تبادل أسرى مع المقاومة الفلسطينية، ومن ثم ينقض الاتفاق ويعاود الحرب مجددا إرضاء لأقصى اليمين الديني والصهيوني، خاصة وأن الهدنة ستمكن جيش الاحتلال من الراحة وإعادة ترتيب ألويته واستدعاء ما تبقى من جنود الاحتياط، وهو ما ستستغله المقاومة من جهتها لزيادة تجنيد المقاومين، ويسمح لحزب الله في الشمال بزيادة تخزين الذخائر الآتية من إيران، استعدادا لجولة أخرى من الحرب.
إن نتنياهو اليوم بات كلاعب للنرد يرميه تارة لإرضاء يمين حكومته، وتارة أخرى لفك العزلة الدولية، وأخرى لإعادة تدوير الزوايا في المشهد السياسي الإسرائيلي المتأزم والذي يعاني أكبر انقسام له منذ أن أسس الكيان سنة 1948.