لم تكن الكلمات التي صرحت بها الفائزة بالمرتبة الأولى في امتحان ختم التعليم الابتدائي "السيزيام" للإعلام، عفوية، بل كانت كلمات مدروسة جيدا، قالتها البنت بجدية وبثبات وبوقفة صارمة أمام الكاميرا.
قالت لينا حقي أصيلة القصرين بالوسط التونسي التي حصلت على أعلى معدل في الجمهورية (19.65) ان نجاحها ليس وليد الصدفة وإنما هو نتيجة عمل استغرق سبعة أعوام أي منذ التحضيري وقبل الدخول الى المدرسة الابتدائية. وهي بذلك قد لخصت كل شيء.
فالتفوق ليس اعتباطيا وإنما هو عملية مدروسة وهو نتيجة عمل واجتهاد. صحيح هناك استعداد من التلميذ، وهذا ضروري، لكن دور العائلة في قضية الحال مهم جدا لاسيما منذ الطفولة المبكرة. والواضح أن التلميذة المتفوقة وقع اعدادها جيدا لهذه اللحظة وكانت تدرك ما تقول وهي تقف أمام الكاميرا بعد الإعلان عن نتائج "السيزيام" لهذا العام (يوم الجمعة) وتشدد على أنها نجحت بفضل العمل والجهد.
قد يكون هذا الكلام عاديا في محيط يتربى فيه الطفل على البذل والاجتهاد والمنافسة ويكون فيه النجاح والتفوق مسألة بديهية أو بالأحرى يكون هو القاعدة وليس الاستثناء ولكن في مجتمع مثل مجتمعنا لم تتفش فيه بعد مثل هذه الثقافة لدى الأغلبية، يكون وقعه خاصا لا سيما إذا ما صدر عن طفلة صغيرة السن، لكنها تملك وعي الدنيا بأنه لا نجاح دون عمل ودون مجهود ودون تخطيط ودون محيط عائلي مشجع ودافع، ليس فقط نحو النجاح وإنما نحو التفوق والتميز والوصول الى المراتب الأعلى.
ربما كان الأمر مختلفا عند بناء دولة الاستقلال. فقد عولت بلادنا كما هو معروف على العمل وشجعت على التعليم وسخرت تونس الفتية الإمكانيات من أجل بلوغ أهدافها المتمثلة في رفع الجهل ونشر التعليم، لكن بلادنا لم تواصل العمل بنفس الوهج وبنفس الإيمان بقيمة التعليم فيما بعد وتخلينا رويدا رويدا عن كثير من القيم التي كانت في يوم ما سبب ما عرف بالاستثناء التونسي.
وعن تراجع قيم مثل الجهد والعمل في بلادنا لا تسل. أصلا قضيتنا تكاد تنحصر في هذين المصطلحين ومستقبلنا مرتهن بهما الى حد كبير، ذلك انه تفشت في بلادنا خاصة منذ احداث 14 جانفي 2011، عقلية ميالة للكسل ولا تؤمن بالاجتهاد. لذلك عندما يتحدث أحدهم عن العمل والجهد والاجتهاد والصبر والثبات على المبدأ يبدو صوته كأنه قادم من بعيد جدا. يبدو صوته كأنه صدى في محيط غريب لا سيما إذا كان هذا الصوت لفتاة صغيرة مازالت في مرحلة الطفولة. لكأنها وهي تتحدث عن الموضوع تقرع أجراسا لتوقظ النيام.
صحيح، نعيش في بلادنا منذ أيام على وقع اخبار النجاح في الباكالوريا وها قد ظهرت نتائج "السيزيام" في انتظار اكتمال المحفل بالإعلان عن نتائج امتحان ختم التعليم الأساسي "النوفيام" المنتظرة قريبا، لكن هل هذا يعني اننا بنينا عقلية جديدة تؤمن بقيمة السعي من أجل التميز؟
مبدئيا، عندما تمنح الكلمة لـ"فتاة السيزيام" وتحظى باهتمام – هو يليق بها وبكل المتفوقين- فإن ذلك يبعث بعض الاطمئنان لأننا ندرك انها ستكون قدوة للكثير من التلاميذ الصغار وستكون عائلتها مصدر الهام، لكن نكرر السؤال ولو بصيغة أخرى، هل يعني هذا أننا أصبحنا مجتمعا يحتفي فعلا بالعلم وبالنجاح ويقدر قيمة الاجتهاد؟
إن أغلب المؤشرات تقول إن احتفاءنا بالعلم مازال موسميا وللحظات بارقة، وان الاعلام يمنح "الميكروفون" للمتفوقين لحظة اعلان نتائج الامتحانات والمناظرات الوطنية، لكنه يغلق ابوابه امام هؤلاء وامام النماذج الملهمة فعلا والقادرة على زرع الامل طيلة العام حيث تكون هذه الأبواب مفتوحة امام نوعية أخرى لا تساعد دائما على خلق ثقافة بناءة في البلاد.
طبعا، ان المسؤولية ليست مسؤولية الإعلام وحده، وإنما هي قضية مجتمع، يبدو أنه لا يعتبر ان الوقت قد حان بعد لمراجعة الأولويات.
حياة السايب
لم تكن الكلمات التي صرحت بها الفائزة بالمرتبة الأولى في امتحان ختم التعليم الابتدائي "السيزيام" للإعلام، عفوية، بل كانت كلمات مدروسة جيدا، قالتها البنت بجدية وبثبات وبوقفة صارمة أمام الكاميرا.
قالت لينا حقي أصيلة القصرين بالوسط التونسي التي حصلت على أعلى معدل في الجمهورية (19.65) ان نجاحها ليس وليد الصدفة وإنما هو نتيجة عمل استغرق سبعة أعوام أي منذ التحضيري وقبل الدخول الى المدرسة الابتدائية. وهي بذلك قد لخصت كل شيء.
فالتفوق ليس اعتباطيا وإنما هو عملية مدروسة وهو نتيجة عمل واجتهاد. صحيح هناك استعداد من التلميذ، وهذا ضروري، لكن دور العائلة في قضية الحال مهم جدا لاسيما منذ الطفولة المبكرة. والواضح أن التلميذة المتفوقة وقع اعدادها جيدا لهذه اللحظة وكانت تدرك ما تقول وهي تقف أمام الكاميرا بعد الإعلان عن نتائج "السيزيام" لهذا العام (يوم الجمعة) وتشدد على أنها نجحت بفضل العمل والجهد.
قد يكون هذا الكلام عاديا في محيط يتربى فيه الطفل على البذل والاجتهاد والمنافسة ويكون فيه النجاح والتفوق مسألة بديهية أو بالأحرى يكون هو القاعدة وليس الاستثناء ولكن في مجتمع مثل مجتمعنا لم تتفش فيه بعد مثل هذه الثقافة لدى الأغلبية، يكون وقعه خاصا لا سيما إذا ما صدر عن طفلة صغيرة السن، لكنها تملك وعي الدنيا بأنه لا نجاح دون عمل ودون مجهود ودون تخطيط ودون محيط عائلي مشجع ودافع، ليس فقط نحو النجاح وإنما نحو التفوق والتميز والوصول الى المراتب الأعلى.
ربما كان الأمر مختلفا عند بناء دولة الاستقلال. فقد عولت بلادنا كما هو معروف على العمل وشجعت على التعليم وسخرت تونس الفتية الإمكانيات من أجل بلوغ أهدافها المتمثلة في رفع الجهل ونشر التعليم، لكن بلادنا لم تواصل العمل بنفس الوهج وبنفس الإيمان بقيمة التعليم فيما بعد وتخلينا رويدا رويدا عن كثير من القيم التي كانت في يوم ما سبب ما عرف بالاستثناء التونسي.
وعن تراجع قيم مثل الجهد والعمل في بلادنا لا تسل. أصلا قضيتنا تكاد تنحصر في هذين المصطلحين ومستقبلنا مرتهن بهما الى حد كبير، ذلك انه تفشت في بلادنا خاصة منذ احداث 14 جانفي 2011، عقلية ميالة للكسل ولا تؤمن بالاجتهاد. لذلك عندما يتحدث أحدهم عن العمل والجهد والاجتهاد والصبر والثبات على المبدأ يبدو صوته كأنه قادم من بعيد جدا. يبدو صوته كأنه صدى في محيط غريب لا سيما إذا كان هذا الصوت لفتاة صغيرة مازالت في مرحلة الطفولة. لكأنها وهي تتحدث عن الموضوع تقرع أجراسا لتوقظ النيام.
صحيح، نعيش في بلادنا منذ أيام على وقع اخبار النجاح في الباكالوريا وها قد ظهرت نتائج "السيزيام" في انتظار اكتمال المحفل بالإعلان عن نتائج امتحان ختم التعليم الأساسي "النوفيام" المنتظرة قريبا، لكن هل هذا يعني اننا بنينا عقلية جديدة تؤمن بقيمة السعي من أجل التميز؟
مبدئيا، عندما تمنح الكلمة لـ"فتاة السيزيام" وتحظى باهتمام – هو يليق بها وبكل المتفوقين- فإن ذلك يبعث بعض الاطمئنان لأننا ندرك انها ستكون قدوة للكثير من التلاميذ الصغار وستكون عائلتها مصدر الهام، لكن نكرر السؤال ولو بصيغة أخرى، هل يعني هذا أننا أصبحنا مجتمعا يحتفي فعلا بالعلم وبالنجاح ويقدر قيمة الاجتهاد؟
إن أغلب المؤشرات تقول إن احتفاءنا بالعلم مازال موسميا وللحظات بارقة، وان الاعلام يمنح "الميكروفون" للمتفوقين لحظة اعلان نتائج الامتحانات والمناظرات الوطنية، لكنه يغلق ابوابه امام هؤلاء وامام النماذج الملهمة فعلا والقادرة على زرع الامل طيلة العام حيث تكون هذه الأبواب مفتوحة امام نوعية أخرى لا تساعد دائما على خلق ثقافة بناءة في البلاد.
طبعا، ان المسؤولية ليست مسؤولية الإعلام وحده، وإنما هي قضية مجتمع، يبدو أنه لا يعتبر ان الوقت قد حان بعد لمراجعة الأولويات.