إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في افتتاح الدورة 58 لمهرجان الحمامات الدولي.. "عطيل وبعد" لحمادي الوهايبي.. قراءة حديثة لنص شكسبيري تسائل الراهن والآخر

 

 

تونس - الصباح

بدأت الحكاية مع "ديك الجن" الحمصي وحبيته "ورد" فلم يحتمل الشاعر العباسي خبر خيانة زوجته مع غلام في خدمته وقطع رأسها.. يشاء حمادي الوهايبي أن تكون حكاية "عطيل" عربية تشبهنا.. لم يستوقفنا الخيار طويلا فالمخرج التونسي يعيد قراءة النص الشكسبيري في كتابة لبوكثير دومة في خضم فلسفته الخاصة بأبعادها الفكرية والجمالية والتي ندرك مكنونها عبر مختلف تجاربه المسرحية ...

يقال في المراجع الغربية أن شكسبير استلهم حكاية "عطيل" القائد الحربي المغربي الزنجي عاشق "ديدمونة" وقاتلها من قصة للكاتب الإيطالي "جيرالدى سينثيو" (صدرت في 1565) فيما يعتقد العرب أن التجارة الناشطة بين البندقية ومواني جنوب المتوسط نقلت حكاية "ديك الجن" وحبيبته "ورد" للغرب وكانت هذه الحكاية كقصص "ألف ليلة وليلة" ملهمة لكتاب أوروبا وشعرائها ...

"عطيل وبعد" لحمادي الوهايبي ليست النسخة الأولى للنص الشكسبيري على ركح مهرجان الحمامات الدولي.. صحيح أن هذا العمل سجل أول أمس الجمعة 5 جويلية العرض الافتتاحي للدورة 58 للمهرجان، متزامنا مع احتفالات ستينية تأسيس مسرح الحمامات (سنة 1964) وكانت مسرحية "عطيل" في رؤية لعلي بن عياد عن ترجمة للطاهر الخميري، بداية عروض الفن الرابع على ركح الحمامات إلا أن التجربة تكررت في سياق مشابه سنة 2004 مع المسرحي البشير الدريسي على مستوى الاخراج وانطلاقا من النص المعرب نفسه في شراكة إنتاجية بين فرقة بلدية تونس والمركز الثقافي الدولي بالحمامات ..

الحديث عن "عطيل" في رؤية تونسية فكريا وجماليا يدعونا - حتما - لذكر تجربة متفردة نسج خيوط سردها وتشكلها السينوغرافي توفيق الجبالي.. استعراض هذه التجارب المختلفة ليس بهدف المقارنة - ولا نعتقد أنها تجوز لاعتبارات عدة - ولكن مشاهدة "عطيل وبعد" على ركح مسرح الحمامات تعيدنا - ضرورة - لعوالم شكسبير ومقتبسي أعماله التراجيدية ..

مسرحية "عطيل وبعد" إنتاح المركز الثقافي الدولي بالحمامات لم تكتف باستهلال حكايتها من "ديك الجن" وزوجته "ورد" النصرانية التي أسلمت لتتزوج الشاعر العباسي في إشارة لتشابه قصة حبهما مع عشق "عطيل" و"ديدمونة" عبر تيمات الاختلاف الثقافي والاجتماعي، ثنائيات العشق والخيانة التي ترسم ملامح الحكايتين وإنمّا أعادت تشكيل القصة في سياق سياسي اجتماعي ايديولوجي يلوّن الراهن - الآن وهنا – عن علاقتنا بالآخر، صراع الجنوبي والشمالي في عالمنا، انهيار قيم الإنسانية وتزيف الغرب للحقائق لصالح قوى استعمارية جديدة.. بندقية أمس ومغرب الماضي وبينهما البحر.. لم تتغير المعادلة فذاك البحر لا يزال موطنا للصراع، مقبرة للإنسانية في روايتنا "نحن" من نعاني من عنصرية الغرب وظلالة قادته.. لا يمكن إغفال "غايات" النص الشكسبيري في نظرته لـ"عطيل" فالمحارب القادم من جنوب المتوسط لم يحقق المجد فقد قضت الطبيعة على سفن الأتراك في قبرص.. هو مجرد شخصية تراتجيدية بائسة في روايتهم.. يقول "عطيل" واصفا نفسه في نص بوكثير دومة : "إني آلة حرب" وهو عند الشماليين في ذات النص "زنجي بربري خسيس" وعند شكسبير هي شخصية تراتجيدية أعمتها الغيرة والأوهام فكانت نهايتها الانتحار ...

التغيرات في رؤية حمادي الوهايبي في النسخة التونسية الأحدث لـ"عطيل" تجسدت كذلك في استعانته بشخصية لم تذكرها أحداث النص الأصلي لتتراءى لعطيل والدته ويترجم أحمد الماجري عبر موسيقاه آلام ومشاعر "عطيل" المتضاربة وكأننا أمام مرآة تعكس وجهين لذات الشخص أحدهما لمهذب الرميلي في شخصية "عطيل" والثاني للفنان أحمد الماجري في دور تلك الروح المعذبة للبطل الشكسبيري … الموسيقى لغة ثانية لـ"عطيل وبعد" كانت دلالاتها ورمزيتها الأعمق بين أركان مسرح الحمامات مع كلمات "أو سولي ميو" الأغنية الإيطالية الأشهر لشاعرها جيوفاني كابورو حين دفعه حنينه لشمس المتوسط لكتابتها..فمن هنا تشرق الشمس ويجمعنا البحر.. كان من الجيد أن تسمو قرءاة بودمة والوهايبي لعوالم الفن والجمال في روايتنا لـ"عطيل" الجنوبي ...

في ذات السياق نعود للأحداث في "عطيل وبعد" والتي بدأت من المشاهد الأخيرة لنص الشكسبيري وتحديدا فصله الخامس في كتابة توظف تقنيات السرد الحديثة وتعيد قراءة تاريخنا المشترك من وجهة نظر من ولدوا على "أرض عطيل".. يتجاوز حمادي الوهايبي الرواية الكلاسيكية بأدوات بصرية وجمالية تسائل الماضي والراهن وتقودنا لفكرة جديدة عنوانها "عطيل وبعد" ...

لعّلنا لم نستسغ كثيرا بعض الخيارات على مستوى الكاستينغ المقترح في أبطال "عطيل وبعد" كما ملابس شخوصه وتحديدا شخصية "ديدمونة" إلا أن مدى استيعاب حمادي الوهايبي لمسرح العرض وإجادة توظيفه جماليا لتجسيد مشاهد نص تراجيدي شكسبيري منح افتتاح مهرجان الحمامات الدولي بعدا ثقافيا يرسخ مكانة الفن الرابع في تاريخ هذا المهرجان وهو يحتفي اليوم بستينية تأسيسه.

كواليس حفل افتتاح مهرجان الحمامات الدولي

-حضر سهرة افتتاح الدورة 58 من مهرجان الحمامات الدولي السيبد المنصف بوكثير وزير التعليم العالي والبحث العلمي الملف بتسير وزارة الشؤون الثقافية وعدد من المسوؤلين والديلوماسيين

-تم على هامش افتتاح الدورة 58 لمهرجان الحمامات الدولي وقبل انطلاق عرض مسرحية "عطيل وبعد" تكريم منى نور الدين وذلك في اطار الاحتفال بستينية تأسيس مسرح الحمامات فالفنانة القديرة كانت من بين أبطال العرض الافتتاحي لهذا المسرح سنة 1964 وجسدت خلاله دور "ايميليا" في مسرحية "عطيل" للراحل علي بن عياد.

-جمهور افتتاح مهرجان الحمامات الدولي كان أغلبه من الفاعلين في القطاع المسرحي وصناع الفرجة في تونس وممثلي وسائل الإعلام ..

صناع مسرحية "عطيل وبعد"

نص : بوكثير دومة

إخراج : حمــــادي الوهيابي

إنتاج : المركز الثقافي الدولي بالحمامات،

أداء : مهذب الرميلي ، ونور الدين الهمامي ، ومحمد شوقي خوجة ، وبهرام العلوي و سامية بوقرة، وإباء الحملي ، وفاتن الشوابي.

- تشهد المسرحية التي تعتمد اللغة العربية الفصحى في النص مشاركة خاصة للفنان أحمد الماجري وتتضمن لوحات كوريغرافية بإمضاء ريان سلام وشيماء ارحاولية بمساهة قيس بولعراس.

نجلاء قموع

 

 

 

 

 

 

 

 في افتتاح الدورة 58 لمهرجان الحمامات الدولي..   "عطيل وبعد" لحمادي الوهايبي.. قراءة حديثة لنص شكسبيري تسائل الراهن والآخر

 

 

تونس - الصباح

بدأت الحكاية مع "ديك الجن" الحمصي وحبيته "ورد" فلم يحتمل الشاعر العباسي خبر خيانة زوجته مع غلام في خدمته وقطع رأسها.. يشاء حمادي الوهايبي أن تكون حكاية "عطيل" عربية تشبهنا.. لم يستوقفنا الخيار طويلا فالمخرج التونسي يعيد قراءة النص الشكسبيري في كتابة لبوكثير دومة في خضم فلسفته الخاصة بأبعادها الفكرية والجمالية والتي ندرك مكنونها عبر مختلف تجاربه المسرحية ...

يقال في المراجع الغربية أن شكسبير استلهم حكاية "عطيل" القائد الحربي المغربي الزنجي عاشق "ديدمونة" وقاتلها من قصة للكاتب الإيطالي "جيرالدى سينثيو" (صدرت في 1565) فيما يعتقد العرب أن التجارة الناشطة بين البندقية ومواني جنوب المتوسط نقلت حكاية "ديك الجن" وحبيبته "ورد" للغرب وكانت هذه الحكاية كقصص "ألف ليلة وليلة" ملهمة لكتاب أوروبا وشعرائها ...

"عطيل وبعد" لحمادي الوهايبي ليست النسخة الأولى للنص الشكسبيري على ركح مهرجان الحمامات الدولي.. صحيح أن هذا العمل سجل أول أمس الجمعة 5 جويلية العرض الافتتاحي للدورة 58 للمهرجان، متزامنا مع احتفالات ستينية تأسيس مسرح الحمامات (سنة 1964) وكانت مسرحية "عطيل" في رؤية لعلي بن عياد عن ترجمة للطاهر الخميري، بداية عروض الفن الرابع على ركح الحمامات إلا أن التجربة تكررت في سياق مشابه سنة 2004 مع المسرحي البشير الدريسي على مستوى الاخراج وانطلاقا من النص المعرب نفسه في شراكة إنتاجية بين فرقة بلدية تونس والمركز الثقافي الدولي بالحمامات ..

الحديث عن "عطيل" في رؤية تونسية فكريا وجماليا يدعونا - حتما - لذكر تجربة متفردة نسج خيوط سردها وتشكلها السينوغرافي توفيق الجبالي.. استعراض هذه التجارب المختلفة ليس بهدف المقارنة - ولا نعتقد أنها تجوز لاعتبارات عدة - ولكن مشاهدة "عطيل وبعد" على ركح مسرح الحمامات تعيدنا - ضرورة - لعوالم شكسبير ومقتبسي أعماله التراجيدية ..

مسرحية "عطيل وبعد" إنتاح المركز الثقافي الدولي بالحمامات لم تكتف باستهلال حكايتها من "ديك الجن" وزوجته "ورد" النصرانية التي أسلمت لتتزوج الشاعر العباسي في إشارة لتشابه قصة حبهما مع عشق "عطيل" و"ديدمونة" عبر تيمات الاختلاف الثقافي والاجتماعي، ثنائيات العشق والخيانة التي ترسم ملامح الحكايتين وإنمّا أعادت تشكيل القصة في سياق سياسي اجتماعي ايديولوجي يلوّن الراهن - الآن وهنا – عن علاقتنا بالآخر، صراع الجنوبي والشمالي في عالمنا، انهيار قيم الإنسانية وتزيف الغرب للحقائق لصالح قوى استعمارية جديدة.. بندقية أمس ومغرب الماضي وبينهما البحر.. لم تتغير المعادلة فذاك البحر لا يزال موطنا للصراع، مقبرة للإنسانية في روايتنا "نحن" من نعاني من عنصرية الغرب وظلالة قادته.. لا يمكن إغفال "غايات" النص الشكسبيري في نظرته لـ"عطيل" فالمحارب القادم من جنوب المتوسط لم يحقق المجد فقد قضت الطبيعة على سفن الأتراك في قبرص.. هو مجرد شخصية تراتجيدية بائسة في روايتهم.. يقول "عطيل" واصفا نفسه في نص بوكثير دومة : "إني آلة حرب" وهو عند الشماليين في ذات النص "زنجي بربري خسيس" وعند شكسبير هي شخصية تراتجيدية أعمتها الغيرة والأوهام فكانت نهايتها الانتحار ...

التغيرات في رؤية حمادي الوهايبي في النسخة التونسية الأحدث لـ"عطيل" تجسدت كذلك في استعانته بشخصية لم تذكرها أحداث النص الأصلي لتتراءى لعطيل والدته ويترجم أحمد الماجري عبر موسيقاه آلام ومشاعر "عطيل" المتضاربة وكأننا أمام مرآة تعكس وجهين لذات الشخص أحدهما لمهذب الرميلي في شخصية "عطيل" والثاني للفنان أحمد الماجري في دور تلك الروح المعذبة للبطل الشكسبيري … الموسيقى لغة ثانية لـ"عطيل وبعد" كانت دلالاتها ورمزيتها الأعمق بين أركان مسرح الحمامات مع كلمات "أو سولي ميو" الأغنية الإيطالية الأشهر لشاعرها جيوفاني كابورو حين دفعه حنينه لشمس المتوسط لكتابتها..فمن هنا تشرق الشمس ويجمعنا البحر.. كان من الجيد أن تسمو قرءاة بودمة والوهايبي لعوالم الفن والجمال في روايتنا لـ"عطيل" الجنوبي ...

في ذات السياق نعود للأحداث في "عطيل وبعد" والتي بدأت من المشاهد الأخيرة لنص الشكسبيري وتحديدا فصله الخامس في كتابة توظف تقنيات السرد الحديثة وتعيد قراءة تاريخنا المشترك من وجهة نظر من ولدوا على "أرض عطيل".. يتجاوز حمادي الوهايبي الرواية الكلاسيكية بأدوات بصرية وجمالية تسائل الماضي والراهن وتقودنا لفكرة جديدة عنوانها "عطيل وبعد" ...

لعّلنا لم نستسغ كثيرا بعض الخيارات على مستوى الكاستينغ المقترح في أبطال "عطيل وبعد" كما ملابس شخوصه وتحديدا شخصية "ديدمونة" إلا أن مدى استيعاب حمادي الوهايبي لمسرح العرض وإجادة توظيفه جماليا لتجسيد مشاهد نص تراجيدي شكسبيري منح افتتاح مهرجان الحمامات الدولي بعدا ثقافيا يرسخ مكانة الفن الرابع في تاريخ هذا المهرجان وهو يحتفي اليوم بستينية تأسيسه.

كواليس حفل افتتاح مهرجان الحمامات الدولي

-حضر سهرة افتتاح الدورة 58 من مهرجان الحمامات الدولي السيبد المنصف بوكثير وزير التعليم العالي والبحث العلمي الملف بتسير وزارة الشؤون الثقافية وعدد من المسوؤلين والديلوماسيين

-تم على هامش افتتاح الدورة 58 لمهرجان الحمامات الدولي وقبل انطلاق عرض مسرحية "عطيل وبعد" تكريم منى نور الدين وذلك في اطار الاحتفال بستينية تأسيس مسرح الحمامات فالفنانة القديرة كانت من بين أبطال العرض الافتتاحي لهذا المسرح سنة 1964 وجسدت خلاله دور "ايميليا" في مسرحية "عطيل" للراحل علي بن عياد.

-جمهور افتتاح مهرجان الحمامات الدولي كان أغلبه من الفاعلين في القطاع المسرحي وصناع الفرجة في تونس وممثلي وسائل الإعلام ..

صناع مسرحية "عطيل وبعد"

نص : بوكثير دومة

إخراج : حمــــادي الوهيابي

إنتاج : المركز الثقافي الدولي بالحمامات،

أداء : مهذب الرميلي ، ونور الدين الهمامي ، ومحمد شوقي خوجة ، وبهرام العلوي و سامية بوقرة، وإباء الحملي ، وفاتن الشوابي.

- تشهد المسرحية التي تعتمد اللغة العربية الفصحى في النص مشاركة خاصة للفنان أحمد الماجري وتتضمن لوحات كوريغرافية بإمضاء ريان سلام وشيماء ارحاولية بمساهة قيس بولعراس.

نجلاء قموع