بين الكفتين مازال وقع نتائج الدور الأول لانتخابات الجمعية الوطنية صادم على الداخل الفرنسي بعد تصدر القوميين أو ما يطلق عليهم اليمين المتطرف ( التجمع الوطني ) نسبة التصويت بأكثر من 34% ، هذه النتائج جاءت بعد قرار ماكرون حل الجمعية الوطنية التي تعتبر الغرفة التشريعية الرئيسية والأولى على خلفية نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي التي شهدت هي الأخرى فوزاً يمينياً غير مسبوق .
مغامرة خطيرة أتخذها الرئيس الفرنسي لإعادة تثبيت الروح الجمهورية في الداخل الفرنسي عن طريق الانتخابات التي هبت رياحها الأحد الفارط بما لا تشتهيه فرنسا الجمهورية وكانت هذه المرة بفارق كبير جدا جعل كل القوى الوسطية واليسارية والتقدمية والنقابية والحقوقية والفنية والرياضية في حالة إستنفار قصوى من أجل تشكيل جبهة سياسية جمهورية واسعة للحيلولة دون وصول بارديلا ومارين لوبان للحكم في الساعات القادمة .
هذه الجبهة الإستنفارية تمثل الوعي الفرنسي السياسي والمدني الاجتماعي بضرورة الحفاظ على مكاسب الجمهورية الخامسة وأركانها الديمقراطية ومرتكزاتها ومبادئها الأساسية القائمة على التعددية والتنوع والاختلاف والانفتاح والتلاقح الثقافي والعلمي والمعرفي والقبول بالآخر ونبذ الوصم والتفرقة والدفع نحو مزيد تماسك المجتمع الفرنسي كمجتمع تعددي لا مجتمع تفردي ، هذه الجبهة ترتكز أساسا على نقاط ضعف القوميين أو اليمين المتطرف وتتهمهم سياسياً بالعنصرية والتفرقة العرقية وتهديد وحدة المجتمع الفرنسي وسلمها الأهلي وتحرض على المهاجرين وتقوم بوصمهم وتصنيفهم ما سيجعل القاعدة الانتخابية لهذه الجبهة تتوسع يوم الأحد لما يمثله المهاجرون من أصوات بلغت حوالي 9 مليون صوت في حالة تأهب بعد الإحساس بخطر نتائج الأحد الفارط وما يحمله الخطاب اليميني من تهديد حقيقي على تواجدهم وحياتهم العائلية والمهنية والأمنية في الداخل الفرنسي .
من جهة أخرى قام فرنسيو الخارج أي الفرنسيون المقيمين خارج فرنسا_ بتوجيه صفعة مقاطعة لكل من بارديلا ولوبان واعتبروا خطابهم تهديدا لكل فرنسي مقيم خارج الأراضي الفرنسية وهو في نفس الوقت دعوة للانغلاق والتقوقع وعدم الاكتراث بمصالحهم .
اليمين المتطرف لم يسكت بل واصل في خطة خطابه التي يعتبرها ناجحة حققت له الصدارة وهو خطاب أوعز الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الفرنسية لسياسات ماكرون من بينها السببية الداخلية والخارجية ، فداخليا أتهم التجمع الوطني ماكرون بالتسبب في تفاقم نسب البطالة بين الفرنسيين وارتفاع العمليات الإرهابية مذكرين بحادثة قطع رأس المعلم وحادثة اقتحام محافظة شرطة وقتل شرطية بسكين متهمين المقيمين بمصدرية ذلك أيضا بمحاولة تبديل هوية الدولة العلمانية وأسلمتها وعدم احترام مبادئ الجمهورية والعجز عن التأقلم والتعايش مع العادات والتقاليد والقوانين الفرنسية ، أما من ناحية الأزمة الخارجية فقد وجد اليمين المتطرف مساحات واسعة لضرب جبهة الرئيس متهمين إياه بالاصطفاف وراء حلف النيتو ورهن القرار السيادي الفرنسي للتوجيه النيتوي من خلال دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا وهو ما تسبب حسب السياديين ( المدافعين عن السيادة الفرنسية اليمين المتطرف ) في تورط مباشر للدولة الفرنسية من خلال تعريض حياة الفرنسيين ومصالحهم للخطر وذلك على خلفية بعث الأسلحة وخبراء عسكريين ميدانيين ما أنجر عنه قطع الغاز الروسي وتعويضه بالغاز الأمريكي السائل الأكثر كلفة وقد أثر ذلك على ارتفاع الأسعار ونسب التضخم .
نقاط تم تسجيلها في شباك ماكرون السياسية لصالح التجمع الوطني حيث وجد نفسه في حاجة ماسة لتشكيل جبهة وطنية ديمقراطية واسعة قد تضعفه في تشكيل الحكومة لكن همه الأول اليمين المتطرف الذي يجب منعه من تكوين أغلبية ساحقة تمكنهم من الحكومة وأعضائها ،جبهة تتشكل دائما في الحالات القصوى التي قد تهدد سقوط الجمهورية الخامسة أو قد تعصف بها تسمى سياسياً " حاجز جمهوري" عاشته فرنسا في محطات سابقة منذ ثمانينات القرن الماضي أخرها سنة 2015 ، لكن الظرف السياسي الفرنسي اليوم سيكون إستثنائيا ،فالحكم كان دائما بين طرفين إما فوز اليمين أو اليسار ، هذه المرة سيتشكل المشهد السياسي من ثلاث قوى أساسية ستكون فاعلة بين الحكم والمعارضة وهو معسكر ماكرون التجمع الوطني والتحالف التقدمي اليساري.
ساعات قليلة يحبس من خلالها الفرنسيون أنفاسهم وترفع الحكومة حالة التأهب القصوى من خلال نشر 40 ألف أمني في مختلف أنحاء البلاد تحسباً لردات فعل عنيفة وتزامنا مع سقوط المحافظين في الانتخابات البريطانية سقوط مدوي أمام الانتصار الساحق لحزب العمال البريطاني بدأت الأمور تتوضح من خلال صد موجة الشعبوية اليمينية في كبرى الديمقراطيات الأوروبية في انتظار من سيتغلب فرنسا الجمهورية أم فرنسا القومية اليمينية؟.
أيهما أسبق فرنسا الجمهورية أم فرنسا القومية ؟
أحمد الجديدي
باحث في الشؤون السياسية بفرنسا
بين الكفتين مازال وقع نتائج الدور الأول لانتخابات الجمعية الوطنية صادم على الداخل الفرنسي بعد تصدر القوميين أو ما يطلق عليهم اليمين المتطرف ( التجمع الوطني ) نسبة التصويت بأكثر من 34% ، هذه النتائج جاءت بعد قرار ماكرون حل الجمعية الوطنية التي تعتبر الغرفة التشريعية الرئيسية والأولى على خلفية نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي التي شهدت هي الأخرى فوزاً يمينياً غير مسبوق .
مغامرة خطيرة أتخذها الرئيس الفرنسي لإعادة تثبيت الروح الجمهورية في الداخل الفرنسي عن طريق الانتخابات التي هبت رياحها الأحد الفارط بما لا تشتهيه فرنسا الجمهورية وكانت هذه المرة بفارق كبير جدا جعل كل القوى الوسطية واليسارية والتقدمية والنقابية والحقوقية والفنية والرياضية في حالة إستنفار قصوى من أجل تشكيل جبهة سياسية جمهورية واسعة للحيلولة دون وصول بارديلا ومارين لوبان للحكم في الساعات القادمة .
هذه الجبهة الإستنفارية تمثل الوعي الفرنسي السياسي والمدني الاجتماعي بضرورة الحفاظ على مكاسب الجمهورية الخامسة وأركانها الديمقراطية ومرتكزاتها ومبادئها الأساسية القائمة على التعددية والتنوع والاختلاف والانفتاح والتلاقح الثقافي والعلمي والمعرفي والقبول بالآخر ونبذ الوصم والتفرقة والدفع نحو مزيد تماسك المجتمع الفرنسي كمجتمع تعددي لا مجتمع تفردي ، هذه الجبهة ترتكز أساسا على نقاط ضعف القوميين أو اليمين المتطرف وتتهمهم سياسياً بالعنصرية والتفرقة العرقية وتهديد وحدة المجتمع الفرنسي وسلمها الأهلي وتحرض على المهاجرين وتقوم بوصمهم وتصنيفهم ما سيجعل القاعدة الانتخابية لهذه الجبهة تتوسع يوم الأحد لما يمثله المهاجرون من أصوات بلغت حوالي 9 مليون صوت في حالة تأهب بعد الإحساس بخطر نتائج الأحد الفارط وما يحمله الخطاب اليميني من تهديد حقيقي على تواجدهم وحياتهم العائلية والمهنية والأمنية في الداخل الفرنسي .
من جهة أخرى قام فرنسيو الخارج أي الفرنسيون المقيمين خارج فرنسا_ بتوجيه صفعة مقاطعة لكل من بارديلا ولوبان واعتبروا خطابهم تهديدا لكل فرنسي مقيم خارج الأراضي الفرنسية وهو في نفس الوقت دعوة للانغلاق والتقوقع وعدم الاكتراث بمصالحهم .
اليمين المتطرف لم يسكت بل واصل في خطة خطابه التي يعتبرها ناجحة حققت له الصدارة وهو خطاب أوعز الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الفرنسية لسياسات ماكرون من بينها السببية الداخلية والخارجية ، فداخليا أتهم التجمع الوطني ماكرون بالتسبب في تفاقم نسب البطالة بين الفرنسيين وارتفاع العمليات الإرهابية مذكرين بحادثة قطع رأس المعلم وحادثة اقتحام محافظة شرطة وقتل شرطية بسكين متهمين المقيمين بمصدرية ذلك أيضا بمحاولة تبديل هوية الدولة العلمانية وأسلمتها وعدم احترام مبادئ الجمهورية والعجز عن التأقلم والتعايش مع العادات والتقاليد والقوانين الفرنسية ، أما من ناحية الأزمة الخارجية فقد وجد اليمين المتطرف مساحات واسعة لضرب جبهة الرئيس متهمين إياه بالاصطفاف وراء حلف النيتو ورهن القرار السيادي الفرنسي للتوجيه النيتوي من خلال دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا وهو ما تسبب حسب السياديين ( المدافعين عن السيادة الفرنسية اليمين المتطرف ) في تورط مباشر للدولة الفرنسية من خلال تعريض حياة الفرنسيين ومصالحهم للخطر وذلك على خلفية بعث الأسلحة وخبراء عسكريين ميدانيين ما أنجر عنه قطع الغاز الروسي وتعويضه بالغاز الأمريكي السائل الأكثر كلفة وقد أثر ذلك على ارتفاع الأسعار ونسب التضخم .
نقاط تم تسجيلها في شباك ماكرون السياسية لصالح التجمع الوطني حيث وجد نفسه في حاجة ماسة لتشكيل جبهة وطنية ديمقراطية واسعة قد تضعفه في تشكيل الحكومة لكن همه الأول اليمين المتطرف الذي يجب منعه من تكوين أغلبية ساحقة تمكنهم من الحكومة وأعضائها ،جبهة تتشكل دائما في الحالات القصوى التي قد تهدد سقوط الجمهورية الخامسة أو قد تعصف بها تسمى سياسياً " حاجز جمهوري" عاشته فرنسا في محطات سابقة منذ ثمانينات القرن الماضي أخرها سنة 2015 ، لكن الظرف السياسي الفرنسي اليوم سيكون إستثنائيا ،فالحكم كان دائما بين طرفين إما فوز اليمين أو اليسار ، هذه المرة سيتشكل المشهد السياسي من ثلاث قوى أساسية ستكون فاعلة بين الحكم والمعارضة وهو معسكر ماكرون التجمع الوطني والتحالف التقدمي اليساري.
ساعات قليلة يحبس من خلالها الفرنسيون أنفاسهم وترفع الحكومة حالة التأهب القصوى من خلال نشر 40 ألف أمني في مختلف أنحاء البلاد تحسباً لردات فعل عنيفة وتزامنا مع سقوط المحافظين في الانتخابات البريطانية سقوط مدوي أمام الانتصار الساحق لحزب العمال البريطاني بدأت الأمور تتوضح من خلال صد موجة الشعبوية اليمينية في كبرى الديمقراطيات الأوروبية في انتظار من سيتغلب فرنسا الجمهورية أم فرنسا القومية اليمينية؟.